بالزعتر والفتوش..لاجئون سوريون يبدأون حياة جديدة في البرتغال
٣١ مايو ٢٠١٨
في العاصمة البرتغالية لشبونة، نجح لاجئون سوريون في التغلب على معاناتهم وبدء حياة جديدة، بافتتاح مطعم يقدم الوجبات والأطباق السورية المعروفة للسكان المحليين. خلف قصة النجاح تقف مبادرة محلية وسيدة وعمال لاجئون.
إعلان
في العاصمة البرتغالية لشبونة، نجح لاجئون سوريون في التغلب على مآسيهم وبدء حياة جديدة، بافتتاح مطعم يقدم الوجبات والأطباق السورية المعروفة للسكان المحللين. خلف قصة النجاح تقف مبادرة محلية وسيدة وعمال لاجئون.
يقع مطعم "المزة" شمال وسط العاصمة البرتغالية لشبونة، يقدم أطباقا لذيذة من الشرق الأوسط. من بابا غنوج إلى الفتوش وأنواع الحمص، كما يقدم غالبا أطباقًا نباتية مليئة بالنكهات والتوابل الطيبة.
يتعرف رواد المطعم على التوابل الشرقية مثل الزعتر، ويتناولون عصير التمر الهندي الطازج وعصير الليمون والنعناع، ويستمتعون بأجواء من الشرق الأوسط في قلب مدينة لشبونة. العمل لا يتوقف في المطعم، وعلى المرء الانتظار أحيانا لمدة نصف ساعة للحصول على مقعد. وتخطط صاحبة المطعم للتوسع وتأهيل المساحة المجاورة والاستفادة منها لاستيعاب المزيد من الزبائن.
كل هذا النجاح نابع في الحقيقة من محنة كبيرة، فقد اضطرت فاتن، صاحبة مطعم "المزة" إلى الفرار من الحرب الأهلية في سوريا مع عائلتها. بقيت فاتن في السنوات الخمس الأولى بعد بدء الأزمة السورية عام 2011، على أمل أن تهدأ الأمور. وتقول "كل شيء كان سيئا للغاية. لم يكن هناك أمان. والأسعار أصبحت مستحيلة". ما اضطر فاتن مثل ملايين النازحين السوريين، إلى مغادرة البلد مع ابنتيها عام 2016، متوجهة إلى تركيا ثم إلى اليونان. لم يكن لدى الأرملة البالغة من العمر 36 عاما خطة أو فكرة، أين سينتهي بها المطاف. فاتن كردية سورية ولم ترغب بالاستقرار في تركيا، حيث العداء بين الأكراد والأتراك. فانتقلت إلى اليونان وأمضت عاما كاملا هناك قبل أن تكمل رحلتها مع أسرتها.
التغلب على المصاعب
استقرت فاتن مع أسرتها في البرتغال من خلال برنامج إعادة التوطين في الاتحاد الأوروبي، حيث لا تعرف أحداً، فاضطرت إلى بدء حياة جديدة من الصفر. "لم أكن أعرف الروح" ، حسبما تقول. أولا بدأت فاتن بتعلم اللغة البرتغالية ثم بتكوين صداقات جديدة، وشحذ مهاراتها في المطبخ. بناتها في الوقت نفسه دخلن المدرسة.
لم تملك فاتن أي خبرة مسبقة في العمل بالمطاعم. فقد كانت تنوي أن تصبح معلمة، غير أنها تزوجت وأصبح لديها أطفال عندما دخلت الجامعة. تقول إن أطفالها هم أهم شيء في حياتها، خصوصاً وأنها قد فقدت زوجها في عام 2004. فكان تأمين مستقبلها ومستقبل أسرتها أكبر هدف لها.
ومن واقع هذه الظروف القاسية ظهرت الفرصة لتكون جزءا من مبادرة تعاونية لتقديم الطعام، إذ يعرض اللاجئون أطباق بلادهم في الشرق الأوسط من خلال وجبات عشاء خاصة. نجحت الفكرة وساعدت فاتن والعديد من عائلات اللاجئين الأخرى في العاصمة البرتغالية لشبونة على الانطلاق وبدء حياة جديدة. وقد أدرك مؤسسو المبادرة أنهم كانوا في طريقهم إلى شيء ما، لذا قرروا جمع الأموال من خلال حملة تمويل جماعي لفتح مطعم دائم لعائلات اللاجئين مثل فاتن.
مساعدة اللاجئين الجدد
فتح مطعم "المزة" أبوابه في مايو/ أيار عام 2017. ليعمل فيه نحو 15 لاجئاً من بينهم فاتن. يقع المطبخ في زاوية معينة في المطعم، ومن يتناول الطعام هنا يخوض تجربة حياة في الشرق الأوسط، ويشعر وكأنه ضيف في تجمع عائلي كبير.
وتثير فكرة إعداد الطعام فضول السكان المحليين حول الطهي وطبيعة المطبخ السوري، وهي ليست مجرد وسيلة لكسب العيش للمهاجرين الذين يعملون في المطعم. إنها أيضا وسيلة لهم للتخلص من التجارب المؤلمة التي مروا بها أثناء الحرب والرحلة إلى أوروبا. وتقول فاتن: "ما نطرحه على المائدة ليس مجرد أطباق لذيذة فقط أعددتها أياد تحمل العديد من القصص، وإنما نحاول خوض غمار الاندماج والتضامن والتسامح أيضا من خلال هذا العمل".
يحرص المطعم الذي يديره اللاجئون على الاستمرار في مساعدة اللاجئين الجدد الذين يصلون حديثاً، مثل مجموعة من السوريين الإيزيديين الذين أعيد توطينهم في البرتغال مؤخراً. ومع اضطرار العديد من المهاجرين إلى التوقف عن أداء وظائفهم ومهنهم في الوطن، يوفر مطعم "المزة" أيضًا وسيلة للقادمين الجدد للحصول على التدريب في مجال الضيافة وتعلم مهارات جديدة في الموطن الجديد.
المهاجرون غير النظاميين بإيطاليا- من أين جاؤوا وإلى أين يذهبون؟
يقصد الآف اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين إيطاليا. بعضهم يراها منفذا نحو دول أوروبا وآخرون يفضلون البقاء فيها بشكل غير نظامي لإنهاء رحلة معاناة بدأت في بلدانهم وتستمر في غياب وضع قانوني يسمح لهم بالإقامة في إيطاليا.
صورة من: Reuters
من كل حدب وصوب
المهاجرون غير القانونيين الى إيطاليا لا تقتصر أصولهم على جنسية واحدة، إذ يتدفقون إليها من كل من دول أفريقيا. من نيجيريا وبنغلاديش وغينيا، ومن ساحل العاج وغامبيا والسنغال. كما يهاجر إليها كثيرون من المغرب ومالي وإريتريا، فضلا عن السودان والصومال ومصر وتونس وليبيا... وفي السنين الأخيرة أضيف السوريون إلى قائمة القاصدين لهذا البلد، سواء من ليبيا أو عن طريق تركيا.
صورة من: Getty Images/M. Di Lauro
أفواج كبيرة
عام 2006، بلغ عدد المهاجرين غير القانونيين الآتين عبر البحر 22 ألفا. وفي 2014، وصلوا إلى 220 ألفا؛ أي بزيادة 296 في المائة. عام2017، قالت وزارة الداخلية الإيطاليّة، إن أعداد المهاجرين غير القانونيين تجاوزت الـ94 ألفًا منذ بداية 2017، وهو ما يعني التزايد المهول في عدد المهاجرين غير النظاميين القاصدين للبلد، إذ يشكلون ما يقارب 8.3 في المائة من السكان هنالك. آلاف من هؤلاء يعيشون في مخيمات مؤقتة.
صورة من: Gaia Anderson
أرقام مهولة
أشارت بيانات أصدرها المعهد القومي للإحصاء في روما، عام 2015، إلى أن عدد المهاجرين غير القانونيين القادمين إلى إيطاليا لا يقل عن ألف من كل وجهة. فمن المغرب، هاجر 449 ألف شخص. في حين تم استقبال حوالي 104 آلاف شخص من مصر. ومن رومانيا، دخل إلى البلد 2.1 مليون مهاجر. أما بالنسبة للفلبين وتونس وبنغلاديش وباكستان فيناهز عدد القادمين منها 90 ألف. وأوضحت البيانات، أن معظمهم يسكنون روما، ميلانو وتورينو.
صورة من: picture-alliance/dpa/Italian Navy/Handout
مجرد معبر
ليس كل المهاجرين إلى إيطاليا ينوون الاستقرار فيها أو الإقامة على أراضيها. جزء مهم منهم يريد الوصول إلى مدن أوروبية أخرى كفرنسا والسويد وألمانيا التي يرونها أكثر ترحيبا باللاجئين. وتعتبر منطقة فانتيمي الحدودية إحدى الوجهات التي يعقد عليها هؤلاء أملا في العبور إلى فرنسا. كما أن القطارات التي تسمح بالتنقل داخل الإتحاد الأوروبي، تمثل حلا لبعض هؤلاء المهاجرين الذين يركبونها للوصول إلى وجهاتهم.
صورة من: picture alliance/AA/Tacca
طريق الفردوس والموت واحد!
رحلة قدوم المهاجرين غير القانونيين إلى إيطاليا، لا يمكن وصفها سوى بالقاتلة والخطيرة. فكثير من المهاجرين يركبون البحر، وهو ما يعرضهم لمتاعب قد تصل حد الموت. وإلى جانب انقلاب قواربهم الصغيرة والمتهالكة نتيجة رداءة الطقس أحيانا، يتعرض كثير منهم للابتزاز والنهب من طرف المهربين. الرحلة لا تقتصر على جنس معين ولا تقف عند سن، لذلك تتضرر النساء غالبا، وخاصة الحوامل الواتي يصعب عليهن إكمال الرحلة.
صورة من: Reuters/E. Gaillard
دوافع اقتصادية وسياسية
يشكل الفقر والمجاعة والبطالة أسباباً رئيسية للهجرة غير القانونية، وحتى لو اختلفت جنسيات المهاجرين فإن أسبابهم تبقى واحدة. في السنين الأخيرة، أضيف إلى هذا الجانب ما هو أمني وسياسي. فقد هرب البعض خوفا من الإرهاب والحرب والدمار في بلدانهم الأصلية، أو بهدف البحث عن سبل تحسين ظروفهم الاقتصادية الصعبة وضمان العيش الكريم لعائلاتهم.
صورة من: REUTERS
ظروف مؤسفة وتحديات كثيرة
يضطر المهاجرون إلى إيطاليا في غالب الأحيان إلى العيش في ظروف مؤسفة، تصفها بعض الجهات بـ"غير الإنسانية". بعضهم يتوسد الطرقات ويأكل من بقايا النفايات. في حين يقصد آخرون مخيمات تنعدم فيها إمكانية الحصول على أكل وشرب ولباس. وفي مرات عديدة خرج هؤلاء للتنديد بوضعهم المزري، كما تحدثوا عن غياب مرافق مهمة بهذه المخيمات كالمدارس والدورات المهنية المدفوعة، وفرص العمل التي قدموا من أجلها.
صورة من: picture alliance / landov
طلبات اللجوء في تزايد
بعد الوصول إلى إيطاليا يسعى مهاجرون كثر إلى البحث عن طرق تعفيهم من وصف "غير قانوني"، فيعتمدون تقديم طلبات اللجوء. ووفق تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن السلطات الإيطالية توصلت بـ130 ألف طلب لجوء في 2017 . وحصل 40 بالمئة منهم في العام الجاري على الحماية منذ الفترة الأولى. إلا أن عدد المهاجرين الذين يستقبلهم المركز من يوم لآخر يتغير بين الفينة والأخرى.
صورة من: D. Cupolo
آليات العمل تعيق طلبات اللجوء
يواجه طالبو اللجوء في إيطاليا عراقيل بيروقراطية، سبق لمنظمات عديدة أن أدانتها ونددت بالتعقيدات الإدارية التي تشمل طالبي اللجوء والحاصلين على الحماية الدولية. وأشارت هذه المنظمات إلى عامل اشتراط توفر المسكن من أجل إصدار أو تجديد تصريح الإقامة، مثلا، وهو ما لا يتوافر للعديد ممن يعيشون خارج نظام الاستقبال، على عكس ما ينص عليه القانون الإيطالي، الذي يضمن التسجيل السكاني كحق للشخص الأجنبي.
صورة من: Reuters/A. Bianchi
جرائم وعنف ترافق المشهد
تعتبر بعض التقارير فتح إيطاليا الباب أمام المهاجرين غير القانونيين، يضعها وجها لوجه أمام مشاكل يتسبب فيها بعضهم. فقد قدرت بعض التقارير نسبة المسؤولين عن الجرائم في البلد، والذين ينتمون إلى شريحة المهاجرين غير الشرعيين بـ50 بالمائة من الجرائم، و40 بالمائة من حوادث السرقة. كما يتسببون في 37 بالمائة من العنف الجنسي، فضلا عن 25 بالمائة من جرائم القتل، و50 بالمائة من الجرائم الأخرى كالبغاء.
صورة من: ANSA/A. Carconi
وجود دائم رغم تناقص أعداد الوافدين
سجلت إيطاليا في الربع الأول من 2018 وصول 6161 مهاجرا غير قانوني إلى جبال الأبينيني، بينما في الربع الأول من العام الماضي بلغ عددهم أكثر من 24 ألف مهاجر، حسب تقرير الداخلية الإيطالية. كما سجلت السلطات الإيطالية انخفاضا حادا في تدفق المهاجرين إليها من ليبيا، فقد وصل في الربع الأول من العام الجاري 4.4 آلاف مهاجر، أي أقل بنسبة 81٪ مقارنة بالربع الأول من عام 2017. لكن ذلك لا ينفي استمرارية توافدهم.
صورة من: Getty Images/AFP/V. Hache
وصول اليمين ومخاوف من المستقبل
تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات بإيطاليا، زاد مخاوف دول أوروبية فيما يخص مستقبل اللاجئين والمهاجرين غير القانونيين في إيطاليا وبقية أوروبا. ويخشى البعض من أن يشكل صعود اليمين المتطرف في إيطاليا عائقا كبيرا أمام المشروع الفرنسي الألماني لإصلاح الاتحاد الأوروبي وقضية اللاجئين، خاصة مع رواج خبر طرد اللاجئين المرفوضة طلباتهم للبقاء، وترحيل 500 ألف مهاجر غير قانوني. إعداد: مريم مرغيش.