بعد اعتذار الحريري... احتجاجات في لبنان ومؤتمر في باريس
١٦ يوليو ٢٠٢١
بعد تفاقم الأزمتين السياسية والاقتصادية في لبنان إثر اعتذار سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، شهد جبل محسن مواجهات بين الجيش ومحتجين. هذا في وقت أعلن فيه عن استضافة فرنسا لمؤتمر دولي بالتعاون مع الأمم المتحدة حول لبنان.
إعلان
أقدم عدد من المحتجين على تردي الأوضاع الاجتماعية على قطع الطريق في منطقة جبل محسن شمالي لبنان، وعمل الجيش على إعادة فتحها بعد مواجهات مع المحتجين سقط خلالها 15 جريحاً من عناصر الجيش كما قطع آخرون عدد من الطرق في مناطق عدة. وأقدم عدد من المواطنين الغاضبين بعد ظهر اليوم الجمعة (16 تموز/يوليو 2021) على قطع الطريق عند مدخل منطقة جبل محسن شمال لبنان احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، وفقدان مادتي المازوت والبنزين والدواء والحليب، مما أدى إلى سقوط أربعة جرحى أحدهم حالته خطرة.
وتم نشر أفراد من الجيش اللبناني في منطقة جبل محسن حيث دارت مواجهات سقط خلالها عدد من الجرحى بين المحتجين وعناصر الجيش الذي عمل على إعادة فتح الطريق.
وأعلن الجيش اللبناني في بيان بعد ظهر اليوم على موقعه على تويتر أن عشرة عسكريين أصيبوا "بجروح جراء تعرضهم للرشق بالحجارة في منطقة جبل محسن من قبل عدد من المحتجين".
وفي بيان منفصل أعلن الجيش عن إصابة "خمسة عسكريين بجروح نتيجة إلقاء شبان قنبلة يدوية باتجاههم في منطقة جبل محسن".
وفي سياق متصل، أكد رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، اليوم الجمعة، أن بلاده ستتجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها حالياً، واعداً ببذل الجهود للخروج من الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون. جاءت تصريحات عون خلال استقباله قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا وفداً من جامعة سيدة اللويزة برئاسة الرئيس الجديد للجامعة الأب بشارة الخوري، بحسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية.
وأكد رئيس الجمهورية اللبنانية "أن لبنان سيتمكن من تجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها حالياً على مختلف المستويات، لأن الأحداث أثبتت أن إرادة الحياة عند اللبنانيين مكنتهم دائماً من التغلب على صعوبات كثيرة في الماضي"، مشدداً "على رهانه على الجيل الشاب في بناء مستقبل لبنان الذي نريده". وقال الرئيس عون "لا شيء يجب أن يحبط اللبنانيين رغم قساوة ما يتعرضون له"، واعداً ببذل كل الجهود للخروج من الأزمات المتلاحقة التي يعانون منها".
مؤتمر دولي في فرنسا
وفي سياق ذي صلة، يستضيف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمراً دولياً جديداً حول لبنان الشهر المقبل في الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت، وذلك بهدف مساعدة اللبنانيين في خضم الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تواجه بلادهم، بحسب ما ذكرته وزارة الخارجية الفرنسية اليوم الجمعة.
وقالت الوزارة في بيان إن ماكرون سينظم المؤتمر في الرابع من آب/أغسطس بالتعاون مع الأمم المتحدة "استجابة لحاجات اللبنانيين الذين يتدهور وضعهم كل يوم "بحسب قناة "فرنسا 24". وأضافت أن فشل الحريري في تشكيل حكومة "يؤكد الجمود السياسي الذي فرضه القادة اللبنانيون منذ أشهر، حتى فيما يواجه لبنان أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة". وأوضحت أن هناك "ضرورة ملحّة" في الوقت الحالي لإزالة هذه "العقبة المتعمدة وغير المقبولة" والسماح بتشكيل حكومة في لبنان والتعجيل في تعيين رئيس للوزراء.
يذكر أن لبنان يشهد منذ تشرين الثاني/نوفمبر عام 2019 أسوأ أزمة مالية واقتصادية تضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية وربما إحدى أشد ثلاث أزمات منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب لأي أفق حل، بحسب تحذير البنك الدولي في حزيران/ يونيو الماضي. وتخطى سعر صرف الليرة اليوم أمام الدولار الجمعة حاجز 24 ألف ليرة. وبسبب الأزمة المالية والاقتصادية تراجعت القدرة الشرائية للمواطنين، بالإضافة إلى تراجع قدرة مصرف لبنان على تلبية قرار الحكومة بدعم الأدوية والمواد الأساسية المدرجة على لوائح الدعم.
اغتيال الحريري ـ قضية غيرت وجه لبنان على مدار 15 عاماً
خلال الخمسة عشر عاماً التي مرت منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري شهد لبنان أزمات سياسية واقتصادية متعاقبة. فهل يحمل الحكم الصادر من المحكمة الدولية التغيير للبنان؟ أم قد يعقد الوضع المضطرب أصلا في البلد الجريح؟
صورة من: Reuters/A. Taher
2005: اغتيال الحريري ودخول حزب الله الحكومة
قُتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005 إثر انفجار قنبلة ضخمة لدى مرور موكبه في بيروت، وهو ما أدى لمقتل 21 آخرين. وأعقب ذلك سلسلة من المظاهرات الحاشدة وضغوط دولية أجبرت سوريا على سحب قواتها من لبنان. ونظم حلفاء دمشق الشيعة في لبنان سلسلة من التجمعات الحاشدة دعما لسوريا. وحصل حزب الله على تمثيل في الحكومة اللبنانية لأول مرة.
صورة من: picture-alliance/dpa
2006: حزب الله يتسبب في حرب مع إسرائيل
في يوليو/ تموز 2006 خطف حزب الله جنديين إسرائيليين وقتل آخرين، وهو ما أدى إلى نشوب حرب استمرت خمسة أسابيع وقُتل فيها ما لا يقل عن 1200 شخص في لبنان و158 إسرائيليا. وتصاعد التوتر إزاء ترسانة حزب الله القوية بعد الحرب. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، انسحب حزب الله وحلفاؤه من الحكومة المدعومة من الغرب، التي كان يقودها فؤاد السنيورة.
صورة من: AP
2007: حكومة السنيورة تحت الضغوط
واصل حزب الله وحلفاؤه اعتصاما ضد حكومة السنيورة استمر لنحو عام كامل. وكانت مطالبهم المعلنة هي الحصول على الحق في نقض قرارات الحكومة. وفي مايو/ أيار 2007 بدأت اشتباكات بين الجيش اللبناني ومتشددين من السنة ينتمون لجماعة فتح الإسلام داخل مخيم نهر البارد الفلسطيني في شمال لبنان، مما أرغم آلافا من اللاجئين الفلسطينيين على الفرار منه. وسيطرت قوات لبنانية سيطرة كاملة على المخيم في سبتمبر/ أيلول.
صورة من: AP
2011: سقوط حكومة سعد الحريري
أُطيح بحكومة سعد الحريري الأولى في يناير/ كانون الثاني 2011 إثر انسحاب حزب الله وحلفائه منها بسبب خلاف بشأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وجهت المحكمة لاحقا اتهامات إلى أربعة من قياديي حزب الله فيما يتعلق بمقتل رفيق الحريري. ونفى حزب الله أي دور له في اغتيال الحريري. (الصورة هنا لحسن نصر الله وسعد الحريري تعود لعام 2009).
صورة من: AP
2012: تدخل حزب الله لدعم بشار الأسد
انتشر مقاتلو حزب الله داخل سوريا سرا في بادئ الأمر لدعم القوات الحكومية السورية في مواجهة انتفاضة بدأت سلمية ضد الرئيس بشار الأسد في منتصف مارس/ آذار 2011. ويلعب الحزب منذ 2012 دورا كبيرا في قمع هذه الانتفاضة، التي مر على انطلاقها أكثر من تسع سنوات.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Syrian Central Military Media
2015: "طلعت ريحتكم"
اندلعت أزمة بسبب القمامة، حينما أغلقت السلطات المكب الرئيسي للنفايات قرب بيروت دون توفير بديل له، مما دفع الناس للخروج في احتجاجات حاشدة في أغسطس/ آب 2015، بعد تكدس تلال القمامة في الشوارع رافعين شعار "طلعت ريحتكم". وبدت هذه الأزمة إشارة جلية على عجز نظام المحاصصة الطائفية في تلبية احتياجات أساسية مثل الكهرباء والمياه.
صورة من: Alice Kohn
2017: سعد الحريري في قبضة العربية السعودية
في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017 تدهورت بشدة علاقة سعد الحريري مع السعودية التي أغضبها اتساع نفوذ حزب الله في لبنان. وانتشر حينها على نطاق واسع أن الرياض أجبرت الحريري حينئذ على الاستقالة واحتجزته داخل المملكة. ونفت السعودية كما نفى الحريري حدوث ذلك، لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد احتجاز الحريري في السعودية.
صورة من: Reuters
2019: الاحتجاجات تدفع الحريري إلى الاستقالة
مع ركود النمو الاقتصادي وتراجع تدفقات رؤوس الأموال؛ واجهت الحكومة ضغوطا للحد من العجز الهائل في الميزانية. وخرج الآلاف في احتجاجات متهمين الزعماء بالفساد وسوء إدارة الاقتصاد بعد فشلهم في تجاوز الأزمة الاقتصادية. وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول تراجعت الحكومة عن بعض مقترحاتها لحل الأزمة، لكن الاحتجاجات استمرت. وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول قدم الحريري استقالته رغم معارضة حزب الله.
صورة من: picture-alliance/dpa
2019/2020: تواصل الاحتجاجات وتشكيل حكومة دياب
استقالة سعد الحريري وتشكيل حكومة جديدة على يد حسان دياب المدعوم من حزب الله، لم تهدأ من غضب الشارع اللبناني. فقد تواصلت الاحتجاجات الشعبية إلى السنة الحالية واستمر المحتجون في تنظيم المظاهرات رفضاً للفساد وللمطالبة برحيل الطبقة السياسية برمتها. كما أدى الوضع المعيشي وغلاء الأسعار في لبنان إلى تفاقم الأزمة وبالتالي استمرار خروج اللبنانيين للشارع والتذكير بمطالبهم.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/H. Malla
انفجار مرفأ بيروت يزلزل حكومة دياب
عقب الانفجار المروع الذي هزّ بيروت وعمّق الأزمة الاقتصادية في البلاد؛ انفجر غضب اللبنانيين ضد العائلات والنخب الحاكمة المتهمة بالفساد وضد حكومة حسان دياب، التي اضطرت لتقديم استقالتها تحت ضغط الاحتجاجات في العاشر من أغسطس/ آب 2020. وفي كلمة له إلى اللبنانيين من السراي الحكومية قال دياب إن ما وصفها بـ "منظومة الفساد أكبر من الدولة ونحن لا نستطيع التخلص منها، و أحد نماذج الفساد انفجار بيروت".
صورة من: Getty Images/AFP
الحكم في قضية اغتيال الحريري
بعد خمسة عشر عاماً انتظر خلالها اللبنانيون حقيقة القضية التي غيرت وجه لبنان ودفعت لخروج القوات السورية منه بعد 30 عاماً من الوصاية الأمنية والسياسية، أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (18 آب/ أغسطس 2020) أنه لا يوجد دليل على تورط النظام السوري أو قيادة حزب الله بصورة "مباشرة" في اغتيال الحريري. لكن الحكم أشار في ذات الوقت إلى تورط عضو من حزب الله في واقعة الاغتيال.
صورة من: Reuters/A. Taher
لبنان أمام مفترق طرق
يأتي الحكم في وقت تظهر فيه انقسامات جديدة بشأن مطالب بإجراء تحقيق دولي ومساءلة سياسية في انفجار المرفأ الناتج عن تخزين كمية ضخمة من نترات الأمونيوم بطريقة غير آمنة. وقد يعقد الحكم في قضية الحريري الموقف المضطرب أصلا بعد انفجار المرفأ واستقالة الحكومة التي يدعمها حزب الله وحلفاؤه . كما يرى لبنانييون من بينهم ضحايا ينتظرون العدالة منذ 15عاما،أن الحكم "ليس كافياً". إعداد: إيمان ملوك