تحذر هيئة الاستخبارات الداخلية في ألمانيا وكذلك رجال الاقتصاد من أضرار تلحق بسمعة البلد كمنتج عالمي. ويعود السبب في ذلك إلى التطرف بكافة أشكاله: يميني، يساري وإسلامي. كما أنّ المخاطر توجد داخل الشركات والمصانع نفسها.
إعلان
حرق لسيارات وهجمات على خطوط السكك الحديد وتهديدات بالقتل ضد مدراء: طاقة المعتدين المتطرفين جبارة، ويمكنها أن تردع المستثمرين والعمالة المتخصصة الماهرة. هذا القلق خيم بظلاله طيلة الوقت يوم الأربعاء (27 مارس/ آذار 2019) على مؤتمر برلين الأمني للهيئة الاتحادية لحماية الدستور (BfV) والتحالف من أجل الأمن في الاقتصاد (ASW). وتضمن برنامج المؤتمر ندوات حول "المؤسسات الاقتصادية كأهداف لهيجان التطرف اليساري" وكذلك "مواطنو الرايخ والحكومات الذاتية كمشكلة بالنسبة للشركات".
ومن بين الخبراء المشاركين في المؤتمر هناك أعضاء بهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) ورؤساء أمن شركات وعلماء بالإسلام. ما تناولوه في نقاشاتهم سيصل جزء منه فقط إلى الخارج؛ نظرًا لأنه لم يُسمح للصحفيين بحضور الندوات إلا في الصباح فقط، عندما تحدث صاحبا الدعوة: فولكر فاغنر رئيس التحالف من أجل الأمن في الاقتصاد، وسنان سِلِن نائب رئيس الهيئة الاتحادية لحماية الدستور.
وخلال كلمة الترحيب داعب فاغنر الحاضرين بالقول: "أمامكم يقف ممثل الرأسمالية المتوحشة"، في إشارة إلى عبارات جوفاء معتادة، تُطلق في المواقع المتطرفة اليسارية من أجل الهجوم على العدو (البعبع) "الرأسمالية".
متطرفون في هامباخر فورست؟
ومن جانبه يقول سينان سِلِن إن المرء يمكنه أن يرى مثلما يرى تحت المجهر "كيف تصبح الأفكار كلمات وتصبح الكلمات أفعالا". ورغم أن سِلِن كان يتحدث في تلك اللحظة عن المتطرفين اليمينيين، إلا أن تحليله ينطبق بنفس القدر على اليسار والإسلاميين. سيناريو الرعب بالنسبة لسِلِن يصب في جملة: "ألمانيا تعاني كعلامة تجارية"، ويقول نائب رئيس هيئة حماية الدستور "إن الأجواء المفتوحة في ألمانيا تجعلنا موضع جذب". ومع ذلك، فهو يخشى من أن تحلق أضرارٌ بالصورة الجيدة.
ويشاركه فولكر فاغنر القلق، ويشير إلى ضحايا مشهورين لحرائق اندلعت بسبب هجمات، مثل أمازون والسكك الحديد "دويتشه بان"، وشركة الاتصالات "دويتشه تيليكوم"، التي كان يعمل بها في السابق قبل أن ينتقل من هناك إلى شركة "باسف" (BASF) للكيماويات في عام 2018، حيث أصبح مسؤولاً عن أمن الشركة. وفي تقديره، تتلاشى أحيانا الحدود بين التطرف والاحتجاج المدني. على سبيل المثال، الاحتجاجات التي شهدت عنفا في بعض الأحيان في غابة هامباخر فورست، التي أرادت شركة الطاقة (آر دبليو أي) "RWE" إزالتها.
عندما يتشدق الزميل بعبارة "بالاستبدال العرقي"
ويعتقد كل من فاغنر وسينان سِلِن أنه ليس مجرد تجاوزات أو هجمات ظاهرة بشكل مفرط فحسب يمكن أن تسبب مشاكل للاقتصاد الألماني، وإنما هناك مخاطر تحدق به داخل الشركات نفسها، فعلى سبيل المثال، عندما يسافر عمال متطرفون إلى الحرب الأهلية في سوريا للانضمام إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" المزعوم (داعش)، .
سينان سِلِن نائب، رئيس حماية الدستور يفكر أيضا في "اليمين الجديد". فأتباعه لم يعودوا يظهرون مرتدين "البيادة العسكرية" (حذاء عسكري طويل الرقبة) وإنما يأتون مرتدين "ثياب المثقفين"، ويتشدقون بعبارة "الاستبدال العرقي" (مثلما كان جنود النازيون يرددون عند ضمهم لمناطق في الشرق من ألمانيا).
ويريد سِلِن أن يقول من خلال ذلك إن المتطرفين يمكنهم أيضا الإخلال بسلامة الشركات، ويعرب عن سعادته بعدم وجود حركة في ألمانيا مثل "السترات الصفراء" في فرنسا ويرى أن بين المتظاهرين يندس "غوغاء هائجون يجوبون الشوارع". ووفقًا لما قاله فولكر فاغنر، فإن أعمال الشغب سيكون لها تأثير على ألمانيا في حركة الشحن.
فاغنر: "يمكن أن يطال كل واحد"
ومن أجل حماية نفسه من التطرف بكل أنواعه، بشكل أفضل، فإن التحالف من أجل الأمن في الاقتصاد لا يتعاون مع هيئة حماية الدستور فحسب، بل ونظرًا لأن هذه الظاهرة (التطرف) عابرة للحدود، يحاول التحالف محاربتها دوليًا، وقد تم بالفعل إبرام اتفاقات مع فرنسا وإيطاليا وبريطانيا العظمى.
وتعتبر هيئة حماية الدستور نفسها، على حد تعبير نائب رئيس الهيئة، "مقدم خدمات". مما يعني أن الهيئة تقدم نصائح للشركات حول كيفية التعرف على المتطرفين. أما كيف ستستجيب الشركات، فهذا أمر يخص تلك الشركات. وينصح فولكر فاغنر الشركات بأن تأخذ التحذيرات بجدية. لأن الضرر "يمكن أن يطال كل واحد".
مارسيل فورستناو/ ص.ش
مظاهر متعددة للتطرف في شرق ألمانيا
رغم أن اليمين المتطرف ظاهرة لا تقتصر على بلد معين، إلا أن الحكومة الألمانية أعربت مؤخرا عن قلقها من تنامي كراهية الأجانب ومعاداة الإسلام في الولايات الألمانية الشرقية. جولة مصورة في مظاهر التطرف اليميني بشرق ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
أعربت الحكومة الألمانية عن قلقها إزاء تنامي كراهية الأجانب والتشدد اليميني في شرق ألمانيا، محذرة من أنهما يشكلان تهديدا على السلم الاجتماعي وينفر المستثمرين الأجانب. الإحصائيات الأخيرة تؤكد هذه المخاوف: ففي عام 2014 مثلا سجل 47 من الاعتداءات ذات الدوافع العنصرية في شرقي ألمانيا، على الرغم من عدد السكان فيها لا يشكل سوى 17 بالمائة من إجمالي سكان البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
فمثلا، على الرغم من أن نشاط النازيين الجدد لا يقتصر على ألمانيا فحسب، بل سجل في عدد مناطق من العالم على غرار أمريكا والنرويج، إلا أن حزبهم "حزب ألمانيا القومي الديمقراطي" لم ينجح حتى الآن في الدخول إلى البرلمانات المحلية والمجالس المحلية إلا في شرقي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Bimmer
شكلت مدينة دريسدن، بولاية سكسونيا شرقي ألمانيا، مهد ومعقل حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) التي تتظاهر منذ أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014 ضد الإسلام والمسلمين وتواجد الأجانب في ألمانيا. وقد بلغت هذه الاحتجاجات ذروتها مع تدفق سيل اللاجئين، وأغلبيتهم من سوريا، على ألمانيا العام الماضي.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
خلال احتجاجاتهم الليلية التي تنظمها حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) لم يتوان اليمينيون المتطرفون عن التعبير عن رفضهم لقدوم اللاجئين إلى ألمانيا. في إحدى المظاهرات حمل أحدهم لافتة تصور أناسا في قطار – وذلك في إشارة إلى أن أغلبية اللاجئين قدموا إلى ألمانيا في القطارات انطلاقا من المجر والنمسا – وقد كتب عليها بالإنجليزية: "اللاجئون غير مرحب بهم، عودوا بعائلاتكم إلى أوطانكم".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Schutt
اليمين المتطرف يرفضو أيضا التعددية الثقافية في إشارة إلى المهاجرين، الذين يعيشون في ألمانيا منذ عقود، ويعتبرونها دخيلة على الثقافة الألمانية. في الصورة أحد المتظاهرين في احتجاجات نظمتها حركة بيغيدا في مدينة دريسدن وهو يحمل لافتة كتب عليها "يجب وقف التعددية الثقافية. وطني (يجب) أن يبقى ألمانيّا".
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Burgi
كثيرا ما شهدت مدن شرق ألمانيا احتجاجات متكررة ضد اللاجئين وتنديدات بالمستشارة ميركل التي يتهمونها بفتح الأبواب على مصراعيها أمام "من هب ودب" دون أن تعير اهتماما لمخاوفهم ومشاكلهم. وفي الواقع، فقد شهد حزب المستشارة، الحزب الديمقراطي المسيحي، تراجعا في الانتخابات البرلمانية المحلية لعدد من الولايات الألمانية، وليس في شرق ألمانيا فقط.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
إضرام الحرائق في مآوي اللاجئين أو في البنايات المخصصة لإيواء اللاجئين أحداث - وإن لم تقتصر على ولايات شرق ألمانيا - تحسب على اليمين المتطرف وعلى كارهي الأجانب بصفة عامة واللاجئين بصفة خاصة. الصورة تظهر بناية خصصت لإيواء اللاجئين في بلدة باوتسن وهي تحترق. كما أظهرت التحقيقات فيما بعد أن الحريق كان بفعل إجرامي.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Löb
بعدما سمع اليمنيون المتطرفيو أن طائفة الأحمدية تريد أن تبني مسجدا بمنطقة نائية في إيرفورت بولاية تورينغن، شرقي ألمانيا، حتى سارعوا للاحتجاج رغم أن الأمر لم يتعد طور التخطيط. ورغم أن هذا المسجد الذي لايزال مجرد حبر على ورق هو الأول من نوعه في الولاية بأسرها والثالث في شرقي ألمانيا (باسثناء برلين)، إلا أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي يرى فيه مشروعا بعيد المدى لأسلمة ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
الاحتجاج على بناء المساجد من قبل البعض في ألمانيا ليس بالأمر الجديد. بيد أن البعض استخدم وسائل أخرى للتعبير عن احتجاجه: ففي عام 2013 ومع انطلاق أشغال بناء أول مسجد في مدينة لايبتسغ وثاني مسجد على الإطلاق في شرق ألمانيا (باستثناء برلين) قام مجهولون بوضع رؤوس خنازير دامية على أرضية المبنى. حادث مماثل تكرر بعدها بثلاث سنوات عندما وضع مجهولون خنزيرا صغيرا ميتا أمام مسجد في المدينة ذاتها.
صورة من: picture-alliance/dpa
لأكثر من 10 سنوات ويمنيون متطرفون، ينشطون في إطار ما يسمي بالخلية النازية السرية انطلاقا من مدينة تسفيكاو بشرق ألمانيا، يقتلون أناسا في مختلف أنحاء ألمانيا. والمتهمون هم أوفه موندلوز، أوفه بونهارت (في الصورة – في الوسط) وبيآته تشيبه. ضحاياهم: ثمانية أتراك ويوناني وشرطية. دافعهم في ذلك هو كراهيتهم للأجانب. وإلى حدود عام 2011 كان الرأي العام يجهل هوية هؤلاء وأن القتلة هم من اليمينيين المتطرفين.