كيف يتعامل أحمد الشرع مع التحديات الداخلية في سوريا؟
٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥
وجود الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يشكّل علامة فارقة في مسيرته وفي الاعتراف بسوريا، وخلال خطابه في الدورة الثمانين للجمعية العامة قال الشرع: "سوريا تستعيد مكانتها الصحيحة بين دول العالم".
كانت هذه المرة الأولى التي يحضر فيها رئيس سوري الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1967، وخلال السنوات التالية اقتصر تمثيل الحكومة السورية في الجمعية العامة على وزراء الخارجية السوريين وليس على رئيس الدولة.
واتسمت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وعائلة الأسد التي حكمت سوريا لأكثر من خمسين عاماً بالبرود. ومنذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الذي شهد الإطاحة بنظام الأسد، بدأت علاقة سوريا تشهد تحسناً واضحاً مع الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية.
قال جوليان بارنز-دايسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لـ DW: "يبدو أن أحمد الشرع يُدرك تماماً الحاجة إلى تحسينات ملموسة، والحاجة الآن إلى ترجمة الزخم الدولي الأوسع إلى مكاسب، مع العلم أن استقرار حكومته والبلد سيكون مرتبطًا مباشرة بالتقدم".
شعبية متزايدة للشرع وتحديات داخلية قائمة
بالرغم من تزايد الاعتراف الدولي بسوريا، إلا أن هذا الاعتراف بدأ يتناقص مع استمرار عدم الاستقرار الإقليمي والداخلي.
وهو ما تطرّق له الشرع في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أدان الضربات الإسرائيلية المتكررة "التي تتعارض مع دعم المجتمع الدولي لسوريا وشعبها"، كما أكّد على أن سوريا ما تزال "ملتزمة بالحوار"، واستبعد أن تطبع سوريا علاقاتها مع إسرائيل في وقت قريب.
في هذه الأثناء، تحولت المفاوضات بين سوريا وإسرائيل التي تقودها الولايات المتحدة من التركيز على التطبيع الدبلوماسي الكامل إلى السعي إلى التوصل لاتفاقية أمنية قد تشمل انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي السورية التي دخلتها خلال الأشهر الماضية والعودة إلى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974.
وهي الاتفاقية التي تنص على استمرار وقف إطلاق النار بين الطرفين وفصل القوات المتعارضة بواسطة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
قضية أخرى أثارها الشرع في خطابه، وهي العنف الطائفي الذي حصل مؤخراً ضد بعض الأقليات في سوريا، يُزعم أنه ارتُكبَ على أيدي قوات حكومية وميليشيات متحالفة معها.
وقال الشرع في نيويورك: "أتعهد بتقديم كل مَن تلطخت يداه بدماء الأبرياء إلى العدالة"، وأضاف أن سوريا شكّلت بعثات لتقصي الحقائق ومنحت الأمم المتحدة الحق في التحقيق في عمليات القتل التي حدثت.
انتخابات سوريا البرلمانية القادمة تثير الجدل
أكد الشرع في خطابه على احترام حقوق الأقليات، وتشكيل حكومة شاملة تعكس التنوع الديني والعرقي في سوريا، ولكن يقول منتقدون إن الانتخابات البرلمانية السورية المقبلة تفتقر إلى تمثيل ديمقراطي حقيقي، بعد استبعاد ثلاث مناطق في سوريا تضم أقليات دينية وعرقية من المشاركة في الانتخابات بسبب مخاوف أمنية وغياب السيطرة الحكومية.
نقطة خلافية أخرى هي أنه سيتم اختيار 121 مقعدًا في البرلمان الجديد في سوريا في دمشق من قبل هيئات انتخابية لها علاقات قوية مع الرئيس.
في الأصل، كان هناك 140 مقعداً متاحاً للانتخابات، ومع ذلك، بسبب استبعاد أقليتين، هما الدروز في السويداء، والأكراد في الحسكة والرقة، لن يتم شغل 19 مقعداً في الوقت الحالي، وسيتم تعيين المقاعد المتبقية في مجلس الشعب الجديد مباشرة من قبل الشرع.
وحذّر بارنز-دايسي قائلاً: "هناك شعور بأن تركيز الشرع على مركزية السلطة تحت قيادته يغلق المجال أمام نهج حوكمة أكثر شمولاً يوفر مساحة للأقليات وفيدرالية جغرافية للسلطة".
استمرار العقوبات يعرقل تقدّم سوريا
دعا الشرع في خطابه أمام الجمعية العامة إلى رفع كامل للعقوبات على سوريا "حتى لا تكبّل الشعب السوري بعد الآن"، ويرى الشرع أن سوريا تحوّلت من "مصدّر للأزمات" إلى مكان "للفرصة" لا ينبغي أن يواجه المزيد من العقوبات الدولية.
وفي حين تم رفع العديد من العقوبات في وقت سابق من هذا العام، كالتي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، إلا أن العقوبات الأكثر صرامة وتأثيراً مثل قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا عام 2019 لا تزال سارية.
يهدف قانون قيصر إلى خلق المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، إلى جانب حلفائه روسيا وإيران، ومع ذلك، فإن إزالتها الدائمة تعتمد على الكونغرس الأمريكي.
وقال بارنز-دايسي: "لديه (أحمد الشرع) حجة قوية هنا فيما يتعلق بمحورية تخفيف العقوبات التي يقوم بتنفيذها بنجاح من خلال تفاعله مع الولايات المتحدة، والتي ستكون حاسمة لفتح تدفقات اقتصادية يحتاجها البلد بشدة".
تفاؤل في الشارع السوري رغم نقص الدعم
قالت بينتي شيلر، رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة هاينريش بول السياسية الألمانية في برلين لـ DW: "للأسف، يتزامن التغيير في سوريا مع أزمة في المساعدة الدولية للتنمية".
وأضافت شيلر: "خاصة الآن، عندما تتاح لنا الفرصة لأول مرة منذ عقود لدعم التغيير الديمقراطي في سوريا، فإن الأموال الخاصة للمؤسسات السياسية السورية في ألمانيا أوشكت على النفاد، مشيرة إلى أن "ميزانيات التعاون الإنمائي قد خُفِّضت بشكل كبير لدرجة أنه في السنوات القادمة لن يكون لدينا أي أموال متاحة لسوريا تقريباً". وحذّرت شيلر من أن هذا قد يعني فقدان فرصة نادرة لدعم التغيير الديمقراطي في سوريا.
وبحسب آخر مؤشر للرأي العربي بتاريخ 18 سبتمبر/ أيلول 2025، فإن 61 بالمئة من السوريين يفضلون حكومة ديمقراطية. ومع ذلك، كان النتيجة الأكثر لفتاً للنظر بالنسبة لمعدي الدراسة الشاملة عبر سوريا ليست الدعوة إلى الديمقراطية، التي سببت بالفعل انتفاضة 2011 والتي قوبلت بقمع وحشي من بشار الأسد، مما أدى إلى اندلاع الحرب، بل ظهور شعور جديد من التفاؤل في سوريا.
كتب معدو الدراسة: "يعتقد 56 بالمئة من المستجيبين أن سوريا تسير في الاتجاه الصحيح، وتصف الأغلبية مشاعر الارتياح، والأمان، والسعادة، والأمل.
ويرى معدو الدراسة هذه الأرقام "كمؤشر على المزاج السياسي في البلاد، حيث كان المجيبون متفائلين على الرغم من القلق بشأن احتمال تقسيم سوريا، والتدخل الخارجي، والغارات الجوية الإسرائيلية والهجمات البرية داخل الأراضي السورية".
أعدته للعربية: ميراي الجراح