1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

انزلاق الليرة ـ اقتصاد تركيا يترنح وسط أزمات شرق المتوسط

حسن زنيند
٢٩ يوليو ٢٠٢٠

تساءل خبراء اقتصاديون ألمان بشأن استقرار الليرة التركية الغامض مقابل الدولار، فيما تواصل تراجعها أمام اليورو، في وقت عززت فيه أنقرة انخراطها في عدد من الجبهات الساخنة في المنطقة. فهل يواجه الاقتصاد التركي خطر الانهيار؟

صورة من الأرشيف لمحل لصرف العملة بإسطنبول.
قيمة الليرة ـ مؤشرات انزلاق لا مفر منه، الصورة من الأرشيف لمحل لصرف العملة بإسطنبول. صورة من: picture-alliance/AP Photo/L. Pitarakis

سياق إقليمي متوتر ـ الليرة التركية في عين العاصفة

قيمة الليرة ـ مؤشرات انزلاق لا مفر منه

الليرة بين ارتفاع التضخم وانخفاض سعر الفائدة

شبح العقوبات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي؟

تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد التركي

 

 

سياق إقليمي متوتر ـ الليرة التركية في عين العاصفة

تحت عنوان بارز تساءلت صحيفة "هاندسبلات" الألمانية (23 يوليو/ تموز 2020) عن سر الاستقرار "الغامض" للعملة التركية، حيث ظل سعر صرفها مستقرا نسبيا مقابل الدولار، رغم استمرار تدحرجها أمام اليورو. وهناك ما يكفي من الأسباب الموضوعية داخليا وخارجيا لفهم إحدى أكبر الاضطرابات التي تواجهها العملة التركية في تاريخها بفعل جائحة كورونا وتأثيراتها على الاقتصادات الناشئة، إضافة إلى انخراط أنقرة في عدد من الأزمات الخارجية تهدد بحروب لا تحمد عقباها في شرق المتوسط، مدفوعة بأحلام العظمة لمن باتوا يسمون بـ "العثمانيين الجدد".

فقد انخرط الرئيس رجب طيب أردوغان في مواجهات ضد مصر والإمارات والسعودية وروسيا في الجبهة الليبية. أما في سوريا فقد تخندق في المعسكر المعارض لموسكو وطهران. وفي الوقت نفسه ينتهج سياسة، أقل ما يمكن أن يقال عنها، هي أنها تزعج حلفاءه الأمريكيين والأوروبيين ناهيك عن تذمر الإسرائيليين والجيران من قبارصة ويونانيين. كما أدخل حلف الناتو في مأزق استراتيجي دفع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للحديث عن "موت دماغي" لحلف شمال الأطلسي. أنقرة تتدخل أيضا كما يحلو لها ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، فيما انتشرت شائعات بشأن دور محتمل لها في اليمن. وبذلك تحولت استراتيجية "صفر مشاكل مع الجيران" التي تبناها حزب العدالة والتنمية الحاكم في بداية الألفية الحالية إلى "مشاكل شاملة مع كل الجيران".

على المستوى الاقتصادي، عمل الرئيس أردوغان منذ وصوله إلى السلطة على تعزيز سيطرته على السعر الدولي لليرة التركية، ما ساعده على الاقتراض بتكلفة أقل والحد من نسبة التضخم. غير أن التكلفة الاقتصادية لذلك باهظة أمام تردد المستثمرين في إدخال مزيد من العملة الصعبة إلى البلاد، وبدأوا يحذرون من الليرة وهم الذين كانوا إلى وقت قريب، يتداولونها في الأسواق الناشئة بكثرة، بعد أن قيدت أنقرة ذلك النوع من المعاملات، بل وحظر البنك المركزي التركي على الفاعلين الاقتصاديين الأتراك تداول العملات مع عدد من البنوك الدولية.

والهدف من هذه الخطوة هو تعزيز تأثير البنوك التركية المرتبطة بالدولة على سعر الليرة. ووفقا لبعض الشائعات، لا يستبعد أن يفرض أردوغان قيودا على تنقل الرساميل. غير أن هذه السياسة مكلفة للغاية حيث تضطر البنوك المرتبطة بالجهات الرسمية إلى ضخ المزيد من الدولات في الأسواق المالية وهو ما جعل البنك المركزي يستنزف ثلث احتياطاته من العملة الصعبة (85 مليار دولار منذ نهاية عام 2018). وقد تلجأ أنقرة في نهاية المطاف إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي رغم مساعدة قطر السخية لها.

 

قيمة الليرة ـ مؤشرات انزلاق لا مفر منه

وتبدو العملة التركية وسط هذه الاضطرابات مستقرة نسبيا مقابل الدولار الأمريكي خلال الشهرين الأخيرين. وظل سعر الصرف عند حدود 6.85 ليرة مقابل كل دولار أمريكي منذ منتصف مايو/ أيار الماضي. غير أن الليرة فقدت في الواقع 17 بالمائة من قيمتها منذ بداية العام الجاري. وموازاة مع ذلك واصلت الليرة تراجعها مقابل اليورو بنسبة وصلت 6% حسب "هاندسبلات" التي أكدت أن هناك "تزايدا للمؤشرات على ضعف الليرة ليس فقط لأسباب سياسية، وهو ما يزيد من الضغوط على الأسواق المالية التركية".

موقع فوكوس الألماني (27 يوليو/ تموز 2020) أكد أن الليرة التركية تنخفض حاليا بشكل أسرع مما كانت عليه خلال أزمة التضخم الكبيرة خلال عام 2018، خصوصا بعد تجاوز سعر اليورو حاجز ثماني ليرات. وللمقارنة فإن قيمة الليرة كانت 6.65 مقابل اليورو الواحد بداية العام الجاري. الصدمة الأخيرة التي تعرضت لها الليرة ربطها المراقبون، كما أوردت ذلك وكالة رويترز، بالتوتر الأخير بين تركيا واليونان بسبب خطة لحفر تجريبي بحثا عن الغاز من قبل سفن تركية في شرق المتوسط، رأت فيها اليونان انتهاكا لحقوقها الإقليمية. ورغم انتماء الدولتين إلى حلف الناتو، فإن نزاعا مسلحا كاد أن يندلع بين الجانبين لولا وساطة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي تمكنت من نزع فتيل الانفجار في آخر لحظة.

الليرة بين ارتفاع التضخم وانخفاض سعر الفائدة

من جهته كتب موقع "فينانسماركتفيلت" الألماني (الثالث من يوليو/ تموز 2020) أنه بعد ارتفاع التضخم في تركيا خلال خريف 2018 بأكثر من 25 في المائة، تراجعت هذه النسبة إلى 8.55 في المائة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019. غير أن الاتجاه عاد للتصاعد منذ ذلك الحين لتصل في مايو/ أيار إلى 12.62 في المائة. وأكدت الصحيفة الألمانية أن الوصفة التركية القائمة على خفض متواصل لسعر الفائدة وتصاعد مطرد للتضخم يهدد الليرة بالانهيار، ما لا يشجع المستثمرين الأجانب للعودة إلى السوق التركية.

من الناحية النظرية يُقَوي تخفيض قيمة العملة القدرة التنافسية على المستوى الدولي، وهو ما تكون له انعكاسات ايجابية من حيث تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات عن طريق زيادة احتياطيات العملة في البلد المعني عبر آلية خفض ​​نسبي في الاستهلاك بحكم غلاء الواردات، وزيادة الصادرات التي تنخفض قيمتها بالنسبة للشركاء الخارجيين. غير أن الاقتصاد التركي قد لا يستفيد كثيرا من تراجع الليرة حيث أصبحت تركيا في أعين الكثير من الخبراء دولة مستوردة بامتياز.

 

شبح العقوبات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي؟

في سياق النزاع حول الثروات الغازية في شرق المتوسط، طالبت الحكومة القبرصية بفرض عقوبات أوروبية "مؤلمة" ضد أنقرة. فقد حذرت نيقوسيا من حرب بين شركاء حلف الناتو وطالبت الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي بالأخذ بزمام المبادرة بهذا الشأن. توماس بورمان مراسل شبكة "أ.إير.دي ARD" الألمانية في إسطنبول كتب من نيقوسيا (27 يوليو/ تموز 2020) تحليلا مطولا حول هذا الموضوع وأورد تصريحا لكيرياكوس كوشوس، المتحدث باسم الحكومة القبرصية الذي قال "نحن بحاجة إلى عقوبات أكثر صرامة. نحتاج إلى إجراءات أكثر وضوحا لمنع تركيا من مهاجمة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي".

التكتل القاري أدان أنشطة الحفر التركية في المياه الإقليمية لليونان وقبرص أكثر من مرة. كما فرض عقوبات، لكنها لم تزعج كثيرا تركيا لحد الآن، إذ اقتصرت على عدم السماح لمديرين لشركة طاقة تركية بدخول أراضي الاتحاد الأوروبي. الاقتصاد التركي مرتبط بشكل عضوي بالاقتصاد الأوروبي، ومن شأن عقوبات صارمة أن تكون لها تأثيرات سلبية على أنقرة. وهذا ما تدعو إليه كل من فرنسا واليونان وقبرص.

بيد أن جوزيب بوريل، كبير الدبلوماسيين الأوروبيين، حذر من دوامة العقوبات ضد تركيا، مؤكدا أنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية. وقال أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل "يجب إيقاف الاتجاه السلبي الحالي في علاقاتنا وعكس اتجاهه (..) إن دينامية الانتقام لن تؤدي إلى مزيد من الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط. لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال الحوار والمفاوضات". وشدد بوريل على أن "تركيا شريك مهم ومرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي وعضو في الناتو".

تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد التركي

يعاني الاقتصاد التركي من آثار جائحة كورونا، فاقمه انهيار العملة وارتفاع الديون الخارجية والبطالة. في الوقت نفسه، يعد الرئيس أردوغان الأتراك بأن البلاد ستخرج أقوى من هذه الأزمة. ولا ننسى أن تركيا تمر بأزمة اقتصادية منذ عامين على الأقل. الشركات الخاصة مثقلة بديون خارجية قيمتها 175 مليار دولار. كما أن انخفاض قيمة الليرة يجعل من خدمة فوائد القروض مكلفة جدا.

ولكن على الرغم من كل المشاكل، هناك عدد من نقاط القوة التي يملكها الاقتصاد التركي. فالقطاع الصحي على سبيل المثال، الذي استثمرت فيه الحكومة بكثافة في السنوات الأخيرة أبان عن قدرة على احتواء جائحة كورونا. وباتت السياحة الصحية محور اجتذاب للزوار الأجانب، خصوصا الراغبين في إجراء عمليات زراعة الشعر أو جراحة العيون بالليزر أو التلقيح الاصطناعي. كما افتتح الرئيس أردوغان مؤخرا مستشفى عملاقا في إسطنبول.

السياحة التركية تضررت كثيرا من جائحة كورونا. ولم ترفع ألمانيا بعد تحذيرها المتعلق بالسفر إلى تركيا. ومع ذلك، يأمل أصحاب الفنادق وشركات الطيران التركية أن يتغير هذا قريبًا. وصاغت وزارة السياحة التركية بروتكولات مع الفنادق تتضمن 31 شرطًا لضمان صحة أفضل وتشغيل خال من خطر العدوى بالفيروس. فالسياحة ليست مجرد محرك للاقتصاد التركي، ولكنها مصدر مهم للعملة الصعبة أيضا.

حسن زنيند

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW