تسحب الأمم المتحدة وحداتها الأولى من منطقة الأزمات السودانية دارفور. خطوة محفوفة بالمخاطر، لأن التطور السلمي للمنطقة غير مضمون، والكثير من الفاعلين لهم مصالح خاصة.
إعلان
سحبت الأمم المتحدة وحدات تابعة لها من دارفور. فمنذ بداية هذا العام تقلص الأمم المتحدة قوامها في منطقة الأزمات السودانية دارفور. وحتى نهاية النصف الأول من العام وجب أن تغادر قوى الجيش والشرطة من مهمة يوناميد المنطقة. وبعدها تنتقل المسؤولية إلى الحكومة السودانية. وانطلقت هذه المهمة بعدما تفجر في دارفور عام 2013 نزاع نجم عن طلبات السكان للحكومة لمنحهم المشاركة السياسية والدعم الاقتصادي.
الانتفاضة الأولى رد عليها بقوة الرئيس عمر البشير المعزول في أبريل 2019. ومجموعات الرحل المتضامنين معه من الجنجويد كانوا مسؤولين عن تدمير قرى بكاملها والمذابح بحق السكان المدنيين وعمليات الاغتصاب. وتم تشريد أكثر من مليونين ونصف مليون نسمة. وطبقا لحسابات خبير السياسة السودانية، أريك ريفيرس تعرض حتى 600.000 شخص للقتل.
وهذا العنف قد يزداد في حجمه بعد انسحاب وحدات الأمم المتحدة، كما تفترض السياسية تانيا مولر من جامعة مانشستر. "قد تحصل في المستقبل مجددا اضطرابات قوية. والكثير من الأشخاص قد يحاولون الحصول على مواقع أفضل وذلك باستخدام العنف"، كما تفيد مولر التي تقوم ببحوث حول التطور السياسي والاجتماعي في السودان. "لقد حصلت في الآونة الأخيرة اضطرابات". وهي قد تزداد في المستقبل، لأن حضور الأمم المتحدة كان له أيضا معنى ثقافي، وتطلب من الفاعلين التصرف بأسلوب حضاري.
والحيرة تنتاب العديد من السكان بالنظر إلى مستقبل المنطقة. إذا غادرت قوى اليوناميد، فإننا سنرحل أيضا، كما أعلنت منذ مارس من العام الماضي عائلة أمام المفوض الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للسودان ومدير المهمة الجديدة للأمم المتحدة، الألماني فولكر بيرتيس.
جيش متردد
ونظرا للمواجهات المستمرة لاسيما في جنوب المنطقة أعلنت الحكومة في الخرطوم عن نيتها إرسال جنود إلى المنطقة. ولا يمكن التعرف على فاعلية هذه الوحدات في الوقت الحاضر، كما تقول تانيا مولر. ولا يُعرف ما إذا كان الجنود مستعدين فعلا للدخول في مواجهات مع الجنجويد أو مجموعات أخرى. وبالتالي قد يفضل أولئك الجنود البقاء في مواقعهم عندما يظهر خطر الهجمات المسلحة. "لا أرى بأن الجيش السوداني سيكون مستعدا للمواجهة عندما تحصل فعلا مواجهات"، كما تفيد مولر.
أجواء تفاؤل
شيء من التفاؤل يسمح به التطور العام في السودان. فبعد سقوط البشير اتفق مدنيون وعسكريون على مستقبل مشترك ـ وهي خطوة أساسية بعد القيادة الحكومية المتسلطة للبشير الذي وصل إلى الحكم في 1989 بعد انقلاب. ونظرا لهذه المعطيات ترغب شرائح واسعة من المجتمع السوداني في حصول تحول سياسي عام للبلاد في اتجاه الديمقراطية ودولة القانون.
والسودان تغير، كما تلاحظ في خريف 2020 خبيرة شؤون السودان، فيبكه هانزن من مركز عمليات السلام الدولية في برلين. "بالتحديد في الخرطوم تسود أجواء التفاؤل والثقة في السير خطوة لا رجعة فيها بعد إعلان الدستور من أغسطس الماضي وتشكيل حكومة مؤقتة مدنية. وهذا التطور العام قد يؤثر إيجابيا على دارفور"، كما تقول تانيا مولر. والتغير في الثقافة السياسية يبدو مستداما. "لقد وُجدت قبل الثورة ضد البشير منظمات من المجتمع المدني التي حاولت تنفيذ هذه المشاريع على المستوى المحلي والتي تلقى التنفيذ حاليا على مستوى البلاد".
منطقة تحت السلاح
لكن، كما تفيد مولر ماتزال توجد مجموعات مسلحة تريد كسب فوائد مثل موارد الماء أو أراضي الرعي. "هذه المجموعات ماتزال تملك أسلحتها ولن تتردد في استعمالها لمنع تطور ثقافة سياسية مدنية وديمقراطية إذا كان يتعارض ذلك مع مصالحها".
وعلى هذا النحو غير مستبعد أن يحصل نوع من اختبار السلطة بين الشرطة السودانية والجيش من جانب والمجموعات المسلحة من جانب آخر. وبالتحديد في المناطق الهامشية للسودان تبقى مسألة التطور الاجتماعي مفتوحة. "لأنه كلما زاد ابتعاد العاصمة، كلما ضعف تأثيرها". إضافة إلى ذلك تبقى الحدود مع تشاد وكذلك اثيوبيا غير آمنة. وانطلاقا من هذا السبب أيضا ما يزال يوجد العديد من الفاعلين المسلحين. فانسحاب وحدات الأمم المتحدة قرار تبقى عواقبه مفتوحة.
كرستين كنيب/ م.أ.م
في صور.. عهد جديد في السودان بعد اتفاق تقاسم السلطة
اتفقت القيادة العسكرية والمعارضة على التوزيع المستقبلي للسلطة في السودان: بيد أن الأمر لن يخلو من وجود العسكر، ومع ذلك، فإن الفرحة في السودان كبيرة، لأنه ستكون هناك انتخابات في غضون ثلاث سنوات.
صورة من: Getty Images/AFP/E. Hamid
فرحة عظيمة وأمل كبير للسودانيين
الفرحة عظيمة، فقد اتفق الجيش والمعارضة على تشكيل حكومة انتقالية. وينص الحل الوسط، الذي تفاوض عليه الاتحاد الأفريقي، على إنشاء مجلس سيادي مكون من خمسة مدنيين وخمسة عسكريين، على أن ينتخب هؤلاء العضو الحادي عشر. ومن المفترض أن تستغرق الفترة الانتقالية مدة تزيد قليلاً عن ثلاث سنوات.
صورة من: Getty Images/AFP/E. Hamid
لحظة تاريخية بالنسبة للسودان
"الوثيقة الدستورية" التي تتضمن بنود الاتفاق وقع عليها في الخرطوم السبت (17 أغسطس/ آب 2019) كل من نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، وممثل تحالف "إعلان قوى الحرية والتغيير" أحمد الربيع بحضور رؤساء دول وحكومات أفريقية وممثلين عن الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ووزراء ومسؤولين من دول خليجية وعربية.
صورة من: picture-alliance/Anadolu Agency/C. Ozdel
شخصية عسكرية تتولى الرئاسة
وعلى الرغم من أن التسوية، التي تم التوصل إليها قد استوفت الكثير من المطالب المدنية، إلا أن الجيش سيستمر في لعب دور مهم في المستقبل، فالجنرال عبد الفتاح البرهان سيكون رئيسا خلال الفترة الانتقالية. هذا الاختيار لا يعجب الجميع بالضرورة، غير أنه يلقى تأييد كثيرين أيضا وخصوصا هؤلاء المتظاهرين في الصورة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
رجل الأمم المتحدة كرئيس للوزراء
كان يفترض أن يتم في اليوم التالي، الأحد (18 أغسطس/ آب 2019) الإعلان عن تشكيل المجلس الانتقالي، ليتم بعده الإعلان عن اسم رئيس الوزراء. وقد وافق المحتجون على عبد الله حمدوك، وهو مسؤول سابق، رفيع المستوى، بالأمم المتحدة ليتولى المنصب. كان حمدوك قد عُين عام 2016 كقائمٍ بأعمال الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، غير أنه تخلى عن منصبه في عام 2018.
صورة من: picture-alliance/G. Dusabe
عطل مؤقت بسبب قوى الحرية والتغيير
لكن المجلس العسكري أعلن الاثنين (19 أغسطس/ آب) إرجاء تشكيل مجلس السيادة لمدة 48 ساعة بناء على طلب من "قوى الحرية والتغيير"، ونقلت وكالة الأنباء السودانية "سونا" عن الفريق الركن شمس الدين الكباشي، المتحدث باسم المجلس القول بأن قوى الحرية والتغيير (الصورة أرشيف) طلبت الإرجاء حتى تتمكن من الوصول لتوافق بين مكوناتها على قائمة مرشحيها الخمسة لمجلس السيادة.
صورة من: picture-alliance/AA/O. Erdem
المدنيون يحددون ممثليهم بالمجلس السيادي
وفي نفس اليوم بدأ اجتماع لقوى الحرية والتغيير (الصورة من الأرشيف) وامتد حتى فجر اليوم التالي (الثلاثاء 20 أغسطس/ آب). وبعد توتر وملاسنات تم الاتفاق على كل من عائشة موسى وحسن شيخ إدريس ومحمد الفكي سليمان وصديق تاور ومحمد حسن التعايشي، ممثلين للقوى المدنية في المجلس السيادي.
صورة من: Ethiopian Embassy Khartoum
فترة انتقالية لنحو 40 شهرا
بعد تشكيل المجلس السيادي والحكومة فعليا، ستدوم الفترة الانتقالية 39 شهرًا، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2022، سيتم انتخاب حكومة جديدة. وحتى ذلك الحين، ستسير أمور البلاد، التي يزيد عدد سكانها عن أكثر من 40 مليون شخص، الحكومة الانتقالية، طبقا للوثيقة الدستورية.
صورة من: AFP
تأكيد على دور المرأة بالهيئة التشريعية
من المقرر أيضا أن يتم تشكيل الهيئة التشريعية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، على أن تكون نسبة 40 في المائة من أعضائها على الأقل من النساء. وبهذا ينبغي التأكيد على الدور المهم للمرأة السودانية خلال الاحتجاجات السلمية، التي بدأت نهاية 2018.
صورة من: Getty Images/AFP/E. Hamid
سقوط البشير بعد عقود من القبضة القوية
بداية من ديسمبر/ كانون الأول 2018، خرج مواطنو السودان إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير، بعد 30 عامًا من حكم الرئيس عمر البشير البلاد. خلال كل هذه السنوات حكم البشير بيد قوية، فقد تم تقليص عمل المعارضة، وجرى قمع المجتمع المدني وتعذيب المنتقدين بل وقتلهم. وتحت ضغوط من الاحتجاجات الجماهيرية المستمرة عزل الجيش عمر البشير من رئاسة الدولة في أبريل/ نيسان.
صورة من: picture-alliance/NurPhoto/A. Widak
الجيش سيواصل لعب دور
سقوط البشير لم يكن النهاية، فقد تواصلت المظاهرات عندما أصر المجلس العسكري على حكم البلاد خلال المرحلة الانتقالية حتى التحول إلى الانتخابات الديمقراطية. لكن الحركة الاحتجاجية وعلى رأسها "قوى الحرية والتغيير" دعت إلى تشكيل حكومة مدنية دون أي تدخل عسكري. هذا الشرط لم يتحقق بالكامل، ففي فترة الحكومة المؤقتة، سيستمر الجيش السوداني في لعب دور. اعداد: ديانا هودالي/ صلاح شرارة