باحثون ألمان يساهمون في فك ألغاز مستطيلات الصحراء السعودية
٥ سبتمبر ٢٠٢٠آثار عملاقة لثقافة غامضة تعود لسبعة آلاف عام
تكهنات ـ مسارات عملاقة لطقوس نشأت في بيئة رعوية
تلال وبحيرات ومستنقعات في قلب الصحراء السعودية
كاربون 14 ـ المستطيلات تعود للعصر الحجري الحديث
آثار عملاقة لثقافة غامضة تعود لسبعة آلاف عام
اهتمت الصحافة العلمية الألمانية هذا الأسبوع بشكل واسع بنتائج دراسة لفريق بحث علمي دولي أشرف عليه الدكتور هوف غروكوت من معهد ماكس بلانك لتاريخ الإنسانية في جامعة يينا الألمانية، موضوعها ما يُعرف بـ"المستطيلات" في صحراء النفود شمال غرب السعوديةوالتي يقدر عمرها بما لا يقل عن 7000 عام. وكانت المعارف العلمية بشأن هذه الهياكل الحجرية الغريبة تقتصر على صور الأقمار الصناعية، دون تقديم رؤية علمية تمكن من فهم سياقها ووظائفها والبيئة التي بٌنيت فيها قبل آلاف السنين.
وتمكن فريق علماء الآثار لأول مرة من تحديد موقع أحد المستطيلات الجديدة، يعود تاريخها إلى حوالي 5000 قبل الميلاد. وافترض الفريق أن وظيفة تلك المواقع كانت إقامة طقوس دينية في مجتمعات رعوية مبكرة. وحسب الدراسة لتي نشرتها مجلة "ذي هوليشن" العلمية ، فقد وثق فريق الدكتور غروكوت قرابة 104 من تلك المستطيلات من خلال تحليل مخبري دقيق وبواسطة صور الأقمار الصناعية. من جهتها، أكدت هيئة التراث السعودية أن هذا الانجاز العلمي يدخل ضمن الأعمال الميدانية لمشروع "الجزيرة العربية الخضراء" الذي تشرف عليه الهيئة بمشاركة معهد ماكس بلانك وجامعة أكسفورد وجامعة الملك سعود.
تكهنات ـ مسارات عملاقة نشأت في بيئة رعوية؟
كتبت كاريت شلوت في موقع "سبيكتروم" العلمي الألماني يوم (21 أغسطس / آب 2020) استنادا على دراسة أن تلك "الهياكل الحجرية (..) تختلف في أحجامها من مستطيل إلى آخر، إذ يمتد أطولها إلى أكثر من 600 متر بعرض قدره حوالي 80 مترًا. وتتكون الهياكل من منصتين حجريتين متقابلتين تشبهان الشرفة، وتتصلان بجدارين وتشكلان مستطيلاً طويلاً. أما الجدران فيقل ارتفاعها عن نصف متر (..) ونظرًا لأن فريق الباحثين لم يتمكن من تحديد أي مداخل لتلك الهياكل، فإنه افترض أن المرافق المبنية لا تخدم أي غرض عملي معروف، مثل حظائر الماشية أو خزانات المياه، مفترضين أن مهندسي الموقع أرادوا بناء نوع من المسارات بين المنصات المختلفة". موقع "باوبلات" السويسري (28 أغسطس / آب 2020) خصص بدوره مقالا لنتائج هذه الدراسة وكتب أن الباحثين "وجدوا أن أنظمة المستطيلات تتكون عادةً من منصتين كبيرتين متصلتين" وأن ما حيرهم هو أن جدران المستطيلات ليس بها فتحات أو أبواب واضحة.
ولا يعرف علماء الآثار بدقة وظائف تلك الهياكل مكتفين بمجموعة من التكهنات الأولية. فالمستطيلات بُنيت بالقرب من نتوءات صخرية قد تؤدي إلى انكسار صخور المنصات والجدران. أما البعض الآخر فبُني غير بعيد عن أحواض بحيرات مائية. ولذلك لم يتمكن الباحثون من رسم دقيق لتطور تلك الهياكل وبالتالي فهم واضح لمنطق توزيعها.
تلال وبحيرات ومستنقعات في قلب الصحراء السعودية
من جهتها، ذكرت وكالة "واس" السعوديةأنّ "ثلاثة أرباع هذه المستطيلات الحجرية مشيدة على تلال، لكن أغلبها شيد حول بحيرات قديمة أو مستنقعات، فيما شيدت بعض المستطيلات في السهول وحول شطآن البحيرات، وأنشئت بعض المستطيلات بعيداً عن موارد المياه على مسافة ستة كيلومترات تقريباً، ومتوسط المسافة عند أقرب رواسب البحيرات هي ستة كيلومترات، وبعضها يوجد على مسافة كيلومتر واحد عن مصادر المياه الضرورية بما فيها جداول المياه". تلك الهياكل بُنيت في وقت كان فيه مناخ الصحراء السعودية مختلفا عن اليوم، تعمه النباتات والمساحات الخضراء المعشوشبة بتساقطات مطرية غزيرة، إضافة إلى طيف متنوع من الحيوانات حسب ما اتجه إليه فريق العلماء.
ولا يزال من الصعب تحديد طبيعة الثقافة بدقة التي سادت في المنطقة حين بناء الهياكل، لكن مواقع أثرية مشابهة في شبه الجزيرة العربية دلت على أن رعاة الماشية في تلك العصور الغابرة قادوا قطعانهم عبر تلك التضاريس والمراعي. وتعمل السعودية على مسح أثري شامل في إطار مشروع "الجزيرة العربية الخضراء" جنوب صحراء النفود، بالتركيز على دراسة بيئة عصور ما قبل التاريخ.
كاربون 14 ـ المستطيلات تعود للعصر الحجري الحديث
تمكن الباحثون من تحديد زمن بناء "المستطيلات" بواسطة "كاربون 14" وهو العصر الحجري الحديث. فقد عثر علماء الآثار على قطعة من الفحم في الموقع، تعود لـ 7000 عام. كما جمعوا لأغراض البحث أيضا في الموقع بقايا عظام حيوانات برية وربما أليفة.
ولم يعثر الباحثون على سبيل المثال على أواني فخارية أو مدافئ، مفترضين أن المستطيلات لم تكن مصممة للاستخدام الدائم، وإنما تم استعمالها في فترات زمنية متقطعة. ويدعم هذا الطرح إقامة مزيد من المستطيلات الجديدة بجانب بعضها البعض. وقال غروكوت "نحن نفسر المستطيلات على أنها أماكن طقوس يجتمع فيها الناس لتنفيذ أنشطة مجتمعية لم تكن معروفة من قبل (..) ربما كانت أماكن يتم فيها تقديم الحيوانات كقربان".
حسن زنيند