افتتحت مؤسسة دويتشه فيله اليوم الاثنين 2 يونيو/حزيران 2008 المنتدى الإعلامي العالمي الأول في مدينة بون الألمانية، وسط حضور أكثر من ألف من رجال السياسة والاقتصاد والإعلام من حوالي مائة دولة. خلال المنتدى، الذي يستمر على مدار ثلاثة أيام، يناقش الحاضرون دور الإعلام في دعم السلام ومواجهة الأزمات العالمية، خاصة في ظل تأثر الإعلام بشكل كبير "بظاهرة العولمة"، كما أكد مدير عام مؤسسة دويتشه فيله، إريك بيترمان، في كلمته الافتتاحية، مشيراً إلى "أننا أصبحنا نحيا" في عصر تنقل فيه المعلومات بشكل مباشر عبر الأقمار الصناعية وعبر شبكة الانترنت. وأضاف في هذا الإطار قائلا في عصر عولمة وسائل الإعلام، "لم يعد من حقنا أن نتحدث عن بعضنا، لكن علينا أن نتحدث مع بعضنا البعض وأن نسعى سويا لإيجاد حلول للمشكلات"، مذكرا في هذا السياق بموضوع الرسوم الكاريكاتيرية الدانمركية وما أثارته من أزمة بين الشرق والغرب. من ناحية أخرى، أكد بيترمان على المسئولية المتزايدة التي تقع على عاتق الإعلاميين في ظل تطور وسائل الإعلام.

"الاحتكار نوع من أنواع القمع"

ومن جانبه، رحب أندرياس كراوتشيد، وزير الإعلام في ولاية شمال الراين ويستفاليا، بالمبادرة التي قامت بها دويتشه فيله لتنظيم هذه الفعالية، ملقياً الضوء على ما تتمتع به الولاية من حركة إعلامية قوية، ومشيداً باختيار مدينة بون، مركز الأمم المتحدة في ألمانيا، لإقامة هذا الحدث العالمي. أما الحقوقية الإيرانية شيرين عبادي، المدافعة عن حقوق الإنسان والحائزة على جائزة نوبل للسلام، فقد ركزت في حديثها أثناء افتتاح المنتدى على ضرورة دعم حرية التعبير، مشيرة إلى خطورة احتكار عدد من الشركات والمؤسسات لوسائل الإعلام العالمية، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقالت في هذا الإطار: "هناك من ناحية نوع من قمع التعبير وهو الاعتماد على الرقابة على ما ينشر كما هو الحال في دولة مثل إيران، لكن هناك أيضاً نوع آخر من قمع حرية التعبير، ويتمثل في احتكار بعض الجهات أو الشركات لوسائل الإعلام، واستخدامها لخدمة مصالحها الذاتية ولنشر أفكارها ومبادئها." ولفتت عبادي النظر إلى أن ميزانية هذه الشركات تعد بالمليارات، وهو ما يجعل المنافسة مستحيلة أمام وسائل الإعلام المستقلة.

"التغيير لا يتم فقط عن طريق المناقشات"

وبالرغم من أهمية هذا المنتدى في رأي دافيد أستلي، الأمين العام للاتحاد الإعلامي الآسيوي الباسيفيكي، إلا أنه أكد على أهمية المتابعة بعد المنتدى لاتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع، قائلاً: "خلال عملي، حضرت الكثير من المنتديات والمناقشات المماثلة، ولاحظت أن من يحضرون مثل هذا الحدث هم المدراء والرؤساء وليسوا هؤلاء الذين يعملون بالفعل بشكل يومي في موقع الحدث. وهؤلاء هم الذين يجب أن يتدربوا على كيفية صناعة التقارير المتوازنة عن الأزمات والتعرف على خلفيات الأزمات التي يكتبون عنها". وأضاف أستلي أن التغيير لن يتم فقط بالمناقشات وورش العمل ولكن بتفعيل نتائج مثل هذه المنتديات في صورة خطة عمل يمكن للإعلاميين استخدامها بشكل يومي. أما جيورج باومجارتن، وكيل وزارة الخارجية الألمانية، فقد أكد على أهمية دور الإعلام في دعم الديمقراطية، مشيراً إلى ما يتعرض له الإعلاميين من مخاطر، خاصة هؤلاء العاملين في مناطق الصراعات. من ناحية أخرى، أكد باومجارتن أن الإعلام يبقى مجرد وسيلة يمكن استخدامها للخير أو للشر، لكنه أضاف أن ما يساعد على تحسين الكفاءة الصحفية هو العمل على تنمية قدرات الصحفيين وأيضاً على توعية الجمهور ليتعامل بشكل نقدي مع ما يتلقاه من معلومات حتى لا يصدق ببساطة كل ما يسمع.

الإعلام والتصدي للأزمات

وفي إطار فعاليات المنتدى، ناقش عدد من الإعلاميين العاملين في مؤسسات إعلامية دولية دور الإعلام العالمي في التصدي للأزمات. وتعليقاً على عنوان هذه الندوة، قال عارف حجاوي، مدير إدارة البرامج في قناة الجزيرة: "لقد ضحكت عند قراءة اسم حلقة المناقشة هذه، فأنا أعتقد أن الأزمات لو انتهت لما وجد الصحفيون عملاً!! كما أن الأزمات أمر طبيعي وإنساني، فلنترك حل الأزمات للسياسيين. أما نحن كإعلاميين، فعلينا فقط أن ننقل الخبر بسرعة وبشكل متوازن". ووافقه الرأي يان هوك، المدير العام لإذاعة هولندا الدولية، لكنه أضاف أن الإعلام يمكن أن يعمل على الأقل على منع التصعيد أثناء الأزمات، مشيراً إلى فيلم "فتنة" الذي أثار ضجة كبيرة عند عرضه، وإلى ما تم من مناقشات آنذاك في داخل الأوساط الهولندية حول منع الفيلم، وهو ما يعد ـ في رأيه ـ مخالفاً لحرية التعبير. وأكد هوك أن دور الإعلام يتمثل في مثل هذه الحالة بالدرجة الأولى في محاولة تفنيد الأفكار المسبقة، وعدم نشر ثقافة الكراهية والابتعاد عن أسلوب التعميم.

التكنولوجيا الإعلامية الحديثة نعمة أم نقمة؟

ناقش الحاضرون أيضاً دور التقنيات الإعلامية الحديثة، التي أصبحت في متناول الجميع مما جعل الكثير من الأفراد قادرين اليوم على إنشاء إذاعاتهم الخاصة وإنتاج أفلامهم وبث أرائهم عبر شبكة الانترنت، وهو ما يعتبره دانفورث أوستين، مدير إذاعة صوت أمريكا، مجرد تغير في الوسيلة التي لن تغير كثيراً من المحتوى. أما إيرلاندز كالابيوج، نائب رئيس راديو فرانس الدولي، فقد فيرى أن تلك الوسائل التي سمحت لكثير من غير المؤهلين صحفياً لبث تقارير مكتوبة أو مرئية أو مسموعة عن طريق الانترنت، صنعت نوعاً من البلبلة لدى الجماهير، الذين أصبحوا عاجزين عن التفرقة بين المعلومة والرأي الشخصي أو بين التقارير الصادقة والأكاذيب.