القصة هذه، على ما فيها من ألم، تحتمل صفةَ الإلهام. "أم سائر"، سيدة سورية ستّينية، لاجئة، مناضلة على دروب مليئة بالأشواك، لكن إصرارها وتحديها أشبه بوردة زاهية تعلو الأشواك تلك. قصتها قصة تحد يومي.
إعلان
قبل 11 عاماً وصلت "أم سائر" وعائلتها إلى لبنان. هجّرتها الحرب في سوريا ودفعتها باتجاه المجهول. عائلات سورية كثيرة سارت على الدرب نفسه. بعض العائلات النازحة عاش في خيم حدودية، أو منازل متهالكة، والميسورة منها استأجرت في المدن أو في الفنادق لحين تدبر أمورها، لكن "أم سائر" قصدت الجبل اللبناني، واستقرت في بلدة بُطمة الشوف، على ارتفاع نحو ألف متر عن سطح البحر. هنا الشتاء قارس والتدفئة مسألة حياة أو موت؛ فكان هذا تحدياً يومياً يُضاف إلى تحديات اللجوء الكثيرة.
المصائب لا تأتي فرادى
وقتذاك كان زوجها على قيد الحياة. بعض أفراد عائلتها بقي في سوريا، إحدى بناتها لجأت إلى تركيا، بينما البقية أتوا معاً إلى لبنان. سنوات اللجوء الأولى حملت معها الكثير من المتاعب، لكن المصاعب تفاقمت أمام "أم سائر" قبل ثلاث سنوات من اليوم، حين توفي زوجها بأزمة قلبية مفاجئة. في اليوم ذاته صدمت سيارة ابنها فكسرت ركبتيه، فاضطرت السيدة الستينية للذهاب إلى سوريا بُحكم مُبرم من القدر. "سيارة نقلت زوجي لدفنه في مسقط رأسه، وسيارة ثانية نقلت ابني إلى إحدى المستشفيات في الشام (دمشق) فتكلفت عليه 600 دولار في عز حاجتي"، كما تقول لـ "مهاجر نيوز".
"أم سائر" مُسجلة لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان. "الملف بإسمي مُسجّل لكنني لا أحصل على أي مساعدة مادية أو عينية تذكر ما عدا قسيمة سنوية لشراء كمية قليلة من المازوت للتدفئة بالكاد تكفي ونحن في قرية جبلية"، تؤكد لـ "مهاجر نيوز". الصعوبات المادية دفعت "أم سائر" لإخراج ابنتها من المدرسة: "لا قدرة لدي لدفع تكلفة النقل وما تحتاجه ابنتي للتعلم، فأخرجتها من المدرسة وهي في عمر 16 عاماً"، تتحسر بحرقة.
ابنها ليومنا هذا لا تزال "الصفائح الحديدية في رجليه ولا قدرة لنا على إزالتها، ستكلفنا أموالاً كثيرة"، حسبما تخبرنا والدته، وهو لا يستطيع القيام بأي عمل لمساعدة العائلة.
تطعم أولادها مما تزرع
كان يمكن لكل تلك المصاعب أن تُحطم إرادة "أم سائر"، أن تكسرها بعدما كسرت قلبها بوفاة زوجها، لكن على العكس، قررت التحدي ، وذهبت بعيداً بتحديها. هي اليوم تعمل بالأرض: تُقلّم الأشجار، وتهتم بشجر الزيتون، وتزرع فتأكل وعائلتها مما تزرع من الخضروات. "جمعتُ الأموال من خلال عملي اليومي لأتمكن من شراء 3 رؤوس ماعز، فاستفيد من حليبها لإنتاج مواد غذائية فأطعم عائلتي، وأبيع العنزات الصغيرات كلما ولدت الماعز، فأؤمن قوت أبنائي بما تيسّر"، تقول.
زراعة الخضروات أتت بها معها من سوريا. تعلمتها في بلادها، ونجحت بزراعة أرض صغيرة مجاورة لمنزل جبلي صغير تستأجره، فتُركز على المزروعات البعل، التي لا تحتاج للمياه، وتطعم عائلتها وتوفر على نفسها شراء الخضروات. توازياً، ركزت جهودها على خبز التنوّر. "تعلمت الخبز على التنور في سوريا وكنت أخبز أحياناً ما يزيد على ال200 رغيف أي أكثر من 25 كيلو من العجين، وخلال فترة اللجوء قمت بإحضار الإسمنت وصنعت تنوراً بما توّفر وبدأت الخبز هنا أيضاً (...)".
تضييق وتقليص
خلال السنتين الأخيرتين قست الظروف بعد أكثر على اللاجئين السوريين في لبنان. التضييق اللبناني والأزمة المعيشية من جهة، وتقلّص المساعدات الأممية من جهة أخرى، ما اضطر "أم سائر" لمضاعفة عملها خصوصاً مع أزمة صرف الليرة اللبنانية وانهيارها مقابل الدولار الأميركي، بما انعكس ارتفاعاً على أسعار السلع وقلّص القدرة الشرائية.
"أم سائر" اليوم تعمل في كل ما سبق: الزراعة، ورعاية الماشية، والخبز على التنور، والقيام بأعمال تنظيفات في القرية حيث هي تتواجد أو حتى خارجها. يصفها معارفها بـ "أخت الرجال" لقدرتها على الصمود والتحدي. برغم الصعاب تصنع "أم سائر الفرق". هي نموذج لسيدة مناضلة عصامية لم تكسرها مصاعب اللجوء بل اتخذت منها حافزاً للعمل.
"أنا أصبحت كبيرة بالسن، عمري ستين سنة. أحلم بالسفر ليس لأجلي، إنما لأجل عائلتي، علهم يعيشون أياماً أفضل. لعل ابني يتمكن من إجراء عملية جراحية لإزالة الصفائح الحديدية من رجليه، وابنتي تعود للمدرسة. لدي أقارب في ألمانيا، ويحكون لنا عن أنهم مرتاحون وراضون، أتمنى أن أتمكن يوماً من تحقيق هذا الحلم لعائلتي والسفر إلى أوروبا بحثاً عن بعض الأمان المفقود هنا"، كما تقول لـ "مهاجر نيوز".
2023 الأكثر خطورة للاجئين.. معاناة مستمرة ومأساة تتفاقم!
يوما بعد يوم تتفاقم مأساة اللاجئين، ويعتبر 2023 الأكثر مأساوية إذ شهد النصف الأول منه غرق المئات من المهاجرين. في هذه الصور نسلط الضوء على محنة ومعاناة الأشخاص المجبرين على الفرار من أوطانهم بمناسبة يوم اللاجئ العالمي.
صورة من: Fabrizio Villa/Getty Images
الأمل بعيدا عن الديار
اختارت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هذا الشعار: الأمل بعيدا عن الديار، للاحتفال بيوم اللاجئ العالمي لهذا العام. وهي تريد أن تركز فيه على "إﻳﺠﺎد اﻟﺤﻠﻮل ﻟﻼﺟﺌﻴﻦ وﻋﻠﻰ ﻗﻮة اندماجهم". وترى المفوضية أن ذلك يعد اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻷﻛﺜﺮ "ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ" لتمكينهم من بدء حياة جديدة في اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﻀﻴﻔﺔ ﻟﻬﻢ.
صورة من: Tessa Walther/DW
أسباب عديدة..
أسباب عديدة تجبر الناس على ترك أوطانهم واللجوء إلى دول أخرى طلبا للأمن. ولعل الحروب والنزاعات المسلحة هي السبب الأبرز، إلى جانب الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو ثقافية أو غيرها من الأسباب الشخصية.
صورة من: Nicoletti/dpa/picture alliance
تغير المناخ والكوارث الطبيعية
المناخ أيضا بات سببا للهجرة والنزوح حول العالم. فالظواهر المناخية المتطرفة والكوارث البيئية مثل الجفاف والعواصف المدمرة والفيضانات حول العالم ولاسيما في النصف الجنوبي للكرة الأرضية الذي يعاني من الفقر والصراعات، تدفع ملايين الناس للهجرة والنزوح ولاسيما للدول المجاورة.
صورة من: Orlando Sierra/AFP/dpa/picture-alliance
110 ملايين نازح ولاجئ حول العالم
ارتفع عدد النازحين حول العالم في عام 2022، جراء الصراعات والمجاعات وتغير المناخ، ليصل إلى مستوى قياسي تجاوز المائة مليون نازح، حسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وتقول المفوضية إن الاتجاه التصاعدي لم يظهر أي علامة على التباطؤ في عام 2023 حيث دفع الصراع في السودان إجمالي عدد النازحين في العالم إلى ما يقدر بنحو 110 ملايين نازح بحلول أيار/ مايو الماضي.
صورة من: Blaise Dariustone/DW
السودان..هروب جماعي من ويلات الحرب
شرّدت الحرب المستعرة منذ شهرين في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع أكثر من 2,5 مليون سوداني، بين نازح ولاجئ، ولاسيّما في دارفور. ويعاني السودان أصلا من الصراعات والنزوح منذ اندلاع أزمة دارفور في عام 2003. وبحلول نهاية عام 2022، كان هناك أكثر من 3.7 مليون شخص من النازحين داخلياً، يعيش معظمهم بمخيمات في دارفور. ويعيش 800 ألف سوداني آخر كلاجئين في دول مجاورة مثل تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا.
صورة من: Gueipeur Denis Sassou/AFP
حرب أوكرانيا
الحرب في أوكرانيا كانت السبب الرئيسي للنزوح في عام 2022. وقد ارتفع عدد اللاجئين الأوكرانيين من 27 ألف لاجئ في نهاية عام 2021 إلى 5,7 مليون في نهاية عام 2022، وهو ما يمثل أسرع تدفق للاجئين في أي مكان منذ الحرب العالمية الثانية، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
صورة من: Jens Schicke/IMAGO
حلم الفردوس الأوروبي
تعتبر أوروبا الوجهة الأولى للنازحين والمهاجرين من نصف الكرة الجنوبي ويحلم الملايين بالفردوس الأوروبي ويغامرون بحياتهم من أجل ذلك، من خلال محاولة عبور الصحراء الكبرى والبحر المتوسط أو عبر طريق البلقان أو حتى الغابات الشاسعة بين بيلاروسيا وبولندا ودول البلطيق.
صورة من: Flavio Gasperini/SOS Mediterranee/dpa/picture alliance
المتوسط مقبرة المهاجرين
يعتبر عبور البحر الأبيض المتوسط من أخطر الطرق التي يسلكها المهاجرون حول العالم، حيث غرق أو فقد أكثر من 26 ألف مهاجر في البحر المتوسط منذ عام 2014. ولعل عام 2023 كان الأكثر مأساوية حيث شهد النصف الأول من هذا العام غرق مئات المهاجرين، وآخر حادثة مأساة السفينة التي غرقت قبالة السواحل اليونانية وكان على متنها نحو 750 مهاجرا لم يتم إنقاذ سوى 104 منهم.
صورة من: Gianluca Chininea/AFP
عبء كبير على أوروبا
يشكل اللاجئون عبئا كبير على الدول الأوروبية، وهو ما يدفعها للتشدد في هذا الملف والبحث عن حلول وسياسة لجوء مشتركة. وبعد مفاوضات طويلة واجتماعات ماراثونية توصل وزراء داخلية الدول الأعضاء إلى صيغة للإصلاح الشامل لإجراءات اللجوء وملف الهجرة المطروحة منذ سنوات.
صورة من: Darko Vojinovic/dpa/AP/picture alliance
البحث عن شراكات في شمال أفريقيا
يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق والتوصل إلى شراكات مع دول شمال أفريقيا ويخوض مفاوضات صعبة مع تلك الدول، ويحاول تقديم مساعدات وإغراءات مالية لتلك الدول بغية إقناعها بالتعاون مع أوروبا في التصدي للهجرة غير الشرعية وتدفق المهاجرين. وفي هذا السياق عرض الاتحاد الأوروبي مساعدات بأكثر من مليار يورو على تونس.
صورة من: Italian Premier Office/AP/picture alliance
عبور السياج الحدودي بين المغرب وإسبانيا
السياج الحدودي بين المغرب وإسبانيا يشهد دائما محاولات عبور مستمرة، بعضها جماعية مثلما حدث الصيف الماضي حين حاول مئات المهاجرين عبور السياج الحدودي من المغرب إلى جيب مليلة الإسباني في 24 حزيران/ يونيو 2022، وتصدت لهم قوات الأمن وقتل ما لا يقل عن 37 مهاجرا.
صورة من: Javier Bernardo/AP/dpa/picture alliance
استمرار مأساة اللاجئين السوريين
ورغم مرور 12 عاما على الأزمة السورية ونزوح وملايين السوريين من ديارهم، لا يزال الملايين ينتظرون العودة من مخيمات اللجوء ولاسيما في لبنان والأردن وتركيا إلى ديارهم. فيما يحاول كثيرون منهم عبور الحدود اليونانية التركية للوصول إلى أوروبا.
إعداد: عارف جابو