انتهاء حملة "الفساد" السعودية: تلميع بعد "تدويل" ملف خاشقجي؟
محي الدين حسين
٣١ يناير ٢٠١٩
أثار إعلان السعودية إنهاء حملتها على "الفساد" تساؤلات عما إذا كانت تستطيع تلميع صورتها في الخارج، في وقت تنتظر فيه محققة أممية الموافقة من الرياض على دخول قنصليتها في اسطنبول والتي قتل فيها الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
إعلان
بعد مرور أكثر من عام على بدء السلطات السعودية حملة واسعة لمكافحة "الفساد"، أعلن الديوان الملكي السعودي أن اللجنة العليا المكلفة بالتحقيق في قضايا الفساد أنهت أعمالها.
وقد نتج عن الحملة التي أمر بها ولي العهد محمد بن سلمان وشملت العشرات من كبار الأمراء والوزراء ورجال الأعمال استعادة أكثر من 400 مليار ريال (106 مليارات دولار) من خلال إجراءات "تسوية" مع 87 شخصاً "بعد إقرارهم بما نسب إليهم وقبولهم بالتسوية"، وذلك حسبما جاء في بيان الديوان الملكي.
وأضاف البيان أن النائب العام رفض التسوية مع 56 شخصاً لوجود قضايا جنائية أخرى بحقهم، كما ذكر أن ثمانية أشخاص رفضوا التوصل إلى تسوية وظلّت تهمة الفساد ثابتة بحقهم، مشيراً إلى إنه تم إخلاء سبيل من لم تثبت عليه "تهمة الفساد".
ويأتي هذا الإعلان في وقت تستمر فيه السعودية بمحاولة تلميع صورتها لدى الغرب، والتي تشوهت بعد حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي في قنصلية بلاده في اسطنبول، والتي زادت من انتقاد الغرب لسجل الرياض في مجال حقوق الإنسان ودورها في حرب اليمن، حتى أن الحكومة الألمانية أعلنت إيقاف تصدير الأسلحة للمملكة بعد مقتل خاشقجي.
علاقة بتدويل قضية خاشقجي؟
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس زيدان خوليف أن وقت إعلان انتهاء الحملة على "الفساد" في السعودية له علاقة بـ"تدويل قضية خاشقجي"، ويضيف في حديثه لـDWعربية: "السعودية تحاول تلميع صورتها في الخارج عن طريق الإعلان بانتهاء هذه الحملة التي كانت في الأصل لتصفية الحسابات أكثر من كونها لمكافحة الفساد"، ويتابع: "رغم أن الرياض تمنع دخول المحققة الأممية إلى قنصليتها، إلا أننا على أبواب تدويل قضية خاشقجي، خصوصاً وأن تركيا مصرّة على ضرورة محاسبة المسؤولين لأن الجريمة ارتكبت على أرضها".
وتحقق آغنس كالامار، وهي مقررة أممية حول عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، في حادثة مقتل خاشقجي، وهي في زيارة لاسطنبول منذ بداية الأسبوع. وقالت كالامار يوم الثلاثاء (29 كانون الثاني/يناير) للصحفيين من أمام مبنى القنصلية السعودية في اسطنبول أنهم بانتظار رد الحكومة السعودية على طلبهم لدخول القنصلية، وأضافت أن التقرير الذي تعده حول قضية خاشقجي سينشر في نهاية أيار/مايو، قبل جلسة مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في حزيران/يونيو.
السعودية في مؤشر الفساد
ورغم حملة الفساد في السعودية والتي كانت قد بدأت في نهاية عام 2017، فإن مرتبة السعودية في مؤشر مدركات الفساد لعام 2018 -والذي نشرته منظمة الشفافية الدولية قبل يومين- لم تتحسن، حيث حصلت على 49 نقطة (الحصول على 100 نقطة يعني أن الدولة خالية من الفساد)، وأصبحت في المرتبة 58 بعد أن كانت في المرتبة 57 في عام 2017.
وتعتقد كارين يونغ، الباحثة في معهد أمريكان إنتربرايز للأبحاث في واشنطن أنه "من الصعب القول ما إذا كانت الحملة ناجحة"، مضيفة لرويترز: "النبأ السار هو أن الحكومة تشير فيما يبدو إلى أنها تريد المضي قدماً"، وتتابع: "أما بخصوص السياسة الخارجية للسعودية وسياساتها الداخلية، خاصة تجاه النشطاء المدنيين، فلا تزال هناك مخاوف شديدة في الغرب".
لكن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس زيدان خوليف يشكك في أن تكون نية السعودية لمكافحة الفساد جدية، ويقول: "حملة الفساد في السعودية لم تكن نابعة عن مبدأ أخلاقي، بل كانت لتصفية الحسابات داخل العائلة المالكة".
"معالجة الافتقار للشفافية"
أما علي شهابي، رئيس معهد الجزيرة العربية في واشنطن، الذي يؤيد السياسة السعودية، فيرى أن إنهاء الحملة يعكس محاولة الحكومة للتعامل مع الانتقادات الدولية الموجهة للسعودية بسبب افتقارها للشفافية وللإجراءات القانونية السليمة، ويتابع لرويترز:"سيعبّر المنتقدون الآن عن استيائهم من غياب الأسماء ونقص التفاصيل بشأن كل قضية، لكن علينا أن نتذكر أن الأفراد أنفسهم لا يرغبون في ذكر أسمائهم".
وطالت الحملة أبناء عمومة الأمير محمد بن سلمان، ومن بينهم الملياردير الأمير الوليد بن طلال ووزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله وحاكم الرياض السابق الأمير تركي بن عبد الله وآخرين، حين أصبح فندق ريتز كارلتون الفخم في الرياض "سجناً ذهبياً" لهم على مدى ثلاثة أشهر.
وقال مسؤول سعودي في ذلك الوقت إن السلطات أفرجت عن الأمير متعب بعد أسابيع من احتجازه بعد موافقته على دفع ما يقارب مليار دولار لتسوية مزاعم فساد ضده. وبعد شهرين، قام الوليد بتسوية قضيته بعدما وصفه "بالتفاهم المؤكد مع الحكومة". ولم ترد أنباء بشأن الأمير تركي منذ ذلك الحين.
ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس زيدان خوليف أن: "التوازنات داخل العائلة المالكة أصبحت مختلة، خصوصاً بعد جريمة قتل جمال خاشقجي"، ويضيف: "هذه هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير وقد تتخلى العائلة المالكة عن محمد بن سلمان في أي وقت".
محيي الدين حسين
هؤلاء حاصرتهم قضية مقتل خاشقجي وأحرجتهم أمام الرأي العام
شخصيات كثيرة عبر العالم ترغب في نهاية قضية خاشقجي بأسرع وقت نظراً لكمّ الإحراج الذي تتعرض له، لكن مع كلّ تسريب جديد تعود القصة للحياة من جديد. من هم هؤلاء الذين حاصرتهم القضية؟
محمد بن سلمان
هيأ ولي العهد السعودي كلّ شيء لأجل قيادة السعودية خلفاً لوالده، ورغم ثقل الملّفات المتهم بتورطه بها، كحرب اليمن وحملة الاعتقالات الواسعة، إلّا أن اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده وضع الأمير الشاب في مرمى الانتقادات، خاصة مع تسريبات السي أي إيه التي استنتجت أن العملية جرت بموافقته. ولا تستبعد عدة تقارير إعلامية، إقدام القصر السعودي، في حال اشتداد الضغوط عليه، على عزل ولي العهد من منصبه.
صورة من: picture-alliance/AP/A. Nabil
عادل الجبير
اختفى الجبير تماماً في قضية خاشقجي، رغم أن الأمر يتعلّق بقنصلية هو المسؤول عنها سياسياً. تعوّد المتتبع على كثرة تصريحات وزير الخارجية الشاب في دفاعه عن القصر الملكي، لكن صمته أعطى رسالة بوجود أوامر عليا بضرورة تجنب التعليق في قضية خاشقجي. أول تصريح من الجبير في القضية كان: "القيادة السعودية خط أحمر"، ويبدو أن الرجل يحسب ألف مرة قبل الإدلاء بأيّ كلمة كي لا يجد نفسه في دائرة الإعفاء أو المحاسبة.
صورة من: Reuters/W. Kurniawan
بلاط بن سلمان
رغم كل ما قدمه المستشار سعود القحطاني، من قيادته لأدوات الدعاية الإلكترونية وردوده "العدائية" على خصوم ولي العهد، ورغم اضطلاع أحمد العسيري بمهام التواصل في حرب اليمن ثم انتقاله للمخابرات بناءً على رغبة بن سلمان، إلّا أنهما كانا في الصفوف الأولى لمن تمت التضحية بهم في قضية خاشقجي. غير أن حظهما العاثر جعل تنحيتهما من منصبيهما غير ذات قيمة، فتداعيات القضية لم تتوقف.
صورة من: Getty Images/AFP/F.Nureldine
الإعلام السعودي
أسئلة كثيرة تُطرح حول طريقة تعامل وسائل الإعلام السعودي مع القضية. تماهت أولا مع الإنكار الرسمي، وحمّلت المسؤولية لإيران وقطر والإخوان، ولما بدأت السعودية الاعتراف بوقوع الجريمة، بذل الإعلام ذاته جهدا كبيرا لمحاولة إقناع الرأي العام برواية شكّك فيها الكثيرون، في وقت استغل فيه الإعلام القطري القضية لـ"تصفية" حسابات بلاده مع الرياض. (في الصورة وليد إبراهيم مالك مجموعة إم بي سي).
صورة من: picture-alliance/abaca/Balkis Press
عبد الرحمن السديس
يعرف المسلمون خطيب المسجد الحرام في مكة بصوته المنتشر في أشرطة قراءة القرآن، لكنهم فوجؤوا به يقرأ خطباً سياسيةً تدافع عن ولي العهد بشكل غير مسبوق. وجد السديس تفسيراً لقضية خاشقجي بالقول إن هناك محاولة لاستفزاز مشاعر مليون مسلم، لكن ليس السديس لوحده في هذا السياق، فالمؤسسة الدينية السعودية برمتها تدافع عن سياسات القصر، وعبّرت على الدوام عن مواقف لصالح حكام البلاد.
صورة من: picture-alliance/AP Images/M. Elshamy
دونالد ترامب
فضائح كثيرة حاصرت الرئيس الأمريكي واستطاع الإفلات منها، لكن مطرقة خاشقجي تدق في رأسه منذ عدة أسابيع. الضغط في الولايات المتحدة يدفع بترامب إلى تحديث تصريحاته حول القضية، ما أدى إلى تناقضه أكثر من مرة في الأجوبة. يعلم ترامب أن الانصياع للضغوط قد يكلفه خسارة علاقته مع ابن سلمان، ومن ثمة خسارة صفقات مالية ضخمة، لذلك يحاول إيجاد صيغة وسطية لا تضرب تحالفه مع السعوديين في مقتل.
صورة من: Reuters/K. Lamarque
جاريد كوشنر
صهر ترامب وأحد مستشاريه. يُعرف بكونه أحد أبرز أصدقاء ابن سلمان في الخارج. تقول تقارير الإعلام الأمريكي إنه يشكّل الوسيط المهم بين ابن سلمان وترامب، وإنه دافع على الدوام عن الرياض في دهاليز السياسة الأمريكية ووجد الكثيرمن الأعذار لولي العهد السعودي، لكنه يبدو أنه لم يستطع إيجاد الأعذار المناسبة في قضية خاشقجي، بل بات كوشنر، وفق تقارير إعلامية، يتهرب من التواصل المباشر مع ابن سلمان حول القضية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/E. Vucci
محمد بن زايد
راهن ولي العهد الإماراتي على محمد ابن سلمان، لأجل محاصرة الإسلام السياسي والنفوذ الإيراني ووقف تداعيات الربيع العربي، لكن مهندس السياسات الإماراتية لم يدل بمواقف في قضية خاشقجي، فهل تخلّى تماماً عن حليفه الشاب؟ عمق الشراكة بين الرجلين تجعل كل واحدٍ منهما يحتاج للآخر في مثل هذه الملفات الحساسة، لكن الزلزال الذي أحدثه مقتل خاشقجي قوي جداً ووصلت شظاياه إلى أبعد ما تخيله أصحاب العملية.
صورة من: picture-alliance/AA/B. Algaloud
عبد الفتاح السيسي
منذ صعوده إلى الرئاسة، والسيسي يمثل حليفاً استراتيجيا للسعودية، خاصة في المعركة ضد الإخوان. يراهن السيسي على المساعدات السعودية لتحسين أوضاع بلدٍ يعاني اقتصادياً، وفي المقابل لا يبخل بأيّ شكل من الدعم السياسي للرياض. لكن دفاعه عنها جاء محتشما في قضية خاشقجي. يعي السيسي أن سقوط بن سلمان سيؤثر سلباً على حكمه لمصر، لكنه لا يريد رفع النبرة في جريمة ستضيف المزيد من السواد لسيرته الحقوقية .
صورة من: picture-alliance/Xinhua/MENA
إيمانويل ماكرون
كجل زعماء الغرب، يرفع الرئيس الفرنسي شعار حقوق الإنسان في تعامله مع الشرق، لكن عندما يتعلّق الأمر بالسعودية، التي تشتري ملايين اليوروهات من أسلحة فرنسا، يجد ماكرون مبرّرات الاقتصاد والتعاون الاستراتيجي لاستمرار العلاقة. وحتى عندما تعالت الأصوات بوقف صادرات الأسلحة رداً على جريمة خاشقجي، رّد ماكرون بحدة عكست موقفه الصعب، لكنه حاول الاستدراك بالتأكيد على خطورة جريمة خاشقجي.
صورة من: Imago/Belga/E. Lalmand
تيريزا ماي
قبل أشهر، خرج عشرات المتظاهرون للضغط على رئيسة الوزراء البريطانية حتى توقف صفقات الأسلحة خلال استقبالها لابن سلمان، لكنها رفضت التفريط في تحالف لندن والرياض. تواجه ماي أياما صعبة بسبب دعوات لسحب الثقة منها، لذلك لا ترغب بإضافة صداع جديد يخصّ قضية خاشقجي، وحاولت تقديم ردٍ قوي بوصف اعتراف السعودية الأول في القضية بالفاقد للمصداقية، غير أن مثل هذه التصريحات لم تشف غليل معارضيها.
صورة من: Reuters/H. Nicholls
بنيامين نتنياهو
انتظرت القيادة الإسرائيلية لعقود موقفا معتدلا من السعودية إلى أن جاء عهد ابن سلمان الذي لم يمانع بحق إسرائيل في الوجود. لذلك تشكّل أزمته الحالية مشكلاً لدى بنيامين نتنياهو الذي لا يرغب حتماً في عزل أمير يتقاسم مع إسرائيل الكثير من الأهداف، منها "صفقة القرن" ودورها في مشروع نيوم، والوقوف في وجه المشروع الإيراني بالمنطقة، وتقزيم دور حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية المقاتلة.