تتجه بريطانيا نحو سياسة أكثر صرامة في ملف الهجرة من خلال تغييرات شاملة. فما أهمها؟ وكيف ستؤدي لتضييق الخناق على المهاجرين وطالبي اللجوء؟
تعهدت وزيرة الداخلية البريطانية بـما أسمته "إعادة النظام" لنظام اللجوء البريطاني من خلال "تغييرات شاملة".صورة من: Gonzalo Fuentes/REUTERS
إعلان
وسط انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان، أعلنت بريطانيا أكبر تغيير في سياستها المتعلقة بطالبي اللجوء في العصر الحديث، مستوحية ذلك من نهج الدانمارك الذي يعد من أكثر السياسات صرامة في أوروبا.
واعتبرت هذه الخطوة "استسلاما" أو حتى "منافسة" من قبل حزب العمال للحد من الشعبية المتزايدة لحزب الإصلاح البريطاني الشعبوي، الذي دفع بقضية الهجرة إلى دائرة الضوء.
وفي هذا الإطار تعهدت وزيرة الداخلية البريطانية شبانة محمود بـما أسمته "إعادة النظام" إلى نظام اللجوء البريطاني من خلال "تغييرات شاملة"، وستعرض محمود سلسلة من الإصلاحات لنظام اللجوء في مجلس العموم يوم غد الاثنين، تهدف إلى جعل بريطانيا وجهة أقل جاذبية للمهاجرين غير الشرعيين وتعمل على تسهيل إبعادهم من المملكة المتحدة، بحسب وكالة بي إيه ميديا البريطانية.
ووفقا لوزارة الداخلية، فإن تشديد الضوابط البريطانية على نظام اللجوء، سيعني أن المملكة المتحدة لم تعد استثناء دوليا. ووصفت الوزارة العرض الحالي لطالبي اللجوء بأنه "أكثر سخاء" من عروض جيرانها القريبين في القارة الأوروبية، حيث يجري تشديد الضوابط.
ترامب و"ماغا" والمهاجرون
28:33
This browser does not support the video element.
لا سكن ولا مساعدات
ومن المقرر أن تلغي محمود الواجب القانوني المنصوص عليه لتقديم دعم طالبي اللجوء، الذي طبق عام 2005 عبر قانون الاتحاد الأوروبي. ويعني هذا أن السكن والمخصصات الأسبوعية لم تعد مضمونة لطالبي اللجوء، في محاولة لتقليل الحافز للمهاجرين الذين يعبرون القنال الإنجليزي ويتقدمون بطلبات اللجوء في المملكة المتحدة.
وقد يحرم أيضا من السكن والمزايا أولئك الذين لديهم حق العمل في المملكة المتحدة ويمكنهم إعالة أنفسهم، ولكنهم لا يفعلون ذلك. ويمكن أيضا حرمان طالبي اللجوء الذين يخالفون القانون من هذا الدعم. وفي غضون ذلك، قالت محمود لصحيفة ذا صنداي تايمز إن التغييرات "مصممة لتقول للناس بشكل أساسي: لا تأتوا إلى هذا البلد كمهاجرين غير شرعيين، لا تستقلوا قاربا".
مطلب انتخابي
إجرءات حكومة حزب العمال لم تطل الشق المتعلق بتقديم الطلبات والمساعدات المخصصة لطالبي اللجوء واللاجئين، بل طالت أيضا ترتيبات لمواجهة الهجرة السرية، بما في ذلك تشديد الرقابة على القوارب الصغيرة القادمة من فرنسا.
ووصل منذ مطلع العام أكثر من 39 ألف شخص بشكل غير قانوني عبر القناة على متن قوارب غير آمنة، وهو رقم يتخطى ما سجّل على هذا الصعيد في العام 2024 لكنه يبقى أقل من العدد القياسي المسجّل في العام 2022.
في حين، تقدّم أكثر من 111 ألف شخص بطلبات لجوء في المملكة المتحدة بين حزيران/يونيو 2024 وحزيران/يونيو 2025، وهو أعلى رقم يسجّل على الإطلاق منذ بدء الإحصاءات عام 2001، وفقا لأحدث بيانات وزارة الداخلية. وهي أرقام تزيد من شعبية حزب "إصلاح المملكة المتحدة" بزعامة نيغيل فاراج والذي تقدّم بفارق كبير على حزب العمال في غالبية استطلاعات الرأي التي أجريت هذا العام. بينما يواجه رئيس الوزراء العمّالي كير ستارمر ضغوطا متزايدة لكبح الهجرة غير النظامية، خاصة وأن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الهجرة تخطت الاقتصاد لتصبح الشاغل الأكبر للناخبين.
إعلان
تقييد هامش الحماية
ويحق حاليا للمستفيدين من وضعية لاجئ البقاء في البلاد لمدة خمس سنوات، ويمكنهم بعد ذلك تقديم طلب إقامة مفتوحة ومن ثم طلب نيل الجنسية. لكن وزارة الداخلية لفتت إلى أنه ستخفّض هذه المدة إلى 30 شهرا. وقالت إن هامش الحماية هذا سيخضع لـ "مراجعة منتظمة"، كما سيُجبر للاجئون على العودة إلى بلدانهم بمجرّد إعادة تصنيفها كبلدان آمنة. كذلك قالت الوزارة إنها تعتزم إخضاع أولئك الذين يُمنحون وضعية لاجئ لفترة انتظار تمتد لعشرين عاما قبل أن يُسمح لهم بالتقدّم بطلب للإقامة في المملكة المتحدة على المدى الطويل، بدلا من فترة السنوات الخمس المعمول بها حاليا.
تحرير: وفاق بنكيران
أوروبا وبلدان شمال إفريقيا.. لعبة المصالح ومقايضة الهجرة بالمال
تحتاج دول الاتحاد الأوروبي لموافقة دول جنوب المتوسط من أجل وقف الأعداد القياسية للمهاجرين غير النظاميين. ولذلك سعت بروكسل لصفقات تبادل مصالح مع دول كمصر وتونس وموريتانيا، وتفاوض أخرى كالمغرب. اتفاقيات تعرضت لنقد شديد.
صورة من: Hasan Mrad/ZUMA Wire/IMAGO
رئيسة الحكومة الإيطالية تزور تونس للمرة الرابعة
تزور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تونس، للمرة الرابعة خلال عام. وتركز مرة أخرى على مكافحة الهجرة غير القانونية. وأكدت مصادر إيطالية قبل هذه الزيارة أن "التعاون في مجال الهجرة يظل جانبا أساسيا في العلاقة بين إيطاليا وتونس". وتأتي الزيارة قبل شهرين من الانتخابات الأوروبية التي تخاض في إطارها نقاشات ساخنة حول الهجرة.
صورة من: Slim Abid/AP/picture alliance
اتفاقية مع تونس
وكانت تونس وقعت في تموز/يوليو 2023 مذكرة تفاهم مع المفوضية الأوروبية لكبح موجات الهجرة المنطلقة من سواحلها وجرى تعميم الخطوة مع موريتانيا ومصر لاحقا. وأشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، التي زارت تونس مع رئيسي وزراء إيطاليا وهولندا، إلى أهمية التعاون في مجال مكافحة عصابات تهريب البشر وإدارة الحدود والبحث والإنقاذ عبر تمويل بقيمة 100 مليون يورو هذا العام.
صورة من: Freek van den Bergh/ANP/picture alliance
ثلثا المهاجرين يصلون إيطاليا عبر تونس
ومن بين أكثر من 150 ألف مهاجر وصلوا إلى السواحل الإيطالية القريبة في 2023، انطلق قرابة ثلثي العدد من سواحل تونس وأغلبهم من سواحل صفاقس التي تضم الآلاف من مهاجري دول إفريقيا جنوب الصحراء، والحالمين بالوصول إلى دول التكتل الأوروبي الغني. وتوفي أكثر من 1300 مهاجر قبالة سواحل تونس عام 2023، أي ما يفوق نصف عدد الوفيات في البحر المتوسط، المصنف كأخطر الطرق البحرية للهجرة غير النظامية.
صورة من: Ferhi Belaid/AFP/Getty Images
اتفاقية مع مصر
رئيسة المفوضية الأوروبية زارت القاهرة أيضا، برفقة رؤساء حكومات بلجيكا وإيطاليا واليونان. ووقعت اتفاقية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بهدف إقامة شراكة مع السلطات المصرية لمساعدة هذا البلد الغارق في أزمة اقتصادية خطيرة، والذي يقع على حدود حربين في قطاع غزة والسودان، وحيث يوجد نحو 9 ملايين مهاجر ولاجئ - بما في ذلك أربعة ملايين سوداني و 1,5 مليون سوري - بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
صورة من: Dati Bendo/dpa/EU Commission/picture alliance
مساعدات لموريتانيا مقابل التعاون في مجال الهجرة
كما وقعت موريتانيا مع بروكسل إعلانا للتعاون المشترك بينهما في مجال محاربة الهجرة غير النظامية يشتمل على نقاط متفرقة منها منع المهاجرين من التدفق نحو السواحل الأوروبية، وخاصة إسبانيا، وإعادة المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين. والتعاون في مجال اللجوء، ومساعدة موريتانيا على إيواء طالبي اللجوء الأجانب على أراضيها مع احترام حقوقهم الأساسية. ولقي الاتفاق انتقادات واسعة في موريتانيا.
صورة من: BORJA PUIG DE LA BELLACASA/AFP
العبور من المغرب
يعتبر المغرب أحد أهم الوجهات للعبور إلى الاتحاد الأوروبي. إلا أن الرباط تشدد رقابتها على المنفذين البريين في سبتة ومليلة، إضافة للعبور بحرا. واعترضت السلطات المغربية 87 ألف مهاجر حاولوا الانطلاق من المغرب إلى أوروبا في 2023، وأنقذت 22 ألف مهاجر تقطعت بهم السبل في البحر أثناء محاولة العبور.
صورة من: Bernat Armangue/AP Photo/picture alliance
تقارب إسباني مغربي
التقارب الأوروبي مع المغرب تدفع به خصوصا إسبانيا، التي أعلنت في مارس/آذار 2022 تأييد موقف المغرب فيما يتعلق بالصحراء الغربية. وزار رئيس الوزراء الإسباني سانشيز المغرب أكثر من مرة. وعملت الرباط ومدريد على توثيق التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية. واحتلت قضية الهجرة موقعا مهما في المحادثات.
صورة من: /AP Photo/picture alliance
سعي أوروبي لاتفاق قريب مع المغرب
هناك اتفاقيات ثنائية بين دول أوروبية والمغرب بخصوص الهجرة. ولكن هناك مفاوضات تجريها المفوضية الأوروبية مع الرباط، منذ سبع سنوات، ومن المقرر أن يتم التوقيع على الاتفاق نهاية 2024. التعاون مع المغرب ثمنه ليس ماليا، وإنما سياسي، بحسب مصادر أوروبية مطلعة، كما نقلت صحيفة "كرونه" النمساوية، حيث تشترط الرباط دعم بروكسل بخصوص الصحراء الغربية. وفي المقابل، يدعم المغرب السياسة الأوروبية المتعلقة باللاجئين.
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
انتقادات حقوقية لهذه الاتفاقيات
انتقد نواب في البرلمان الأوروبي "الوضع الكارثي للديموقراطية وحقوق الإنسان في مصر". كما تعرضت مذكرة التفاهم مع تونس لانتقادات من قبل اليسار الذي يدين "استبداد" الرئيس التونسي سعيد، والانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون من جنوب الصحراء في بلده.
ودان المجلس الأوروبي للاجئين "الاتفاقات المبرمة مع الحكومات القمعية".
صورة من: Mahmud Turkia/AFP
تبقى ليبيا
ومع هذه الاتفاقيات المتتالية مع دول شمال إفريقيا للحد من الهجرة غير النظامية، تبقى دولة واحدة بمثابة العقدة أمام المنشار. حيث تستغل ميليشيات مسلحة في ليبيا الانقسام في البلد، لتحقق ثروات طائلة من خلال تهريب المهاجرين على قوارب مكتظة باتجاه اليونان وإيطاليا. وعجزت الجهود الأوروبية حتى الآن عن إيجاد حل للمعضلة، التي تفاقمت في يونيو/حزيران 2023 مع تسجيل واحد من أكبر حوادث غرق المهاجرين على الإطلاق.