باسم يوسف: الحدود موجودة في العقول وليس في السخرية
حاوره: نيكولاس مارتن/ ترجمة: م.أ.م١٥ يونيو ٢٠١٦
في إطار فعاليات منتدى DW العالمي للإعلام، وبحضور عدد كبير من الإعلاميين من كل أنحاء العالم، تم تكريم الفائزين بجائزة البوبز 2016. وفوجئ الحضور بظهور الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف الذي تحدثنا إليه.
إعلان
DW: السيد يوسف أنت إعلامي ساخر وطبيب، فإذا نظرت إلى العالم العربي حاليا كمريض، كيف ستشخص مرضه؟
المريض يعيش منذ عقود وهو يعاني من أمراض متعددة. إنه يعاني من الأنظمة الديكتاتورية والضغط الاجتماعي والانطواء، ما يعيق الأفكار التحررية وتطلعات الانعتاق. أعتقد أنها فترة زمنية سنتجاوزها مثل أي بلد على هذه الأرض واجه هذا النوع من المشاكل. فحتى أوروبا التي تُعد اليوم منارة للحرية كانت تعاني، ليس منذ فترة بعيدة، من هذه المشاكل. أنا متفائل بأننا سنتجاوز هذه الحقبة ونتركها خلفنا.
إذن الربيع العربي كان بلا جدوى؟
لا، أقول دوما بأن الثورة ليست حدثا، وإنما هي عملية تحتاج وقتها. فلا يمكن لنا معالجة أمراض تفشت طوال 60 أو 70 عاما من الديكتاتورية في غضون 18 يوما.
كيف تنظر كمصري إلى وضع حرية الرأي في بلدك في ظل حكم السيسي؟
الوضع في الحقيقة يعكس الخيال الموجود في رواية جورج أورويل. لكن على عكس الأسلوب الشعري لأورويل "1984" فهي مكتوبة بأسلوب رديء. (الرواية صورت مجتمعا شموليا يخضع لدكتاتورية فئة تحكم باسم "الأخ الكبير" الذي يمثل الحزب الحاكم، ويبني سلطته على القمع والتعذيب وتزوير الوقائع والتاريخ باسم الدفاع عن الوطن والطبقة العاملة).
ما رأيك ما هو الدور الذي تلعبه السخرية في حرية التعبير؟
أعتقد أن السخرية وسيلة جميلة لجمع الناس كي يتحدثوا عن حرية الرأي. كما أنها تقدم موضوعات جادة بأسلوب ممتع. الكثير من الناس يعتبرون السياسة مملة، لكنهم ينصتون عندما تكون مغلفة في سخرية. الكوميديا والسخرية تجمعان الناس.
هل السخرية لها حدود؟
لا، أفضل السخرية اللامحدودة. فالحدود موجودة في عقول الناس وليس في السخرية.
كنت مجبرا على مغادرة بلدك. هل السخرية تساعدك أيضا في التأقلم مع هذا الوضع؟
في الولايات المتحدة الأمريكية لدي الآن برنامج فكاهي آخر، أستخدم السخرية في بلد آخر وفي لغة أخرى وفي إطار مختلف. الانطلاق من جديد في الـ 42 من العمر يُعد تحديا كبيرا، لكنني أجابهه بكل سرور.
هل تحن إلى وطنك؟ هل تتمنى العودة إلى مصر؟
بالطبع. من لا يرغب في العودة إلى وطنه؟ لكن سيكون في ذلك شيء من المخاطرة.
هل بإمكانك مواصلة التأثير لتصبح مصر أورويل في يوم من الأيام منسجمة مع ما تتخيله؟
السخرية لا تغير البتة شيئا. فالسخرية تجمع فقط عددا أكبر من الناس حول الطاولة للتحدث عن موضوعات محددة لا تُطرح للنقاش الجاد. فالناس هم الذين يحددون في النهاية الموضوع، والسخرية ليست إلا عاملا محفزا.
* باسم يوسف إعلامي ساخر من مصر وكاتب عمود سابق. كان يقدم حتى 2014 برنامجا أسبوعيا ساخرا اسمه "البرنامج" تم بثه عبر قناة DW عربية. لكن ازداد الضغط عليه من قبل الحكومة المصرية، فأنهي البرنامج خوفا على سلامته. وقبل احترافه العمل الإعلامي عمل جراحا للقلب. وسيكون باسم يوسف يوم الثلاثاء (الخامس من تموز/ يوليو) ضيف برنامج "شباب توك" على قناة DWعربية.
باسم يوسف: محطات في مسار مذيع ساخر
لم يسبق أن شهد العالم العربي برنامجا لقي كل هذا الجدل كما هو الحال مع "برنامج" باسم يوسف، فبعد الإعلان عن وقف عرضه على قناة سي بي سي المصرية، توالت تداعيات كثيرة، الأمر الذي يجعل من هذا البرنامج لحظة إعلامية استثنائية.
صورة من: picture-alliance/dpa
طبيب جراح متخصص في الإعلام
باسم يوسف، البالغ من العمر 39 سنة، هو طبيب جراح اختار أن يترك الطب وأن يعلق بسخرية عن الوضع السياسي في مصر بعد ثورة 2011 عبر اليوتيوب وبإمكانيات بسيطة. وسرعان ما لقيت هذه الفيديوهات نجاحا جماهيريا، لتطلب منه قناة الأون تي في المصرية أن يقدم برنامجا خاصا به تحت عنوان "البرنامج".
صورة من: bassem youssef fan page
التأثر بجون ستيوارت
قبل أن يبدأ باسم يوسف حلقات برنامجه " البرنامج" على قناة الأون تي في المصرية، سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث زار استوديو المذيع الأمريكي الساخر جون ستيوارت ليستفيد من تجربته. العلاقة بينهما تحولت إلى صداقة، وكان باسم قد استضاف استوارت في إحدى حلقات البرنامج.
صورة من: picture-alliance/abaca
مسرح كبير وجمهور حقيقي
بعد النجاح الذي حققه باسم على شاشة "الأون تي في"، انتقل إلى مرحلة جديدة على قناة السي بي سي، حيث حظي بمسرح كبير خاص به مع جمهور حقيقي يتفاعل معه. هذه المرحلة الجديدة تصادفت أيضا مع مرحلة حكم الإخوان المسلمين في مصر، الذين وجه لهم وللرئيس مرسي نقدا ساخرا لاذعا.
صورة من: DW
جرأة العرض في مسرح حقيقي
يقع مسرح "راديو" التاريخي، الذي يعرض فيه باسم يوسف برنامجه، في وسط القاهرة، وهو مكان استراتيجي. لكن فكرة العرض في مسرح مع جمهور حقيقي، قد تكون ذات خطورة أيضا، لذلك اضطر باسم مرتين في مساره أن يتخلى عن حضور الجمهور بسبب الاضطرابات التي كان يشهدها الشارع المصري، والتي كانت دموية.
صورة من: picture-alliance/dpa
رفع سقف حرية التعبير
تحول العرض الأسبوعي لبرنامج " البرنامج" إلى موعد ينتظره الملايين في العالم العربي، بل وأصبحت المقاهي تحرص على عرضه وكأنه مباراة لكرة القدم، إذ يجتمع الناس لمشاهدته. الأمر الذي يعد سابقة في العالم العربي بالنسبة لبرنامج تلفزيوني. ويقول البعض إن الفضل يعود لهذا البرنامج في رفع سقف حرية التعبير في مصر.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
السخرية جزء من تكوين المصريين
"السخرية جزء من عقلية وتكوين الشعب المصري. الناس هنا تسخر من كل شيء، تهزأ حتى من أكثر الأمور جدية، تشعر أن الضحكة تخفف من آلامهم ومن واقعهم"، هذا ما قاله باسم يوسف في حوار له مع صحفي DW عربية جعفر عبد الكريم.
صورة من: DW
أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم
في عام 2013 تم اختيار باسم يوسف ضمن قائمة أفضل 100 شخصية مؤثرة في العالم من قبل مجلة التايم الأمريكية. كما أعلن موقع يوتيوب أنه سيكرم برنامج "البرنامج"، بعدما تجاوز عدد مشتركيه على الموقع المليون مشترك. وبعد منع عرض برنامجه الأسبوع الماضي وصل عدد المتضامنين مع باسم يوسف على الفيسبوك في أقل من أسبوع إلى حوالي مليون وربع متضامن.
صورة من: Getty Images
مشاكل قانونية وسيل من الاتهامات
في 31 مارس/ آذار الماضي استدعى النائب العام المصري باسم يوسف للتحقيق معه في تهم تتعلق بالإساءة للدين الإسلامي. وبعد عرض الحلقة الأولى من الموسم الثالث طلب النائب العام إحالة باسم للتحقيق لاتهامه "بإذاعة بيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، والعمل على إشاعة الفوضى في البلاد، وإثارة الفتنة."
صورة من: Reuters
مسار التحدي ونبذ الخوف
تداعيات منع حلقة باسم يوسف ما تزال مستمرة، غير أن الكثير من أنصاره يأملون في عودة قريبة لباسم، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي تعترضه فيها مشاكل. وقد كان باسم قد صرح لDWعربية في وقت سابق أن "أكبر خوف عنده ليس القمع ولا تراجع مستوى الحريات، وإنما أكبر خوف هو اليأس."