انه ماري شيمل: سيدة الاستشراق الاولى ومنصفة الاسلام
لم يسبق من قبل أن حظي أي مستشرق بهذا المستوى من التقدير الذي حظيت به باحثة العلوم الإسلامية انه ماري شيمل، ولاسيما وأن الجميع وخصوصاً المسلمون يكنون لها كل الاحترام لقدراتها الفائقة على التعامل بموضوعية بحتة مع الثقافة العربية والإسلامية، ولبذلها قصارى الجهود لإبطال الدعاوى المغرضة، التي حاول البعض تلفيقها ضد الدين الإسلامي الحنيف. ولدت انه ماري شيمل في مدينة ايرفورت الألمانية عام 1922 وأتقنت اللغة العربية في سن الخامسة عشر. وبعد دراستها للعلوم الإسلامية واللغة العربية وآدابها حصلت على درجة الدكتوراة وبعدها الأستاذية عام 1946، أي في سن الرابعة والعشرين، من جامعة برلين. وفي عام 1954 عينت كأستاذة للتاريخ الإسلامي بجامعة أنقرة، بعدها انتقلت لجامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية لتعمل كأستاذة لعلوم الثقافة الإندو-إسلامية لما يزيد عن خمسة وعشرين عاماً. وفي عام 1995 حصلت انه ماري شيمل على جائزة الناشرين الألمان، واحتفالاً بعيد ميلادها الخامس والسبعين تم إطلاق اسمها على معهد العلوم الشرقية في جامعة بون.
خلال حياتها حصلت سيدة الاستشراق الألمانية على أرفع الأوسمة والجوائز من داخل ألمانيا وخارجها، كما تم منحها درجة الدكتوراة الفخرية من جامعة طهران عام 1990. ويعرف عن شيمل أنها من أكثر المستشرقين الألمان دراية بالإسلام، فضلاً عن كونها قد ساهمت، دون أدنى مبالغة، في حدوث نقلة نوعية في مدرسة الاستشراق الألمانية. ومن أهم سمات هذة النقلة الانفتاح بموضوعية وايجابية على الثقافة الإسلامية وإدراك أهمية الحوار الحضاري والتواصل الفكري مع الآخر. في كثير من كتبها تطلعت المستشرقة الألمانية الراحلة إلى التصوف كجسر بين الأديان والحضارات، ورأت أن التصوف ليس مجرد زهداً رومانسياً يقتصر على نفي الدنيا، بل أنه إحياء للقلوب وخلع للمعنى على ما لا معنى له، لننعم عن طريق التصوف بحرارة الوجد، ونتفهم اختلاف الآخر وهو ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم ليحيا البشر على كافة أجناسهم وأديانهم وثقافاتهم بسلام سوياً. وقبل وفاتها عام 2003 أبت سيدة الاستشراق الألمانية أن تذهب قيم التفاهم، التي نذرت حياتها من أجلها، أدراج الرياح، لذلك فقد أوصت رفاق عمرها بأن يجتمعوا في منتدى للحوار الديني والثقافي، يكون هدفه الأسمى ربط جسور الصداقة والتفاهم بين أوربا والعالم الإسلامي.
معاً من أجل وئام الحضارات
هنا نرى أن حلم انه ماري شيمل قد أخذ في التحقق، إذ يرأس شخصان من ثقافتين وديانتين مختلفتين منتدى أنه ماري شيمل للحوار الديني والثقافي، أنهما الأفغاني غلام توتاخيل، الرئيس السابق للمجلس الإسلامي في ألمانيا، والألماني كلاوس ليفرنغهاوزن، المكلف السابق لحكومة ولاية شمال الراين وستفاليا بشؤون اندماج المهاجرين. وفي حوار لموقعنا يؤكد كل منهما على أسمى القيم التي تجمعهما وهي الاحترام المتبادل رغم اختلاف العقيدة، وان غايتهما هي تنفيذ وصية انه ماري شيمل، لكي يبقى ما قامت بها من خدمات علمية من اجل تفاهم الأديان قائماً في القضايا السياسية الحالية، "لذلك فإننا نرى أن من أهم أولوياتنا أن نسلك نفس طريق انه ماري شيمل، أي طريق الحوار والنقاش، وأن نجمع ممثلي الأديان والثقافات في منتدى واحد لخدمة السلام"، على حد قول الدكتور كلاوس ليفرنغ هاوزن. أما الهدف من ذلك فيتمثل في " تجنب نشوب الصراعات بين الحضارات، انطلاقاً من إيماننا بأننا إذا قمنا بالاستفادة من الطاقات المتواجدة في الأديان والثقافات للتعايش السلمي مع الآخر لعاد ذلك بالنفع على الجميع، وذلك بدلاً من استغلال هذه الطاقات بصورة سيئة لتعكير صفو التعايش السلمي وإراقة الدماء"، على حد قول غلام توتاخيل.
ارث ثقافي عالمي...
ويرى توتاخيل أن ارث انه ماري شيمل الثقافي ليس حكرا على الأوربيين دون غيرهم، "بل أنه ملكاً للإنسانية جمعاء، لذلك فإننا منفتحون على ثقافات العالم، ونسعد عندما يشارك في منظمتنا أناس من ثقافات متعددة." أما ليفرنغهاوزن فقد أكد على التمسك بمنهج شيمل، لاسيما وأنها قد اتخذت منهجاً خاصاً في البحث العلمي مفاده أنك إذا أردت التعرف على ثقافة ما وطبيعتها، فعليك أن تتعرف عليها من الداخل، وألا تتخذ معايير خاصة للحكم على الآخر". ومن المعروف عن السيدة شيمل أنها ابتعدت كل البعد عن طرق البحث العلمي الذي يقتصر على التحليل وتقسيم الكل إلى أجزاء لكي يتسنى فهم الآخر. لذلك فقد تمكنت من تفهم الثقافة الإسلامية ككل عن طريق الاقتراب منها ومن أبنائها. ما يهم القائمين على المنتدى وهم من كبار الشخصيات الألمانية والعربية والإسلامية البارزة، كالأمير الحسن بن طلال، ولى عهد الأردن السابق، والبروفسور شتيفان فيلد، أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة بون، هو جمع الناس من ثقافات وأديان وتيارات مختلفة وإجراء حوار شامل بين الجميع. هذا من شأنه أن يقود الى توعية الناس في العالم الإسلامي كيف يفكر المواطن الأوربي ويتصرف، وأن يتم عن طريق المنتدى عرض آراء المسلمين تجاه القضايا الدولية.
...ونشاط دولي
وللمنتدى عدة أنشطة على الصعيد الدولي فيما يتعلق بالحوار بين الحضارات. فعلى هامش معرض فرانكفورت الدولي للكتاب لعام 2004 أقام المنتدى مؤتمرا عالمياً تحت اسم "الشرق والغرب - بدائل صراع الحضارات". وحظي هذا المؤتمر باهتمام كبير من قبل وسائل الاعلام والرأي العام الألماني. وعن مشاريع المنتدى المستقبلية يقول توتاخيل: "في شهر كانون الثاني/يناير 2006 سننظم مؤتمراً آخر تحت عنوان "تطور الفكر الإسلامي والتنوير الأوربي"، وذلك بحضور العديد من الشخصيات العالمية الرفيعة من مجالات العلوم والسياسة والإعلام والاقتصاد. وفي العام القادم نخطط لتنظيم ندوة حول "تكامل الثقافة الإسلامية والحضارة الأوربية"، لنوضح من خلالها كيف عمل كل من الأوربيين والمسلمين سوياً عبر التاريخ على إثراء بعضهم البعض، فنحن نريد أن نركز في عملنا أن العالم ملك للجميع، وأن علينا الاستفادة من بعضنا البعض".
محاولة تقديم صورة صحيحة عن الإسلام
كما يعد تقديم صورة صحيحة عن الإسلام شغل القائمين على المنتدى الشاغل، وعن ذلك يقول توتاخيل: "نريد أن نقدم للمجتمعات الغربية صورة موضوعية عن الإسلام وليس مجرد صورة تجميلية، إذ أن صورة الإسلام مشوهة في الغرب بدون شك بسبب تصرفات بعض المسلمين". أما ليفرنغهاوزن فيضيف قائلاً لقد: أدى ما قامت به بعض وسائل الاعلام في أوربا من جهة والجهات الأمنية وبعض السياسيين من جهة أخرى إلى إعطاء الرأي العام الأوربي فكرة خاطئة عن الإسلام، وذلك بسبب مناقشة قضايا شائكة ليست محل أهمية، وكان من نتيجة ذلك انقلاب الرأي العام الإسلامي على الغرب وانقلاب الرأي العام الغربي على المسلمين. لقد كان من المكن تلافي هذه المشاكل منذ البداية، لذلك نريد الحديث عن الإسلام بموضوعية، كما نريد أيضا التحدث عن صورة الغرب لدى المسلمين، ويجب ألا نغفل أن صورة الغرب لدى المسلمين ليست خالية من التصورات غير الصحيحة".
علاء الدين سرحان
عنوان منتدى انه ماري شيمل للحوار الديني والثقافي:
Annemarie-Schimmel-Forum e.V.
Lochnerstr. 74
53757 St. Augustin, Germany
Fax: +49.2241.1653.575
E-Mail: a-schimmel-forum@gmx.net