فيما وجه الاتحاد الأوروبي تحذيراً لأنقرة إزاء وضع حقوق الإنسان فيها في ضوء الحكم غيابياً على الصحافي جان دوندار بـ 27 عاماً، بدأ البرلمان التركي يناقش مشروع قانون يزيد الرقابة على المنظمات غير الحكومية.
إعلان
ندد الاتحاد الأوروبي بالحكم القضائي المشدّد الصادر غيابياً في تركيا بحقّ الصحافي جان دوندار، وحذر أنقرة من تداعيات "التطور السلبي" لوضعية حقوق الإنسان على العلاقة بينهما. وأصدرت محكمة تركية على دوندار المقيم في المنفى في ألمانيا حكما بالسجن 27 عاماً على خلفية تحقيق نشره عام 2015 حول تسليم المخابرات التركية شحنات أسلحة لجماعات إسلامية في سوريا.
وفي هذا السياق قالت نبيلة نسرالي، المتحدثة باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اليوم الجمعة (25 كانون الأول/ ديسمبر 2020) إن "الاتحاد الأوروبي أعرب في عدة مرات عن قلقه العميق إزاء التطور السلبي المستمر لوضعية دولة القانون والحقوق الأساسية والنظام القضائي في تركيا".
وأضافت "قُدمت توصيات إلى تركيا لمعالجة الوضع، لكن الحكم الصادر عن محكمة تركية في حق الصحافي جان دوندار على خلفية حقه الأساسي في حرية التعبير يذهب للأسف في الاتجاه المعاكس، على غرار التوقيف الاحتياطي المتواصل (لرجل الأعمال) عثمان كافالا".
ونبهت إلى أنه "باعتبارها بلداً مرشحاً (لعضوية الاتحاد) وعضواً منذ أمد طويل في مجلس أوروبا، يجب على تركيا بشكل عاجل تحقيق تقدم ملموس ومستدام في حماية الحقوق الأساسية التي تمثل حجر زاوية في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا".
وشددت على أن ذلك "يشمل إسراع النظام القضائي التركي في تطبيق قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والإفراج العاجل عن عثمان كافالا وصلاح الدين دميرتاش (الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديموقراطي)".
من جانب آخر بدأ البرلمان التركي اليوم الجمعة مناقشة مشروع قانون يزيد الرقابة على المنظمات غير الحكومية، وذلك في إجراء يصفه نشطاء بأنه يهدد بالحد من حرية منظمات المجتمع المدني.
ويسمح مشروع القانون لوزير الداخلية بتغيير أعضاء المنظمات الذين يواجهون تهماً بالإرهاب. وبمقتضى مشروع القانون يمكن لوزارة الداخلية إقامة دعاوى قضائية لوقف أنشطة أي منظمة.
وتقول الحكومة إن مشروع القانون الذي يشمل "المنظمات والجمعيات" يهدف إلى منع المنظمات غير الهادفة للربح من تمويل الإرهاب ومعاقبة من ينتهكون القانون.
وتقول منظمات المجتمع المدني، ومن بينها منظمة العفو الدولية ورابطة حقوق الإنسان، إن تهم الإرهاب في تركيا تعسفية وإن مشروع القانون ينتهك فرضية البراءة ويعاقب من لم تصدر ضدهم أحكام قضائية نهائية.
وصاغ مشروع القانون حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، والذي يتمتع بالأغلبية في البرلمان مع حليفه حزب الحركة القومية مما يرجح الموافقة عليه.
وأجريت تحقيقات في تهم بارتكاب أنشطة إرهابية مع مئات الآلاف من الأشخاص في ظل حملة تلت محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016. وتم إغلاق مئات المنظمات أيضا بعد محاولة الانقلاب. ويقول منتقدون إن أردوغان وحزب العدالة والتنمية استخدموا الانقلاب الفاشل ذريعة لسحق المعارضة، لكن الحكومة تقول إن الإجراءات ضرورية على ضوء المخاطر الأمنية التي تتعرض لها تركيا.
وبموجب مشروع القانون، يفتش موظفون مدنيون المنظمات كل عام وبإمكانهم الاطلاع على أي مستندات. ويسمح المشروع لحكام الأقاليم أو وزارة الداخلية بوقف أي حملة تبرعات على الإنترنت لمنع تمويل الإرهاب وغسل الأموال كما يفرض غرامات تصل إلى 200 ألف ليرة (26200 دولار أمريكي) على أي منظمة يثبت أنها ضالعة في حملات تبرع غير قانونية على الإنترنت وذلك بالمقارنة بالغرامات الحالية التي لا تتجاوز 700 ليرة.
ع.غ/ ع.ش (آ ف ب، رويترز)
تركيا- الاتحاد الأوروبي.. كيف تحوّلت فكرة الانضمام إلى سراب؟
تاريخ من الشد والجذب بين تركيا والاتحاد الأوروبي. أنقرة وضعت الطلب مبكرا قبل إنشاء الاتحاد لكن كانت هناك ملفات شائكة عرقلت عملية الانضمام حتى بات الأمر مستحيلا تقريبا، على الأقل في فترة رجب طيب أردوغان.
صورة من: Getty Images/C. McGrath
أول اتفاقية مع الجماعة الأوروبية
وقعت تركيا وما كان يعرف بالجماعة الاقتصادية الأوروبية (تكونت حينها من ستة بلدان) اتفاقية اتحاد جمركي عام 1963. وكان من المفروض أن يكون الاتفاق بداية للانضمام الفعلي إلى الجماعة، خاصة مع توقيع بروتوكول إضافي عام 1970 وازدهار التبادل التجاري بين الطرفين، غير أن الحال بقي كما هو عليه، قبل تجميد عضوية تركيا بعد وقوع انقلاب عسكري فيها عام 1980.
صورة من: Alfred Hennig/dpa/picture alliance
جمهورية قبرص التركية تعمّق الخلاف
عادت تركيا لتطلب الانضمام مجددا عام 1987، لكن ظهر جليا وجود معارضة داخلية أوروبية قوية لهذا الانضمام، خاصة بعد انضمام اليونان إلى المجموعة عام 1981، ودخولها في صراع مع تركيا منذ اجتياح هذه الأخيرة لقبرص عام 1975 ثم إعلان أنقرة من جانب واحد قيام جمهورية شمال قبرص التركية عام 1983.
صورة من: Birol Bebek/AFP/Getty Images
الاتحاد يتأسس دون تركيا
تأسس الاتحاد الأوروبي فعليا عام 1992 دون تركيا. استمرت هذه الأخيرة في محاولاتها، واستطاعت إقناع الأوروبيين بتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة معها عام 1995، غير أن تفكك الاتحاد السوفياتي ساهم سلبا في استمرار إبعاد تركيا نظرا لكثرة المرشحين الجدد، قبل أن يتم إعلان أن تركيا ولأول مرة مرشحة فعليا للانضمام، وذلك بعد قمة هلسنكي عام 1999.
صورة من: picture-alliance/dpa
عهد أردوغان
وصل رجب طيب أردوغان إلى السلطة في تركيا عام 2003 وكان متحمسا كثيرا للانضمام، غير أن عدة دول أوروبية كالنمسا وألمانيا وفرنسا كانت لها تحفظات كثيرة على عضوية تركيا. المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عارضت فكرة الانضمام واقترحت بدلا منها شراكة مميزة بسبب الخلافات مع تركيا حول حقوق الإنسان وقبرص وسياسة أنقرة الخارجية.
صورة من: imago/Depo Photos
شروط كوبنهاغن
وضع الأوروبيون شرط احترام بنود اتفاقية كوبنهاغن أمام تركيا للانضمام، ومن الشروط تنظيم انتخابات حرة واحترام حقوق الإنسان واحترام الأقليات. ولأجل ذلك أعلنت أنقرة عدة إصلاحات منها إلغاء عقوبة الإعدام. بدأت المفاوضات الفعلية للانضمام عام 2005 في مجموعة من المجالات، غير أن استمرار مشكلة قبرص عجل بوقف المفاوضات، إذ رفضت أنقرة الاعتراف بعضوية قبرص في الاتحاد.
صورة من: Getty Images/AFP/C. Turkel
دولة مسلمة وسط اتحاد مسيحي؟
تشير العديد من التقارير إلى أن الاختلاف الديني بين تركيا وبلدان الاتحاد الأوروبي يشكلّ سبباً غير معلن لرفض الانضمام، فدول الاتحاد هي بلدان مسيحية فيما تركيا هي بلد مسلم. أكثر من ذلك، قلّص أردوغان مظاهر العلمانية وأرجع الدين إلى الحياة العامة. هذا العامل يرتبط بتوجس الأوروبيين من النزعة القومية التركية ومن عدم إمكانية قبول الأتراك بمشاركة هوية مجتمعية مع أوربييين يختلفون عنهم في نمط حياتهم.
صورة من: Reuters/U. Bektas
التفاوض يتعثر مجددا
بدءا من عام 2013 عادت المفاوضات مجددا، خاصة بعد مغادرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي كان معارضا بقوة لفكرة الانضمام. لم تغيّر ميركل موقفها لكنها أبدت مرونة واضحة، بيدَ أن تركيا وضعت هي الأخرى شروطها المالية الخاصة لاسيما مع تحملها موجة اللاجئين. وجاء قمع مظاهرات ميدان تقسيم 2013 ليوقف المفاوضات مرة أخرى.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/T. Bozoglu
الصراع مع قادة أوروبيين يتفاقم
لم تجانب المفوضية الأوروبية الواقع عندما قالت عام 2019 إن آمال انضمام تركيا إلى الاتحاد تلاشت، فلا أحد من الطرفين بات متحمسا للفكرة. أخذ أردوغان خطوات وصفها قادة من الاتحاد بأنها "استبدادية" خاصة مع تقارير حقوقية عن تراجع الحريات في البلد. أبعد ملف اللاجئين الطرفين أكثر، ثم جاء النزاع في شرق المتوسط بين تركيا من جهة واليونان وقبرص وفرنسا من جهة ثانية ليعدم تقريبا الفكرة.
صورة من: Adem ALTAN and Ludovic Marin/various sources/AFP