بدعوتها زيلينسكي والأسد.. السعودية تطمح أن تصبح لاعبا عالميا
٢٠ مايو ٢٠٢٣
جمعت السعودية نقيضين بارزين في القمة العربية الأخيرة أحدهما عدو رئيسي لروسيا هو زيلينسكي والثاني حليف قوي لها هو الأسد. فما الإشارة التي ترسلها الدبلوماسية السعودية للعالم من خلال جمع المتناقضات؟
إعلان
خلال قمّة جامعة الدول العربية الجمعة (19/5/2023) في جدّة، جمعت السعودية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره السوري بشار الأسد، حليف موسكو، في القاعة نفسها، في إشارة قوية إلى الطموحات الدبلوماسية العالمية للمملكة.
فالأوّل يحظى باحترام كبير لدى الدول الغربية لوقوفه في وجه الغزو الروسي لبلاده. أما الثاني فلطالما تعرّض لانتقادات لاذعة بسبب الفظائع المرتكبة بحق شعبه في نزاع جعله يعتمد على موسكو.
إبراز لنفوذ بن سلمان؟
يرى محللون أن تواجد الرجلين بشكل غير متوقع في المدينة المطلّة على البحر الأحمر، بدا وكأنّه يهدف لإبراز نفوذ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي كان قبل أقلّ من خمس سنوات معزولًا دوليًا على خلفية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول.
ويقول الباحث في معهد بيكر بجامعة رايس، كريستيان أولريتشسن: "يتمثل الهدف الرئيسي للقيادة السعودية في تصوير ولي العهد على أنه شخصية أساسية في المشهد الجيوسياسي المتغيّر". ويضيف أن الحرب في أوكرانيا "أنهت بالتأكيد" عزلة ولي العهد المرتبطة بقضية خاشقجي والسعوديين يسعون حاليًا "لإثبات أنهم قادرون على سدّ فجوات، لا يحلم آخرون" بجسرها.
رغم أن قمّة جدّة لم تفضِ إلى أية قرارات مهمة، إلا أنّ بإمكان السعودية التباهي بأنها تمكّنت من استضافة اجتماع جرى بشكل سلس وتمّ خلاله إخفاء التوتر الناجم عن وجود الأسد وزيلينسكي في آنٍ، على الأقلّ ليوم واحد.
الأسد.. حضور رغم رفض البعض!
جاءت زيارة الأسد إلى السعودية بعد سلسلة أحداث تمهيديّة: ففي الأسابيع الأخيرة تبادل وزيرا الخارجية السعودي والسوري الزيارات وأعلنا عزمهما على إعادة فتح البعثات الدبلوماسية المغلقة منذ عام 2012، حين قطعت الرياض علاقاتها بسوريا على خلفية النزاع.
ويعود الاحتضان الإقليمي الأوسع إلى عام 2018، عندما استأنفت الإمارات علاقاتها بدمشق وقادت الحملة لإعادة الأسد إلى محيطه العربي.
ورغم ذلك، بقيت هناك مخاوف بشأن مدى قبول حضور الأسد الجمعة، نظرًا إلى وجود تحفّظات من جانب بعض القادة العرب بشأن عودته إلى الحاضنة العربية.
يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط حسين إبيش إن "الأمر كله يتعلق ببشار الأسد". ويضيف "إذا كان متعاونًا ولم يلُمهم (العرب)، فإن إعادة قبول نظامه المنتصر، وهو أمر حتميّ مهما كان مقيتًا، سيستمرّ 'بشكل طبيعي'".
في نهاية المطاف، أشاد الأسد بالأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة التي سبق أن وصفته بأنه "آلة قتل".
وفي وقت أكد على أهمية أن ترتّب كل دولة شؤونها بدون "تدخّل أجنبي"، لم يثر الأسد غضب قادة جامعة الدول العربية التي سمحت للمعارضة السورية خلال قمّتها في الدوحة عام 2013، بتولي المقعد الرسمي لبلاده.
وأفادت وسائل الإعلام السورية الرسمية أن الأسد صافح وتحدث مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، المعارض الشرس للأسد والذي دعت حكومته إلى محاسبة دمشق على "جرائم حرب" ارتُكبت بحق الشعب السوري. غير أنّ كل هذه الخطوات لا تعني أن الأزمة السورية انحلّت، خصوصًا إذا لم تعالج إعادة دمج الأسد القضايا المتعلقة باللاجئين السوريين وتجارة الكبتاغون.
"ترحيب احتفالي"
وتعتبر الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية في القاهرة رابحة سيف علام أن "الترحيب العربي بسوريا احتفالي أكثر من انه يُبنى عليه شيء ملموس". وتضيف أن "الإجراءات والخطوات القادمة مع سوريا لها حسابات أخرى لأن مطالب الدول العربية لا تتعلق بالديموقراطية أو بالحوكمة بل تتعلق بالأمن الإقليمي والمخدرات وعودة اللاجئين والإرهاب".
وترى الباحثة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن كريستين ديوان، أن "إعادة الأسد إلى الحاضنة العربية أحدثت خلافات، أبرزها مع قطر". وتضيف "لكن السعودية ستستمتع بأخذ زمام الأمور وفرض إجماع عربي".
حضور يُفسد الفرحة!
كان زيلينسكي في قمّة جدّة أكثر مواجهةً، إذ اتّهم بعض القادة العرب بـ"غضّ الطرف" عن المعاناة التي تشهدها بلاده على أيدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتقول رابحة سيف علام إن "حضور زيلينسكي أفسد على الأسد فرحته بالقمة لأنه ذكّر الحاضرين بجرائم روسيا في أوكرانيا".
في مؤتمر صحافي في ختام القمّة، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إن قرار الرياض دعوة زيلينسكي يعكس "الانفتاح على سماع جميع الأطراف وجميع الاصوات ... دون أن نسمع وجهات النظر (كافة) لن نستطيع أن نكون مساهمين فاعلين في إيجاد حل".
غير أنّ السوريين على الأقلّ كانوا غير مهتمّين إطلاقًا بسماع خطاب زيلينسكي. فقد صمّ الوفد السوري آذانه لكلمة الرئيس الأوكراني، ممتنعًا عن وضع سماعات الترجمة، وفق صحيفة الوطن السورية، المقربة من الحكومة.
لكن هذا النوع من ردود الفعل لا يعني على الأرجح الكثير بالنسبة للسعوديين، الذين قد يكونون مهتمّين أكثر بتغيير الانطباع بأنهم قريبون جدًا من روسيا الذي يشكل مصدر قلق بالنسبة لواشنطن. وتعتبر ديوان أن "دعوة زيلينكسي تتعارض مع هذا الانطباع وكذلك تنبّه روسيا من أن إعادة دمج الأسد لا يمنحها مطلق الحرية في المنطقة".
ويقول الخبير في السياسات السعودية بجامعة برمنغهام عمر كريم إن ذلك يتوافق مع الصورة التي تقدّمها الرياض عن نفسها على أنها "جسر دبلوماسي وربما اقتصادي بين اللاعبين الدوليين المختلفين". ويرى أن "دعوة زيلينسكي تُظهر أن الرياض لا تريد أن تكون لاعبًا إقليميًا فحسب بل لاعبًا دوليًا وأن تخلق لنفسها مكانة دبلوماسية خاصة في نظام عالميّ متغيّر متعدد الأقطاب".
ع.ح./ع.ج.م. (أ ف ب)
الرياض وواشنطن.. عقود من النفط والسلاح والمال مقابل الحماية
قامت العلاقات السعودية الأمريكية منذ تأسيس المملكة على مبدأ المصالح المتبادلة، بيد أن النفط والمال السعوديين كانا محركين أساسيين لهذه العلاقة ومقابل ذلك اعتمدت المملكة على حماية أمريكا، لكن العلاقات شهدت بعض التوترات.
صورة من: picture-alliance/Everett Collection
1931: اعتراف أمريكي بدولة وليدة
الولايات المتحدة تعترف بمملكة الحجاز ونجد، التي أعيد تسميتها إلى المملكة العربية السعودية في العام التالي. وبعد عامين منحت المملكة امتياز التنقيب عن النفط لشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا. وحقق فرعها السعودي، الذي أعيد تسميته فيما بعد إلى أرامكو، أول اكتشاف تجاري في عام 1938. ولم تستكمل السعودية شراء 100 بالمئة من أسهم الشركة إلا في 1980.
صورة من: picture alliance/dpa/CPA Media Co. Ltd
1945: لقاء في قناة السويس
الرئيس الأمريكي فرانكلين دي. روزفلت يلتقي مع الملك عبد العزيز على متن السفينة يو.إس.إس كوينسي في قناة السويس، مما مهد الطريق أمام علاقات وثيقة على مدى عقود من الزمن.
صورة من: picture alliance/akg-images
1950 – 1951: من النفط إلى السلاح
أعادت السعودية التفاوض بشأن امتياز أرامكو لتحصل على مزيد من الإيرادات. وبعد عام من ذلك وقعت المملكة مع الولايات المتحدة اتفاقية دفاع متبادل، مما فتح الطريق أمام مبيعات هائلة من الأسلحة الأمريكية.
صورة من: picture alliance/dpa/TASS
1973: حظر نفطي
انضمت السعودية إلى حظر نفطي عربي على الولايات المتحدة ودول أخرى بسبب دعمها لإسرائيل في حرب 1973 مع مصر وسوريا، مما أدى إلى تضاعف أسعار النفط إلى أربع مرات تقريباً. رفع الحظر في 1974.
صورة من: Pierre Manevy/Express/Hulton Archive/Getty Images
1979: تمويل "المجاهدين" الأفغان
بالتعاون مع الولايات المتحدة وباكستان، ساعدت المملكة السعودية في تمويل المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفييتي. وقام العديد من السعوديين، ومن بينهم أسامة بن لادن السعودي المولد، بتمويل المقاتلين الأفغان والانضمام إليهم.
صورة من: AFP/Getty Images
1990: غزو الكويت
بعد أن قام نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بغزو الكويت، استخدم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة السعودية نقطة انطلاق لطرد القوات العراقية من الكويت. وشاركت القوات السعوية في العملية. وبعد ذلك غادرت معظم القوات الأمريكية المملكة، لكن الآلاف بقوا هناك.
صورة من: picture-alliance/dpa
1996: تفجير الخبر
أدى انفجار شاحنة مفخخة في مجمع عسكري أمريكي في الخبر إلى مقتل 19 جندياً أمريكياً. أعلن زعيم تنظيم القاعدة إسامة بن لادن "الجهاد" ضد الأمريكيين واصفاً القوات الأمريكية هناك بقوات احتلال.
صورة من: picture-alliance/AFP/EPA
2001: هجمات سبتمبر الإرهابية
قتل نحو ثلاثة آلاف في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول التي نفذها خاطفو طائرات من تنظيم القاعدة. ومن بين 19 خاطفاً، كان هناك 15 سعودياً. ونفت السعودية أي صلة أو معرفة بالهجمات. لم تجد لجنة حكومية أمريكية في 2004 أي دليل على أن السعودية مولت القاعدة بشكل مباشر. وتُرك الأمر مفتوحاً بشأن ما إذا كان مسؤولون سعوديون قد فعلوا ذلك بصورة فردية أم لا.
صورة من: picture alliance/dpa/NIST
2003: غزو العراق
لم تشارك السعودية في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق. وسحبت الولايات المتحدة جميع القوات القتالية المتبقية من المملكة. في هذا العام قتل ثلاثة مفجرين انتحاريين 35 شخصاً على الأقل، بينهم تسعة أمريكيين، في الرياض، وذلك في إطار هجمات ضد أجانب ومنشآت حكومية سعودية.
صورة من: picture-alliance/dpa
2011: الربيع العربي
هزت الاضطرابات العالم العربي بسبب الانتفاضات والاحتجاجات التي سُميت بـ "الربيع العربي". وسرعان ما أبدت السعودية قلقها مما تعتبره تخلي الرئيس باراك أوباما عن الرئيس المصري حسني مبارك حليف الولايات المتحدة.
صورة من: AFP/Getty Images
2013: قلق وشكوى
في حدث نادر أعلن أفراد العائلة المالكة للسعودية عن تذمرهم علناً من سياسات الحليف الأمريكي بعد أن حاولت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تغيير نهجه بلاده إزاء إيران وعدم تدخلها بقوة في الملف السوري الملتهب بخلاف تدخلها في إسقاط النظام بليبيا.
صورة من: Reuters/Jim Bourg
2015: الملف النووي الإيراني
بعد أن توصلت القوى العالمية الكبرى إلى اتفاق مع إيران لتخفيف العقوبات على طهران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي، أعلنت الرياض عن خشيتها أن يقوي هذا الاتفاق الغريم الإيراني. وفي هذا العام شنت المملكة حملة عسكرية على الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن بعد أن أبلغت واشنطن قبلها بساعات قليلة فقط. لكن الولايات المتحدة قدمت الدعم العسكري المطلوب.
صورة من: Reuters/C. Barria
2016: فيتو الكونغرس
ألغى الكونغرس حق النقض (الفيتو) الذي استخدمه أوباما ضد قانون يرفع الحصانة السيادية ويفتح الطريق أمام أقارب ضحايا 11 سبتمبر/ أيلول لمقاضاة السعودية بشأن الهجمات الإرهابية التي أوقعت الآلاف من القتلى والجرحى.
صورة من: picture-alliance/ dpa
2018: انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي
أبدت السعودية ترحيبها بقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، أدانت الولايات المتحدة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
صورة من: picture-alliance/Xinhua/T. Shen
2019: دور محمد بن سلمان
قام مشرعون أمريكيون، مستشهدين بأدلة على دور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قضية خاشقجي ومدفوعين بالغضب من الخسائر بين المدنيين في الغارات الجوية السعودية باليمن، بزيادة جهود منع بيع الأسلحة إلى الرياض. وقالت الرياض إن قتل خاشقجي ارتكبته مجموعة خالفت صلاحيات الأجهزة وتنفي أن يكون للأمير محمد بن سلمان أي دور.
صورة من: Getty Images/W. McNamee
2020: دعم لاتفاقيات إبراهيم
أعلنت السعودية دعمها لاتفاقيات إبراهيم التي أقام بموجبها حلفاؤها الإمارات والبحرين علاقات مع إسرائيل. ولم تصل الرياض إلى حد الاعتراف بإسرائيل نفسها.
صورة من: Alex Wong/Getty Images
2021: سجل حقوق الإنسان
تبنى الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفا أكثر تشددا تجاه سجل السعودية في حقوق الإنسان. وتعهد بايدن أثناء حملته الرئاسية بجعل الرياض "منبوذة" بسبب مقتل خاشقجي. كما أعلن بايدن وقف الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة.
صورة من: Yasin Ozturk/AA/picture alliance
2022: "قيادة شجاعة"
في يونيو/ حزيران الماضي، قال بايدن إن المملكة أظهرت "قيادة شجاعة" من خلال مساندة تمديد الهدنة المدعومة من الأمم المتحدة في اليمن. ومع ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا، رحب البيت الأبيض بقرار دول أوبك+ زيادة الإمدادات النفطية.