اليمين المتطرف بأوروبا.. كيف وظف احتجاجات فرنسا لصالحه؟
٥ يوليو ٢٠٢٣
تحاول الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية النشطة في أوروبا توظيف أعمال الشغب الأخيرة في فرنسا لصالحها من خلال "خطاب عنصري كلاسيكي" وربط العنف والتحركات الاجتماعية بالعرق والهجرة واللجوء. فكيف تم ذلك؟
إعلان
الاحتجاجات التي اندلعت الأسبوع الماضي إثر مقتل مراهق فرنسي من اصل جزائري عند نقطة تفتيش مروري، أخذت في التراجع، لكن التداعيات السياسية للمظاهرات العنيفة لاتزال مستمرة - وقد امتدت أيضاً إلى بلدان أخرى.
وتستفيد الأصوات المنتقدة للهجرة والمعادية لها على وجه الخصوص من هذا النوع من الأزمات، فقد استغل السياسيون اليمينيون في جميع أنحاء أوروبا هذه الاضطرابات بهدف خلق مشاعر معادية للاجئين والمهاجرين على وسائل التواصل الإجتماعي وكذلك للدعوة إلى تقييد سياسة الهجرة بشكل أكثر صرامة من ما هي عليه الآن.
وفي دول مثل ألمانيا والمجر وبولندا والسويد وإيطاليا، نجحت القوى اليمينية المتطرفة هناك، في حشد عدد كبير من الأصوات الداعمة لها في الآونة الأخيرة.
"خطاب عنصري كلاسيكي"
يظهر التركيز على الخلفية المهاجرة للمتظاهرين في عدد من النقاشات في فرنسا. وفي هذا الصدد تحدث، زعيم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا، جوردان بارديلا، عن "تعنيف للمجتمع نتيجة سياسة هجرة غير عقلانية".
حتى أن المعلق التلفزيوني، جان ميسيحة، المعروف بآرائه اليمينية المتطرفة، دعا إلى التبرع لأسرة الشرطي المشتبه بإطلاقه النار والذي يجري التحقيق معه في تهمة جريمة القتل العمد. انتشر النداء بسرعة في جميع أنحاء أوروبا عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وشارك بالفعل عشرات الآلاف من الأشخاص في الحملة. في المقابل غالباً ما يُسمع أو يقرأ عن ممثلي الضواحي أو الجهات الفاعلة من المجتمع المدني في النقاشات والتقارير الإعلامية.
أوضح جيهان سنان أوغلو، من المركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة (DeZIM) في تصريح لـ DW: "يتم تصوير الهجرة على أنها المشكلة الجذرية لهذا العنف". وتابع سنان أوغلو أن "ربط العنف والتحركات الاجتماعية بالعرق والهجرة هو خطاب عنصري كلاسيكي".
"انتفاضة المهاجرين"
وتشهد ألمانيا أيضاً نقاشات تركز على الهجرة، ليس فقط من اليمين المتطرف، بحسب سنان أوغلو: "إذا نظر المرء إلى النقاشات في ألمانيا، سيجد أنها تمر عبر اليمين المتطرف إلى المعسكر المحافظ، حيث يتم ربط الهجرة بالعنف وتهديد النظام العام ".
كما يقول بيجان جير سراي، الأمين العام للحزب الديموقراطي الحر (الليبرالي) (FDP) في ألمانيا: "الهجرة غير المنضبطة والعجز الهائل في سياسة الاندماج يشكلان تهديدًا للأمن الداخلي" ويوافقه الاتحاد المسيحي الاجتماعي (CSU)، الرأي أيضاً.
حصد هاشتاغ #تسقط_فرنسا تعليقات عنصرية وخطاب يحض على الكراهية ضد اللاجئين أو المهاجرين الفرنسيين، كما استخدمت في كثير من الأحيان صور أو مقاطع فيديو مزيفة. تعمل وسائل الإعلام اليمينية الشعبوية على تغطية ما تسميه بـ "انتفاضة المهاجرين" والمتظاهرين الذين تروج أنهم يتبعون الشريعة الإسلامية. ودعا ممثلو حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي إلى "إجراءات صارمة" من قبل الشرطة والمحاكم. ويأتي هذا الجدل في وقت فاز فيه الحزب البديل بمنصب عمدة إحدى البلديات لأول مرة وحصل أيضاًعلى تأييد بنسبة 20 في المائة في آخر استطلاعين الرأي .
تغطية انتقائية دون ذكر الخلفيات!
غالباً ما تشهد بعض دول وسط وشرق أوروبا، حملات تحريض ضد اللاجئين. وقد استغل رئيس الوزراء البولندي، ماتيوز موراويكي، الموقف لإثارة المشاعر ضد اتفاقية الهجرة التي اقترحها الاتحاد الأوروبي. على مدى سنوات، كان رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، ينتهج سياسة موجهة ضد اللاجئين والهجرة. في صيف العام الماضي، أطلق تصريحات صادمة وذات صيغ مألوفة من اليمين المتطرف عن ما أسماه بـ "اختلاط الأعراق" و "فيضان أوروبا" و النظرية اليمينية المزعومة التي تعرف باسم "الاستبدال العظيم" في أوروبا.
كما قدم التلفزيون الحكومي "هيرادو" والمقرب من الحكومة تغطية خاصة عن الاحتجاجات منذ بدايتها، لكن دون توضيح خلفياتها. ولم يتم التطرق للوضع الاجتماعي للسكان المهاجرين في ضواحي المدن الفرنسية الكبرى أو عن العنصرية التي يتعرض لها الكثير منهم كل يوم. حتى أن التغطية تناولت بشكل عابر الحدث الذي فجر هذه الاحتجاجات والمتمثل في واقعة إطلاق شرطي النار على شاب أعزل من أصل شمال أفريقي. واحدة من النظريات المتداولة من قبل "هيرادو"، هي أن فشل فرنسا الغنية في سياسة الهجرة الخاصة بها، يعني عدم نجاح البلدان الفقيرة بالتأكيد في ذلك.
هل للمجتمع وجهان؟
من جانبه يرى وزير الداخلية الإيطالي، نيكولا مولتيني، وهو عضو في حزب "الليغا" اليميني، أن الاضطرابات في فرنسا هي "دليل على فشل الهجرة غير المنضبطة وتحذير لبقية أوروبا". ويتبنى السياسيون في بلجيكا وبريطانيا هذه النظرة أيضاً.
كل هذه التصريحات تستند إلى آليات مماثلة، كما يقول سنان أوغلو: "الشباب أيضاً لهم دور في ذلك : فمن جهة الفرنسيون والفرنسيات المتحضرون ومن جهة أخرى الشباب العنيف الذي يهدد النظام العام. ولهذا يتوجب حماية هذا النظام العام بكل قوة"، وفق خبير علم الاجتماع. "بالطبع على المرء إدانة العنف. ولكن يتوجب عليه أيضاً التفكير في أسباب ذلك العنف".
شتيفاني هوبنر/ إ.م
2023 الأكثر خطورة للاجئين.. معاناة مستمرة ومأساة تتفاقم!
يوما بعد يوم تتفاقم مأساة اللاجئين، ويعتبر 2023 الأكثر مأساوية إذ شهد النصف الأول منه غرق المئات من المهاجرين. في هذه الصور نسلط الضوء على محنة ومعاناة الأشخاص المجبرين على الفرار من أوطانهم بمناسبة يوم اللاجئ العالمي.
صورة من: Fabrizio Villa/Getty Images
الأمل بعيدا عن الديار
اختارت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هذا الشعار: الأمل بعيدا عن الديار، للاحتفال بيوم اللاجئ العالمي لهذا العام. وهي تريد أن تركز فيه على "إﻳﺠﺎد اﻟﺤﻠﻮل ﻟﻼﺟﺌﻴﻦ وﻋﻠﻰ ﻗﻮة اندماجهم". وترى المفوضية أن ذلك يعد اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻷﻛﺜﺮ "ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ" لتمكينهم من بدء حياة جديدة في اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﻀﻴﻔﺔ ﻟﻬﻢ.
صورة من: Tessa Walther/DW
أسباب عديدة..
أسباب عديدة تجبر الناس على ترك أوطانهم واللجوء إلى دول أخرى طلبا للأمن. ولعل الحروب والنزاعات المسلحة هي السبب الأبرز، إلى جانب الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو ثقافية أو غيرها من الأسباب الشخصية.
صورة من: Nicoletti/dpa/picture alliance
تغير المناخ والكوارث الطبيعية
المناخ أيضا بات سببا للهجرة والنزوح حول العالم. فالظواهر المناخية المتطرفة والكوارث البيئية مثل الجفاف والعواصف المدمرة والفيضانات حول العالم ولاسيما في النصف الجنوبي للكرة الأرضية الذي يعاني من الفقر والصراعات، تدفع ملايين الناس للهجرة والنزوح ولاسيما للدول المجاورة.
صورة من: Orlando Sierra/AFP/dpa/picture-alliance
110 ملايين نازح ولاجئ حول العالم
ارتفع عدد النازحين حول العالم في عام 2022، جراء الصراعات والمجاعات وتغير المناخ، ليصل إلى مستوى قياسي تجاوز المائة مليون نازح، حسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وتقول المفوضية إن الاتجاه التصاعدي لم يظهر أي علامة على التباطؤ في عام 2023 حيث دفع الصراع في السودان إجمالي عدد النازحين في العالم إلى ما يقدر بنحو 110 ملايين نازح بحلول أيار/ مايو الماضي.
صورة من: Blaise Dariustone/DW
السودان..هروب جماعي من ويلات الحرب
شرّدت الحرب المستعرة منذ شهرين في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع أكثر من 2,5 مليون سوداني، بين نازح ولاجئ، ولاسيّما في دارفور. ويعاني السودان أصلا من الصراعات والنزوح منذ اندلاع أزمة دارفور في عام 2003. وبحلول نهاية عام 2022، كان هناك أكثر من 3.7 مليون شخص من النازحين داخلياً، يعيش معظمهم بمخيمات في دارفور. ويعيش 800 ألف سوداني آخر كلاجئين في دول مجاورة مثل تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا.
صورة من: Gueipeur Denis Sassou/AFP
حرب أوكرانيا
الحرب في أوكرانيا كانت السبب الرئيسي للنزوح في عام 2022. وقد ارتفع عدد اللاجئين الأوكرانيين من 27 ألف لاجئ في نهاية عام 2021 إلى 5,7 مليون في نهاية عام 2022، وهو ما يمثل أسرع تدفق للاجئين في أي مكان منذ الحرب العالمية الثانية، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
صورة من: Jens Schicke/IMAGO
حلم الفردوس الأوروبي
تعتبر أوروبا الوجهة الأولى للنازحين والمهاجرين من نصف الكرة الجنوبي ويحلم الملايين بالفردوس الأوروبي ويغامرون بحياتهم من أجل ذلك، من خلال محاولة عبور الصحراء الكبرى والبحر المتوسط أو عبر طريق البلقان أو حتى الغابات الشاسعة بين بيلاروسيا وبولندا ودول البلطيق.
صورة من: Flavio Gasperini/SOS Mediterranee/dpa/picture alliance
المتوسط مقبرة المهاجرين
يعتبر عبور البحر الأبيض المتوسط من أخطر الطرق التي يسلكها المهاجرون حول العالم، حيث غرق أو فقد أكثر من 26 ألف مهاجر في البحر المتوسط منذ عام 2014. ولعل عام 2023 كان الأكثر مأساوية حيث شهد النصف الأول من هذا العام غرق مئات المهاجرين، وآخر حادثة مأساة السفينة التي غرقت قبالة السواحل اليونانية وكان على متنها نحو 750 مهاجرا لم يتم إنقاذ سوى 104 منهم.
صورة من: Gianluca Chininea/AFP
عبء كبير على أوروبا
يشكل اللاجئون عبئا كبير على الدول الأوروبية، وهو ما يدفعها للتشدد في هذا الملف والبحث عن حلول وسياسة لجوء مشتركة. وبعد مفاوضات طويلة واجتماعات ماراثونية توصل وزراء داخلية الدول الأعضاء إلى صيغة للإصلاح الشامل لإجراءات اللجوء وملف الهجرة المطروحة منذ سنوات.
صورة من: Darko Vojinovic/dpa/AP/picture alliance
البحث عن شراكات في شمال أفريقيا
يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق والتوصل إلى شراكات مع دول شمال أفريقيا ويخوض مفاوضات صعبة مع تلك الدول، ويحاول تقديم مساعدات وإغراءات مالية لتلك الدول بغية إقناعها بالتعاون مع أوروبا في التصدي للهجرة غير الشرعية وتدفق المهاجرين. وفي هذا السياق عرض الاتحاد الأوروبي مساعدات بأكثر من مليار يورو على تونس.
صورة من: Italian Premier Office/AP/picture alliance
عبور السياج الحدودي بين المغرب وإسبانيا
السياج الحدودي بين المغرب وإسبانيا يشهد دائما محاولات عبور مستمرة، بعضها جماعية مثلما حدث الصيف الماضي حين حاول مئات المهاجرين عبور السياج الحدودي من المغرب إلى جيب مليلة الإسباني في 24 حزيران/ يونيو 2022، وتصدت لهم قوات الأمن وقتل ما لا يقل عن 37 مهاجرا.
صورة من: Javier Bernardo/AP/dpa/picture alliance
استمرار مأساة اللاجئين السوريين
ورغم مرور 12 عاما على الأزمة السورية ونزوح وملايين السوريين من ديارهم، لا يزال الملايين ينتظرون العودة من مخيمات اللجوء ولاسيما في لبنان والأردن وتركيا إلى ديارهم. فيما يحاول كثيرون منهم عبور الحدود اليونانية التركية للوصول إلى أوروبا.
إعداد: عارف جابو