قبل الانتخاب الرئاسية القادمة في تونس، تشن السلطات هناك حملة شديدة ضد المرشحين المحتملين. ويجري استبعاد مرشحين بحجة ارتكاب مخالفات قانونية حسب مراقبين. ويجري هذا في وقت يتعرض فيه منتقدو الرئيس قيس سعيد لضغوط متزايدة.
إعلان
يجلس لطفي المرايحي في السجن ويواجه اتهامات خطيرة. الأمين العام للاتحاد الشعبي الجمهوري والمرشح للانتخابات الرئاسية التونسية اعتقل الأسبوع الماضي. تتهمه السلطات بغسيل أموال وتحويلها بشكل غير قانوني إلى الخارج. وسبق للمرايحي أن أعلن عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة بداية تشرين الأول/ أكتوبر القادم. غير أنه يعاني من من اسلوب حكم الرئيس قيس سعيد، الذي يتصرف بطريقة استبدادية . في انتخابات 2019، ترشح المرايحي وحصل على حوالي 6.5 بالمائة من الأصوات.
والمرايحي ليس الوحيد الذي يعاني الاضطهاد، فقد تعرض العديد من السياسيين الآخرين الذين أبدوا اهتمامًا بالترشح للمنصب الأعلى في الدولة أو الذين يُعتبرون مرشحين محتملين، لاستهداف السلطات. وعلى سبيل المثال صدر أمر اعتقال ضد الصحفي والسياسي صافي سعيد بسبب اتهامات بالتزوير والاحتيال. بالإضافة إلى ذلك، يوجد العديد من المرشحين المحتملين في السجن أو في المنفى.
ولم تقتصر إجراءات السلطات على المرشحين المحتملين في الانتخابات، بل شملت أيضًا الأصوات الناقدة بشكل عام. ففي مايو/ أيار الفائت تم اعتقال المحامية سونيا الدهماني، المعروفة بانتقاداتها للرئيس سعيد، في استوديو تلفزيوني أمام الكاميرات. وقد حكم عليها بالسجن لمدة عام بتهمة نشر أخبار كاذبة.
وخلال العام الماضي تم اعتقال راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة الإسلامي وهو من أشد المنتقدين للرئيس قيس سعيد. أما التهمة الموجهة له فهي التحريض ضد الشرطة والتآمر ضد أمن الدولة.
الانتخابات الحرة غير متوفرة
على ضوء ذلك يرى رياض الشعيبي، السياسي المعارض ومستشار الغنوشي في حديثه مع DW أن "الشروط الأساسية للانتخابات الحرة غير متوفرة"، لاسيما وأن المناخ السياسي مشحون بالاعتقالات والمحاكمات والعقوبات.
بدوره يرى الناشط السياسي عز الدين الحزقي، أن الرئيس قيس سعيد لم يحقق أي نجاحات سياسية، وأنه الآن لا يرى حلاً آخر سوى اعتقال معارضيه. "سعيد يسيطر الآن بالكامل على القضاء"، يقول الحزقي ويضيف السياسي المعارض: "لا يمكن الحديث عن انتخابات حرة في تونس".
في الحقيقة، لا يستطيع الرئيس قيس سعيّد ، الذي قام في عام 2021 بتعليق عمل البرلمان في البداية ثم حله بالكامل في بلد كان يُعتبر نموذجًا ناجحًا لـ "الربيع العربي"، أن يحقق نجاحات كبيرة، خصوصًا فيما يتعلق بالمشاكل الاقتصادية لتونس. فمعدل البطالة يبلغ 15 في المائة، ويعيش حوالي أربعة ملايين من إجمالي 12 مليون تونسي تحت خط الفقر.
تشريعات مشكوك فيها
ووفقًا لتحليل مركز بروكسل الدولي للأبحاث الصادر في أيار/ مايو من هذا العام، فإن المخاطر القانونية التي تواجه المرشحين المحتملين تعود إلى مرسوم صدر في أيلول/ سبتمبر 2022 يستهدف حرية الرأي والصحافة. ويتم العمل بذلك من خلال اتهامات ملفقة مثل إنتاج أو ترويج أو نشر "أخبار كاذبة" أو "شائعات". يمكن معاقبة هذه الأفعال بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، وفي حالة المسؤولين الرسميين، تصل العقوبة إلى عشر سنوات.
من الواضح أن المرشحين قد يتعرضون للتخويف، مما يجعل تقديم الترشيحات أكثر صعوبة. ويرى مركز الأبحاث سبباً إضافياً لهذا الوضع: "حاليًا، يفتقر المرشحون الرئاسيون المعلنون إلى دعم الناخبين، لأن العديد من الشخصيات المعارضة البارزة تربط مشاركتها بأنشطة سياسية بالإفراج عن السجناء السياسيين والعودة إلى دستور 2014"، حسبما جاء في تحليل المركز.
علاوة على ذلك، تم تشديد شروط الترشح أيضًا. فقد تم رفع الحد الأدنى لسن المرشحين المحتملين من 35 إلى 40 عامًا. وهذا يمنع مثلاً السياسية أولفا حمدي، البالغة من العمر حاليًا 35 عامًا والرئيسة السابقة للخطوط الجوية التونسية ومؤسسة "حزب الجمهورية الثالثة"، من الترشح. وانتقدت القرار على منصة "X" مشيرةً إلى أن القرار ليس فقط غير دستوري، بل أيضًا غير قانوني وفقًا لقانون الانتخابات الحالي.
كذلك يُستبعد مزدوجو الجنسية - وغالبًا ما يكونون في تونس أشخاصًا يحملون جواز سفر تونسي وفرنسي في آن واحد - من الترشح. وقال مالته غاير، رئيس مكتب مؤسسة كونراد أديناور في تونس: "هذه الشروط الجديدة تعيق عددًا كبيرًا من الأشخاص من تسجيل أنفسهم كمرشحين".
وقبل أيام قليلة أعلن الرئيس قيس سعيد أن الانتخابات ستُجرى في 6 تشرين الأول/ أكتوبر. ولم يعلن حتى الآن عن ترشحه رسميًا، ولكن من المتوقع أن يفعل ذلك قريبًا. يمكنه الاعتماد على نسبة تأييد عالية وشعبية كبيرة داخل فئات من الشعب، حسبما يقول الخبير غاير.
تطورات غير إيجابية
"من المدهش أن الرئيس قيس سعيد يلجأ إلى هذه الإجراءات القمعية في ظل هذه الظروف"، تقول ماريا جوسوا، التي تجري أبحاثًا حول التطورات السياسية في تونس في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية (GIGA) في هامبورغ، وتضيف: "نحن أمام انتخابات بدون خيار حقيقي بين المرشحين". ومع ذلك، يحاول الرئيس على ما يبدو الحفاظ على واجهة الانتخابات الحقيقية، بينما يقود البلاد بشكل متزايد نحو الحكم الاستبدادي. و"هذا ليس تطورًا جيدًا لتونس"، تقول جوسوا.
ولا يزال من غير الواضح مدى شفافية ونزاهة العملية الانتخابية في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر. في نهاية 2022، خلال الانتخابات البرلمانية الأولى بعد حل المجلس النيابي السابق، عارض الرئيس قيس سعيد وجود مراقبين دوليين للانتخابات. يبقى أن نرى كيف سيتعامل مع هذا الأمر في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أعده للعربية: ع.خ
أوروبا وبلدان شمال إفريقيا.. لعبة المصالح ومقايضة الهجرة بالمال
تحتاج دول الاتحاد الأوروبي لموافقة دول جنوب المتوسط من أجل وقف الأعداد القياسية للمهاجرين غير النظاميين. ولذلك سعت بروكسل لصفقات تبادل مصالح مع دول كمصر وتونس وموريتانيا، وتفاوض أخرى كالمغرب. اتفاقيات تعرضت لنقد شديد.
صورة من: Hasan Mrad/ZUMA Wire/IMAGO
رئيسة الحكومة الإيطالية تزور تونس للمرة الرابعة
تزور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تونس، للمرة الرابعة خلال عام. وتركز مرة أخرى على مكافحة الهجرة غير القانونية. وأكدت مصادر إيطالية قبل هذه الزيارة أن "التعاون في مجال الهجرة يظل جانبا أساسيا في العلاقة بين إيطاليا وتونس". وتأتي الزيارة قبل شهرين من الانتخابات الأوروبية التي تخاض في إطارها نقاشات ساخنة حول الهجرة.
صورة من: Slim Abid/AP/picture alliance
اتفاقية مع تونس
وكانت تونس وقعت في تموز/يوليو 2023 مذكرة تفاهم مع المفوضية الأوروبية لكبح موجات الهجرة المنطلقة من سواحلها وجرى تعميم الخطوة مع موريتانيا ومصر لاحقا. وأشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، التي زارت تونس مع رئيسي وزراء إيطاليا وهولندا، إلى أهمية التعاون في مجال مكافحة عصابات تهريب البشر وإدارة الحدود والبحث والإنقاذ عبر تمويل بقيمة 100 مليون يورو هذا العام.
صورة من: Freek van den Bergh/ANP/picture alliance
ثلثا المهاجرين يصلون إيطاليا عبر تونس
ومن بين أكثر من 150 ألف مهاجر وصلوا إلى السواحل الإيطالية القريبة في 2023، انطلق قرابة ثلثي العدد من سواحل تونس وأغلبهم من سواحل صفاقس التي تضم الآلاف من مهاجري دول إفريقيا جنوب الصحراء، والحالمين بالوصول إلى دول التكتل الأوروبي الغني. وتوفي أكثر من 1300 مهاجر قبالة سواحل تونس عام 2023، أي ما يفوق نصف عدد الوفيات في البحر المتوسط، المصنف كأخطر الطرق البحرية للهجرة غير النظامية.
صورة من: Ferhi Belaid/AFP/Getty Images
اتفاقية مع مصر
رئيسة المفوضية الأوروبية زارت القاهرة أيضا، برفقة رؤساء حكومات بلجيكا وإيطاليا واليونان. ووقعت اتفاقية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بهدف إقامة شراكة مع السلطات المصرية لمساعدة هذا البلد الغارق في أزمة اقتصادية خطيرة، والذي يقع على حدود حربين في قطاع غزة والسودان، وحيث يوجد نحو 9 ملايين مهاجر ولاجئ - بما في ذلك أربعة ملايين سوداني و 1,5 مليون سوري - بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
صورة من: Dati Bendo/dpa/EU Commission/picture alliance
مساعدات لموريتانيا مقابل التعاون في مجال الهجرة
كما وقعت موريتانيا مع بروكسل إعلانا للتعاون المشترك بينهما في مجال محاربة الهجرة غير النظامية يشتمل على نقاط متفرقة منها منع المهاجرين من التدفق نحو السواحل الأوروبية، وخاصة إسبانيا، وإعادة المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين. والتعاون في مجال اللجوء، ومساعدة موريتانيا على إيواء طالبي اللجوء الأجانب على أراضيها مع احترام حقوقهم الأساسية. ولقي الاتفاق انتقادات واسعة في موريتانيا.
صورة من: BORJA PUIG DE LA BELLACASA/AFP
العبور من المغرب
يعتبر المغرب أحد أهم الوجهات للعبور إلى الاتحاد الأوروبي. إلا أن الرباط تشدد رقابتها على المنفذين البريين في سبتة ومليلة، إضافة للعبور بحرا. واعترضت السلطات المغربية 87 ألف مهاجر حاولوا الانطلاق من المغرب إلى أوروبا في 2023، وأنقذت 22 ألف مهاجر تقطعت بهم السبل في البحر أثناء محاولة العبور.
صورة من: Bernat Armangue/AP Photo/picture alliance
تقارب إسباني مغربي
التقارب الأوروبي مع المغرب تدفع به خصوصا إسبانيا، التي أعلنت في مارس/آذار 2022 تأييد موقف المغرب فيما يتعلق بالصحراء الغربية. وزار رئيس الوزراء الإسباني سانشيز المغرب أكثر من مرة. وعملت الرباط ومدريد على توثيق التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية. واحتلت قضية الهجرة موقعا مهما في المحادثات.
صورة من: /AP Photo/picture alliance
سعي أوروبي لاتفاق قريب مع المغرب
هناك اتفاقيات ثنائية بين دول أوروبية والمغرب بخصوص الهجرة. ولكن هناك مفاوضات تجريها المفوضية الأوروبية مع الرباط، منذ سبع سنوات، ومن المقرر أن يتم التوقيع على الاتفاق نهاية 2024. التعاون مع المغرب ثمنه ليس ماليا، وإنما سياسي، بحسب مصادر أوروبية مطلعة، كما نقلت صحيفة "كرونه" النمساوية، حيث تشترط الرباط دعم بروكسل بخصوص الصحراء الغربية. وفي المقابل، يدعم المغرب السياسة الأوروبية المتعلقة باللاجئين.
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
انتقادات حقوقية لهذه الاتفاقيات
انتقد نواب في البرلمان الأوروبي "الوضع الكارثي للديموقراطية وحقوق الإنسان في مصر". كما تعرضت مذكرة التفاهم مع تونس لانتقادات من قبل اليسار الذي يدين "استبداد" الرئيس التونسي سعيد، والانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون من جنوب الصحراء في بلده.
ودان المجلس الأوروبي للاجئين "الاتفاقات المبرمة مع الحكومات القمعية".
صورة من: Mahmud Turkia/AFP
تبقى ليبيا
ومع هذه الاتفاقيات المتتالية مع دول شمال إفريقيا للحد من الهجرة غير النظامية، تبقى دولة واحدة بمثابة العقدة أمام المنشار. حيث تستغل ميليشيات مسلحة في ليبيا الانقسام في البلد، لتحقق ثروات طائلة من خلال تهريب المهاجرين على قوارب مكتظة باتجاه اليونان وإيطاليا. وعجزت الجهود الأوروبية حتى الآن عن إيجاد حل للمعضلة، التي تفاقمت في يونيو/حزيران 2023 مع تسجيل واحد من أكبر حوادث غرق المهاجرين على الإطلاق.