بعد التقارب بين مصر وقطر .. هل تتخلى الدوحة عن الإخوان؟
٢٣ يناير ٢٠٢١
بعدما أنهت قطر والعربية السعودية ومصر خلافاتها، بات مستقبل الإخوان المسلمين في إمارة قطر مفتوحا. فالتطور هناك يمكن أن يؤثر على الوضع الدولي للحركة. فهل تضحي قطر بالإخوان وبأي مقابل؟
إعلان
الاستقبال كان بحفاوة والمحادثات ناجحة، لقد كان اختراقا سياسيا حققه الفاعلون المشاركون مطلع يناير في مدينة العلا السعودية. فممثلو قطر من جهة والعربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر من جهة أخرى اتفقوا على إنهاء خلافاتهم. وبذلك انتهى الحصار الذي بدأته العربية السعودية وحلفاؤها في صيف 2017 ضد قطر. فزمن الخلاف ولى والآن يبدأ وقت التضامن والتعاون، كما أعلن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني على تويتر.
أحد الموضوعات الرئيسية للخلاف تمثل في قرب قطر من الإخوان المسلمين. وأعلنت مصر الحركة بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنحدر من الإخوان المسلمين في 2013 بأنها منظمة إرهابية. وبعدها بسنة أعلنت قطر بأنها ستخفف مساندتها للإخوان المسلمين. وحقيقة أن لا يتبع الإعلان أفعال كان أحد الأسباب التي دفعت مصر والعربية السعودية وشركاؤهما في 2017 لفرض الحصار ضد الإمارة. والآن بعد الاتفاق مطلع يناير بات الوضع المستقبلي للإخوان المسلمين في قطر مفتوحا.
البراغماتية في الدوحة
من الممكن أن تبتعد قطر عن الإخوان المسلمين، كما تفيد الخبيرة في الشؤون السياسية هاجر علي من "معهد لايبنيتس للدراسات العالمية والإقليمية" في هامبورغ في مقابلة مع دويتشه فيله. "الإمارة تحدد من جديد موقعها بعد إنهاء الخلاف. وفي الدوحة يتم رصد ما يتماشى مع المصالح الذاتية وما لا يصلح". ومن الممكن أن يعترض الإخوان المسلمون ومجموعات وحركات أخرى على النهج الجديد. "في قطر توجد القاعدة الجوية الأمريكية في العديد، الأكبر في شبه الجزيرة العربية. وبالتحديد عقب تغيير إدارة البيت الأبيض في الولايات المتحدة من الممكن أن تتطلع الحكومة في الدوحة إلى ربط علاقاتها مع واشنطن بشكل أوثق من السابق".
قوة الحماية للإخوان المسلمين
والنهج الجديد قد يصبح بالنسبة إلى الإخوان المسلمين تحديا هائلا، لأنهم يتمتعون بحماية الإمارة منذ عهد طويل. وعلى هذا النحو يعيش الخطيب الشهير المولود في مصر يوسف القرضاوي منذ 1961 في قطر التي يحمل في الأثناء جنسيتها. وفي برنامجه المتلفز عبر قناة الجزيرة "الشريعة والحياة" كان الخطيب المحافظ على تواصل منتظم بالملايين من الجماهير. وفي خريف 2004 توجه حسب تقرير لصحيفة "أراب نيوز" السعودية 2400 من المثقفين المسلمين في عريضة موجهة للأمم المتحدة. فالدين لا يحق أن يستخدم كذريعة لدعم الإرهاب، كما طالب الموقعون. إذ وضعوا القرضاوي ضمن الشيوخ المتطرفين أو "شيوخ الموت" .
والقرضاوي لا يُعتبر فقط أحد المنظرين للإخوان المسلمين ـ لقد كان له تأثير كبير على وجود المنظمة في قطر، لأن الخطيب القرضاوي كانت له علاقة وثيقة مع حاكم الدولة حتى عام 2013، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي كان يمثل أمام الرأي العام مواقف تشبه تلك التي يعبر عنها القرضاوي.
وفي آن واحد تبين في السنوات الأولى بعد الثورة في 2011 أنه مناسب سياسيا المراهنة على الإخوان المسلمين، لأنهم حققوا في مصر وكذلك تونس نجاحات انتخابية ملفتة. وعلى هذا الأساس تمت المراهنة في الدوحة على تلك القوى التي تملك مستقبلا سياسيا في المنطقة. وفي هذا السياق دعمت قطر حكومة محمد مرسي بمنحها قرضا يساوي 7.5 مليار دولار. وقبلها دعمت قطر حركة حماس الحاكمة في قطاع غزة بملايين الدولارات. وكذلك حماس تنحدر من صفوف الإخوان المسلمين.
اضطهاد في مصر
في مصر يواجه الإخوان المسلمون في المقابل منذ مدة طويلة وضعا صعبا. "في 1952 رحب الإخوان المسلمون بسقوط الملك فاروق"، كما تقول هاجر علي. وبعدها ظهرت سريعا خلافات في وجهات النظر. وفي 1954 نفذ الإخوان المسلمون اعتداء على الرئيس المصري ناصر، لكنه أخفق. ومنذ تلك اللحظة واجهوا اضطهاد الدولة الذي انتهى في أيام الرئيس أنور السادات واستُأنف بعد اغتياله من جديد.
والمساندة بين السكان ـ لاسيما بين الشرائح الفقيرة والمتعلمة قليلا في الأرياف ـ اكتسبها الإخوان المسلمون ليس فقط من خلال منظماتهم الخيرية. ففي بلد قلما يعرف فيه السكان دولة اجتماعية عاملة، خلقوا بهذه الطريقة ولاءات سياسية مستدامة. "ومنذ تلك اللحظة يُعتبر الإخوان المسلمون خطرا محدقا في وجه حكومات البلاد"، كما تفيد هاجر علي. وهذا مايزال قائما حتى يومنا هذا. "وفي الأثناء زادت شكوك السكان. فبعدما أصبح الرئيس محمد مرسي المتوفى في 2019 في الحبس رئيسا للبلاد في 2012 اكتشف الكثير من المصريين أن الإخوان المسلمين أيضا غير قادرين على حكم البلاد بشكل موزون". ومنذ تلك اللحظة يسود استقطاب كبير بين المصريين في موقفهم تجاه الإخوان المسلمين. "قلما يوجد موضوع آخر يفرق بينهم في النقاش مثل الإخوان المسلمين".
لم يعد هناك فاعلون سياسيون
كيف سيستمر الوضع مع الإخوان المسلمين، أمر يبقى مفتوحا. ومازال لديهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كحليف قوي، لأن حزب اردوغان، حزب العدالة والتنمية مرتبط بهم إيديولوجيا. لكن ما وراء ذلك يتقلص الدعم. "الإخوان المسلمون يجندون أعضاء جدد بالأساس عبر المساجد"، كما تفيد هاجر علي.
وفي المجمل يتحرك الإخوان المسلمون في اتجاه البقاء كحركة فكرية سياسية، "إذ يفقد الإخوان دورهم كلاعبين سياسينـ أو قد فقدوا ذلك فعلا".
كرستين كنيب/ م.أ.م
بالصور: أزمة الخليج .. من سيوف المقاطعة إلى قُبل المصالحة
أكثر من ثلاث سنوات عاصفة في تاريخ علاقات قطر بالسعودية والإمارات العربية والبحرين ومصر. قمة مجلس التعاون الخليجي بالرياض في 2021.01.05 تفتح الباب على مصالحة بدأت بالسعودية ولكنها خجولة مع الإمارات وسط تحفظ مصري.
صورة من: Bandar Algaloud/Courtesy of Saudi Royal Court/REUTERS
إعلان المقاطعة
في الخامس من حزيران/ يونيو 2017، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر. واتهمت الدول الأربع الدوحة بدعم جماعات إسلامية متطرفة والتقرب من إيران، الأمر الذي نفته الدوحة.
صورة من: picture-alliance/abaca/Stringer
اتهامات واختراقات
في 24 أيار/ مايو 2017: أعلنت الدوحة أن موقع وكالة الأنباء الرسمية القطرية تعرّض "لعملية اختراق من جهة غير معروفة"، مشيرة إلى أنه تم نشر "تصريح مغلوط" منسوب لأمير قطر. التصريحات التي نفت الدوحة أن تكون صادرة عن أمير البلاد، تناولت إيران وحزب الله وحركة حماس والإخوان المسلمين، وانتقدت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقامت وسائل إعلام خليجية بنشر هذه التصريحات رغم نفي الدوحة، التي فتحت تحقيقا.
إغلاق الحدود
في الخامس من حزيران/ يونيو2017، أعلنت السعودية وحلفاؤها قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر. وترافق ذلك مع إجراءات اقتصادية من بينها إغلاق الحدود البرية والبحرية مع قطر، ووقف الرحلات الجوية وفرض قيود على حركة القطريين في هذه الدول.
صورة من: Getty Images/AFP/K. Jaafar
لائحة شروط
في 22 حزيران/ يونيو، عرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر قائمة من 13 طلبا وحدّدت لها مهلة عشرة أيام لتنفيذها. ومن ضمن المطالب إغلاق قناة "الجزيرة" والحدّ من علاقات قطر مع إيران وإغلاق قاعدة عسكرية تركية في الإمارة الخليجية. وبعدها في الرابع من تموز/ يوليو، أكدت قطر أن "اللائحة غير واقعية" وغير قابلة للتطبيق.
صورة من: Imago Images/photothek/T. Koehler
شخصيات ومجموعات مطلوبة
في 25 تموز/ يوليو2017، نشرت السعودية وحلفاؤها لائحة سوداء تضم أسماء "إرهابيين"، على حسب تعبير اللائحة، وفيها أسماء 18 مجموعة وشخصا على ارتباط بقطر. وتضم اللائحة حاليا حوالى تسعين شخصا ومجموعة، وشملت الشيخ يوسف القرضاوي المصري المقيم في قطر.
صورة من: picture-alliance/dpa
تحالفات لفك العزلة
في بداية الأزمة تعرضت قطر إلى صعوبات لكنها اعتمدت على تحالفاتها، فقد سعت إيران وتركيا منذ بداية الأزمة إلى مساعدة الدوحة على كسر عزلتها. ووقعت قطر مع الولايات المتحدة عقودا في قطاعات النفط والطيران والتسلح. وعززت الدوحة صناعاتها المحلية وحققت نوعا من الاكتفاء الذاتي بعد إغلاق كل المنافذ مع جيرانها الخليجيين الذين كانت تقيم معهم علاقات تجارية قوية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Doha News
السيسي وحلفاؤه
في الثالث والعشرين يوليو تموز 2017، احتفلت مصر بالذكرى 65 لثورة 23 يوليو 1952، التي قادها الضباط الأحرار بزعامة جمال عبد الناصر. ووسط استعراض عسكري ظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي رفقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وولي عهد البحرين خالد الفيصل والجنرال خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا (يطلق عليها اسم الجيش الوطني الليبي)، في مشهد يظهر جبهة مناوئة للحلف التركي القطري.
صورة من: Picture-alliance/Zumapress/Egyptian President Office
مواقف ترامب المتقلبة
في نيسان/ أبريل 2018، أكد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال لقاء مع الرئيس الأمريكي رفضه أي تمويل للإرهاب. وأعلن ترامب أنه يعمل من أجل "وحدة" الدول في المنطقة. وكان ترامب قد علق عبر "تويتر" مباشرة بعد إعلان مقاطعة قطر قائلا إن دول الخليج قالت "إنها ستعتمد نهجا حازما ضد تمويل التطرف، وكل الدلائل تشير الى قطر".
صورة من: Reuters/J. Ernst
ديبلوماسية رياضية
في كانون الأول/ ديسمبر 2019، استضافت الإمارات كأس آسيا لكرة القدم. وفازت قطر باللقب مع أن المنتخب خاض البطولة دون مؤازرة جمهوره. وفي نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر وبداية كانون الأول/ديسمبر 2019، استضافت قطر بطولة كأس الخليج في كرة القدم، وقررت السعودية والإمارات والبحرين التراجع عن قرارها بعدم المشاركة. وفازت البحرين بالكأس.
بيد ان استضافة منافسات رياضية لم تخفف من وطأة الخلافات.
صورة من: picture-alliance/Photoshot/Nikku
بن سلمان وبن زايد
في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 2019، عُقدت قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض بغياب أمير قطر الذي أوفد بدلا منه رئيس الوزراء في حينه عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني. وأعلن وزير الخارجية القطري في كانون الثاني/ يناير 2020 تعليق محادثات كانت بدأت بخجل، بين بلاده والرياض. وتردد أن فشل مساعي المصالحة وراءه تحفظ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وصديقه ولي عهد أبو ظبي الشيح محمد بن زايد.
صورة من: picture-alliance/AA/B. Algaloud
قرارات دولية لصالح قطر
في 16 حزيران/يونيو 2020، أصدرت منظمة التجارة العالمية حكما لصالح قطر في خلافها مع السعودية التي تتهمها بانتهاك حقوق الملكية الفكرية بسبب قرصنة تعرضت لها شبكة "بي إن" القطرية من قناة "بي آوت كيو".
وفي 14/7 محكمة العدل الدولية تصدر قرارا لصالح قطر في خلافها مع أربع دول أخرى اتهمتها الدوحة بفرض "حصار جوي" عليها. في 22.7 طالبت شركة الخطوط الجوية القطرية هذه الدول بتعويضات بقيمة خمسة مليارات دولار.
صورة من: Getty Images/AFP/K. Jaafar
تحالف تركي قطري
ساهمت الأزمة بين قطر وشقيقاتها الخليجية في تعميق تعاونها مع تركيا التي لعبت تركيا دورا مهما في مساعدة الدوحة على الخروج من عزلتها. وأقامت قاعدة عسكرية في قطر، كما شهدت مجالات التعاون نموا ملحوظا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة. في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وقع البلدان عشرة اتفاقيات في مجالات تعاون مختلفة، بحضور الرئيس أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم. ويثير التحالف القطري التركي قلق مصر والإمارات.
صورة من: picture-alliance/Anadolu Agency/M. Kamaci
قمة المصالحة
في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر2020، كشف وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن حلفاء بلاده "على الخط نفسه" في ما يتعلّق بحل الأزمة الخليجية، والتوصل قريبا إلى اتفاق نهائي بشأنها. وفي 30 كانون الأول/ ديسمبر، أعلن مجلس التعاون الخليجي أن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وجه دعوة الى أمير قطر لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي بالمملكة في الخامس من كانون الثاني/ يناير 2021.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Nabil
استقبال سعودي حار
في الخامس من يناير/ كانون الثاني 2021 عقد مجلس التعاون الخليجي قمة في السعودية طغى عليها الإعلان عن فتح الأجواء والحدود بين السعودية وقطر بعد أكثر من ثلاث سنوات من قطع العلاقات. ولقي أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني استقبالا حارا لدى وصوله الى السعودية، وكان الملك سلمان بن عبد العزيز في مقدمة المستقبلين لأمير قطر.
صورة من: Bandar Algaloud/Saudi Kingdom Handout/AA/picture alliance
عناق بن سلمان وتميم في مطار العلا
ولدى استقباله في المطار بمدينة العلا السعودية التاريخية، عانق الأمير محمد بن سلمان ضيفه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في مؤشر مهم على آمال وأد الخلاف بين حليفتين رئيسيتين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قبل أسبوعين من تولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن السلطة.
صورة من: Bandar Algaloud/Courtesy of Saudi Royal Court/REUTERS
تحفظ مصري وإماراتي؟
فيما كان الاستقبال السعودي لأمير قطر حارا، تتجه الأنظار إلى موقف الإمارات والبحرين والحليفة مصر، التي لم يصدر عنها بعد خطوات مشابهة للسعودية فيما يتعلق برفع إجراءات المقاطعة وفتح الحدود. وتفيد بعض المؤشرات بأن مصر ودولة الإمارات ما تزالان لديهما تحفظات بشأن التقارب مع قطر، وهنالك ملفات عديدة ما تزال محل خلاف.
صورة من: Bandar Algalou/AA/picture alliance
دور الوساطة الكويتي
يعتبر التقارب الخليجي ثمرة جهود وساطة حثيثة لعبت فيها دولة الكويت بالاضافة إلى إدارة الرئيس ترامب دورا كبيرا. أمير الكويت الحالي الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح (يسار الصورة) واصل جهود سلفه الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي وافته المنية في 29 أيلول/ سبتمبر 2020. م.س/ ص.ش (وكالات)