1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

اوروبا على مفترق طرق وقمة أوروبية طارئة خلال اسبوعين

جاءت "لا" الفرنسية والهولندية للدستور الاوروبي لتضع علامات تساؤل كبيرة حول مستقبل الدولة الاوروبية الموحدة. أجواء التشاؤم والحيرة تلقي بظلالها على الساحة الدولية والمفوضية الاوروبية تدعو الى قمة عاجلة وطارئة للتشاور

سماء أوروبا ملبدة بالغيوم

المجهول أمامكم والشعب وراءكم. هذه الرسالة التي ربما اراد الهولنديون وقبلهم الفرنسيون توجيهها الى رؤسائهم. لقد تجاهلتم الشعب في السابق واتخذتم قراراتكم بشأن الدستور والعملة الموحدة دون الرجوع الى من أوصلكم الى السلطة، وهاهو الشعب يرسم ملامح المجهول على لوحة ناصعة البياض أمامكم. لقد كشفت اللاءات الفرنسية والهولندية لبلدين مؤسسيين للاتحاد الأوروبي عمق الهوة بين الشعب والحكومة، وان كانت أسباب الرفض غير متشابهة بالكامل: الفرنسيون جعلوا من رفضهم للدستور كبش فداء لرفضهم أداء الحكومة الفرنسية المتعثر وأسلوب الرئيس الفرنسي شيراك في إدارة البلاد. ويتفق الخبراء أنه لو تم الاستفتاء في ألمانيا اليوم لقوبل برفض قوي أيضأ. أذاً، هموم الفرنسيين والالمان واحدة، فأعداد العاطلين عن العمل وصلت أرقاما قياسية في كلا البلدين، وهناك تخوفات كبيرة من تدفق الايدي العاملة الرخيصة الى البلدين من البلدان المنضمة حديثا الى الاتحاد مثل بولندا، وهنغاريا وغيرها، اضافة الى الكابوس الذي يضجع منام الاوروبيين في حالة دخول تركيا الى الاتحاد لتصبح ثاني أكبر دولة أوروبية من حيث عدد السكان بعد ألمانيا وربما تتجاوزها بعد فترة قصيرة جدا. ويخشى الفرنسيون والالمان أيضا أن تتلاشى قدرة بلادهم على المنافسة في عالم أصبح فيه مكان الانتاج لا يعني كثيرا للمستهلك وانما السعر أولا وأخيرا.

فرحة فرنسية عارمة بـ "لا" للدستور الاوروبيصورة من: AP

"لا" الهولندية واشكالية "الهوية الاوروبية"

وفرحة هولندية أيضاصورة من: AP

الاسباب التي دفعت الهولنديين الى رفض الدستور كانت بالدرجة الاولى وطنية وقومية، لا سيما وان الاوضاع الاقتصادية في البلاد المنخفضة ليست سيئة. فالهولنديون يخشون كأمة صغيرة أن يفقدوا هويتهم وخصوصيتهم في اتحاد آخذ بالتوسع شرقا وجنوبا وأن يصبح بلدهم مجرد لاعب صغير لا يقوى على مصارعة لاعبين كبار في الاتحاد. هذا بالاضافة الى تعارض المصالح والمواقف الاوروبية في كثير من القضايا المفصلية، نذكر على سبيل المثال الموقف من الحرب على العراق مؤخرا. فالشعوب الاوروبية لم تنس بعد الانقسام الحاد بشأن تلك الحرب وكيف برزت في ليلة وضحاها تحالفات وتكتلات أظهرت لهم فيما بعد وبكل وضوح أن التوقيع على دستور أوروبي موحد لن يكون قادرا على ازالة تلك الخلافات والظهور بصوت واحد وقوي في المستقبل، وان على قادتهم تكريس مزيد من الوقت والجهد للقضايا الجوهرية وعدم الاكتفاء باظهار التوافق الهش عبر المصافحات الصفراء وقرع الكؤوس أمام عدسات الكاميرا. ويشارك الهولنديون الفرنسيين الرأي بأن العملة الموحدة اليورو جلبت معها للشعوب الاوروبية غلاء فاحشا على عكس ما تنبأ به وزراء المالية الذين صوروا اليورو بانه عملة رخاء وازدهار. ولذلك يرى الخبراء بأن "لا" البلدين موجهة أيضا لليورو.

أوروبا وأحلام اليقظة

"أوروبا لن تترك شعوبها بعد اليوم تحلم أحلام اليقظة"، كان هذا تعليق جان كلود يونكر، الرئيس الحالي للاتحاد الاوروبي ورئيس وزراء لكسومبورغ، على نتائج الاستفتائين في هولندا وفرنسا، مضيفا القول: "هناك رفض شعبي واضح لاوروبا كما يراها الدستور الاوروبي الموحد." وعند سؤاله فيما اذا كان الدستور الاوروبي "في عداد الاموات" أجاب يونكر ساخرا: "انا لست طبيبا، لا يمكنني أن أعطي معلومات دقيقية عن الحالة الصحية للمريض. لا أحد يمكن أن يتكهن الآن بتأثير هذا العارض على عمل بقية الاجهزة وان كان لذلك تداعيات دائمة في المستقبل." الا انه ذكّر أن هذا ليس المرض الأول الذي تتعرض له أوروبا وفي كل مرة استطاعت ان تتعافى منه." واشار يونكر الى المخاوف التي تسود الاوساط السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة وآسيا بالقول: "في أمريكا وآسيا بدأت ملامح التشكيك بمستقبل وفاعلية الاتحاد الاوروبي تظهر للعيان. هذا الامر خطير للغاية وقد يضعف من وزن وتأثير أوروبا الموحدة على الساحة الدولية في المستقبل." ومن الجدير بالذكر أنه سيتم الاستفتاء على الدستور الاوروبي في لوكسومبورغ في 10 يوليو/تموز القادم، وكل التوقعات تشير الى "لا" جديدة، الامر الذي حدا بالرئيس الدوري للاتحاد لدعوة زعماء الاتحاد الاوروبي الى قمة عاجلة في 16 و 17 يونيو/حزيران الحالي لمحاولة تدارك الامور وكسب الاستفتاءات القادمة. كما يشار ايضا الى ان الدستور الاوروبي لن يدخل حيز التنفيذ الا اذا صادقت علية جميع الدول الاعضاء الـ 25 في الاتحاد الاوروبي.

البقاء على أرض الواقع بدلا من التعلق ينجوم السماءصورة من: AP

ما العمل الآن؟

بلير وشيراك وشرودر، أوروبا الحلم وأوروبا الواقع!صورة من: AP

على صناع القرار في الاتحاد الاوروبي أن يتقربوا اكثر الى شعوبهم، أن يصغوا الى همومهم وتخوفاتهم وتحفظاتهم. الكاتب والاديب الهولندي ليون دي فنتر وضع في مقابلة مع شبيغل أولاين يده على الجرح تماما عندما قال: "في السنوات الخمس أو العشر الأخيرة تولد شعور قوي لدينا بأن القيادات السياسية لم تعد تمثلنا. هناك هوة عميقة بين عالم السياسة والمواطنين، كما أن السياسيين لم يعد لديهم اجابة شافية على كثير من التساؤلات التي تدور في خلد المواطنين، والمواطنون أصبحوا غير مجبرين ولا بأي شكل من الاشكال على أن يعزفوا سيمفونيات السمع والطاعة لرؤساءهم دون مقابل." لن يتحقق حلم اوروبا الموحدة على الارض الا اذا تحقق في قلوب وعقول مواطينها، عندما يصبح هناك تصور واضح لهوية وثقافة وتاريخ شعوبها. فرنسا وألمانيا باعتبارهما المحرك الرئيس لعجلة الاندماج الاوروبي مطالبتان الآن أكثر من أي وقت آخر بتكريس كل الجهود وتسخير كافة الامكانيات لاعادة تقييم الامور وصياغتها بلغة شعوبها. فقط عندئذ يمكن أن تتحول "لا" الفرنسية والهولندية الى فرصة لتحقيق حلم أوروبا الموحدة.

ناصر الشروف

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW