برنامج إعادة التوطين الأوروبي يبعث الأمل في قلوب لاجئين
٢٢ أبريل ٢٠١٨
بعد أن أعلنت ألمانيا استعدادها لاستقبال عشرة آلاف لاجئ من مناطق الأزمات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في إطار برنامج أوروبي خاص لإعادة التوطين، يأمل لاجئون أن يستطيع ذلك البرنامج إبعاد عائلاتهم عن أجواء القتل والحروب.
إعلان
منذ أن قدمت اللاجئة السورية هيفاء إلى ألمانيا منذ حوالي ثلاث سنوات وهي تفكّر بوضع أمها المريضة وأخيها القاصر اللذين لم يستطيعا خوض رحلة اللجوء وبقيا في ريف محافظة درعا، كما تقول.
فبعد أن فقدت أم هيفاء ثلاثة من أبنائها وإحدى بناتها نتيجة للقصف، لم يبقَ أحد يستطيع أن يعيلها مع ابنها الصغير علاء، خصوصاً بعد إصابتها بشظية في الرأس، ما زاد من معاناتها ومن عزلة ابنها علاء الذي يبلغ الخامسة عشر من العمر.
تقول هيفاء لمهاجر نيوز: "أمي وأخي بحاجة إلى الأمن بالإضافة إلى رعاية خاصة لا تتوفر هناك، لكنهما لا يستطيعان المجيء بالتهريب"، وتتابع: "من الضروري أن تراعي الحكومة الألمانية الحالات الإنسانية الطارئة، مثل حالة عائلتي، وأن تعطيها الأولوية للقدوم إلى ألمانيا بطرق شرعية".
ولعل الحكومة الألمانية تكون قد استجابت لنداء هيفاء والكثيرين من اللاجئين الآخرين ذوي الحالات الإنسانية الطارئة، عندما وافقت على استقبال عشرة آلاف لاجئ من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حسبما أعلن المفوض الأوروبي لشؤون اللاجئين ديمتريس أفراموبولوس.
وقد أكّد وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر عزم بلاده استقبال 10200 لاجئ ضمن برنامج إعادة التوطين، وأضاف أنه من المقرر السماح لـ 4600 لاجئ منهم بالقدوم إلى ألمانيا خلال هذا العام، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه تم حساب هؤلاء الأشخاص بناء على النطاق المتفق عليه في اتفاق الائتلاف الحاكم الموسع، والذي يتراوح بين 160 ألف و 220 ألف شخص سنوياً.
وقال زيهوفر إن هدفهم هو "فتح طرق قانونية لكي لا يّجبر الناس على سلك الطرق غير القانونية". وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الألمانية تقوم بإكمال الإجراءات لاستقبال 300 شخص من ذوي الحالات الطارئة الموجودين في السجون الليبية.
برنامج أوروبي خاص
وتأتي هذه الخطوة في إطار برنامج خاص لإعادة التوطين أطلقته المفوضية الأوروبية الصيف الماضي، والذي يسعى لتوطين 50 ألف لاجئ على الأقل في الدول الأوروبية بحلول خريف عام 2019، بدلاً من تركهم يواجهون مخاطر الهجرة بشكل غير قانوني. وقد خصصت المفوضية الأوروبية نصف مليار يورو لمساعدة الدول المستقبلة، بحسب القناة الألمانية الأولى.
وقد جاءت موافقة الحكومة الألمانية على استقبال أولئك اللاجئين بعد انتقادات لها بأنها لا تستقبل سوى عدد قليل من منهم في البلدان التي تشهد أزمات، حيث أن ألمانيا ومنذ عام 2013 لم تستقبل سوى 2700 شخص في إطار عمليات إعادة التوطين بالتنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
لكن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تعهدت للأمم المتحدة في أواسط العام الماضي 2017 بإعادة توطين 40 ألف لاجئ في أوروبا، على أن تستقبل ألمانيا الجزء الأكبر منهم بما يتناسب مع حجمها.
وإلى جانب برنامج إعادة التوطين فقد استقبلت برلين آلاف اللاجئين في إطار برامج أخرى، منهم 23500 شخص منذ عام 2013 في إطار "برنامج القبول الإنساني للحكومة الاتحادية"، بالإضافة إلى إصدار 23000 تأشيرة في إطار برامج الولايات الألمانية لاستقبال لاجئين السوريين ممن لهم أقارب في ألمانيا.
وبالرغم من عدم نجاح محاولات عائلة هيفاء بالقبول في أيّ من تلك البرامج حتى الآن، إلا أنها تسعى للاستفادة من برنامج إعادة التوطين للمفوضية الأوروبية، للوصول إلى ألمانيا، وذلك بالاستعانة بمكتب المنظمة الدولية للهجرة في بيروت والذي تنسق معها المفوضية الأوروبية برنامج إعادة التوطين.
لاجئون في ألمانيا شقوا طريق النجاح نحو الاندماج
02:36
أمل بالأمان بعد المعاناة
وحتى اللاجئون في البلدان المجاورة لسوريا يأملون أن يشملهم برنامج إعادة التوطين الأوروبي، مثل اللاجئ السوري حسن خالد ذي الاحتياجات الخاصة الذي يعيش في مخيم دوميز للاجئين السوريين في محافظة دهوك في كردستان العراق.
يقول حسن -الذي يعاني من تداعيات مرض شلل الأطفال- لمهاجر نيوز: "دوماً يحدوني الأمل في الحصول على فرصة كهذه، ليس فقط لعلاج مرضي وإنما لإبعاد عائلتي عن أجواء القتل والحروب".
ولا يخفي اللاجئ الكردي الذي يعيش في مخيم دوميز منذ خمس سنوات مع زوجته وأطفاله الصغار أنه فكّر بالهجرة غير القانونية إلى أوروبا عند بداية موجة اللجوء، لكنه يضيف: "قررت ألا أغامر بمصير أسرتي فإما أن نحيا ونصل لبر الأمان أو نتقاسم الألم والحرمان والمعاناة معاً".
وقد قدّمت المفوضية الأوروبية أكثر من 75 ألف طلب لإعادة توطين اللاجئين عام 2017، وتمت إعادة توطين أكثر من 65 ألف شخص في نفس العام بالتنسيق بين المفوضية الأوروبية ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، ومنذ سنوات وحسن يتمنى أن يكون بين أولئك الأشخاص الذين تتم إعادة توطينهم.
تقول هيفاء: "أرجو أن يتم إعطاء الأولوية للمحتاجين لإعادة التوطين بالفعل، كما آمل أن يستطيع برنامج إعادة التوطين أن يلمّ شمل عائلتنا بعد هذه السنوات المريرة من الشتات".
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش