1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أمريكا على صفيح ساخن.. هل يتخطى ترامب الأزمة؟ وبأي ثمن؟

٤ يونيو ٢٠٢٠

يلقي الكثيرون باللوم على ترامب في ما تشهده أمريكا من انقسام مجتمعي يكاد يصل إلى حافة الحرب الأهلية، وفي التعامل العنيف للشرطة مع المتظاهرين، والفشل في إدارة أزمة كورونا.. لكن الغضب المتصاعد في أمريكا له جذور أعمق من ذلك.

قوات من الحرس الوطني الأمريكي أمام النصب التذكاري لإبراهام لنكولن
قوات من الحرس الوطني الأمريكي انتشرت في العاصمة واشنطن بأمر من ترامبصورة من: Reuters/Courtesy of James Harnett/Social Media

ثماني دقائق وست ثوان كانت هي المدة التي استغرقها الضابط ديريك تشوفين ليزهق روح المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد.. هذه الدقائق كانت كافية تماماً لتنقلب أمريكا رأساً على عقب، ويرى العالم مشاهد لم يكن يتصور أن يرى مثلها في أحد أكبر معاقل الديمقراطية.

سبق ذلك الحادث المأساوي حادث مقتل المسعفة الأمريكية السمراء بريانا تيلور بثمان رصاصات في منزلها في شهر مارس إثراقتحام أمني خاطئ لمنزلها، تلاه حادث مقتل الشاب الأسمر أحمد اربيري الذي قتله عنصري أبيض ووالده فيما كان أحمد يمارس رياضة الجري.

قِصَرُ تلك الدقائق التي استغرقتها حياة فلويد لتزهق، وضخامة الأحداث التي وقعت بعدها تؤكد على أمر واحد وهو وجود احتقان داخلي كبير تراكم على مدى عقود طويلة، يغذيه يمين متطرف ونظام عدالة لا يكفي لإحداث الردع الشامل عن ارتكاب جرائم العنصرية.

 حصيلة الاحتجاجات الأمريكية في 6 أيام كانت 5 قتلى و4400 موقوف، كما انتشر الحرس الوطني في بعض المدن وفرض حظر تجوال في مدن أخرى لليلة أو ليلتين فقط، وتم استدعاء الحرس الوطني في واشنطن العاصمة بالكامل للمساعدة في السيطرة على الاحتجاجات

 وفيما يبدو من الأحداث فإن هذه ليست "انتفاضة سود" وحسب، وإنما هي اعتراض من قطاعات واسعة من الأمريكيين على الكثير من الأمور لعل أهمها الفشل الذريع للإدارة الحالية في التعامل مع جائحة كورونا، إلى جانب نسب بطالة مرتفعة مع احتجاج بلغ اوجه من تعامل الشرطة الأمريكية العنيف، وحالات القتل التي تنتهي بفصل الضابط القاتل أو تغريمه وصولاً إلى الأحكام القضائية المخففة.

أسد جريح

كانت كل الظروف في صالح ترامب للفوز بولاية ثانية: نجاحات اقتصادية كبيرة، ومستويات منخفضة للغاية من البطالة، ومعارضة يسارية تبدو ضعيفة ومشتتة، وإدارة باتت كلها تخضع لرؤيته هو ومن معه من شخصيات يمينية.

إلى أن جاء حدثين في غاية الأهمية: الأول هي جائحة كورونا التي نتج عنها قرابة 42 مليون حالة بطالة تقريبا ولايزال الرقم في تصاعد، كما أظهرت الجائحة فشلاً ذريعا لادارة ترامب بمعدلات وفيات هي الأعلى في العالم نتيجة وباء كوفيد-19، كما وجهت اتهامات لترامب بأن جانباً كبيراً من الفشل يرجع إما لإلغائه تمويل عدد من المجالس الاستشارية والإدارات البحثية والعلمية إلى جانب تجاهله تحذيرات خبراء الصحة والوكالات الاستخباراتية بشأن خطورة فيروس كورونا المستجد، وهو تحديداً ما اتهمه به المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن:

 

الحدث الثاني وهو وفاة جورج فلويد اختناقاً تحت ركبة ضابط أمريكي أبيض لديه سجل حافل من الاتهامات بالعنصرية. الواقعة التي تم تصويرها بالفيديو وشاهدها العالم لتضعف كثيراً حجة (القتل دفاعاً عن النفس) التي غالباً ما ساهمت في إفلات ضباط عنصريين من تهم بالقتل ولينفجر برميل بارود عمره لا يقل عن 200 عام.  

أصبح ترامب كالأسد الجريح، فكل ما كان يستند إليه لتحقيق انتصاره في الانتخابات المقبلة بدا وكأنه يذهب أدراج الرياح أمام ناظريه والشارع مشتعل والاتهامات تكال له ليلاً ونهاراً في كل مكان، الأمر الذي دفعه لاتخاذ إجراءات والتصريح بكلمات ربما يندم عليها كثيراً فيما بعد، موجها سيلاً من الاتهامات بالفشل والتقصير للحكام الديمقراطيين للولايات ومحملا إياهم تبعات الفشل في مواجهة كورونا أو قمع الاحتجاجات بالقوة، وملوحاً بانه سيتجاوزهم ويفرض القانون والأمن بقوة الجيش

 

انقسام مجتمعي

لم يكن وصول باراك اوباما كأول رئيس أمريكي من أصول إفريقية إلى الحكم في الولايات المتحدة أمراً جيداً لدى البعض ممن يكرهون الآخر – غير الأبيض/غير الأمريكي/ المهاجر/ الخ.. – حتى وإن كان أوباما هو مجرد وجه أسمر لأفكار وقيم الرأسمالية الأمريكية العتيدة التي أصبحت نهجاً صريحاً للإدارة السياسة على الأقل منذ عهد رونالد ريغان، ليتعزز مع الوقت تمايز حاد بين تيارين في الولايات المتحدة الأمريكية هما نفسيهما يعانيان من انقسامات داخلية: يمين متطرف ويسار يبدو في طريقه إلى ذلك.

ومع انسحاب الاشتراكي المخضرم بيرني ساندرز من سباق الانتخابات بدا نجم الحركات اليسارية الاحتجاجية يتصاعد في مواجهة يمين متطرف، لتظهر على سطح الأحداث الأخيرة التي أعقبت مقتل جورج فلويد حركة انتيفا - سيأتي ذكرها لاحقاً - لتظهر في المقابل تصريحات على شبكات التواصل الاجتماعي لأنصار ترامب أبدى بعضهم خلالها استعداداً تاماً للنزول إلى الشوارع وإنهاء حركات الاحتجاج خلال 24 ساعة في تهديد واضح باستخدام القوة.

 تهديد تلقاه الجميع بقلق شديد تزامن مع تصاعد نبرة الحديث للتيار اليميني في وسائل الإعلام ،كما يظهر من تصريحات جاريد تايلور محرر مجلة "النهضة الأمريكية" ذات التوجه العنصري.

وبعد أن كانت أمريكا هي بوتقة انصهار الثقافات والمعارف المختلفة للمهاجرين، تضاءلت اللحمة الاجتماعية وتعاظم الانقسام المجتمعي وأصبح العدو داخلياً مع تصاعد الخطاب العنصري والذي يُتهم ترامب بشكل أساسي أنه المتسبب فيه، إلى جانب عوامل متعددة ساهمت في تراجع تأثير الطبقة الوسطى المتعلمة التي كان يعول عليها أي مرشح للرئاسة في مقابل تنامي التطرف اليميني.

تزامن ذلك مع تصاعد الاتهامات للشرطة الأمريكية برفع مستوى العنف في مواجهة الاحتجاجات إلى مستويات غير مسبوقة أصابت حتى كبار السن والأطفال 

 

كما تعرض الصحفيون لانتهاكات شديدة قارنها البعض بما يحدث لزملائهم في الشرق الأوسط ، انتهاكات لم يسلم منها حتى فريق دويتشه فيله (DW). 

وزير الدفاع يرفض توجهيات ترامب

وزير الدفاع السابق ماتيس أصدر بياناً شن فيه هجوماً لاذعاً على ترامب، وقال إن البلاد تشهد تداعيات ثلاث سنوات من قيادة غير ناضجة

وأضاف أن ترامب "هو أول رئيس أراه في حياتي لايحاول توحيد الأمريكيين، ولايحاول حتى التظاهر بالقيام بذلك، عوضاً عن ذلك هو يحاول أن يفرقنا".

وزير الدفاع الحالي مارك أسبر رفض تنفيذ رغبة ترامب في نشر وحدات جديدة للجيش داخل الولايات وقال في مؤتمر صحفي إنه لا يدعم استخدام القوات العاملة لقمع الاحتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وأنه يجب استخدام هذه القوات فقط في دور إنفاذ القانون كملاذ أخير، في معارضة واضحة لرغبة الرئيس ترامب.

 

ونظرا لموقفه فإن الكثير من المراقبين السياسيين في الويات المتحدة ينتظرون موعد تقديم اسبر لاستقالته بعد أن "تجرأ" على رفض الانصياع لرئيسه، فيما تتصاعد أسهم السيناتور توم كوتون لتعيينه وزيرا للدفاع، وهو صاحب المقال الشهير الذي طالب فيه بنزول الجيش وسحق ما أسماه بـ "العصيان"، وهو المقال الذي يبدو أنه يلمح إلى احتمال اندلاع عصيان مدني وسياسي ضد ترمب ما يستدعي تدخل الجيش الأمريكي. 

عنف ترامب في التعامل مع الأزمة وما بدا أنه توجيهات بتصعيد درجة القمع في تصدي الشرطة للمتظاهرين أقلق الكثيرين حتى داخل معسكره، وربما كان هذا "التوجيه" هو ما أدى إلى أن تخرج تصريحات ضابطة شرطة أمريكية بهذا الشكل العنيف متوعدة بالقتل:

 

أنتيفا في مواجهة ترامب

تخلل الاحتجاجات المتصاعدة جانب من العنف والسرقة والاعتداءات، اتهم ترامب حركة أنتيفا ANTIFA اليسارية بالضلوع في القيام بها وتحريض الناس على ارتكاب مثل هذه الجرائم موجها الاتهامات إليها ـ وإلى "اليسار الراديكالي" ـ بــ" إثارة الفتن والوقوف خلف حركة الاحتجاجات"، ومهدداً بتصنيف الحركة المناهضة للفاشية كــ"منظمة إرهابية محلية”:

 

وأنتيفا ANITFA هي حركة  معادية للفاشية واليمين المتطرف والرأسمالية وكل من يستهدف المهمشين والأقليات، تأسست قبل الحرب العالمية الثانية مع بداية ظهور النازية والفاشية وانتشرت في عدة دول حول العالم ولا تؤمن بإصلاح السياسات وإنما بالفعل المباشر والعنف لتعديل المسار. وترى الحركة أن أفكارا كالنازية والفاشية لم تكن لتظهر وتنتشر إلا بسبب عدم وجود ردود فعل قوية وعنيفة يما يكفي لوقف انتشار مثل تلك الأفكار:

وفي الوقت الذي تعارض فيه أدبيات الحركة عمليات القتل، إلا أن أعضاءها قد ينتهجون مستويات مختلفة من العنف في حالة السماح للجماعات العنصرية والفاشية بتنظيم نفسها وحمل السلاح. وعادة ما يظهر أعضاء الحركة بملابس سوداء، خلال الاحتجاجات ويدعون الناس إلى النزول للشوارع وتنظيم احتجاجات ضد "اليمين المتطرف والحركات العنصرية"، بحسب ما ذكرت وكالة الأناضول.

بدأت الحركة تظهر على السطح بشكل متكرر في أمريكا منذ انتخاب ترامب وكان أكبر ظهور لها عام 2017 حين انطلقت مظاهرة في فيرجينيا ضد العنصريين البيض على إثر تظاهرات نظمها أنصار تفوق العرق الأبيض في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا. 

من أشهر المجموعات التي تنضوي تحت قيادة أنتيفا، منظمة "روز سيتي أنتيفا" في بورتلاند، وهي أقدم مجموعة تابعة للحركة في أمريكا، ورغم حضورها القوي وتنظيمها الشديد إلا أن أعضائها مجهولون، بحسب ما ذكرت صحيفة "يو اس ايه توداي".

ويخشى مراقبون من أن تهديد ترامب بإعلان انتيفا "جماعة إرهابية" قد يمهد لمكارثية جديدة في الولايات المتحدة يتم على إثرها إطلاق حملة اعتقالات ضخمة تضم كل من يكرهه ترامب أويخشاه، لتتكرر كارثة المكارثية التي أخذ المجتمع الأمريكي وقتاً طويلاً ليتعافى من تبعاتها.

 

فرص فوز ترامب، ورعب من سيناريو هزيمته!

في ضوء كل ما سبق، تبدو احتمالات فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل غير كبيرة، فهناك أزمات اقتصادية وبطالة وفشل في إدارة أزمة كورونا أودى بحياة الآلاف، على أن الأخطر من كل ذلك هو مجتمع يشهد انقساماً كبيراويبدو وكأنه على شفا حرب أهلية.

على الحانب الآخر، لا تبدو خسارة ترامب أيضا بالأمر المبشر بالخير، فهناك أصوات متصاعدة في الداخل الأمريكي تحذر من رفض ترامب للاعتراف بهزيمته في الانتخابات، والإدعاء بأنه تم تزويرها، حيث استبق ترامب الأحداث وحذر من لجوء بعض حكام الولايات "الديمقراطيين" من اعتماد أسلوب التصويت عبر البريد الذي قرره بعضهم للحد من انتشار فيروس كورونا.

فبحسب مقال للكاتب برايان كلاس في صحيفة واشنطن بوست، فإنه من الصعب تصور قبول ترامب للهزيمة وتهنئته للفائز بمنصب الرئيس، وفي الغالب فإنه سيعتمد استراتيجية التشكيك في شرعية الخصوم السياسيين، ما قد يهدد الانتقال النقل السلمي للسلطة  والذي يقوم عليه أساس النظام السياسي الأمريكي.

 

رفض ترامب قد يصاحبه ردود فعل عنيفة للغاية من اليمين المتطرف المساند له، والذي يتشكل جانب منه في صورة ميليشيات مسلحة عنيفة منتشرة في أمريكا،. وقد يدفع رفض ترامب للاعتراف بالهزيمة تلك الميليشات للنزول إلى الشوارع بما قد يتطور إلى اشتباكات مسلحة مع معارضي ترامب، لتندلع نيران حرب أهلية جديدة،  ربما تكون مشابهة لأخرى في التاريخ الأمريكي اندلعت - وللمفارقة المذهلة - بسبب الخلاف بين الشمال والجنوب على "تحرير "العبيد".

عماد حسن

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW