بحث صعب عن آخر المجرمين النازيين الأحياء
٢١ أبريل ٢٠٢٥
بسبب قسوته، أُطلق على كلاوس باربي رئيس الغستابو (المخابرات النازية) في مدينة ليون الفرنسية من عام 1942 حتى عام 1944، لقب "جزَّار ليون". وكذلك الأمر مع كورت ليشكا وهربرت هاغن، المسؤولين عن ترحيل 76 ألف يهودي من فرنسا إلى معسكرات الإبادة، كان من بينهم 11400 طفل. إنهم ثلاثة من بين كثيرين من مجرمي الحرب النازيين والمتعاونين، الذين تم تتبعهم من قبل صائدي النازيين المشهورين سيرج كلارسفيلد وزوجته بيآته كلارسفيلد، وقد تمت إدانتهم. لذلك لم يتمكنوا من قضاء خريف عمرهم براحة وسلام، على العكس من كثيرين غيرهم من النازيين، الذين - على الرغم من فظائعهم - عاشوا بأمان.
وردًا على سؤال من DW، كتب الناجي من الهولوكوست والمحامي سيرج كلارسفيلد: "نحن لاحقنا فقط المجرمين، الذين كانوا يقرِّرون مصير حشود من اليهود؛ نحن لاحقنا فقط قادة 'الحل النهائي‘. بَحْثُنا عن كلاوس باربي ومشاركتنا في اعتقاله، بعد كفاح استمر اثني عشر عامًا من عام 1971 حتى عام 1983، أكسبنا تقديرا كبيرًا في فرنسا".
وحتى في ألمانيا، التي اقتصر بحثها لعقود من الزمن على عدد قليل من الشخصيات البارزة من مرتكبي الهولوكوست، أحدثت عملية العثور المذهلة على كلاوس باربي في بوليفيا ضجة ولقيت استحسانأ. وحصل سيرج وبيآته كلارسفيلد في عام 2015 على وسام الاستحقاق الألماني الاتحادي ، تكريمًا لهما على التزامهما، وقد جعلا من مطاردة النازيين وصيدهم مهمة حياتهما.
وقد وضعا الاثنان بذلك حجر الأساس لقرار تاريخي اتخذه البرلمان الألماني (البوندستاغ) في الثالث من تموز/ يوليو 1979: فبعد نقاش استغرق نحو عشرين عامًا حول الملاحقة القضائية لجرائم النازية، قرَّر البرلمان أنَّ جرائم القتل والإبادة الجماعية لم تعد تسقط بالتقادم.
"لو أنَّ الألمان اعتمدوا في عام 1954 قانون عام 1979، لكانت قضايا آلاف المجرمين النازيين قد تم تدقيقها من قبل المدعين العامين والمحاكم. ولكن الكثير من القضاة كانوا في الحزب النازي، وكانوا سيتساهلون معهم"، كما يقول سيرج كلارسفيلد.
سكرتيرة معسكر اعتقال سابقة كرمز للعدالة المتأخرة
ومؤخرًا أصبح العديد من العناصر الصغيرة في آلة القتل النازية يأملون في الحصول على بعض الرأفة، مثل السكرتيرة السابقة في معسكر اعتقال شتوتهوف إيرمغارد فورشنر، التي توفيت في كانون الثاني/ يناير الماضي عن عمر ناهز 99 عامًا. لقد أُدينت في عام 2022 بالمساعدة والتحريض على القتل في أكثر من 10 آلاف حالة. وبدأ إجراءات محاكمتها المدعي العام الأعلى توماس فيل، الذي يعمل منذ خمسة أعوام رئيسًا للإدارة المركزية المحلية للتحقيق في جرائم النازية بمدينة لودفيغسبورغ. وفي هذا الصدد يقول لـDW: "لا تزال مهمتنا هي مواصلة العثور على الأشخاص الذين يجب محاكمتهم. ولا نزال نواصل البحث في معسكرات الاعتقال. في كل معسكر، لا يزال يوجد الكثير من الأشخاص، الذين قد يكونون على قيد الحياة ولكننا لم نتمكن من العثور عليهم بعد".
ومع ذلك لم يعد من الممكن ملاحقة سوى أشخاص مولودين في سنين معينة. "من الناحية الواقعية، فإن أشخاصا من مواليد عام 1925 حتى 1927 و1928 هم فقط من يدخلون في الاعتبار"، يقول فيل.
بحث صعب عن آخر مجرمي النازية الأحياء
أمام محكمة هاناو الإقليمية، مثل حارس سابق في معسكر اعتقال ساكسنهاوزن عمره الآن 100 عام بتهمة المساعدة والتحريض على القتل في أكثر من 3300 حالة. ويعتبر تعقب هؤلاء المجرمين النازيين ومحاكمتهم بعد 80 عامًا على نهاية الحرب العالمية الثانية مهمة شاقة بالنسبة لتوماس فيل وفريقه. وفي العادة لا توجد عنهم بيانات شخصية كاملة، بما فيها مكان وتاريخ الولادة. وكلما قلت البيانات، انخفضت احتمالات النجاح. ويقول فيل: "مثلًا، العثور على شخص اسمه كارل مولر من دون معلومات أخرى هو أمر مستحيل".
ومنذ أن بدأت الإدارة المركزية للتحقيق في جرائم النازية عملها في الأول من كانون الأول/ ديسمبر 1958، تم جمع 1.78 مليون بطاقة فهرسة فيها معلومات حول أشخاص وأماكن الجرائم والوحدات. وتم رفع نحو 19 ألف دعوى لدى المدعين العامين والمحاكم في ألمانيا. ولا ينحصر البحث في ألمانيا وحدها، بل في جميع أنحاء العالم وبمساعدة نظام معلومات شنغن والإنتربول. وذلك لأنَّ الكثير من المجرمين النازيين قد هاجروا خارج ألمانيا.
الملاحقة الجنائية لا تنتهي لأن القتل لا يسقط بالتقادم
كثيراً ما يُطرح السؤال التالي على توماس فيل: ما مدى منطقية تحويل رجال ونساء، تجاوز سنهم المائة عام، إلى المحاكمة، وهم في الغالب يعتبرون غير مؤهلين للخضوع للاستجواب؟ وهذا السؤال يجيب عليه فيل بوضوح بالقول: "حكم الإدانة بحد ذاته مهم للغاية، وذلك لأنَّه - حتى وإن جاء متأخرًا - يثبت المسؤولية الجنائية والذنب. وبالإضافة إلى ذلك لا يمكن تقدير مدى أهمية ذلك بالنسبة لأقرباء الضحايا".
وينتقد توماس فيل أيضًا كون عدد المجرمين النازيين المدانين في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل 80 عامًا قليلا جدًا. ويقول إنَّ من أسباب ذلك وجود قانون جنائي عام لم يكن مصممًا لمقاضاة جرائم جماعية فرضتها الدولة. بالإضافة إلى أنَّ الموقف الأساسي كان يفيد في البداية من ناحية بوجود المجرمين الرئيسيين المسؤولين عن كل شيء، ومن ناحية أخرى بوجود مساعدين مغرر بهم ساعدوا النظام النازي.
ويضيف فيل: "كان يجب أولًا أن تتغير الظروف الاجتماعية. ولكن من دون شك كان من الممكن بل كان ينبغي حتى في ذلك الوقت أن توجد إدانات أكثر. ولذلك من المهم أيضًا فهم عمل الدائرة المركزية والوثائق الكثيرة المجموعة منذ ذلك الحين كشهادة على تعامل مجتمع ما بعد الحرب مع ماضيه النازي".
أعده للعربية: رائد الباش/ مراجعة: صلاح شرارة