الانسحاب من الاتفاق النووي.. إسفين في العلاقات عبر الأطلسي؟
٧ مايو ٢٠١٨
ذكر الرئيس الإيراني روحاني أن الولايات المتحدة ستندم على أي قرار بالانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع القوى العالمية، فكيف سيؤثر انسحاب واشنطن من الاتفاق على العلاقات بين ضفتي الأطلسي؟ وما هي خيارات إيران للرد؟
إعلان
التحذير الإيراني كان واضحاً: في حال انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستندم على ذلك "بشكل لم يحصل له مثيل في تاريخها"، كما قال الرئيس الإيراني حسن روحاني الأحد ( السادس أيار/ مايو 2018) في كلمة متلفزة.
وأضاف روحاني: "يجب على ترامب أن يعرف بأن شعبنا موحد"، معلناً في الوقت نفسه أن بلاده ستنظر أكثر في اتجاه أوروبا أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية. "ترامب سيرفض الاتفاق أو مواصلة إعاقته"، كما أوضح روحاني.
ولذلك سيكون من الأهم بالنسبة إلى إيران "هل سيبتعد الأوروبيون عن مسار ترامب أم لا"، كما قال في خطاب في شمال شرق إيران. وهذه الملاحظة تكشف ما هي ردود الفعل الممكنة لإيران على إنهاء الاتفاق النووي: ففي طهران قد تحصل المحاولة في إحداث انشقاق داخل المعسكر الغربي لاستغلال المصالح المختلفة بين الولايات المتحدة من جهة والبلدان الأوروبية من جهة أخرى. وفي نهاية تلك المصالح قد يكون تقارب بين إيران والاتحاد الأوروبي، في ملف البرنامج النووي على الأقل.
إسفينفي المعسكر الغربي؟
وحذر المدير السابق للبحوث في القوات الإسرائيلية أموس جيلاد من هذه الإمكانية في صحيفة "هآرتس". ففي حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، فإن القيادة في طهران ستحاول وضع إسفين بين المعسكرين الغربيين.
وقد يعود هذا بالنفع على إيران: وهذا التطور سيزيد من صعوبة المواقف الدولية بشأن الاتفاق النووية. "إذا تخلى الأمريكيون عن الاتفاق، فيجب عليهم الإعداد لبدائل"، كما قال جيلاد الذي أضاف: "لكنني لا أرى أن هذا يحدث".
وأي تراجع أمريكي من الاتفاق - إذا لم يكن ينطوي على خطر التقسيم - فإنه على الأقل سيشمل في طياته الابتعاد داخل المعسكر الغربي. وفي هذا السياق يقول أوليفر ماير، خبير السياسة الأمنية في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين: "الأوروبيون قالوا بأنهم لن يتخلوا من جانبهم عن الاتفاق". كما أن إيران رفضت التفاوض مجدداً بشأنه. "وحتى الأوروبيون لا يريدون ذلك. وهذا لن يكون ممكناً، لأننا سنكون مجبرين ليس فقط على تعديل بعض المعالم، بل الرزنامة بكاملها"، كما قال ماير في مقابلة مع إذاعة نورد دويتشه الألمانية. ويوضح ماير أنه سيكون من الصعب طرح دراسة الاتفاق من جديد التي تم التفاوض عليها طويلاً.
ويبقى مدى عمق الابتعاد بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في حال الانسحاب من الاتفاق من قبل ترامب مرهوناً في المقام الأول بشمولية وحزم العواقب التي سيتخذها الرئيس الأمريكي ترامب.
ففي حال التراجع عن العقوبات وإثقال الصفقات مع إيران دولياً بحصار، فإن ابتعاد واشنطن عن الأوروبيين سيتجذر. وفي حال معاقبة بنوك مرتبطة بعلاقات تجارية مع إيران، فإنه سيُنظر في أوروبا إلى هذا " كفعل عدواني لم يحصل له مثيل"، كما حذر جاريت بلان، كبير المنسقين السابق للاتفاق النووي تحت الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
تصعيد ممكن في الشرق الأوسط
وسيكون لإيران إمكانيات رد أخرى. وجزء من ذلك قد يطال على الأقل بصفة غير مباشرة الاتحاد الأوروبي. وفي بروكسل افترض الساسة أن الاتفاق النووي سيؤدي إلى اعتدال في السياسة الخارجية لإيران. وما حصل هو العكس: فنظام الملالي يزداد نشاطه في سوريا حيث يدعم بقوة الرئيس بشار الأسد. وعلى هذا النحو أرسلوا الحرس الثوري تحت قيادة الجنرال قاسم سليماني إلى سوريا. وفي آن واحد تقوي إيران نفوذها في العراق وكذلك عبر ميليشيا حزب الله الشيعية في لبنان.
وهذه السياسة قد تواصلها إيران في حال الانسحاب من الاتفاق النووي بشكل أكثر حدة ـ وفي أسوء الحالات إلى خوض حرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه الإمكانية أفصح عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حديث مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية. وإمكانية أن ينسحب ترامب من الاتفاق، هي أسوء خيار في كل الأحوال. "وهذا يعني أننا سنفتح علبة العفريت وتتفجر حرب". لكن ماكرون أضاف: "لا أعتقد أن دونالد ترامب يريد الحرب".
وقد تشعر إيران من خلال انسحاب من الاتفاق بالثقة في إرادتها بإعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط حسب تصوراتها. فبعد الالتزام المتراجع للولايات المتحدة في المنطقة، سجلت البلاد تطورات واضحة: فمن السهوب التركمانية حتى البحر الأبيض المتوسط باتت مناطق أكثر فأكثر تحت سيطرة شيعية تابعة لمركز السلطة الجديد في طهران ضد العدو اللدود: المملكة السعودية.
آفاق سيئة بالنسبة إلى مواطنين أمريكيين معتقلين في إيران
ونهاية للاتفاق النووي، كما تخشى صحيفة "واشنطن بوست" قد تؤدي إلى تجفيف قنوات الحوار الضعيفة بين واشنطن وطهران بشكل نهائي. وبالتالي سيكون زمن التقارب والتفاهم قد انتهى نهائياً. كما أن "واشنطن بوست" تخشى أمراً آخر: في السجون الإيرانية يقبع عدد من المواطنين الأمريكيين ـ والعدد الدقيق غير معروف. وانسحاب من الاتفاق قد يقلص فرص إطلاق سراحهم. وتفيد معلومات دبلوماسيين أمريكيين أنه لا توجد حالياً جهود لإعادة السجناء إلى الولايات المتحدة، كما تفيد الصحيفة.
كرستين كنيب/ م.أ.م
محطات في تاريخ النووي الإيراني وكيف خرج من يد واشنطن
مدى رفض الغرب لبرنامج إيران النووي معروف للجميع، لكن تاريخ نشوء هذا البرنامج النووي قد يفاجئ الكثيرين، سيما إذا ما عرفنا أنه بدأ غربيا وأمريكيا بالذات. تعرف في هذه الجولة المصورة على أبرز محطات هذا البرنامج المثير للجدل.
صورة من: ISNA
نتانياهو: "إيران خدعت العالم".
قبل أيام من اتخاذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقرار متوقع بشأن الاتفاق النووي مع إيران، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عن حيازته لوثائق تثبت أن "إيران خدعت العالم بإنكار أنها كانت تسعى لإنتاج أسلحة نووية".
صورة من: Reuters/A. Cohen
الاتحاد الأوروبي حريص على الاتفاق
ردود الفعل الغربية على تصريحات نتنياهو جاءت متضاربة، فقد تحفظ الأوروبيون إلى حد كبير في مواقفهم مؤكدين على أهمية الاتفاق مع طهران، فيما أعلنت الخارجية الأمريكية أن الوثائق التي كُشف عنها "حقيقية".
صورة من: Getty Images/AFP/E. Vidal
البداية أمريكية مع آيزنهاور
بدأت قصة البرنامج النووي الإيراني في خمسينات القرن الماضي في إطار برنامج الرئيس الأمريكي آيزنهاور "الذرة من أجل السلام". وفي عام 1967 تم التوقيع على اتفاقية بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة وإيران لتوريد اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم. وفي العام نفسه تأسس مركز طهران للبحوث النووية بدعم أمريكي.
صورة من: gemeinfrei
التوقيع على المعاهدة
في الأول من يونيو/ حزيران عام 1968 وقعت إيران على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
صورة من: UN Photo/Eric Kanalstein
بداية الطموحات النووية
في السبعينات أعلن شاه إيران محمد رضا بهلوي عن خططه لبناء 23 مفاعلاً نووياً حتى نهاية التسعينات، معللاً ذلك بالتهيؤ لفترة ما بعد النفط، ومؤكداً أن بلاده لا تسعى لبناء أسلحة نووية، ولكنه أضاف "في حال بدأت دول صغيرة في المنطقة ببناء ترسانة نووية، فستعيد إيران النظر في سياستها."
صورة من: AP
الدور الألماني في البرنامج الإيراني
في عام 1975 كرافت فيرك أونيون التابعة لشركة سيمنز الألمانية العملاقة توقع اتفاقية مع إيران لبناء مفاعل بوشهر النووي. وفي 1977 وافقت الحكومة الألمانية لكرافت فيرك أونيون على بناء 4 مفاعلات إضافية في إيران.
صورة من: dpa
الثورة الإيرانية وتحول سياسة الغرب
1979 اندلعت الثورة الإسلامية في إيران والتي أزاحت نظام الشاه الحليف الغربي والمدعوم تحديدا من الولايات المتحدة، ما شكل منعطفاً في التعاطي الغربي مع الطموح النووي الإيراني. الولايات المتحدة أوقفت إمداداتها من اليورانيوم المخصب لإيران. أما كرافت فيرك أونيون الألمانية فعلقت أعمال بناء مفاعلي بوشهر قبل إتمامها.
صورة من: bachehayeghalam.ir
دخول روسيا على الخط
بعد انقطاع الدعم الغربي للبرنامج النووي الإيراني، بدأ في مطلع التسعينات تعاون إيراني روسي توج بتأسيس منظمة بحثية مشتركة مع إيران باسم "برسيبوليس" وأمدت روسيا إيران على زمن الرئيس بوريس يلتسن بخبراء الطاقة النووية الروسية، والمعلومات التقنية. وفي منتصف التسعينات تم توقيع اتفاق روسي إيراني لاستكمال العمل في مفاعل بوشهر غير المنتهي.
صورة من: AP
مفاعل آراك النووي أثار مخاوف الغرب
بدأت المخاوف الدولية إزاء البرنامج النووي الإيراني في مطلع الألفية الثالثة عند حصول الولايات المتحدة الأمريكية على معلومات من مصادر من المعارضة الإيرانية مفادها قيام إيران ببناء مفاعل لإنتاج الماء الثقيل في مدينة آراك، وهو نوع من المفاعلات يمكنه إنتاج مادة البلوتونيوم اللازمة لإنتاج السلاح النووي.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Kenare
بداية سياسة العصا والجزة الغربية
مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الأمنية والسياسية خافيير سولانا قام بزيارة إلى طهران وأعلن أن إيران ستسمع "أخبارا سيئة" إذا لم توقع على البروتوكول الإضافي الخاص بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والسماح الفوري بتفتيش المنشآت النووية الإيرانية "دون قيد أو شرط".
صورة من: AP
الأخبار السيئة كانت..
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تصدر قراراً في سبتمبر 2003 يلزم إيران بـ"الوقف الفوري الكامل" لكافة نشاطاتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، وبتوقيع البروتوكول الإضافي.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Schlager
الإيرانيون لم يستجيبوا للضغوط
لكن إيران لم تستجب للضغوط واستأنفت تخصيب اليورانيوم معلنة في أبريل/نيسان 2006 النجاح في عمليات التخصيب بنسبة 3.5% الصالحة لأغراض سلمية، والبعيدة عن الأغراض العسكرية التي تتطلب نسبة تخصيب تزيد على 90%.
صورة من: AP
بداية العقوبات على إيران
رد فعل مجلس الأمن الدولي جاء سريعاً حيث أصدر في ديسمبر 2006 قراره رقم 1737 الذي يمنع أي دولة من تسليم إيران أو بيعها أي معدات أو تجهيزات أو تكنولوجيا يمكن أن تساعدها في نشاطات نووية وبالستية، بالإضافة إلى تجميد أصول عشر شركات و12 شخصا لهم علاقة بالبرامج.
صورة من: AP
التوصل للاتفاقية بعد سنوات من الأزمة
بعد سنوات طويلة من المفاوضات الماراثونية ومبادرات عدة، توصلت طهران في 2 أبريل 2015 مع الدول الست الكبرى في مدينة لوزان السويسرية إلى "اتفاق إطار" يقود إلى حل نهائي لملف البرنامج النووي الإيراني. الإتفاق نص على تخلي إيران عن أجزاء من خطتها النووية مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها. ودخل حيز التنفيذ في 15 يناير 2016. إعداد: ميسون ملحم