بطولة ألعاب القوى في قطر.. هل انقلب السحر على الساحر؟
٢ أكتوبر ٢٠١٩
رغم إنفاق قطر الباذخ على تنظيم بطولة العالم لألعاب القوى بغية إسكات المنتقدين بشأن استضافتها لمونديال 2022، إلا أن الأمر انقلب عليها بسيل من الانتقادات بسبب الظروف الصعبة التي تقام فيها البطولة.
إعلان
أرادت قطر في استضافتها لبطولة العالم لألعاب القوى أن تبهر الجميع بقدراتها التنظيمية وأن تسكت كل الأصوات المشككة بجدى استضافتها لبطولة كأس العالم عام 2022، لكن يبدو أن الأمر جاء بنتائج عكسية بعد تصاعد حدة الانتقادات بشأن الكثير من الجوانب والمشاكل المرافقة لسير بطولة كأس العالم لألعاب القوى، ولم يسبق أن كانت حدة الانتقادات على الشكل الذي يوجه لإقامة البطولة الحالية في قطر.
وفي مطلع هذه الانتقادات قسوة المناخ الصحراوي الذي أثر بشكل كبير على مستوى المتنافسين، إضافة إلى غياب الاهتمام الشعبي بالبطولة من جانب الجماهير القطرية. وفي هذا السياق تنقل وكالة الأنباء الألمانية عن بطلة رمي الجلة الألمانية كريستينا شفانيتس قولها: "توجد أماكن أخرى أفضل من قطر. لكننا كرياضيين لا يمكننا اتخاذ القرارات، ولا نُسأل عنها"، معتبرة أن ذلك يشكّل استهانة بالرياضيين بسبب الطقس الحار والمنافسات ليلاً وعزف الجمهور عن متابعة رياضات مثل الجري والقفز والرمي. وترى بطلة العالم في رمي الجلة عام 2015 أن الاتحاد الدولي لألعاب القوى "منح قطر استضافة البطولة جاء اهتماماً بالمال وليس بالظروف التي يتنافس فيها الرياضيون".
وكان رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى سيباستيان كو قد أكد في أكثر من مناسبة على الحاجة للدخول إلى أسواق جديدة وأعلن قبل بدء البطولة: "ستكون بطولة العالم جيدة للغاية". وعلى الرغم من انفاق الأموال الطائلة، فإن العديد من الرياضيين المشاركين والسابقين الذين شاركوا في البطولة يرون أنها سيئة للغاية خصوصاً في أيامها الأولى. وفي هذا السياق يقول صاحب الرقم القياسي العالمي في سباق العشاري، الفرنسي كيفن ماير إن أيام الأيام الأولى من البطولة كانت "كارثية" بكل المقاييس.
غياب الجمهور
ويبدو أن تأثير الأزمة الخليجية ومقاطعة أغلب دول الخليج لقطر ترك ظلالاً قاتمة على حيوية التشجيع الجماهيري في استاد خليفة الدولي حيث تُقام معظم المنافسات. إذ تبدو مدرجاته شبه خاوية من المتفرجين إلا في بعض الأماكن. وفي هذا السياق كتبت صحيفة "بيلد" الألمانية المنافسات بأنها أقرب ما تكون إلى "عرض للأشباح للتنافس على الألقاب"، نظراً لقلة الجمهور المتابع للمنافسات في استاد خليفة الدولي، الذي يتسع لخمسين ألف متفرج، بيد أن قلّة الحضور رافقها تغطية أكثر من نصف المقاعد المخصصة للجمهور بأغطية من البلاستيك.
ويبدو أن القيود التي تضعها دول خليجية مقاطعة لقطر منعت من سفر مواطنيها لحضور هذه المنافسات في الملاعب الخاوية.
وفي تعليقه منشور على موقع محطة "أن تي في" الإخبارية الألمانية قال المعلق الرياضي بيت غوتشالك: "مدرجات خاوية، هبوب القيظ في كل خطوة، أجواء معقمة تذكر بالمختبرات العلمية اللعينة: هذه بشكل عام الصور التي تنقلها محطات التلفزة عن منافسات بطولة العالم لألعاب القوى في الدوحة. لكنها يمكن أن توحي لمشاهدي التلفزيون الألماني في نهاية المطاف بالشكل الذي سيكون عليه مونديال قطر وبالأجواء التي ستجري فيها المباريات في قطر عام 2022".
وأضاف غوتشالك في تعليقه: "الجدل حول منح تنظيم كأس العالم في قطر رسمياً مستمر منذ تسعة أعوام. والآن يتضح للمرة الأولى إلى أين يمكن أن يؤدي جنون البطولات الرياضية الكبرى في البلد الصحراوي. وحين لا يكون دافع التنظيم حب الرياضة وإنما صفقات مالية، فإن بطولة العالم لألعاب القوى لا تصبح سوى موعد مسجل على قائمة المواعيد وليس حدثاً كبيراً في حياة الآخرين وذاكرتهم".
ظروف مناخية قاسية
تقام معظم منافسات البطولة الحالية داخل استاد "خليفة الدولي" بالدوحة حيث يستمتع الرياضيون والرياضيات وكذلك الجماهير داخل الاستاد بدرجة حرارة لا تزيد عن 26 درجة مئوية إضافة لنسب معتدلة من الرطوبة بفضل تقنيات التبريد المبتكرة في هذا الاستاد مثل باقي الاستادات المضيفة لبطولة كأس العالم 2022 لكرة القدم المقررة في قطر.
وتتضح مشكلة ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة بشكل جلي على المشاركين والمشاركات في سباقات الطرق (الماراثون والمشي). وكان لذلك الأثر الأكبر على لياقة المشاركين ومستواهم، إذ استسلم 14 عداء وعداءة قبل نهاية السباقات. وفي سباق 10 آلاف متر انهارت العداءة الألمانية الشابة آلينا ريه.
وفي هذا السياق انتقد العداء السابق في إثيوبيا هيلي غبريسيلاسي إقامة السباقات في هذه الظروف القاسية، معتبراً انها تهدد حياة المشاركين. وقال الرياضي الأثيوبي البالغ من العمر 46 عاماً: "لا سمح الله ، لكن الأشخاص الذين يركضون في مثل هذه الظروف الجوية قد يكونون معرضين للموت". وأشار إلى أنه من الخطأ تنظيم بطولة العالم في مثل هذا الجو الحار بالدوحة ، وخاصة سباق الماراثون. بالنسبة بطل العالم وحامل الرقم القياسي العالمي فقد كان من الأفضل الاستغناء عن سباقات الماراثون تماماً في هذه النسخة من البطولة.
شدة الحرارة وعدسات فضولية.. مشاكل بطولة ألعاب القوى في قطر
عبر الرياضيون والأطباء على حد السواء عن خشيتهم قبل انطلاق بطولة العالم لألعاب القوى في قطر: الحرارة المرتفعة بشكل مفرط تنهك الرياضيين والانتقادات تتواصل .. مدرجات خالية من الجمهور وبعض الأشياء الغريبة الأخرى.
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Weiken
منافسات داخل "فرن" الدوحة
الدوحة في أيلول / سبتمبر 2019: حرارة تتجاوز 40 درجة مئوية تكون عادية. وحتى في الليل يتجاوز مقياس الحرارة 30 درجة ومستوى رطوبة الجو يصل إلى 73 في المائة. ويستعين الرياضيون ببدلات مبردة. وحقيقة أن تشكل ظروف الطقس القصوى تحديا كبيرا، كان معروفا منذ البداية، لكن ليس بهذا الحجم...
صورة من: picture-alliance/Newscom/J. Mochizuki
"الملعب الثلاجة"
يتم تبريد ملعب خليفة في الدوحة من الداخل أثناء بطولة العالم لألعاب القوى إلى 25 درجة بفضل تكييف الهواء، لكن هذا الإجراء لا يحل جميع المشاكل. بالعكس فالاختلاف الكبير في درجات الحرارة بين داخل الملعب وخارجه يشكل عبئا إضافيا على الرياضيين. كما أن جميع المنافسات لا تُنظم داخل "الملعب الثلاجة".
صورة من: picture-alliance/L. Perenyi
انهيار أثناء الجري 5000 متر
مسابقات 5000 متر نظمت داخل ملعب خليفة، لكن بالنسبة إلى المتسابق جونثان بوسبي كانت الظروف المناخية والفرق بين الحرارة المفرطة والرطوبة والأجواء الباردة داخل الملعب عبئا ثقيلا. في البداية تمايل المتسابق القادم من أروبا ثم انهار فاقدا لجميع قواه وسط مسار الجري.
صورة من: picture-alliance/Photoshot/J. Yuchen
معا لعبور خط النهاية
بريما سونكار دابو من غينيا بيساو يظهر كرياضي عظيم بدعمه لبوسبي أثناء الـ 200 متر الأخيرة وسط تصفيقات الجمهور. إنها لحظة تجعل قلوب عشاق الرياضة تنبض بقوة في بطولة العالم لألعاب القوى الأكثر إثارة للجدل في التاريخ. لكن النهاية المفرحة لم تتحقق، لأن بوسبي تعرض للإقصاء بسبب "المساعدة غير المشروعة".
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Weiken
انتقادات الرياضيين
تتوارد الانتقادات من قبل الرياضيين المشاركين. يوهان دنيز في رياضة المشي ـ بطل العالم في 2017 ـ كان واضحا بعد المنافسة على طول 50 كيلومترا التي توقف عنها بعد 20 دقيقة "زجوا بنا داخل فرن. وجعلوا منا خنازير بحر، حيوانات تجارب"، موجها أصابع الاتهام للمسؤولين.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Meissner
عذاب في ماراتون النساء
"لقد كان رهيبا. لم أشعر أبدا قبلها بهذا الامتعاض"، هذا ما قالته الإيطالية سارة دوسينا التي توقفت بعد قطع ربع مسافة الماراتون. "كان مخيفا ومرعبا ومدمرا"، حسبما أكدته زميلتها الكندية ليندساي تيسيي بعد السباق الذي أنهاه فقط 40 من بين 68 رياضي تحت درجات حرارة الدوحة المرتفعة دون رحمة.
صورة من: Getty Images/QTA/M. Steele
انهيار ألينا ري
انتهى سباق حاملة الأمل الألماني في مسافة 10.000 متر قبل الموعد. ألينا ري بطلة أوروبا للشباب، اشتكت من آلام في البطن وأنهت السباق . وبعدها تمكنت البالغة من العمر 22 عاما من إنهاء حالة الإنذار بالقول "مازال بطني فاترا، لكنني جسديا أشعر بارتياح".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Meissner
"كنت في حالة من الهلع"
مشاهد اأخرى ستبقى راسخة في ذهن الرياضيين والمشاهدين على حد سواء: فبعدما انهارت ري تحت الآلام، وجب نقلها إلى الفحص على متن كرسي متحرك. "تلقيت مباشرة الرعاية وشعرت أنني في عناية جيدة. وفكريا يبقى من الصعب فرز ما يدور في ذهني، أحتاج إلى شيء من الوقت".
صورة من: picture-alliance/Newscom/U. Pedersen
غضب بسبب كاميرات خط الانطلاق
تحديث فني في خط انطلاق السباقات يسعى لتحفيز ألعاب القوى، فمن أجل إنتاج صور غير معهودة من الدوحة سهلة التسويق، تم تثبيت كاميرات في خط انطلاق سباقات الجري تلتقط صورا مقربة لوجوه الرياضيين غير معهودة إلى حد الان. لكن هذا الإجراء لا ينال إعجاب جميع المشاركين من الرياضيين.
صورة من: Getty Images/C. Petersen
"غير مريح"
نجمة ألمانيا في العدو لم تكن هي الأخرى متفقة مع هذا التحديث الفني "من غير المريح تجاوز هذه الكاميرا. هل شاركت امرأة في وضع هذه الكاميرا؟ لا أعتقد"، كما قالت غينا لوكينكيمبر. وأضافت زميلتها في الفريق، تاتيانا بينتو أضافت "مثير للشك تثبيت الكاميرا في هذه الزاوية"، معتبرة أنها ليست من أنصار هذا الإجراء.
صورة من: picture-alliance/L. Perenyi
لا يوجد أحد
إزعاج إضافي يتمثل في المدرجات الفارغة داخل ملعب الدوحة. هناك تُقام ألعاب قوى ممتازة ولا أحد يهتم. وحتى اللحظات المثيرة مثل نهائي مائة متر نساء (الصورة) لا تملأ المدرجات. وبالتالي فإن غينا لوكينكيمبر تجد الأجواء أثناء بطولتها العالمية الثالثة "جد سلبية" .