هناك الكثير من التشابه الثقافي بين تركيا واليونان، ولكن تاريخ البلدين مثقل بالخلاف والنزاع بينهما. لكن الخاسر من النزاع الحالي بينهما حول التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط هو شعبا البلدين الجارين.
إعلان
كانت جدتي تعيش في مدينة "إيوانيا" في شمالي اليونان. كانت امرأة رائعة تحبني كثيرا وتطبخ لي طعاما لذيذا. وحين كنت أستعجل في الأكل ولا آتي على ما سكبته لي في صحني لكي أذهب بسرعة للعب مع الأطفال، كانت تهددني بالقول: عليك أن تأكل كل ما في صحنك، وإلا سيأتي التركي ويخطفك. وربما هذا هو السبب الذي جعلني بدينا حتى اليوم.
بعد أعوام استوعبت تهديدات جدتي، حيث أن مدينتها "ٌإيوانيا" قد ضمت عام 1913 إلى اليونان خلال حروب البلقان، وقبل ذلك كانت جدتي مواطنة في الإمبراطورية العثمانية. لكن كلمة "مواطنة" ليست صحيحة، لأن سلطات الإمبراطورية العثمانية لم تكن تنظر إلى سكانها كمواطنين وإنما كرعايا عليهم الطاعة.
ولم يكن اليونانيون يرضون بذلك ويرفضون الانصياع لسيطرة العثمانيين فثاروا عليهم، ولم تتكلل المقاومة بالنجاح فقط وإنما أصبحت أسطورة لتأسيس دولة اليونان الحديثة.
تقول الأسطورة اليونانية إن روح الشجاعة اليونانية وبدعم من الكنيسة الأرثوذكسية انتصرت على العثمانيين الذين كان عددهم يفوق عدد اليونانيين كثيرا، ومن خلال تقييم النتائج يمكن أن يكون ذلك صحيحا. لكن يجب أن يعرف كل يوناني أنه لولا الدعم الخارجي لما أمكن تحقيق استقلال اليونان بعد تدمير الأسطول العثماني المصري في معركة نافارين عام 1827 من قبل أساطيل الحلفاء البريطانيين والفرنسيين والروس.
لذلك ربما لا يزال الساسة في أنقرة يعتقدون أن اليونان هي الطفل المدلل لدى الغرب. وفي أثينا يرون الأمر معكوسا، وأن تركيا هي المدللة حيث يتم إمدادها بالسلاح من قبل الشركاء في حلف الناتورغم احتلالها لنصف جزيرة قبرص عسكريا وتدخلها في الدول المجاورة، وعلاوة على ذلك قائد قومي لديه الأغلبية في البرلمان.
السياسة تفسد التعايش!
العبارة المعتادة تفيد بأن اليونانيين والأتراك أرادوا دائما العيش بسلام، ولكن الساسة يحبطون ذلك! المرء لا يعرف إن كان ذلك صحيحا أم لا. لكن المؤكد هو أن الكثير من الناس على ضفتي بحر إيجة يشعرون بنوع من الحنين لبعضهم البعض ويتفاهمون بسهولة من خلال الموسيقا والطعام والفكاهة والمتعة المشتركة.
في فيلمه المميز "قرفة وكزبرة" يحاول المخرج اليوناني تاسوس بولميتيس أن ينقل معاناة اليونانيين في إسطنبول من دون تجاهل حساسية الأتراك. وبطله في الفيلم هو اليوناني فانيس الذي نزح من إسطنبول في ستينات القرن الماضي إبان أزمة قبرص، وحاول أن يقيم علاقات اجتماعية مع الناس في أثينا، لكن أقرانه اليونانيين ينبذونه وينظرون إليه كـ "تركي" وليس واحدا منهم.
في الماضي القريب لم تكن نهاية العواطف الجياشة في العلاقات الثنائية جيدة. وهكذا تغنت كل اليونان في سبعينات القرن الماضي، في فترة الديكتاتورية العسكرية، بقصة الصديقين يانيس اليوناني ومحمد التركي في إسطنبول اللذين كانا يحتسيان النبيذ معا ويتجادلان خلال ذلك حول الدين والعالم.
قلق السكان من أزمة شرق المتوسط بين تركيا واليونان
06:20
الرب والله!
يقول محمد لصديقه يانيس متأملا "أنت تؤمن بالرب وأنا أؤمن بالله، ومع ذلك كلانا نعاني". بعد ذلك بمدة قصيرة ينقذ عسكر أثينا انقلابا في قبرص، فرأت تركيا أن عليها التدخل واحتلت نصف جزيرة فبرص منتهكة يذلك القانون الدولي بشكل صارخ حتى اليوم. أما الصديقان محمد ويانيس فلم يبق لديهما ما يقولانه وما يتحاوران حوله.
لنكون عقلانيين حتى تكون عواطفنا تجاه بعضنا البعض مبنية على أسس متينة. وإذا ما تورطت تركيا واليونان في صراع عسكري جديد، سيكون شعبا البلدين الخاسر الأكبر.
ساسة بدل القوميين!
لنكون شجعان أيضا، فحتى العدوان اللدودان إلفثيريوس فنيزيلوس (رئيس وزراء اليونان في بدايات القرن العشرين) ومصطفى كمال (مؤسس الجمهورية التركية) لم يترددا في التفاوض حول كونفدرالية تركية يونانية في شرقي البحر الأبيض المتوسط. صحيح أن هذا التصور لم يكن قابلا للتنفيذ لأنه كان يسير جنبا إلى جنب مع الخوف التركي القديم من تقسيم الوطن الأم، لكن تطوير المفاهيم والتصورات المستقبلية أفضل دائما من قرع طبول الحرب. ومن أجل ذلك هناك حاجة لساسة موهوبين وليس لقوميين يتمتعون بالأغلبية، وأخيرا يحتاج المرء لمواطنين متنورين منفتحين لديهم الثقة بالنفس على ضفتي بحر إيجه.
يانيس باباديميتريو/ عارف جابو
"آيا صوفيا" تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
يبلغ عمر آيا صوفيا بقبتها الضخمة ومآذنها الأربعة ما يقرب من 1500 عام. مهدت المحكمة العليا في تركيا الطريق لإعادة المتحف الكائن في اسطنبول إلى مسجد بعد جدل استمر لفترة طويلة، وتقام اليوم أول صلاة جمعة فيه بحضور أردوغان.
صورة من: picture-alliance/Marius Becker
معلم من معالم العمارة
في عام 532 ميلادية أمر الإمبراطور الروماني جستنيان، الذي كان يقيم آنذاك في القسطنطينية ببناء كنيسة صخمة "ليس لها مثيل منذ خلق آدم ولا شبيه في قادم الزمن." وشارك في العمل 10 آلاف عامل. وبعد مرور 15 عاما تم افتتاح المبنى. وبقيت تلك الكنيسة على مدار ألف عام أكبر كنيسة في العالم المسيحي.
صورة من: imago/blickwinkel
مكان تتويج حكام بيزنطة
ويقال إن جستنيان استثمر ما يقرب من 150 طناً من الذهب في بناء آيا صوفيا. مع ذلك فقد وجب إجراء تحسينات على المبنى. فالقبة كانت في البداية مسطحة للغاية وانهارت عند وقوع أحد الزلازل. "آيا صوفيا" ومعناها "الحكمة المقدسة" اعتبرت مباشرة كنيسة الدولة. ومنذ منتصف القرن السابع الميلادي جرى هنا تتويج جميع حكام بيزنطية تقريباً.
صورة من: Getty Images
التحول من كنيسة إلى مسجد
في عام 1453 سقطت القسطنطينية في يد السلطان العثماني محمد الفاتح، الذي أعلن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد. وحل الهلال مكان الصلبان، ودمرت أجراس الكنيسة والمذبح وجرى تفكيك الفسيفساء والجداريات. كما أقيمت أول مئذنة بالمبنى فأعطته مظهراً إسلامياً.
صورة من: public domain
التحول من مسجد إلى متحف
في عام 1934 أمر مؤسس الدولة التركية الحديثة؛ مصطفى كمال أتاتورك بتحويل آيا صوفيا إلى متحف. ومع أعمال الترميم المكلفة لآيا صوفيا كانت هناك نية لعدم الإنحياز لدين معين فتم حينها إظهار لوحات الفسيفساء البيزنطية مرة أخرى. كما كان هناك حرص على عدم تدمير البنايات الإسلامية اللاحقة. وفي 10 يوليو 2020، ألغت محكمة تركية عليا مرسوم عام 1934، مما مهد الطريق لتحويله إلى مسجد.
صورة من: AP
الإسلام والمسيحية على قدم المساواة
التاريخ المضطرب لآيا صوفيا يتضح اليوم للزوار في كل ركن من أركان البناية المعلمة. كتابات مثل "الله" و"محمد" تحيط بأيقونة مريم العذراء مع الطفل يسوع في حجرها. ومن الجدير بالذكر أن النوافذ الأربعين في القبة الكبيرة تسمح بمرور الضوء وتمنع انتشار الشقوق وتدمير القبة. في عام آيا صوفيا 1985 أعلنت اليونسكو المبنى كأحد مواقع التراث الإنساني.
صورة من: Bulent Kilic/AFP/Getty Images
أيقونات بيزنطية
الفسيفساء الرائعة المعروضة على جدار الرواق الجنوبي لآيا صوفيا تعود للقرن الـ 14 الميلادي. وحتى وإن لم تكن كاملة إلا أن الوجوه المشكلة بالفسيفساء لازالت واضحة جداً للعيان. في المنتصف صورة يسوع كحاكم للعالم، وعن يساره ماريا وعن يمينه يوحنا.
صورة من: STR/AFP/Getty Images
ليس مكانا للعبادة
الصلاة في آيا صوفيا ممنوعة اليوم. وقد التزم بذلك أيضاً البابا بنديكت السادس عشر، عندما زار البازيليكا في عام 2006. وجرت زيارته في ظل إجراءات أمنية مشددة، فقد سبقتها احتجاجات للقوميين ضد زيارة البابا. ومؤخراً، جمع شباب الأناضول الوطني المحافظ 15 مليون توقيع لأجل إعادة المتحف ليكون مسجداً من جديد.
صورة من: Mustafa Ozer/AFP/Getty Images
قيمة رمزية كبيرة
المنطقة المجاورة لآيا صوفيا لا تنقصها البنايات الإسلامية: ففي الجهة المقابلة مباشرة ترتفع مآذن جامع السلطان أحمد، المعروف أيضا باسم "المسجد الأزرق" (يمين). ويدعو القوميون إلى إعادة آيا صوفيا لتكون مسجدا، لأنه يرمز إلى فتح القسطنطينية على يد العثمانيين. وفي نظرهم أنه يجب حماية هذا التراث الإسلامي.
صورة من: picture-alliance/Arco
مطلب المسيحيين الأرثوذكس
برتلماوس الأول بطريرك القسطنطينية؛ الرئيس الشرفي لجميع المسيحيين الأرثوذكس يطالب هو أيضاً بحقوق في آيا صوفيا. ويدعو منذ سنوات، لفتح الكنيسة (البازيليكا) مرة أخرى للقداس المسيحي. ويقول إن آيا صوفيا "بنيت لتكون شاهداً على الإيمان المسيحي" وينبغي أن تكون بمثابة "مكان ورمز للاجتماع والحوار والتعايش السلمي بين الشعوب والثقافات"، حسب تعبيره.
صورة من: picture-alliance/dpa
مسجد مرة أخرى
ألغت المحكمة الإدارية العليا في تركيا المرسوم الحكومي الذي استمر لعقود والذي حول آيا صوفيا إلى متحف، مما مهد الطريق لتحويل المبنى إلى مسجد مرة أخرى، على الرغم من التحذيرات الدولية والمراجع المسيحية من هذه الخطوة وهو ما تتحفظ عليه الحكومة التركية.
صورة من: picture-alliance/Marius Becker
قرار فوري
وبعد أن وافق مجلس الدولة أعلى محكمة إدارية في تركيا بطلب من عدة جمعيات على إبطال قرار حكومي يعود للعام 1934 ينص على اعتبار الموقع متحفاً، أعلن الرئيس أردوغان فوراً تحويل كنيسة آيا صوفيا مسجداً.
صورة من: Reuters/M. Sezer
أردوغان يشارك في أول صلاة
ويشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة (24 تموز/ يوليو 2020) بأول صلاة للمسلمين في كنيسة آيا صوفيا السابقة في اسطنبول منذ تحويلها إلى مسجد.