الخلاف بين تركيا وفرنسا بسبب مواجهة بحرية أمام السواحل الليبية يزداد حدة. حكومة باريس غادرت مهمة الناتو "سي غارديان" ووزير الخارجية التركي داوود أوغلو يريد الحصول على اعتذار.
إعلان
وصفت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل المواجهة بين فرقاطة فرنسية وسفينة حربية تركية أمام السواحل الليبية بأنها "حادثة جدية للغاية". والرئيس إيمانويل ماكرون أعلن بأن سلوك تركيا "غير مقبول"، معتبرا أن هناك حاجة إلى "توضيح للسياسة التركية في ليبيا، لأنها تهديد لافريقيا وتهديد لأوروبا".
ماذا حصل؟
في 10 يونيو/ حزيران الفائت 2020 اقتربت الفرقاطة الفرنسية "كوربي" في البحر المتوسط من موكب يتألف من ثلاث سفن حربية تركية وسفينة مدنية تسير تحت علم تنزاني. وكانت الفرقاطة تبحر في إطار تدخل قوات حلف الناتو "سي كارديان" لوقف تهريب الأسلحة إلى ليبيا. والأتراك صوبوا رادار النيران في اتجاه الفرقاطة الفرنسية ـ ورادار النيران يجسد عادة هجوما مبرمجا، كما تقول الرواية الفرنسية.
ومنذ تلك اللحظة تدور بين باريس وأنقرة حرب كلامية وحلف الناتو يتم إقحامه في الخلاف. وخلال لقاء وزراء دفاع دول الحلف في يونيو الفائت طالبت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورونس بارلي بالحصول على توضيح. والأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبيرغ قال بأنه سيتم "التحقيق في الحادثة وتسليط الضوء على ما هو خفي". والثلاثاء ألغت فرنسا مشاركتها في المهمة الأمنية لحلف الناتو أمام السواحل الليبية.
وفي الأثناء أكد حلف الناتو إجراء تحقيقات والنتيجة ستخضع أولا للنقاش داخل اللجنة العسكرية. لكن التحقيق يخضع للسرية. وأعلن الأمين العام أن عملية سي غارديان ستتواصل لتأدية مهمتها. وفي هذه المهمة شاركت إلى حد الآن تركيا واسبانيا واليونان وايطاليا والمانيا وفرنسا إلى حين انسحابها.
وتتهم فرنسا تركيا بالقيام بلعبة مزدوجة: أنقرة تشارك منهجيا في نقل الأسلحة إلى ليبيا بالرغم من أن الحكومة التركية وافقت في إطار حلف الناتو على مراقبة حظر السلاح وإيجاد حل تفاوضي. وذكرت وزارة الدفاع الفرنسية أن خرق الحظر من طرف تركيا لا يقتصر على حادثة واحدة، بل توجد سلسلة من الخروقات المشابهة تسترت فيها سفن تركية في اتجاه السواحل الليبية عن أسمائها.
وخلفية النزاع تعود لكون تركيا بموافقة من الولايات المتحدة الأمريكية تدعم عسكريا رئيس الحكومة الليبية فايز السراج. ومنذ تلك اللحظة تحسن موقفه. وفرنسا ساندت في المقابل الجنرال خليفة حفتر الذي تدعمه روسيا بالمرتزقة والسلاح.
واستغل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو زيارته الخميس (2 يوليو 2020) إلى برلين لإطلاق هجوم ضد باريس:" فرنسا لم تقل الحقيقة للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو". وهذا ما كشفت عنه بلاده بتقارير ووثائق للجنة العسكرية التابعة للحلف. وأوضح الوزير التركي بأن بلاده تنتظر اعتذارا من فرنسا لأنها نشرت معلومات خاطئة.
صدفة أم استفزاز؟
" قد يكون الفرنسيون بالغوا بلا حدود"، كما يعتقد طارق مجريسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. ويفترض خلف ذلك عداوة الرئيس الفرنسي ضد الحكومة التركية. وبسبب بغضائه الشخصية يهدد ماكرون استراتيجية جيدة والوحدة داخل حلف الناتو. "وهذا سلوك غير ناضج"، كما يقول مجريسي.
من جانب آخر نعلم بأن تركيا تنقل كميات كبيرة من السلاح إلى ليبيا وهي تعتقد أنها محقة، لأنها تنعم بدعم واشنطن. والولايات المتحدة الأمريكية لا تريد إقحامها مباشرة في القتال في ليبيا وهي مسرورة إذا ما حاولت الحكومة التركية بالنيابة عنها إنهاء النزاع لصالح رئيس الحكومة السراج. وهدف واشنطن هو بالأساس أن لا تحصل روسيا الداعم الرئيسي للجنرال حفتر على فرصة إقامة منصات للدفاع الجوي في ليبيا تكون بعيدة فقط بمئات الكيلومترات عن القواعد الأمريكية الموجودة في صقلية.
وفرنسا نفسها ليست بريئة من تهريب الأسلحة إلى ليبيا: فخلال عمليات الإجلاء من قواعد تركها الجنرال حفتر عُثر على صواريخ أرض جو من صنع أمريكي. لكن أرقام السلسلة كانت تُظهر بأنها تأتي من ملكية فرنسية، كما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في العام الماضي.
ماذا سيحصل مع الحرب بالوكالة؟
مراقبون يعتبرون حصول مواجهة عسكرية بين تركيا وروسيا غير وارد. فالالتزام الروسي بسبب المصلحة محدود وفاتر. "ووزير الخارجية اليوناني أثناء زيارته إلى شرق البلاد عامل المنطقة كدولة أخرى"، يقول طارق مجريسي الذي أشار إلى وجود مؤشرات تهدد تقسيم البلاد.
أما مارك بيرني من معهد "كارنيغي يوروب" فيطالب مجددا بتدخل الاتحاد الأوروبي، لأن ليبيا "حالة طوارئ" أوروبية، وهناك تهديد أن ينشأ خطر إرهابي جديد بسبب مجموعات قتالية متطرفة. كما أن قواعد جوية وبحرية مستقبلية لتركيا وروسيا ستهدد أمن أوروبا الغربية وهيكل السلطة داخل حلف الناتو. وحث بيرني المستشارة الألمانية على الاهتمام بهذه الأزمة. لكن يتوجب عليها أولا أن تتفاهم مع الرئيس ماكرون على نهج مشترك.
باربارا فيزل/ م.أ.م
أبرز القوى المسلحة المتصارعة على النفوذ في المشهد الليبي
البعض يقول إنها حوالي 30، في حين يصل البعض الآخر بالرقم إلى 1600. إنها الجماعات والميلشيات التي تحمل السلاح في ليبيا. DW عربية ترصد في هذه الجولة المصورة أبرز القوى المسلحة في المشهد الليبي الديناميكي والمتداخل.
صورة من: Reuters TV
العاصمة طرابلس
قوة حماية طرابلس، وهي تحالف يضم مجموعات موالية لحكومة الوفاق. وأبرزها: "كتيبة ثوار طرابلس" وتنتشر في شرق العاصمة ووسطها. قوة الردع: قوات سلفية غير جهادية تتمركز خصوصاً في شرق العاصمة وتقوم بدور الشرطة ولها ميول متشددة. كتيبة أبو سليم: تسيطر خصوصا على حي أبو سليم الشعبي في جنوب العاصمة. كتيبة النواسي: إسلامية موجودة في شرق العاصمة حيث تسيطر خصوصا على القاعدة البحرية.
صورة من: Reuters/H. Amara
"الجيش الوطني الليبي"
قوات اللواء السابق خليفة حفتر المسماة "الجيش الوطني الليبي"، تسيطر على معظم مناطق الشرق من سرت غرباً إلى الحدود المصرية. وتسيطر قوات حفتر على مناطق الهلال النفطي على ساحل المتوسط شمالاً إلى مدينة الكفرة ونواحي سبها جنوباً وتسعى حاليا للسيطرة على طرابلس. قوات حفتر هي الأكثر تسلحا وقوامها بين 30 و45 ألف مقاتل، وضمنهم ضباط سابقون في الجيش الليبي وتشكيلات مسلحة وعناصر قبلية إضافة إلى سلفيين.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Doma
كتائب مصراتة
فصائل نافذة في مصراتة الواقعة في منتصف الطريق بين مدينتي طرابلس وسرت، وهي معادية للمشير خليفة حفتر ومنقسمة بين مؤيدين ومعارضين لحكومة الوفاق الوطني. والمعارضة منها متحالفة مع فصائل إسلامية موالية للمفتي صادق الغرياني ولخليفة الغويل. وتتواجد بعض هذه الفصائل كذلك في العاصمة. وتسيطر مجموعات من مصراتة على سرت ومحيطها، وتمكنت من تحرير سرت من تنظيم الدولة الإسلامية في نهاية 2016.
صورة من: picture alliance/abaca
"فجر ليبيا"
كان تحالفاً عريضاً لميلشيات إسلامية، يربطها البعض بجماعة الإخوان المسلمين (حزب العدالة والبناء)، وضم ميلشيات "درع ليبيا الوسطى" و"غرفة ثوار طرابلس" وكتائب أخرى من مصراته. في 2014 اندلعت معارك عنيفة بين هذا التحالف و"الجيش الوطني الليبي" بقيادة حفتر، خرج منها حفتر مسيطراً على رقعة كبيرة من التراب الليبي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
فصائل منكفئة في الزنتان
انكفأت فصائل الزنتان بعد طردها من طرابلس في 2014 إلى مدينتها الواقعة جنوب غرب العاصمة. تعارض هذه الفصائل التيارات الإسلامية، ويبقي عدد منها على صلات مع حكومة الوفاق الوطني و"الجيش الوطني الليبي" في الوقت نفسه. وتسيطر هذه الفصائل على حقول النفط في غرب البلاد. وعينت حكومة الوفاق أخيرا ضابطا من الزنتان قائدا عسكريا على المنطقة الغربية.
صورة من: DW/D. Laribi
جماعات متحركة في الصحراء
تعتبر فزان أهم منطقة في الجنوب الليبي تنتشر فيها عمليات التهريب والسلاح..وتحدثت تقارير إعلامية عن وجود ما لا يقل عن سبعة فصائل إفريقية، تنحدر من تشاد ومالي والسودان والنيجر والسنغال وبروكينافاسو وموريتانيا، في المناطق الحدودية في الجنوب الليبي. ومن أبرز الجماعات المسلحة في الجنوب الليبي: الطوارق، وجماعات تابعة لقبائل التبو، وجماعات جهادية(القاعدة وداعش) تتنقل على الحدود بين دول الساحل والصحراء.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Delay
"داعش"
دخل تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلامياً باسم "داعش" ليبيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2014. وفي كانون الأول/ديسمبر من نفس العام تبنى التنظيم أول اعتداء بعد تمركزه في البلاد مستغلاً غياب السلطة. ويمارس التنظيم لعبة الكر والفر، كما حقق مكاسب، إذ سيطر في فترات على النوفلية وسرت ودرنة وغيرها، ليعود ويخسر بعض الأراضي. وفي شباط/فبراير 2015 خرج شريط بثه التنظيم الإرهابي يظهر ذبح 21 قبطياً مصرياً.
صورة من: picture-alliance/militant video via AP
"القاعدة" وأفراخها
في 2012 قتل أربعة أميركيين بينهم السفير في هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي. واتهمت واشنطن مجموعة "أنصار الشريعة" المرتبطة بالقاعدة بتنفيذ الاعتداء. وقبل ثلاثة أشهر قضت محكمة أمريكية بسجن أحمد أبو ختالة، الذي يعتقد أنه كان زعيماً لـلمجموعة، لمدة 22 عاماً بعدما دانته بالتورط في الهجوم. وتحدثت تقارير إعلامية أن فصائل تنشط على رقعة واسعة من التراب الليبي مرتبطة بالقاعدة وتعمل تحت مسميات مختلفة.
صورة من: Reuters
بين 2011 و2018
ذكرت تقارير للأمم المتحدة أنه يوجد في ليبيا ما يقرب من 29 مليون قطعة سلاح بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة. وبدوره قدر رئيس الوزراء الليبي الأسبق، محمود جبريل، عدد الميلشيات المسلحة بأكثر من 1600 ميليشيا مسلحة، بعد أن كانوا 18 تشكيلاً عسكريا فقط يوم سقوط العاصمة في آب /أغسطس 2011.
إعداد: خ.س/ م.س