انتقادات للرسوم الجمركية الأمريكية - ما خيارات برلين؟
٢٧ مارس ٢٠٢٥
انتقدت ألمانيا بشدة قرار ترامب بفرض رسوم جمركية على السيارات المستوردة، ووصفت الخطوة بأنها تهديد مباشر للاقتصاد العالمي. وفيما تراجعت أسهم الشركات الكبرى، دعت برلين إلى رد أوروبي حازم ومفاوضات عاجلة.
المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأمريكي دونالد ترامبصورة من: Evan Vucci/AP/ - und Ben Kriemann/PIC ONE/picture-alliance
إعلان
وصف المستشار الألماني أولاف شولتس اليوم الخميس (27 مارس/آذار 2025) قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات السيارات بأنه "خاطئ"، مؤكداً أن هذا القرار يضع الاقتصاد العالمي على مسار محفوف بالمخاطر. وقال شولتس إن هذه الخطوة لن تؤدي إلا إلى خسائر لجميع الأطراف، مشدداً على ضرورة إيجاد حلول قائمة على التعاون بدلاً من التصعيد.
"كرة الهدم" ودعوات للرد
لم تكن تصريحات شولتس وحدها التي عبّرت عن استياء ألمانيا، حيث انتقدت وزيرة الخارجية في حكومة تصريف الأعمال الألمانية أنالينا بيربوك القرار بشدة، واصفة إياه بأنه أشبه بـ"كرة الهدم" التي تدمر الاقتصاد العالمي بدلاً من إصلاح المشكلات. وأكدت بيربوك خلال لقائها بنظيرها الإستوني في برلين أن الرسوم الجمركية ستؤثر بشكل سلبي كبير على الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي مستعد للتفاوض، لكن على أساس الاحترام المتبادل وليس باستخدام أساليب تصعيدية.
من جانبه، دعا وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك إلى رد حازم من الاتحاد الأوروبي، مع تجنب الانزلاق إلى دوامة من التصعيد. وأوضح هابيك أن هذه الرسوم ستضر بالاقتصاد الألماني بشكل خاص، حيث تعتمد صناعة السيارات الألمانية على السوق الأمريكية بشكل كبير. وأضاف: "يجب أن يكون واضحاً أننا لن نستسلم للضغوط الأمريكية، وفي الوقت نفسه سندعم المفوضية الأوروبية في التفاوض لتجنب حرب تجارية شاملة".
بسبب الجمارك الأمريكية...اتحاد التجارة الخارجية الألماني يخفض توقعاته للصادراتصورة من: Martin Meissner/AP Photo/picture alliance
"إشارة قاتلة"
في ظل القرار الأمريكي، تواجه صناعة السيارات الألمانية تحديات كبيرة بعد إعلان الرسوم الجمركية. وأكدت رابطة صناعة السيارات الألمانية أن هذه الرسوم تمثل "إشارة قاتلة" للتجارة الحرة القائمة على القواعد الدولية. وأوضحت رئيسة الرابطة، هيلديغارد مولر، أن القرار سيؤثر بشدة على الشركات الألمانية وسلاسل التوريد العالمية، مما سيؤدي إلى ارتفاع التكاليف على المستهلكين، بما في ذلك المستهلكين الأمريكيين.
وأشارت الرابطة إلى أن الولايات المتحدة تعد سوقاً حيوية لصناعة السيارات الألمانية، حيث تمثل حوالي 13% من صادرات السيارات الألمانية. وأكدت مولر أن الشركات الألمانية أنتجت أكثر من 844 ألف سيارة في الولايات المتحدة عام 2024، مما يجعل الرسوم الجديدة عبئاً كبيراً على الصناعة.
إعلان
تراجع في الأسواق المالية
وفورى إعلان الرسوم الجمركية سجلت أسهم شركات السيارات الألمانية تراجعا كبيرا. فقد انخفض سهم شركة فولكسفاغن بنسبة 5.1%، بينما تراجعت أسهم مرسيدس بنز وبي إم دبليو بنحو 3.5%. وتعد فولكسفاغن من أكثر الشركات تضرراً بسبب اعتمادها الكبير على الإنتاج في المكسيك ونقص الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة.
هل يقلب ترامب الطاولة على الاقتصاد العالمي؟
17:33
This browser does not support the video element.
موقف شعبي داعم للرد الأوروبي
على الصعيد الشعبي، أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "يوجوف" أن غالبية كبيرة من الألمان (68%) يؤيدون اتخاذ إجراءات مضادة تشمل فرض رسوم جمركية على السلع الأمريكية. وأوضح الاستطلاع أن الدعم لهذا الإجراء كان واسع النطاق بين مختلف الانتماءات الحزبية، مما يعكس توافقاً وطنياً على ضرورة حمايةالمصالح الاقتصادية الألمانية.
وسط هذه التطورات، دعا وزير الاقتصاد الألماني في حكومة تصريف الاعمال روبرت هابيك ورابطة صناعة السيارات في ألمانيا الرسوم الجمركية إلى مفاوضات عاجلة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتجنب تصعيد الأزمة. وأكدا على أن الحوار هو السبيل الوحيد لتجنب حرب تجارية شاملة، محذرة من أن الرسوم الجمركية ستؤدي إلى أضرار طويلة الأمد على الاقتصاد العالمي.
في ختام التصريحات، شددت ألمانيا على أهمية التعاون الدولي وحماية قواعد التجارة الحرة، مؤكدة أنها ستواصل العمل مع الاتحاد الأوروبي لضمان استقرار الاقتصاد العالمي وتجنب المزيد من التصعيد.
ي.ب/خ.س (ا ف ب، رويترز، د ب أ)
محطات تاريخية - أوروبا والسعي الدائم للخروج من العباءة الأمريكية!
بعد الحرب العالمية الثانية عملت أمريكا على تقديم مساعدات لأوروبا والحد من التوسع السوفيتي فوق أراضيها. لكن المتتبع للعلاقات عبر الأطلسي يجد أن الدول الأوروبية بدأت تنأى بمواقفها عن مواقف حليفتها واشنطن في ملفات كثيرة.
صورة من: picture alliance/C.Ohde
مشروع مارشال
لم تخرج أمريكا من الحرب العالمية الثانية بخسائر على عكس نظيرتها أوروبا التي فقدت الكثير على كل المستويات، ولهذا جاءت خطة مارشال بهدف إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي عن طريق تقديم المساعدات. ويعود اسم المشروع إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال الذي أطلق المشروع في حزيران/ يونيو 1947، أمام طلاب جامعة هارفرد. مشروع مارشال عُلقت عليه آمال مهمة، كتعزيز الاستقرار السياسي والسلام في العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa
تعاون يورو- أمريكي
شكل حلف الأطلسي خطوة مهمة في تاريخ العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأمريكي. وقد اجتمعت القوتان في 1949 وأنشأت المنظمة تحت اسم "منظمة حلف شمال الأطلسي"، اختصارا "الناتو". وكان الهدف من المنظمة هو التصدي لخطر الاتحاد السوفيتي حينها. يشكل الناتو نظاماً للدفاع الجماعي، إذ تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.
صورة من: picture-alliance/akg-images
فرنسا تنسحب..
في 1966 انسحبت فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" ما شكل زلزالاً هز وحدة حلف الناتو في وقت مبكر من تاريخ قيامه، وذلك بسبب أزمة وقعت خلال فترة رئاسة شارل ديغول لفرنسا. وأحتج ديغول على الدور القوي الذي تقوم به الولايات المتحدة في المنظمة، وهو ما اعتبره علاقة خاصة بينها وبين المملكة المتحدة، قائلاً إن فرنسا تريد انتهاج خط مستقل عن الحلف وسياسة واشنطن.
صورة من: AFP/Getty Images
خطوة إلى الأمام
من بين المحاولات المهمة التي قامت بها دول الاتحاد الأوربي لتبتعد عن "وصاية" واشنطن، الشراكة الأورومتوسطية. إذ بدأت عام 1995 من خلال مؤتمر برشلونة الأورومتوسطي الذي اقترحته إسبانيا وقام الاتحاد الأوروبي بتنظيمه لتعزيز علاقاته مع البلدان المطلة على المتوسط في شمال أفريقيا وغرب آسيا. الشراكة لم تستمر طويلاً، إلا أنها وضعت أسس لعلاقات إقليمية جديدة، وشكلت نقطة تحول في العلاقات الأورومتوسطية.
صورة من: AP
رفض ومعارضة
في 2003، أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر معارضتهما الشديدة لقرار أمريكا وحلفائها باحتلال العراق. شكل هذا الموقف لحظة قوية عبرت فيها الدولتان الأوربيتان الكبيرتان عن رفضهما سياسة "العم سام" في الشرق الأوسط. وقادتا الاتحاد الأوربي في هذا الاتجاه، حيث أعلن الاتحاد الأوربي معارضته مبدئياً للجوء للقوة، واشترط أن تتم أي عملية عسكرية بتفويض من مجلس الأمن.
صورة من: HECTOR MATA/AFP/Getty Images
اتفاقية "بيسكو"
في 2017، وقع 23 عضوا في الاتحاد الأوروبي على اتفاقية "بيسكو" الرامية لتعزيز التعاون بمجال الدفاع. وشكل توقيع هذه الاتفاقية أبرز خطوة أقدمت عليها دول الاتحاد في اتجاه تشكيل ذراع عسكري تتخلص بفضله من التبعية العسكرية للولايات المتحدة، وتعتمد عليه في تنفيذ سياستها وخصوصاً في منطقة حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق الجوار الأوروبي.
صورة من: Reuters
الانسحاب من الاتفاق النووي
انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني لاقى رفضاً من قبل الدول الأوروبية الثلاث الكبرى. ويشير هذا الرفض إلى سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لنهج استراتيجية مستقلة عن واشنطن، خاصة وأن الاتفاق النووي واحد من أكثر الملفات الحساسة ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما في العالم بأسره.
صورة من: Imago/Ralph Peters
السفارة الأمريكية في القدس
رفضت دول من الاتحاد الأوروبي فتح السفارة الأمريكية في القدس. وكان هذا الرفض دليلاً على تزايد الاختلافات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، ما يدفعهم للسعي نحو الخروج من دارة "التبعية" لأمريكا. وكان عدد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد وصفوا نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس بـ "الخطوة غير الحكيمة التي قد تؤدي إلى تصعيد حدة التوتر".
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Yefimovich
ملفات أخرى...
ملف الشرق الأوسط ليس الجانب الوحيد الذي تبرز فيها رغبة أوروبا في فك من ارتباطها بأمريكا. ويمكن الوقوف عند آخر نقطة في الملف، حيث رفعت أمريكا الرسوم الجمركية على الحديد والألمنيوم. وتشكل هذه الرسوم الجمركية تحدياً كبيراً وضعه ترامب في طريق الأوروبيين. وكانت دول أوروبية قد طالبت بضرورة الحصول على إعفاء دائم من هذه الرسوم، إلا أن الأمر ما يزال عالقاً. إعداد: مريم مرغيش.