بعد الانهيار المالي في لبنان.. هل تنجح بيتكوين كبديل لليرة؟
٥ فبراير ٢٠٢٢
يلجأ كثيرون في لبنان إلى الاستثمار في العملات المشفرة كبيتكوين ويبحثون عن الأمان في نظام لا يفهمه سوى عدد قليل من الناس، وخاصة أن هذه العملية لا ترتبط بالنظام المالي، لكن تعدينها يؤدي في الحقيقة إلى تفاقم الأزمة.
إعلان
يعيش لبنان أزمة اقتصادية طاحنة بعد أن تراكمت الديون على الحكومات المتعاقبة في أعقاب الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990 دون أن تحقق إنجازات بهذا الإسراف في الإنفاق. حتى قبل الانفجار المدمر في مرفأ بيروت عام 2020، كان لبنان يمر بأزمة اقتصادية عميقة. ومنذ ذلك الحين، استمرت المدخرات التي تحققت بشق الأنفس في فقدان قيمتها كل يوم. وأصاب الشلل البنوك التي تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات.
وعجز أصحاب المدخرات عن سحب أموالهم بعد أن حالت الأزمة بينهم وبين حساباتهم بالعملات الصعبة أو قيل لهم إن الأموال التي يمكنهم السحب منها الآن لم تعد تساوي سوى جزء صغير من قيمتها الأصلية. وانهارت العملة اللبنانية مما دفع قطاعا كبيرا من السكان إلى صفوف الفقراء.
ولهذا السبب يضع الكثير من اللبنانيين أملهم في العالم الرقمي. سواء كانوا ضباط شرطة أو خبازين أو طلاباً - يستثمر الكثيرون في العملات المشفرة مثل بيتكوين ويبحثون عن الأمان في نظام لا يفهمه سوى عدد قليل فقط من الناس.
في صور.. عام على جراح لم تندمل لدى اللبنانيين!
تحل الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت المروع وجراح اللبنانيين لم تندمل. انهيار اقتصادي متسارع فاقمته تداعيات مأساة المرفأ وتفشي فيروس كورونا، فيما تعجز القوى السياسية على التوافق وتشكيل حكومة تضمد جراح لبنان.
صورة من: Reuters/A. Taher
شرارة الاحتجاجات
إعلان الحكومة اللبنانية أواخر عام 2019 عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل واتساب، فجّرغضب لبنانيين لمسوا قبل أسابيع مؤشرات أزمة اقتصادية حادة، أبرز ملامحها كان انهيار سعر الليرة وأزمة الخبز فنزلوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم القرار ورغبتهم في إسقاط النظام. من هنا انطلقت شرارة الإحتجاجات مع توالي الأزمات على اللبنانيين، أسوؤها انفجار مرفأ بيروت.
صورة من: Marwan Bou Haidar/Zuma/picture alliance
استقالة حكومة الحريري
على الرغم من تراجع حكومة سعد الحريري عن فرض الرسم المالي، استمرت الاحتجاجات الشعبية. وخلال أيام بلغ الحراك الشعبي ذروته مع تظاهر مئات الآلاف في كل أنحاء البلاد مطالبين برحيل الطبقة الحاكمة التي لم يمسها تغيير جوهري منذ عقود والمتهمة بالفساد وبعدم الكفاءة. على وقع غضب الشارع، استقالت حكومة سعد الحريري في 2019.
صورة من: Imago-Images/ITAR-TASS
أزمة كورونا
في فبراير/ شباط 2020، سجل لبنان أول إصابة بفيروس كورونا. وتراكمت الأعباء تدريجياً على القطاع الصحي الذي أنهكه الوضع الاقتصادي المزري الذي تعيشه البلاد. وفي طل غياب الخطط الحكومية للتعامل مع الفيروس وتوالي الأزمات الاقتصادية والسياسية بدأ الوضع الوبائي للبلاد يتخذ منحنى أكثر سوءاً مع تفشي المتحور دلتا.
صورة من: Emma Freiha/Reuters
فشل حكومة دياب
في السابع من مارس/ آذار 2020 أعلنت الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب عن خطة إنعاش اقتصادي في لبنان وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي. بعد نحو أسبوعين انطلقت المفاوضات بين الطرفين، إلا أنها توقفت في صيف 2020 بعد عدة جلسات جراء خلافات بين الفرقاء اللبنانيين أنفسهم.
صورة من: Getty Images/AFP
انفجار مرفأ بيروت
في الرابع من أغسطس / آب 2020، دوى انفجار ضخم في بيروت دمر أحياء فيها وقتل أكثر من مئتي شخص. بعد ساعات قليلة على وقوعه، عزت السلطات الانفجار إلى كميات ضخمة من مادة نترات الأمونيوم مخزنة في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت منذ عام 2014. ألحق الانفجار، الذي يعد أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، دماراً ضخماً في المرفأ والأحياء القريبة منه، وأسفر عن مقتل 214 شخصاً وإصابة 6500 آخرين.
صورة من: Ahmad Terro/picture alliance
الانفجار يفاقم مآسي لبنان!
شكل الانفجار صدمة غير مسبوقة لللبنانيين، الذين أنهكتهم الأزمات المتتالية. بدأ سكان بيروت في اليوم التالي يبحثون عن المفقودين ويتفقدون منازلهم وأبنيتهم المتضررة، فيما انهمك عمال الإغاثة بالبحث عن ناجين محتملين تحت الأنقاض. ووصف محافظ بيروت مروان عبود وقتها الوقع بأنه "كارثي". وأعلنت حالة الطوارئ وبدأت المساعدة الدولية تتدفق إلى البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Naamani
ماكرون يمدّ يد الإنقاذ
في السادس من أغسطس/ آب زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت حيث تفقد المرفأ والأحياء المتضررة وسط حشد من اللبنانيين الغاضبين على طبقة سياسية متهمة بالفساد وسوء الإدارة. في ختام زيارته، دعا إلى "تغيير" في النظام. ثم رعى مؤتمراً دولياً لدعم لبنان، تعهد خلاله المجتمع الدولي بتقديم مساعدة طارئة بقيمة نحو 300 مليون دولار، على ألا تمر عبر مؤسسات الدولة.
صورة من: Reuters/G. Fuentes
استقالة حكومة دياب
في الثامن من أغسطس/ آب، تظاهر آلاف اللبنانيين ضد المسؤولين السياسيين الذين حمّلوهم مسؤولية مأساة انفجار مرفأ بيروت. وشهدت التظاهرات مواجهات عنيفة بين محتجين غاضبين والقوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة والرصاص المطاطي. وأعلن عدة وزراء تباعاً استقالتهم، إلى أن أعلن رئيس الحكومة حسان دياب في العاشر من آب/أغسطس استقالة حكومته.
صورة من: Reuters/H. Mckay
أزمة تليها أخرى!
على وقع الانهيار الاقتصادي المتسارع، بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة. كما فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار في السوق السوداء، فيما ارتفعت أسعار المواد والبضائع كافة، حتى أن أسعار مواد غذائية أساسية ارتفعت بأكثر من 70 في المئة خلال عامين. كما تشهد البلاد منذ أسابيع أزمة وقود وشحاً في الدواء وتقنيناً شديداً في الكهرباء يصل الى 22 ساعة.
صورة من: Reuters/A. Konstantinidis
إجهاض تشكيل حكومة جديدة
بعد تسعة اشهر من تكليفه، اعتذر سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة بعدما حالت الخلافات السياسية الحادة مع رئيس الجمهورية دون إتمامه المهمة وتم تكليف نجيب ميقاتي الذي ترأس حكومتين في 2005 و2011، بتشكيل حكومة جديدة. عادة ما يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان أشهراً طويلة جراء الانقسامات السياسية. لكن الانهيار الاقتصادي، الذي فاقمه انفجار المرفأ وتفشي فيروس كورونا، عوامل تجعل تشكيلها أمراً ملحاً.
صورة من: Dalati Nohra/Lebanese Official Government/AP Photo/picture alliance
الدعم مقابل الاستقرار السياسي
منذ عام كامل، لم يعلن القضاء اللبناني عن تحقيق أي تقدّم في التحقيق بشأن انفجار مئات الأطنان من مادة نترات الأمونيوم المخزنة منذ سنوات في مرفأ بيروت من دون أي إجراءات وقاية. كما لا تلوح في الأفق أي حلول جذرية لإنقاذ البلاد، فيما يشترط المجتمع الدولي تسريع تشكيل حكومة تباشر بتنفيذ إصلاحات ملحة، مقابل تقديم الدعم المالي للبنان.
صورة من: Aziz Taher/REUTERS
لبنان في ذكرى أسوأ أزماته
في الذكرى الأولى لإنفجار مرفأ بيروت، ينظم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمرا دوليا من أجل مساعدة لبنان، وهو الثالث بالتعاون مع الأمم المتحدة. تسعى باريس من خلال هذا المؤتمر إلى جمع مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 350 مليون دولار من أجل شعب لبنان، الغارق في أزماته الاقتصادية والأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، كما صنفها البنك الدولي. فهل تندمل جراح لبنان قريباً؟ إعداد: إيمان ملوك
صورة من: Reuters/H. McKay
12 صورة1 | 12
ويقول ماريو عوض"في الواقع، يشتري الجميع مني: الطلاب وذوي الدخل المتوسط والأثرياء. الكل يريد الاستثمار في العملات المشفرة". ماريو تاجر للعملات المشفرة يعمل في هذا المجال منذ خمس سنوات، ويتيح للأشخاص الوصول إلى بيتكوين وغيرها من العملات المشفرة. ويتم تداول العملات كملفات إذا صح التعبير. وما يميزها أنه يتم تخزينها بشكل لا مركزي. ولا تخزن في بنوك كبيرة. مروجوها يرون في هذه الخاصية ميزة كبيرة.
ويضيف ماريو:" أحياناً يرن هاتفي الخلوي في منتصف الليل. بالطبع لا أرد عليه حينها. لكن الطلب ضخم. يريد الناس الشراء كل يوم. لا يهم الوقت".
والسبب في ذلك بسيط، إذ فقدت الليرة اللبنانية قدراً هائلاً من قيمتها في غضون عام. في المتوسط، عليك الآن أن تضع أكثر من ثلاثة أضعاف المال لشراء منتج ما كما فعلت قبل عام. وبالتالي فإن جزءاً كبيراً من السكان يواجه صعوبة في العثور على أكثر المنتجات الضرورية للحياة اليومية.
"مشكلة سعر الصرف"
هنري شاول الخبير المالي المتخصص في الجهاز المصرفي في لبنان، مقتنع بأن المشكلة الرئيسية هي أن سعر الصرف بين الليرة اللبنانية والدولار الأمريكي ثابت منذ فترة طويلة. ويضيف:" "بهذه الطريقة، حافظ الناس على نمط حياة لم يكن بمقدورهم تحمله من غير هذا النظام. وأثناء الأزمة وعندما توقف فجأة دفع المزيد من المدفوعات إلى البلاد من الخارج، توقف النظام ببساطة عن العمل. ثم أغلقت البنوك، وأراد الناس سحب مدخراتهم - ولكن بسبب عدم وجود احتياطيات لدى البنوك، انهار النظام".
ولا تحتاج البيتكوين إلى بنوك أو حكومات، وهذا ما جعلها مطلوبة. وأصبح تقبل واكتشاف العملات المشفرة بالنسبة لبعض اللبنانيين، شبيه بالمزاج الذي ساد مع تزاحم الناس على مواطن اكتشاف الذهب.
وهو ما يؤكده المواطن اللبناني بسام سعادة. ويقول بهذا الصدد:" "منذ الأزمة، كان الناس هنا يخوضون المزيد من المخاطر. ولذلك في بعض الأحيان يتخذون قرارات سيئة أو يخاطرون كثيراً. أو لديهم آمال مبالغ فيها تماماً مع بيتكوين دون فهم المخاطر حقاً".
سبق لبسام أن فقد أمواله. واشترى الرجل البالغ من العمر 36 عاماً بيتكوين لأول مرة في عام 2015. في ذلك الوقت كان يريد فقط تجربة شيء ما. ليس بسبب الأزمة، ولكن لأنه مهتم دائماً بأشياء جديدة. "في ذلك الوقت كنت لا أزال أتعامل مع بعض القصر في السابعة عشرة من العمر الذين جاؤوا على متن دراجاتهم النارية. كان معي مبلغ كبير من المال. شعرت بأن الأمر غير قانوني".
البيتكوين بديل حقيقي لليرة اللبنانية؟
بالنسبة لبسام، فإن البيتكوين بديل حقيقي لليرة اللبنانية. وهذا ليس مجرد حلم بعيد المنال. إذ بعد احتجاجات عام 2019، أدخلت البنوك ضوابط على رأس المال. جعلوا سحب الدولارات وتحويلها أمرا مستحيلا. اليوم، يمكنك فقط سحب مدخراتك في لبنان بالليرة، مع قيود شهرية صارمة وبسعر ثابت.
ويضيف بسام: "إذا كان لديك دولارات أمريكية في حسابك قبل الأزمة، فقد تم تجميد الأموال الآن. نسميها "لولار" وهو "دولار لبناني". لم يعد له قيمة بعد الآن. أما عندما يكون لديك المال في يديك، فهو دولارات حقيقية. لذا دولار مقابل لولار".
الشيء الوحيد المهم هو دولارات أمريكية "حقيقية" نقداً. تلك التي لديك حق الوصول إليها. والتي لا يزال بإمكانك الحصول مقابلها على سلع بسعر رخيص إلى حد معقول في الحياة اليومية.
ويضيف بسام:" العملات المشفرة تعني دولارات حقيقية. والمال ليس مخزناً في النظام المالي اللبناني. إنه موجود في جميع أنحاء العالم. يمكنك تداوله وشراء الأجهزة الإلكترونية به. حتى تاجر الذهب هنا يأخذ المال من العملات المشفرة. ويمكنك الحصول عليه. ويباع في السوق السوداء. لذا فإن العملات المشفرة هي مال حقيقي، نوع من السيولة النقدية".
تعدين العملات المشفرة يفاقم الأزمة في لبنان
لكن من المفارقات أن الطفرة في سوق عملات البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة تؤدي إلى تفاقم الأزمة في لبنان، لأنه - ببساطة - يمكنك إنتاج العملات المشفرة بنفسك. فيما يسمى "التعدين"، يقوم الكمبيوتر بحل المهام الحسابية المعقدة وبالتالي يشارك في تعدين النقود. لكن أجهزة الكمبيوتر القوية للغاية وتبريدها يستهلكان أيضاً كمية كبيرة جداً من الكهرباء. وتسري في لبنان واحدة من أقل أسعار الكهرباء في العالم - لأن الدولة تدفع جزءاً كبيراً من الفاتورة. والعديد من عمال مناجم البيتكوين اللبنانيين يستنزفون شبكة الطاقة الكهربائية المثقلة بالفعل في البلاد.
وبالنسبة للعديد من اللبنانيين، الحياة اليومية صعبة والمستقبل غير معروف. وهم يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ويشير بسام إلى أن الناس يعتقدون "أن الأوقات الأسوأ قادمة في المستقبل. ويمكنك إما وضع أموالك تحت سريرك أو الاستثمار في العملات المشفرة أو شراء الذهب".
ويشك كل من بسام وماريو عوض فيما إذا كانت العملات المشفرة هي الحل حقاً للأزمة المالية في لبنان. لكن العملات المشفرة تقدم على الأقل بعض الأمل. وهذا ما يبحث عنه حالياً الكثير من الناس في لبنان وبشدة - وأيضاً في العالم الرقمي.
تيلو شبانهيل (مكتب ARD في القاهرة) / ترجمة بتصرف: زمن البدري
لبنان 100 عام.. من طوائف الجبل إلى دولة على شفا الانهيار
لبنان.. بلد صغير المساحة، لكنه يختزل على مدار قرن من إعلان قيامه أحداثاً كبيرة جعلته صورة مصغرة عما جرى في العالم العربي من خيبات متواصلة. يحتضن تاريخه كل شيء: العنف والصلح، الحرب والسلم، الرخاء والشدة، الوطنية والتبعية.
صورة من: Getty Images/AFP/J. Eid
فتنة جبل لبنان
سكنت عدة طوائف في المناطق المعروفة حالياً بلبنان، خاصة منطقة جبل لبنان. لكن الطوائف الأبرز كانت ستة: الموارنة والأرثودوكس والكاثوليك، وفي الجانب الآخر الدروز والسنة والشيعة. بقي الجبل تحت سيطرة العثمانيين، لكنه شهد توترات طائفية خطيرة خاصة المجازر بين الدروز والموارنة عام 1860. تدخلت قوى أوروبية في المنطقة خاصة منها فرنسا، وشهد جبل لبنان بضغط أوروبي قيام نظام "المتصرفية" الذي عزّز الوجود الماروني.
صورة من: picture-alliance/Design Pics
قيام لبنان الكبير
بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، استطاعت فرنسا فرض انتدابها على لبنان بعد توسيعه ليضم البقاع وولاية بيروت فضلاً عن ترسيم الحدود مع سوريا. ويقول جوزيف باحوط في مقال على كارنيغي إن فرنسا هدفت إلى خلق وطن شبه قومي للمسيحيين في الشرق الأوسط، لكن الطوائف المسلمة رفضت بشدة الوضع الجديد. أعلن لبنان استقلاله عام 1943 على يد الرئيس بشارة الخوري، لكن جلاء القوات الفرنسية لم يتم إلّا عام 1946.
صورة من: picture-alliance/United Archives/TopFoto
الميثاق الوطني
شهد إعلان استقلال لبنان ما عُرف بالميثاق الوطني الذي منح رئاسة الدولة للموارنة ورئاسة الوزراء للسنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة. وكان هدف الميثاق تسهيل الاستقلال حتى لا يطلب المسيحيون حماية فرنسا ولا يطالب المسلمون بالوحدة مع سوريا. لم يُكتب الميثاق لكنه بقي مطبقاً في البلاد منذ ذلك الحين، ويرى متتبعون أنه سبب المشاكل الطائفية في البلاد بما أنه هو من أسس لنظام المحاصصة.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Hamzeh
إنهاء حكم شمعون
تحوّلت بيروت إلى مدينة تجمع الكل منذ سنوات الاستقلال، لكن اندلاع النزاع العربي-الإسرائيلى ألقى بظلاله على بلد يصارع لخلق هويته. استقبلت بيروت آلاف اللاجئين الفلسطينيين كما استقبلت مهاجرين عرب وشهدت نمواً اقتصادياً لكن في الآن ذاته ركزت قوى عربية متصارعة نفوذها داخل المدينة منذ ذلك الحين. غير أن أبرز حدث شهدته بيروت في الخمسينيات كان الانتفاضة ضد الرئيس كميل شمعون الذي كان له علاقات قوية مع الغرب.
صورة من: Imago Images/United Archives International
العصر الشهابي
من بين أكثر رؤساء لبنان احتراما هو فؤاد شهاب الذي حكم البلاد منذ 1958 إلى 1964 ورفض التمديد له رغم شعبيته الطاغية. تحقق في عهد شهاب الكثير من الاستقرار في البلد رغم الانتقادات الموجهة له بتقوية دور المخابرات بعد محاولة الانقلاب. جاء بعده شارل حلو الذي حاول اتباع النهج الشهابي بعدم تفضيل أيّ طرف سياسي على آخر، لكن البلد شهد في عهده عدة مشاكل اقتصادية، ما مهد الباب لسليمان إفرنجية ليخلفه.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Tödt
الحرب الأهلية تندلع
شهد لبنان توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 بين الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين وبين الدولة اللبنانية حتى لا تتكرر مناوشات بين الطرفين، وبموجبه تم الاعتراف بالوجود الفلسطيني المسلح في لبنان. وقف اليسار اللبناني مع الفلسطينيين، في حين رفضهم اليمين المشكل أساساً من منظمات مارونية. ومع تعاظم النفوذ الفلسطيني تعددت الاحتكاكات مع القوى اليمينية، لتندلع رسمياً الحرب الأهلية في أبريل/ نيسان 1975.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Raouf
بيروت تشتعل
قُسمت بيروت إلى شرقية تحت سيطرة القوات اليمينية وغربية للفلسطينيين والقوات اليسارية. زاد التناحر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين من الحرب خاصة مع وجود اختلالات اجتماعية بينهم. زاد التدخل السوري من سعير الحرب، وكذلك فعلت إسرائيل عندما اجتاحت لبنان عام 1982 وحاصرت بيروت الغربية ما أدى إلى جلاء المسلحين الفلسطينيين، لكن الحرب لم تنته، ووقعت بعد ذلك مواجهات حتى داخل الأطراف التي كانت متحالفة.
صورة من: Ziad Saab
حزب الله يخرج منتصرًا
انتهت الحرب رسميا عام 1991 سنتين بعد توقيع اتفاق الطائف. شهدت الحرب مجازر مروعة كالكرنتينا والدامور وصبرا وشاتيلا، ووثقت الكاميرات مشاهد مرعبة كما جرى في حصار بيروت وحرب المخيمات. تقوّت لاحقا التنظيمات الشيعية، وخصوصا حزب الله المرتبط بإيران، وبقي التنظيم محافظًا على سلاحه بعد حلّ كل الميلشيات، فتراجع نفوذ التنظيمات المسلحة اليمينية واليسارية والفلسطينية، كما ضمنت سوريا استمرار حضورها في البلد.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Amro
الاغتيالات تستمر
استقر لبنان نسبيا في التسعينيات، لكن سنوات الألفية شهدت مواجهات مسلحة بين حزب الله وإسرائيل في صيف 2006، لكن الهزة الأعنف كانت اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق الذي ساهم في إعمار لبنان. كانت من نتائج الاغتيال خروج القوات السورية نتيجة ما عُرف بـ "ثورة الأرز". شهد البلد في تلك السنوات استمرار الاغتيالات السياسية التي وجهت فيها الاتهامات لدمشق كاغتيال الشيوعي جورج حاوي والصحفي سمير قصير.
صورة من: picture-alliance/dpa/N. Mounzer
حراك لبنان
لأول مرة في تاريخ البلاد، يخرج مئات الآلاف من اللبنانيين عام 2019 رفضاً لنظام المحاصصة الطائفية، مطالبين برحيل الطبقة السياسية ككل. جاءت الاحتجاجات في ظل استمرار ترّدي الوضع الاقتصادي وارتفاع نسب الفساد، ما أدى إلى استقالة حكومة سعد الحريري، وتشكيل حكومة حسان دياب التي استقالت بدورها بعد انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة ما يناهز مئتي قتيل. تقرير: إسماعيل عزام