بات الوضع الاقتصادي في ألمانيا صعبا بسبب التضخم وارتفاع أسعار الطاقة ونقص اليد العاملة، ما ينذر بالانكماش. ويطارد شبح "رجل أوروبا المريض" البلاد مجددا، فهل ينجح أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي في حل هذه المعضلة؟
إعلان
قبل مطلع الألفية، توقعت مجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية الشهيرة بأن ألمانيا في طريقها لأن تصبح "رجل أوروبا المريض"، وقد وصفتها المجلة هكذا بسبب افتقارها إلى القدرة التنافسية وارتفاع معدلات البطالة.
بيد أن هذا الحكم كان بمثابة دعوة لإيقاظ الدوائر السياسية في البلاد ودق ناقوس الخطر إزاء مستقبل الاقتصاد الألماني مع تباطؤ عجلة الإصلاحات بعد سنوات رائعة اقتصاديا عقب الوحدة. وعلى وقع التحذيرات، بدأت حكومة المستشار السبقغيرهارد شرودر في حينه بعملية إصلاح جوهرية في سوق العمل أثمرت نتائج جيدة، إذ خلصت مجموعة من الاقتصاديين بريطانيين والألمان عام 2014 إلى القول بأن ألمانيا قد تحولت "من رجل مريض في أوروبا إلى بطل ونجم اقتصادي".
والآن يعاني الاقتصاد الألماني من الأزمة ذاتها، إذ على مدى الأشهر الستة الماضية انخفضت التوقعات الاقتصادية، ما يعني أن اقتصاد ألمانيا على حافة "الانكماش التقني". وخلال الربع الأخير، شهد الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا ركودا لم يتغير منذ الربع الذي سبقه، فيما تظهر جميع المؤشرات الاقتصادية الرائدة انخفاضا في النمو الاقتصادي. وفي ذلك، قال رئيسمعهد (Ifo) للأبحاث الاقتصادية في ميونيخ، كليمنس فوست: إن "الوضع الاقتصادي الألماني يزداد قتامة".
الجدير بالذكر أن المعهد يقوم باستطلاع للرأي شهريا بما يشمل استطلاع آراء نحو 9 آلاف مدير تنفيذي حول الوضع الحالي لنشاط أعمالهم التجارية وأيضا توقعاتهم للأشهر الستة المقبلة. وقد انخفض مؤشر مناخ الأعمال الخاص بالمعهد في يوليو / تموز الماضي للشهر الثالث على التوالي.
آفاق قاتمة!
ويتوقع خبراء المعهد انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيامرة أخرى خلال الربع الحالي. وقد حذر يورغ كريمر، كبير الاقتصاديين في مصرف "كومرتس بنك" الألماني، من أنه "للأسف لا يوجد تحسن في الأفق"، مضيفا "تلقى الزيادات في أسعار الفائدة على مستوى العالم بظلالها أيضا، خاصة وأن الشركات الألمانية تعاني من وضع غير مستقر بسبب تآكل جودة مواقعها."
وقد ذكر صندوق النقد الدولي أن أداء ألمانيا ضعيف بشكل استثنائي في حالة المقارنة مع الدول الصناعية الأخرى، ما يعني أن ألمانيا ستكون الدولة الكبيرة الوحيدة ذات اقتصاد منكمش وسط تزايد القلق حيال القطاع الصناعي الألماني الذي يعد قاطرة اقتصاد البلاد وهو ما تجلى في شعار "صنع في ألمانيا".
وبالأرقام، يمثل هذا القطاع جزءا كبيرا نسبيا (24 بالمائة) من إجمالي القيمة المضافة لألمانيا. لكنه مازال يعانى من الركود الاقتصادي العالمي، فيما يشعر قطاعا صناعة الآلات والسيارات اللذان يعتمدان بشكل كبير على الصادرات، بآثار تراجع الزبائن الأجانب.
ولا تزال الشركات في قطاع الصناعات التحويلية تحاول إنقاذ نفسها بفضل تراكم الطلبات إبان جائحة كورونا جراء أزمة سلاسل التوريد، بيد أنه في حالة إنجاز هذه الطلبات، فإنه سيتراجع. إذ تفيد التقارير بأنه خلال الفترة ما بين مارس/ آذار وحتى مايو/ أيار الماضي انخفضت الطلبات بنسبة تزيد عن 6 بالمائة عن الأشهر الثلاثة السابقة.
وعلى وقع ذلك، عزا خبراء اقتصاديون الأزمة التي يعاني منها أكبر اقتصاد في أوروبا إلى عدة أسباب، أبرزها السياسة النقدية للبنوك المركزية. إذ يريد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي كبح جماح التضخم من خلال الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة.
ويؤدي ذلك إلى زيادة تكلفة القروض بالنسبة للشركات والمستهلكين، وهذا يؤدي بدوره إلى كبح قطاع البناء الهام والحيوي في ألمانيا؛ فضلا عن إضعاف رغبة الشركات في ضخ استثمارات جديدة، وهو ما ينذر بظاهرة "الديناميكية الاقتصادية المعطلة" التي تعد الهدف الأساسي من زيادة أسعار الفائدة.
وفي المقابل، تعاملت بلدان أخرى في منطقة اليورو مثل فرنسا أو إسبانيا بشكل جيد مع الأزمة، وهو ما أشار إليه موريتس شولاريك، الرئيس الجديد لمعهد كيل للاقتصاد العالمي، بقوله: "يتمتع كل جيراننا الأوروبيين بزخم اقتصادي أعلى".
ويسلط ذلك الضوء على أن المشاكل الهيكلية تعيق تقدم الاقتصاد الألماني، حيث كان النموذج الاقتصادي للبلاد يعتمد على استيراد مصادر الطاقة الرخيصة من روسيا بشكل كبير وأيضا المواد الخام الرخيصة والسلع شبه المصنعة، حتى يتم معالجتها وتصديرها كسلع عالية القيمة ومكلفة.
بيد أن هذا النموذج لم يكتب له النجاح على الدوام، فقد كشفت الأزمات المتلاحقة خلال السنوات الأخيرة عن نقاط ضعفه، إذ باتت الصناعات التيتستهلك الطاقة بشكل شره تعاني من ارتفاع فاتورة الطاقة فضلا عن أن الشركات التي نقلت مواقع إنتاجها خارج ألمانيا لم تقرر العودة مجددا.
الحاجة إلى حلول جريئة
خلصت دراسة حديثة أجراها مصرف "دي زد بنك/ DZ Bank" إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والتي تعد بمثابة "العمود الفقري للاقتصاد الألماني"، باتت الآن في خطر. وأشارت الدراسة إلى مشاكل أخرى تعاني منها الشركات الألمانية تتجاوز إشكالية ارتفاع أسعار الطاقة، على رأسها نقص العمالة الماهرة والبيروقراطية المفرطة والضرائب المرتفعة والبنية التحتية المتعثرة وتباطؤ الرقمنة وارتفاع معدلات الشيخوخة في البلاد.
بدوره، قال بيتر أدريان، رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية، إن قطاعات كبيرة من الاقتصاد الألماني تعاني من نقص في الثقة بأن ضخ استثمارات كبيرة في ألمانيا سيكون مجديا في ضوء ارتفاع التكاليف.
قدم الخبير الاقتصادي موريتس شولاريك، رئيس معهد كيل للاقتصاد العالمي حلولا للأزمة في مقال نشره على موقع المعهد، جاء فيه: "إذا كانت ألمانيا ترغب في أن تبعد عنها شبح (رجل أوروبا المريض) مرة أخرى، فعليها الآن أن تحول اهتمامها إلى قطاعات النمو المستقبلية بدلا من إنفاق المليارات بشكل مخيف للحفاظ على صناعات الأمس كثيفة الاستهلاك للطاقة".
وأضاف بأنه يجب على ألمانيا أن تعالج بسرعة أوجه القصور وأبرزها – على حد قوله - "التخلف غير المبرر في جميع نواحي الرقمنة والضعف الواضح في قدرة الدولة والبنية التحتية العامة والافتقار إلى استراتيجية ذات مغزى لمواجهة أزمة نقص السكن، ويجب زيادة الهجرة للتغلب على أزمة شيخوخة القوى العاملة".
هنريك بومه/ م. ع
عربيا ودوليا.. تداعيات حرب بوتين على الأسعار ومعيشة الناس
تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا لم تقتصر على دول الجوار، وإنما امتد تأثير الحرب إلى جميع أنحاء العالم. فمع ارتفاع أسعار الطعام والوقود إلى معدلات غير مسبوقة، شهدت بعض الدول مظاهرات وأعمال شغب.
صورة من: Dong Jianghui/dpa/XinHua/picture alliance
ألمانيا.. التسوق بات مكلفا
أدت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا إلى ارتفاع تكلفة المعيشة في ألمانيا وهو ما أثر على المستهلكين. ففي مارس/ آذار، ارتفع معدل التضخم في ألمانيا إلى أعلى مستوى له منذ عام 1981. وبالنسبة للعقوبات، تبدي الحكومة الألمانية حرصا على المضي قدما في فرض حظر على الفحم الروسي، لكنها لم تتخذ قرارا بعد حيال حظر الغاز والنفط الروسي.
صورة من: Moritz Frankenberg/dpa/picture alliance
كينيا.. ازدحام أمام محطات الوقود
شهدت محطات الوقود في العاصمة الكينية نيروبي ازدحاما كبيرا مع شعور الناس بارتفاع سعر الوقود بشكل كبير، مع عدم توفره جراء الحرب فضلا عن تداعياتها على أزمة الغذاء في هذا البلد الفقير. وقد أعرب سفير كينيا لدى الأمم المتحدة، مارتن كيماني، عن بالغ قلقه إزاء الأمر أمام مجلس الأمن، إذ أجرى مقارنة بين الوضع في شرق أوكرانيا والأحداث التي شهدتها أفريقيا عقب الحقبة الاستعمارية.
صورة من: SIMON MAINA/AFP via Getty Images
تركيا.. تأمين إمدادات القمح
تعد روسيا من أكبر منتجي القمح في العالم. وبسبب الحظر على الصادرات الروسية، ارتفع سعر الخبز في دول عدة ومنها تركيا. كما أدت العقوبات الدولية إلى تعطيل سلاسل التوريد. وتعد أوكرانيا واحدة من أكبر خمس دول مصدرة للقمح في العالم، لكن بسبب الغزو الروسي لا تستطيع كييف شحن الإمدادات من موانئها المطلة على البحر الأسود.
صورة من: Burak Kara/Getty Images
العراق.. ارتفاع كبير في أسعار القمح
يعمل هذا العامل في سوق جميلة، أحد أسواق الجملة في بغداد. ارتفعت أسعار القمح في العراق إلى معدلات قياسية منذ غزو روسيا لأوكرانيا. وبما أن روسيا وأوكرانيا تستحوذان على نسبة 30 بالمائة من تجارة القمح في العالم، فلم يكن العراق بمنأى عن تأثير العقوبات. ورغم أن الحكومة العراقية اتخذت موقفا محايدا من الأزمة الأوكرانية، إلا أن الملصقات المؤيدة لبوتين باتت محظورة في البلاد.
صورة من: Ameer Al Mohammedaw/dpa/picture alliance
مصر.. رفوف ممتلئة وأسواق خالية
تضررت مصر بشدة من الارتفاع الراهن في أسعار السلع الأساسية بسبب الحرب في أوكرانيا فقد أصبحت بعض الأسواق خالية رغم أن الأسواق تكون مزدحمة عادة وتشهد رواجا في شهر رمضان. وبلغ معدل التضخّم في مصر 10 بالمائة على أساس سنوي في فبراير/ شباط في ارتفاع يعزوه الخبراء بشكل أساسي إلى زيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 20 بالمائة.
صورة من: Mohamed Farhan/DW
تونس ..مخاوف من أزمة هجرة
ارتفعت أسعار أسطوانة الغاز والخبز في تونس إلى معدلات مذهلة بسبب الحرب في أوكرانيا ليواجه مهد "الربيع العربي" حاليا أزمة حادة في توفير الغذاء للجميع. فهل ستتسبب الأزمة في موجة جديدة من الهجرة؟
صورة من: Chedly Ben Ibrahim/NurPhoto/picture alliance
اليمن.. السير على الأقدام
أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى ارتفاع أجور النقل في اليمن، وهو ما دفع البعض إلى السير على الأقدام بدل ركوب السيارة. ففي الأسابيع الأولى للحرب، ارتفعت أسعار الوقود فتضاعف سعر التنقل من 100 ريال إلى 200 ريال يمني. وقد حذر برنامج الأغذية العالمي في مارس/ آذار الماضي من تدهور الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية في اليمن في ظل حاجة قرابة 17,4 مليون شخص إلى مساعدات فورية.
صورة من: Farouk Mokbel/DW
بيرو.. موجة احتجاجات
اندلعت مظاهرات ووقعت اشتباكات بين محتجين ورجال الشرطة في العاصمة ليما التي شهدت موجة من احتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها من السلع الأساسية، خاصة مع تفاقم الأزمة مع اندلاع حرب أوكرانيا. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات وزيادة حدتها، فرض الرئيس بيدرو كاستيلو حظر تجول وأعلن حالة الطوارئ بشكل مؤقت. لكن مع انتهاء سريان حالة الطوارئ، خرجت مظاهرات جديدة في البلاد.
صورة من: ERNESTO BENAVIDES/AFP via Getty Images
سريلانكا.. حالة طوارئ
عصفت بسريلانكا أيضا موجة احتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لكن تزايدت حدتها مع محاولة عدد من المتظاهرين اقتحام المقر الخاص للرئيس غوتابايا راجاباكسا. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات ضد ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي، أعلن راجاباكسا حالة الطوارئ، داعيا في الوقت نفسه الهند والصين إلى مساعدة بلاده في تأمين احتياجاتها الغذائية.
صورة من: Pradeep Dambarage/Zumapress/picture alliance
اسكتلندا.. المظاهرات تصل أوروبا
شهدت اسكتلندا احتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، كما نظمت النقابات العمالية في جميع أنحاء المملكة المتحدة مظاهرات ضد ارتفاع تكاليف المعيشة. وعقب انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، ارتفعت الأسعار، لكن الحرب في أوكرانيا زادت الوضع سوءً.
صورة من: Jeff J Mitchell/Getty Images
بريطانيا.. ارتفاع أسعار الأسماك
يعد طبق "السمك مع البطاطا المقلية" من الأطباق المفضلة والشعبية في بريطانيا، إذ يتم تناول حوالي 380 مليون حصة من السمك ورقائق البطاطس في المملكة المتحدة كل عام. بيد أن العقوبات الصارمة على روسيا أدت إلى ارتفاع أسعار السمك الأبيض المستورد من روسيا فضلا عن زيادة أسعار زيت الطهي والطاقة. وقد وصل معدل التضخم في المملكة المتحدة 6.2 بالمائة على أساس سنوي في فبراير/ شباط الماضي.
صورة من: ADRIAN DENNIS/AFP via Getty Images
نيجيريا.. اغتنام الفرصة
يقوم هذا التاجر بتعبئة الدقيق لإعادة بيعه في منطقة إيبافو بنيجيريا. وتسعى نيجيريا منذ زمن طويل لتقليل اعتمادها على استيراد المواد الغذائية. فهل يمكن أن توفر الحرب في أوكرانيا الفرصة لنيجيريا لتقليل استيرادها للمواد الغذائية؟ وفي هذا السياق، دشن أليكو دانغوت، أغنى رجل في نيجيريا وأحد أثرياء إفريقيا، مؤخرا أكبر مصنع للأسمدة في البلاد فيما يحدوه الأمل في سد حاجة نيجيريا من الأسمدة.