من الممكن أن يتطور الصراع بين حماس وإسرائيل إلى حرب إقليمية واسعة النطاق. وهو ما تسعى الحكومات الغربية إلى منعه، ولكن يبقى السؤال: كيف؟
إعلان
يبدو السيناريو المرعب على النحو التالي: العملية العسكرية الإسرائيلية البرية تؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل والاضطرابات والعنف في المنطقة. ومع تفاقم الأمر، تتورط المزيد من الجماعات والدول في دوامة العنف، وربما حتى الولايات المتحدة وروسيا.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن الهجوم البري المزمع قد يستمر عدة أشهر: "وفي نهاية العملية لن يكون هناك حماس". وتأتي العملية العسكرية المستمرة منذ قرابة ثلاثة أسابيع في سياق الرد الإسرائيلي على الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي قُتل فيه ما لا يقل عن 1400 شخص، من بينهم أطفال ونساء ومسنون، وتم اختطاف أكثر من 200 شخص كرهائن. يُذكر هنا أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
ومن منظور عسكري بحت، يمكن أن ينجح العمل العسكري الإسرائيلي، كما يعتقد خبير شؤون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ من "مؤسسة العلوم والسياسة" ومقرها برلين. وقال الخبير الألماني على قناة DW: "أعتقد أن الجيش الإسرائيلي قادر على تدمير بنية حماس في قطاع غزة. ولكن ذلك سيترافق مع موت الكثير من المدنيين، بغض النظر عن مدى حذر الجيش الإسرائيلي".
يهود ومسلمون بمباراة كرة ضد العنف
03:17
ورقة المدنيين القتلى
يرى المحلل هانز يكوب شندلر من منظمة "مشروع مكافحة التطرف" (Counter Extremism Project) أن "حماس مهتمة بإبراز صور مروعة للمدنيين الفلسطينيين القتلى وبالتالي جر إيران ووكلائها إلى هذا الصراع"، كما يقول الخبير لـ DW.
والوكلاء هم مجموعات مسلحة تعمل بالوكالة لإيران في بلدان أخرى في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان. وشن حزب الله بشكل متكرر هجمات على إسرائيل ولكن بمحدودية، لكنه ما زال متحفظاً على الانخراط في الصراع بشكل أقوى.
ويعتقد شندلر إن الهجوم البري الإسرائيلي لا يزال غير مؤكد بأي حال من الأحوال. لكن في حال حدوث تصعيد (...)، فإن حزب الله سيكون أول من يقصف شمال إسرائيل بشكل مكثف. أما المرحلة الثانية من التصعيد فستكون شن هجمات أيضاً في سوريا ضد المواقع الأمريكية هناك. والمرحلة الثالثة ستكون على الأرجح على يد الميليشيات الشيعية في العراق، التي ستهاجم أهدافاً أمريكية أو غربية".
سياسة بايدن
لكي لا يقع التفاعل المتسلسل الآنف الذكر أقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن على فعل شيئين: أرسل حاملتي طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط كتحذير لحزب الله وإيران، ودعا إسرائيل إلى الاعتدال في عملياتها العسكرية بقطاع غزة، على الرغم من كل التفهم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وقال بايدن في تل أبيب إنه يجب على إسرائيل ألا تكرر أخطاء الولايات المتحدة بعد الهجمات الإرهابية الإسلاموية في 11 أيلول/سبتمبر 2001، وحذر إسرائيل من "مغبة أن يسيطر هليها الغضب".
يقول هانز يكوب شندلر من منظمة "مشروع مكافحة التطرف" إن التركيز منصب على "إفهام إيران ووكلائها أن تصعيد الوضع سيؤدي بالتأكيد إلى إضعاف كبير لهياكلهم. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على المجتمع الدولي أن يركز على تحسين الوضع الإنساني للمدنيين في قطاع غزة حتى لا تنصب تأثيرات هذا الصراع على الناس الخطأ".
وبعد اتصال هاتفي مع زعماء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وكندا، اتفق بايدن معهم على دعم إسرائيل واحترام حقها في الدفاع عن النفس. وفي الوقت نفسه، دعوا إلى احترام القانون الإنساني الدولي، وهو ما يعني أن إسرائيل يجب أن تحمي السكان المدنيين الفلسطينيين.
الولايات المتحدة "منحازة"
وقال بايدن في بداية مهمة الوساطة: "إذا لم نفعل ذلك، فمن سيفعل؟"، مجدداً تأكيده بأن بلاده قوة لفرض النظام في الشرق الأوسط. ولكن تبرز مشكلة هنا؛ إذ يُنظر إلى واشنطن في أجزاء كبيرة من المنطقة على أنها منحازة لصالح إسرائيل.
وقد اتضح ذلك بعد الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي (المعمداني) في قطاع غزة والذي أسفر عن مئات القتلى والجرحى. وبينما ألقت حماس باللوم على إسرائيل في ذلك، أيد بايدن الرواية الإسرائيلية القائلة بأن صاروخ من "الجهاد الإسلامي" هو من تسبب بالكارثة؛ وهذا ما كرره العديد من الخبراء الغربيين في وقت لاحق. وبعد الانفجار، ألغى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قمة كانت مقررة في العاصمة الأردنية مع بايدن.
سمعة واشنطن باعتبارها أقرب حليف لإسرائيل تترك المجال أمام جهات فاعلة أخرى، مثل ألمانيا، للتحرك. وبعد فشل انعقاد قمة عمان، ظهر السيسي إلى جانب المستشار أولاف شولتس في القاهرة. وفي اليوم الذي سبقه، كان الملك عبد الله في برلين. وبذلك كان المستشار هو الشخصية القيادية الدولية الوحيدة التي ظهرت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ومع الملك عبد الله، والسيسي خلال يومين.
فمن ناحية، وقفت الحكومة الفيدرالية بشكل لا لبس فيه إلى جانب إسرائيل. ومن ناحية أخرى، غالباً ما يتم قبول برلين كشريك محايد في المنطقة. وفي ذلك قال شولتس في القاهرة إن هذا يجب أن "يستخدم لإحداث تطور في اتجاه السلام".
تعمل ألمانيا في الميدان الدبلوماسي على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. ويقول هانز يكوب شندلر من منظمة "مشروع مكافحة التطرف" إن هذه "واحدة من أفضل المساهمات التي يمكن لألمانيا أن تقدمها هنا. وليس هناك الكثير مما يمكن لألمانيا أن تفعله عسكرياً، باستثناء دعم إسرائيل بالإمدادات".
روسيا لديها مصالح متضاربة
وإذا حدث تصعيد كبير وتفاقم الصراع، فهل يمكن حتى لروسيا، المعروفة بعلاقاتها الوطيدة مع طهران ودمشق، أن تنجر إلى الصراع؟
يعتقد هانز يكوب شندلر أن هذا غير مرجح: "الصراع في الشرق الأوسط في صالح روسيا لأنه يصرف الانتباه عن الحرب في أوكرانيا. ولذلك فإن روسيا مهتمة بإطالة أمده لأطول فترة ممكنة وبالتالي تقييد قوى الغرب".
ويتابع الخبير هانز يكوب شندلر من منظمة "مشروع مكافحة التطرف" (Counter Extremism Project التحليل: "من ناحية أخرى، يريد فلاديمير بوتين إبقاء الصراع عند مستوى منخفض إلى حد ما حتى لا يجبر على استخدام موارد في الشرق الأوسط، هو بأمس الحاجة لها في أوكرانيا".
كريستوف هازلباخ/خ.س
معبر رفح.. تحديات كبيرة تواجه شريان الحياة الوحيد لسكان غزة
الوضع الإنساني في غزة كارثي حسب تأكيدات منظمات مستقلة. المساعدات الإنسانية بدأت بالتدفق أخيراً عبر معبر رفح، لكن حجمها يبقى "ضعيفا" بسبب الحاجيات الكبيرة، خاصة مع خروج عدة مستشفيات عن الخدمة وارتفاع حصيلة القتلى والجرحى.
صورة من: Mahmoud Khaled/Getty Images
بدء تدفق المساعدات لقطاع محاصر
عشرات الشاحنات، المحملة بالمساعدات الإنسانية، دخلت إلى غزة عبر معبر رفح قادمة من مصر. الشاحنات محملة بالأدوية والمستلزمات الطبية وكميات من الأغذية. الأمم المتحدة تقول إن 100 شاحنة على الأقل يجب أن تدخل غزة بشكل يومي لتغطية الاحتياجات الطارئة، وسط تأكيدات أن ما دخل بعد فتح المعبر يبقى قليلاً للغاية، بينما تؤكد مصادر مصرية وجود العشرات من الشاحنات التي تنتظر دورها للعبور.
صورة من: Mahmoud Khaled/Getty Images
شريان الحياة الوحيد في زمن الحرب
معبر رفح هو المعبر الرئيسي لدخول غزة والخروج منها في الفترة الحالية، بعد فرض إسرائيل "حصاراً مطبقاً" على القطاع، وقطع الكهرباء والماء والتوقف عن تزويده بالغذاء والوقود، في ظل الحرب الدائرة مع حركة حماس. لا تسيطر إسرائيل على المعبر لكنه توقف عن العمل جراء القصف على الجانب الفلسطيني منه. وبتنسيق أمريكي، تم الاتفاق على إعادة فتح المعبر لدخول المساعدات، بشروط إسرائيلية منها تفتيش المساعدات.
صورة من: Ahmed Gomaa/Xinhua/IMAGO
"ليست مجرد شاحنات"
الخلافات على تفتيش الشاحنات أخذت وقتاً كبيرا، ما أثر على وصول سريع للمساعدات. الأمم المتحدة أكدت أن العمل جارِ لتطوير نظام تفتيش "مبسط" يمكن من خلاله لإسرائيل فحص الشحنات بسرعة. أنطونيو غوتيريش صرح من أمام معبر رفح: "هذه ليست مجرد شاحنات، إنها شريان حياة، وهي تمثل الفارق بين الحياة والموت لكثير من الناس في غزة"، واصفاً تأخر دخول المساعدات (لم تبدأ إلّا بعد أسبوعين على بدء الصراع) بـ"المفجع".
صورة من: Ahmed Gomaa/Xinhua/IMAGO
إجراءات مشددة منذ زمن
تشدد مصر بدورها القيود على معبر رفح منذ مدة، ويحتاج المسافرون عبره إلى تصريح أمني والخضوع لعمليات تفتيش مطولة ولا يوجد انتقال للأشخاص على نطاق واسع، خصوصاً في فترات التصعيد داخل غزة. دعت القاهرة مؤخراً جميع الراغبين في تقديم المساعدات إلى إيصالها إلى مطار العريش الدولي، لكنها رفضت "تهجير" الفلسطينيين إلى أراضيها ودخولهم عبر معبر رفح، واقترحت صحراء النقب.
صورة من: Majdi Fathi/apaimages/IMAGO
توافق أمريكي - إسرائيلي على معبر رفح
بعد أيام على الحرب، توافق جو بايدن وبنيامين نتانياهو على استمرار التدفق للمساعدات إلى غزة . بايدن قال إن "المساعدات الإنسانية حاجة ملحة وعاجلة ينبغي إيصالها"، وصرح مكتب نتياهو أن "المساعدات لن تدخل من إسرائيل إلى غزة دون عودة الرهائن"، لكنها "لن تمنع دخول المساعدات من مصر" بتوافق أمريكي - إسرائيلي على عدم استفادة حماس منها، التي يصنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كحركة إرهابية.
صورة من: Evelyn Hockstein/REUTERS
غزة بحاجة إلى وقود
رفضت إسرائيل أن تشمل المساعدات الوقود، وهو ما انتقدته وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة، قائلة إن القرار "سيُبقي أرواح المرضى والمصابين في غزة في خطر". وكالة الأونروا أكدت أن الوقود المتوفر لديها في القطاع غزة "سينفد قريباً، ودونه لن يكون هناك ماء ولا مستشفيات ولا مخابز ولا وصول للمساعدات". لكن مدير إعلام معبر رفح البري قال إن ستة صهاريج وقود دخلت يوم الأحد (22 تشرين الأول/ أكتوبر).
صورة من: Said Khatib/AFP
دعم أوروبي لإسرائيل مع ضمان المساعدات لغزة
بعد جدل حول تجميدها للمساعدات، ضاعفت المفوضية الأوروبية مساعداتها الإنسانية لغزة ثلاث مرات لتصل إلى أكثر من 75 مليون يورو، مع "تأييدها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إرهابيي حماس". الاتحاد الأوروبي أكد أنه يدرس فرض "هدنة إنسانية للسماح بتوزيع المساعدات". ألمانيا علقت المساعدات التنموية للفلسطينيين لكنها أبقت على الإنسانية منها، وأولاف شولتس رحب ببدء إرسال المساعدات، قائلا: "لن نتركهم وحدهم".
صورة من: FREDERICK FLORIN/AFP
مطالب عربية بوقف إطلاق النار
ربطت عدة دول عربية بين دخول المساعدات وبين وقف إطلاق النار. وأعلنت دول الخليج دعماً فورياً لقطاع غزة بقيمة 100 مليون دولار، فضلاًَ عن مبادرات منفردة لعدة دول في المنطقة. الدول العربية التي شاركت في "قمة القاهرة للسلام" دعمت بيان مصر، الذي دعا إلى "وقف الحرب الدائرة التى راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".
صورة من: Khaled Desouki/AFP/Getty Images
"عدم التخلي عن المدنيين الفلسطينيين"
وزيرة التنمية الألمانية سفنيا شولتسه بعثت بخطاب إلى كتل أحزاب الائتلاف الحاكم قالت فيه إن احتياجات ومعاناة الناس في غزة وفي أماكن أخرى يمكن أن تزداد. وأدانت هجوم حماس ووصفته بأنه هجوم وحشي وغادر. وقالت :" نحن لا نواجه حركات نزوح كبيرة ووضع إمدادات منهارا وحسب بل إننا نواجه أيضا أعمالا حربية نشطة وكان من بينها التدمير الأخير للمستشفى الأهلي في غزة الذي كانت تشارك وزارة التنمية الألمانية في دعمه".
صورة من: Leon Kuegeler/photothek.de/picture alliance
ضريبة إنسانية باهظة للحرب
بدأت الحرب بهجوم دموي لحماس في السابع من أكتوبر، خلّف مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي أغلبهم من المدنيين، فضلاً عن اختطاف أكثر من مئتين. ردت إسرائيل بقصف متواصل للقطاع، ما أوقع أكثر من خمسة آلاف قتيل وتدمير بنى تحتية وتضرّر 50 بالمئة من إجمالي الوحدات السكنية في القطاع، بينما نزح أكثر 1,4 مليون شخص داخل غزة حسب الأمم المتحدة، فضلا عن مقتل العشرات في الضفة الغربية وسط مخاوف من تمدد الصراع إقليمياً.
صورة من: YAHYA HASSOUNA/AFP/Getty Images
هجوم حماس الإرهابي
مشهد يبدو فيه رد فعل فلسطينيين أمام مركبة عسكرية إسرائيلية بعد أن هاجمها مسلحون تسللوا إلى مناطق في جنوب إسرائيل، ضمن هجوم إرهابي واسع نفذته حماس يوم 07.10.2023، وخلّف مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي أغلبهم من المدنيين واختطاف أكثر من مائتين. ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية. إ.ع/ ع.خ / م.س.