برلين- سياسي مسلم يعتزم إعادة بناء كنيس يهودي دمره النازيون
٣ أبريل ٢٠١٨
وسط تقارير صحفية مؤخراً عن موجة جديدة من معاداة السامية في مدارس العاصمة برلين، لفتة طيبة قد تخفف الاحتقان: سياسي من أصول فلسطينية مسلمة ورئيس الجالية اليهودية في برلين يطلقان مبادرة لإعادة ترميم كنيس يهودي دمره النازيون
إعلان
حي كرويتسبرغ البرليني أشهر من نار على علم. الحيّ مقصد السياح ومحبي الحياة والسهر. كما يشتهر الحي بتنوعه العرقي والديني، ويشار إلى أجزاء منه بأنها "اسطنبول الصغرى". كما يعيش فيه الكثير من العرب، وعلى طرفه يقع شارع "Sonnenallee" البرليني أو ما يعرف بـ"شارع العرب".
على طرف إحدى القنوات المائية في الحيّ، يشاهد المرء لوحة تذكارية تذكر المارة بكنيس "فرينكل أوفر" اليهودي، الذي كان قائماً هناك. في المكان يقف أشخاص يستعرضون رسومات وتصاميم ويناقشون تفاصيل. من بين متصدري المشهد رئيس الكتلة البرلمانية لأقوى أحزاب ولاية برلين، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رائد صالح، ورئيس الجالية اليهودية في برلين، جدعون جوفي.
أحد ضحايا "ليلة الكريستال"
تم الانتهاء من تشييد الكنيس المذكور في عام 1916، ولكنه تعرض لأضرار كبيرة في ليلة الكريستال (أو ليلة الزجاج المكسور)، ففي ليلة التاسع على العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1938، تعرض اليهود وممتلكاتهم لعنف منظم من النازيين في عموم ألمانيا آنذاك. وجاءت تسمية تلك الليلة بليلة الكريستال من كثرة الزجاج المتناثر على الأرض الناجم عن تحطيم واجهات المحال اليهودية. كما لم تسلم دور العبادة والمقابر والبيوت من التدمير والحرق. وتختلف التقديرات في عدد الضحايا من البشر، غير أنهم بالتأكيد بالمئات.
وفي عام 1944 تعرض الكنيس لاعتداءات وأضرار جديدة، قبل أن تتم إزالته عام 1959. وبعد ذلك تم تحويل مبنى جانبي ملحق بالكنيس إلى كنيس للصلاة. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وفي الذكرى الثمانين لليلة الكريستال، خرج رائد صالح وأعضاء آخرين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بفكرة إعادة الحياة للكنيس.
في وجه "الإسلاموفوبيا" و"معاداة السامية"
يأمل رائد وجدعون في جمع تبرعات لإتمام عملية إعادة بناء الكنيس كـ"مكان للعبادة وللقاء أبناء الحيّ من كل الأديان ومن غير المؤمنين بأي دين"، حسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية. ويحدد رائد وجدعون الهدف من مبادرتهما بأنها "بعث رسالة كياسة وطمأنة"، في وقت يتعمق فيه انعدام الثقة في المجتمع بفعل تزايد الإسلاموفوبيا والموجة الجديدة من معاداة السامية، على حد تعبيرهما.
بالنسبة لجدعون جوف،ي فإن الطمأنة "طال انتظارها"، إذ أن الكنيس الحالي يحرسه رجال شرطة منذ أن هاجمه مجهولون في عامي 2000 و2002. وتحدثت تقارير صحفية مؤخراً عن تنامي معاداة السامية في مدارس العاصمة برلين. ويقول جدعون: "أفراد الجالية اليهودية خائفون من إظهار يهوديتهم كارتداء الكيباه (طاقية رأس) ونجمة داود".
وقد برزت حاجة للمزيد من الكنس بعد تزايد عدد أفراد الجالية اليهودية في برلين في السنوات الأخيرة. وكانت العدد قد تراجع بشكل حاد من 160 ألفاً عام 1933 إلى سبعة آلاف عام 1945. وتضم العاصمة برلين 11 كنيساً يهودياً وأكثر من ثمانين مسجداً ومصلى ومئات الكنائس المسيحية.
برلين "رائدة"
تحدث أحد التقارير الصحفية عن تعرض تلميذة في الصف الثاني بمدرسة ابتدائية في العاصمة برلين للسباب لأنها يهودية، من طرف تلاميذ أكبر منها سناً ينتمون لأسر مسلمة. ويتردد أن زميلاً بالمدرسة هدد بقتلها لأنها لا تؤمن بالله، بحسب ما ذكره والد الفتاة لصحيفة "برلينه تسايتونغ" الألمانية. وأكدت الإدارة التعليمية ومدير المدرسة وقوع مثل تلك الحوادث. هذا وقد كشفت سرايا غوميس، مسؤولة مناهضة التمييز في مدارس برلين، عن أن عام 2017 شهد وقوع 12 حالة معاداة للسامية.
من جهته، دعا راينر فنت، رئيس نقابة الشرطة الألمانية، إلى إجراء إحصائيات حول تلك الوقائع على مستوى ألمانيا، وهو ما أيده المجلس المركزي لليهود في ألمانيا. وقال رئيس المجلس، يوسف شوستر، في تصريحات للقناة الثانية في التلفزيون الألماني (زد دي إف)، إنه يتمنى استحداث آلية خالية من العوائق البيروقراطية تمكن من تسجيل ممارسات العنف في المدارس لتوفير صورة واضحة عن الأوضاع هناك، مضيفاً أنه ينتابه شعور بتزايد وقائع معادية للسامية، خاصة في المدن الكبيرة، وقال: "هنا تلعب برلين للأسف دوراً ريادياً على ما يبدو".
كما طالب فولكر كاودر، القيادي في التحالف المسيحي الذي تتزعمه المستشارة أنغيلا ميركل، إلى تطبيق التبليغ الإجباري عن أي حوادث مرتبطة بمعاداة السامية في المدارس.
هذا ولا توجد إحصاءات رسمية لعدد المسلمين في العاصمة برلين، غير أن تقديرات تشير إلى أنهم يشكلون حوالي 9 في المائة من مجموع سكانها البالغ ما يقارب 3.5 مليون نسمة.
رائد صالح يعرّف المسلم "الصالح"
رداً على التقارير السابقة، اقترح المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا إرسال أئمة إلى المدارس. وقال رئيس المجلس أيمن مزيك لوكالة الأنباء الفرنسية: "في البداية نخصص عشرة أئمة جاهزين ويفضل أن يذهبوا إلى الفصول الدراسية برفقة حاخامات". وتابع مزيك: "رجال الدين سيدعون إلى الحوار والتنوير والاحترام المتبادل". كما أوضح رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا أنه سيكون سعيداً لو شاركت الجمعيات اليهودية في هذا الأمر، مضيفاً: "عندئذ يمكننا أن نبدأ اليوم في برلين ثم في أعقاب ذلك نتوسع في كافة أنحاء ألمانيا".
أما رائد صالح، الذي ينحدر من عائلة فلسطينية من الضفة الغربية ويعيش في ألمانيا منذ أن كان في الخامسة من عمره، فيعقب بالقول: "لن أكون مسلماً صالحاً إن لم أدافع عن اليهود في موطني برلين. ولن يكون المسيحي مسيحياً صالحاً إن لم يتدخل عند محاولة أحدهم نزع حجاب امرأة".
خالد سلامة
حياة اليهود في العاصمة الألمانية برلين
رغم محاولات طمس الهوية اليهودية في ألمانيا خلال الفترة النازية، إلا أن الكثير من الآثار والمواقع، التي تؤرخ لدور اليهود في ألمانيا وحياتهم ما تزال قائمة حتى يومنا هذا. جولة مصورة حول التاريخ اليهودي في برلين.
صورة من: Aviv Netter
مطلع القرن الثالث عشر
عاش يهود مدينة برلين، وكان أغلبهم من التجار والصيارفة والمقرضين، خلال العصور الوسطى في الحي اليهودي. وكانت تُفرض عليهم ضرائب عالية جداً. وفي مناسبات الأفراح والمآتم، كان يُطلب منهم دفع أموال إضافية. وفي الحي الذي كان يقطن فيه اليهود في تلك الفترة، يوجد حالياً مبنى البلدية الحمراء التي يوجد بها مكتب عمدة برلين.
صورة من: DW/Nadine Wojcik
القرن السابع عشر
استقبل الأمير فريدريش فيلهيلم اليهود الأغنياء في برلين. ولم يكن ذلك من باب التسامح معهم، فبعد "حرب الثلاثين عاما"، أصبح مرحباً بدافعي الضرائب من كل الديانات. وكان فايتل هاينه إيفرايم من بين اليهود الأغنياء الذين رحب الأمير بهم. ولا يزال القصر الذي تعود ملكيته لهاينه إيفرايم (قصر إيفرايم) حتى اليوم أحد أجمل الشواهد لأثرية على تاريخ برلين.
صورة من: picture-alliance/ZB
سقراط الألماني 1729- 1786
جاء موسى ميندلسزون إلى برلين وعمره 14 ربيعاً، وكان ميندلسزون تلميذاً مجتهداً، يتحدث لغات كثيرة ويهتم بالفلسفة. وتحول ميندلسزون إلى فيلسوف مشهور ذاع صيته عبر العالم وأصبح أحد أكثر اليهود نفوذاً في وقته. وأسس ميندلسزون في برلين حركة التنوير اليهودية (هاسكالا).
صورة من: picture-alliance/akg-images/Erich Lessing
صالونات برلين في القرنين 18 و19
كانت النساء اليهوديات من ذوي النفوذ، مثل راهل فارنهاغن، يدعون ضيوفهن إلى جلسات ثقافية في بيوتهن الخاصة. وكان يدعى لهذه الجلسات التي كان يطلق عليها الصالونات البرلينية، كتاب وفنانون ومفكرون. وكان هاينريش هاينه وهومبولدت وهاينريش كلايست من بين الضيوف، الذين كانوا يترددون على هذه الصالونات، إذ شكلت آنذاك مركز الحياة الثقافية والاجتماعية في برلين.
صورة من: picture-alliance/akg-images
التحرر والنجاح في القرن التاسع عشر
بمرور الوقت تحولت برلين إلى مدينة أوروبية كبرى، ارتفع فيها عدد الجالية اليهودية. ولم يُمنع اليهود من ممارسة بعض المهن كما هو الحال في بعض الأقاليم النائية. وكانوا يمارسون المحاماة والتجارة والصناعة والطب، وأيضاً الصحافة. وفي عام 1866 تم بناء كنيس يهودي جديد، يتسع لثلاثة آلاف شخص، لأكثر من 35 ألف يهودي كانوا يعيشون في برلين. وحضر افتتاح الكنيس رئيس وزراء بروسيا أوتو فون بيسمارك.
صورة من: picture-alliance/ZB
حي شوينن - حي الفقراء
هذا الحي اليهودي يرجع إلى عهد فريدريش فيلهيلم الأول. ففي عام 1737 أمر فيلهيلم الأول اليهود الذين لم يكن لهم مساكن خاصة بهم بالانتقال إلى هذا الحي، الذي كان في بداية القرن العشرين حياً فقيراً، وكان أيضاً ملجأ ليهود أوروبا الشرقية الفارين من المذابح هناك. واليوم ينتمي هذا الحي إلى مقاطعة "وسط برلين"، و"برلين سينبيتسيرك".
صورة من: Bundesarchiv, Bild 183-1987-0413-501/CC-BY-SA/Buch, P.
ازدهار ثقافي
في العقد الثاني من القرن العشرين، كانت برلين حاضرة أوروبية ثقافية تجذب الزوار، نظراً لوجود عدد كبير من المقاهي والحانات والنوادي الليلية وقاعات الرقص فيها. وكان اليهود يساهمون في الحركة الثقافية للمدينة.
صورة من: picture-alliance
هتلر يتسلم الحكم عام 1933
بعد نجاح الحزب النازي في الانتخابات وتسلم أدولف هتلر السلطة، بدأت المداهمات والمضايقات ضد اليهود في حي شوينن. وفي العام نفسه تم إحراق 25 ألف كتاب أمام جامعة هومبولت، كانت من بينها كتب لموسى ميندلسزون وهاينريش هاينه وفرانتس كافكا.
صورة من: Ullstein
مذبحة نوفمبر/ تشرين الثاني 1938
خلال مذبحة نوفمبر/ تشرين الثاني قتل النازيون أربعمئة يهودي ودمروا أكثر من 1400 محل تجاري تعود ملكيتها ليهود ألمان، إضافة إلى المعابد والمقابر. كما طُرد آلاف الموظفين اليهود ومُنع آخرون من ممارسة بعض المهن مثل الطب والفن والصحافة.
صورة من: Bundesarchiv, Bild 146-1970-083-42/CC-BY-SA
مؤتمر فانزيه 1942
خلال مؤتمر فانزيه، تباحث المسؤولون النازيون في النهج الأكثر فعالية "للتخلص من اليهود". هنا تقرر ترحيل عدد منهم إلى معسكرات الاعتقال وتمت مناقشة سبل التخطيط لذلك.
صورة من: DW/N.Wojcik
1945، بعد انتهاء الحرب
قبل الحرب العالمية الثانية كان 160 ألف يهودي، أي قرابة ثلث يهود ألمانيا، يعيشون في برلين. هاجر منهم خلال الحرب وقبيلها قرابة 90 ألف منهم إلى خارج ألمانيا، وقضى 60 ألف في معسكرات الاعتقال أو تعرضوا للقتل، فيما تمكن ألف وخمسمائة يهودي فقط من البقاء على قيد الحياة في برلين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
صورة من: picture-alliance/dpa
تقسيم برلين: اليهود في برلين الشرقية
دعا الزعيم السوفيتي السابق جوزيف ستالين عام 1952 إلى حملة معادية لليهود، قادت إلى أعمال معادية للسامية وتجسدت في اندلاع أعمال شغب في ألمانيا الشرقية آنذاك. وبعد وفاة ستالين "عاد الوضع لطبيعته"، لكن رغم ذلك تقلص عدد اليهود في برلين الشرقية من 1500 شخص إلى 200 شخص فقط.
صورة من: picture-alliance/dpa
تقسيم برلين: اليهود في برلين الغربية
أغلب العائدين من الناجين من مراكز الاعتقال النازية كانوا يريدون مغادرة ألمانيا في أقرب وقت ممكن. لكن البعض الآخر من اليهود قرر البقاء وبدء حياة جديدة في برلين الغربية. وفي شارع "فازاننشتراسه" تم بناء كنيس يهودي جديد محل الكنيس الذي هُدم عام 1958.
صورة من: picture-alliance/dpa
بدايات جديدة في برلين الغربية
فيما كانت حياة الجالية اليهودية في برلين الشرقية تشهد بعض الركود، كانت مثيلتها في برلين الغربية تسجل تدريجياً بعض الازدهار، ففي 1962 تم تأسيس مدرسة يهودية ومن ثم روضة أطفال في 1971، ثم دار للعجزة 1978. واليوم، يوجد في برلين مدرسة ابتدائية يهودية وأخرى ثانوية إضافة إلى جامعة، فضلاً عن مسرح يهودي ومطاعم ومقاهي، كما أن برلين دأبت على الاحتفال بمهرجان الفيلم اليهودي.
صورة من: picture-alliance/dpa
اندماج يهود برلين الغربية والشرقية
بعد توحيد شطري ألمانيا اندمجت الجاليتان اليهوديتان في برلين الغربية والشرقية. وازداد بذلك عدد أعضاء الجالية اليهودية بشكل عام في برلين ليصل إلى 12 ألف شخص، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وتوجد في برلين اليوم 11 كنيسا يهوديا.
صورة من: AP
ثقافة يهودية جديدة في برلين
تجذب برلين اليوم العديد من الشباب الإسرائيليين. كثير منهم يزور برلين لجاذبيتها الفنية والثقافية وآخرون يحطون الرحال فيها لأسباب سياسية. هناك 10 آلاف إسرائيلي يعيشون في برلين، ولا تلعب خلفيتهم الدينية اليهودية أي دور هام بالنسبة للكثيرين. ومع ذلك يحملون معهم ثقافة يهودية جديدة إلى برلين. ويظهر ذلك من خلال المطاعم والمعارض الفنية أو حتى النوادي الليلية مثل مرقص „Meschugge Berlin“.