منذ فشل التمرد الذي قاده يفغيني بريغوجين، زعيم مجموعة "فاغنر"، ضد فلاديمير بوتين منتصف العام الماضي، انتقلت عناصر المجموعة شبه العسكرية إلى بيلاروسيا. فما عدد مرتزقة فاغنر في بيلاروسيا؟ وماذا يفعلون هناك؟
إعلان
تحظى عناصر مرتزقة "فاغنر" داخل أراضي بيلاروسيا بدعم من قوات أمن البلاد وأذرع مينسك الإعلامية وذلك بعد قرار الانتقال إلى بيلاروسيا عقب التمرد الفاشل، الذي قاده زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو / حزيران العام الماضي.
وقد تجلى هذا الدعم في الصور التلفزيونية لمناورات مشتركة تجريها عناصر إنفاذ القانون في بيلاروسيا مع وجود أعلام فاغنر إلى جانب أعلام الشرطة البيلاروسية، فيما ظهر نائب وزير الداخلية في بيلاروسيا والقائد الحالي للقوات الداخلية ميكالاي كاربيانكو في عدة مناسبات مرتديا شارة فاغنر.
وبعد فشل بريغوجين في تمرده، انتقل رئيس مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة إلى بيلاروسيا في نهاية يونيو / حزيران الماضي، بموجب اتفاق توسط فيه رئيسها ألكسندر لوكاشينكو في مقابل إسقاط التهم الجنائية الموجهة إليه، لكن بعد ثلاثة أشهر، لقى بريغوجين حتفه في حادث تحطم طائرة كانت تقله وتسعة أشخاص آخرين.
وفي الوقت الراهن، يبلغ عدد ما تبقى من مرتزقة فاغنر في بيلاروسيا أكثر من ألف عنصر، فيما يتواجد معظمهم داخل معسكر في حي أوسيبوفيتشي بمنطقة موسيليف في جنوب شرق مينسك، عاصمة بيلاروسيا، بحسب ما ذكره فاليري ساخاتشيك، وزير الدفاع في حكومة المعارضة في المنفى بقيادة زعيمة المعارضة المقيمة في ليتوانيا سفيتلانا تيخانوفسكاياف.
وفي مقابلة مع DW، أضاف أن العشرات من مرتزقة فاغنر "ربما كانوا يبحثون عن الأمان والاستقرار حتى ولو على حساب مصادر دخل أقل، يحصلون على جوازات سفر بيلاروسية بأسماء وتواريخ ميلاد جديدة ثم ينضمون إلى القوات الداخلية الشبه عسكرية التابعة لوزارة الأمن البيلاروسية".
ورغم ذلك، يرى ساخاتشيك أن لوكاشينكو "لا يمكنه تقديم مزايا خاصة من شأنها إغراء مرتزقة فاغنر"، مشيرا إلى أن أجور ورواتب العسكريين في بيلاروسيا أقل بكثير من التي كان يحصل عليها عناصر فاغنر في روسيا قبل التمرد.
بيلاروسيا .. البوابة إلى أفريقيا أو إلى روسيا
وفي ضوء هذه المعطيات، يرجح ساخاتشيك أن يغادر المزيد من مرتزقة فاغنر ببلاروسيا، مضيفا: "أصبحت بيلاروسيا نقطة عبور بالنسبة لهم. وقد وقّع الكثير منهم عقودا مع مختلف السلطات الروسية، فيما سافر آخرون إلى أفريقيا. ولم يعد هناك عدد كافٍ منهم في بيلاروسيا".
ويعتقد أن لوكاشينكو كان يحاول تصوير نفسه على أنه "صانع السلام الذي أنقذ روسيا"، عقب إيوائه عناصر فاغنر، لكنه لم يحقق مكاسب في ضوء ظهور بوادر توتر بين رئيس بيلاروسيا وحليفه بوتين لأن الأخير يرفض رؤية شخصيات ذات نفوذ وحنكة ربما تفوقه.
ويشير ساخاتشيك إلى أن "وصول مرتزقة فاغنر إلى بيلاروسيا تسبب في توترات اجتماعية كبيرة ورد فعل قوي من قبل جيش البلاد".
وفيما يتعلق بالقوات الداخلية البيلاروسية، التي تدعم بنشاط مرتزقة فاغنر، أوضح ساخاتشيك أن كلاهما يتقاسمان تأييد ما يُعرف بـ "أيديولوجية العالم الروسي" ، وهو مفهوم تاريخي يستند إلى فكرة الهوية اللغوية والعرقية المشتركة للشعوب الناطقة باللغة الروسية، لكنه جرى تحريفه ليصب في صالح سياسات الكرملين، إذ تم استخدامه كذريعة لغزو أوكرانيا في عام 2022.
"مكاسب سياسية"
من جانبه، قال ريهور نيزنيكاو، وهو باحث أول وزميل في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، إن حكومة مينسك تستخدم مرتزقة فاغنر "لتحقيق مكاسب سياسية"، مضيفا أن نظام لوكاشينكو يمكنه استخدامها لتدريب قوات الأمن البيلاروسية على مهام "التخويف" في الانتخابات.
ويعتقد الباحث المتخصص في الشأن الروسي أن الكرملين ربما يستفيد من وجود مرتزقة في بيلاروسيا في ضوء تمركز كافة القوات الروسية في أوكرانيا منذ بدء التوغل العسكري، ما يعني أن بوتين قد يلجأ إلى عناصر فاغنر كوحدات قتالية طارئة داخل روسيا إذا دعت الحاجة.
وقال "تعلّمت مرتزقة فاغنر من درس تمرد بريغوجين جيدا، حيث باتت تدرك أن الموت سيكون مصيرها في حالة رفض تنفيذ أوامر الكرملين".
وأضاف أن "بوتين يرى أهمية في إبقاء بعض تواجد فاغنر في بيلاروسيا". وتابع "أعتقد أنه مصاب بجنون العظمة حيث يخشى من الثورات الملونة حيث يعتقد أن الغرب يمكنه الإطاحة بأي حكومة موالية لروسيا في المنطقة".
ويشير مصطلح "الثورات الملونة" إلى الانتفاضات السلمية التي ضربت حلفاء موسكو داخل بلدان الاتحاد السوفيتي السابق في بداية القرن العشرين، لكن جرى ربط هذا المصطلح مؤخرا بالحرب في أوكرانيا، إذ يزعم المسؤولون الروس أن الغرب كان يرغب في زعزعة استقرار روسيا.
مصالح لوكاشينكو الشخصية
وتتفق روزا توراربيكوفا، أستاذة العلوم السياسية في جامعة بيلاروسيا الحكومية، على أن مرتزقة فاغنر المتواجدين في بيلاروسيا فقدوا الثقة "بأنهم قد يكونون جزءا من أي مخطط سياسي كبير".
وقالت إن خبرة فاغنر العسكرية تحظى باهتمام لوكاشينكو في ضوء رغبته في إنشاء "جيش وقوة شرطية تتمتع بخبرة أكبر" ربما لاستخدامها في قمع أي مظاهرات حاشدة ضده، على غرار احتجاجات عام 2020 عقب فوزه بالانتخابات.
وقالت توراربيكوفا إن لوكاشينكو يرى أن فاغنر تمثل أيديولوجية يمكن استخدامها ضد المعارضة، التي تقول إن أحد أهدافها يتمثل في اندماج بيلاروسيا في الاتحاد الأوروبي، مضيفة: "لا يزال يوجد في بيلاروسيا أصوات تؤيد بشدة العالم الروسي وأيديولوجيات الكرملين مثل ميكالاي كاربيانكو، الذي يفكر في مرحلة ما بعد لوكاشينكو ويربط مستقبله بروسيا".
أعده للعربية: محمد فرحان
قتال لم يقع مثله في أوروبا منذ 1945- محطات من الغزو الروسي لأوكرانيا
في نزاع لم تشهد له أوروبا مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، تتواصل المعارك الشرسة بين الغزاة الروس وبين الأوكرانيين. وبحسب تقديرات يزيد عدد قتلى وجرحى الحرب في كلّ معسكر عن 150 ألف شخص.
صورة من: Zohra Bensemra/REUTERS
بوتين يناقض نفسه ويبدأ الهجوم على أوكرانيا
بعد شهور من التوتر والجهود الدبلوماسية لتجنب الحرب، بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فجر الخميس 24 شباط/ فبراير 2022، ما أسماه "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا. وكان الكرملين قد سبق ونفى مراراً التقارير الغربية حول نية بوتين في غزو أوكرانيا. وقد بدأ الغزو واسع النطاق بضربات جوية في جميع أنحاء أوكرانيا، ودخلت القوات البرية من الشمال من بيلاروسيا حليفة موسكو، ومن الشرق والجنوب.
صورة من: Ukrainian Police Department Press Service/AP/picture alliance
نزوح ملايين الأوكرانيين هرباً من الحرب
مع بداية الهجمات الروسية بدأت موجة نزوح الأوكرانيين من مناطق القتال. ونزح نحو 5.9 مليون شخص داخلياً بسبب الحرب الروسية العام الماضي. كما فر الملايين إلى خارج أوكرانيا، وفقاً لتقرير مركز مراقبة النزوح الداخلي ومقره جنيف (الخميس 11 مايو/ أيار 2023). ومعظم النازحين هم من النساء والأطفال وكبار السن وغير القادرين على القتال.
صورة من: Andriy Dubchak/AP/picture alliance
محاولة فاشلة للسيطرة على العاصمة كييف
في غضون أيام، سيطرت القوات الروسية على ميناء بيرديانسك الرئيسي والعاصمة الإقليمية خيرسون القريبة من البحر الأسود، إضافة لعدة بلدات حول كييف في وسط شمال البلاد. لكن محاولتها السيطرة على كييف اصطدمت بمقاومة القوات الأوكرانية ومن ورائها الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي تحول إلى قائد حربي. وفي الثاني من نيسان/ أبريل 2022، أعلنت أوكرانيا تحرير منطقة كييف بأكملها بعد "الانسحاب السريع" للقوات الروسية.
صورة من: Emilio Morenatti/AP/picture alliance
كليتشكو من نزال الملاكمة إلى قتال المعارك
هب الأوكرانيون للدفاع عن بلادهم، فإضافة إلى القوات العسكرية كان هناك المتطوعون المدنيون من كافة الأطياف. هنا مثلاً بطل العالم السابق في الملاكمة فيتالي كليتشكو، عمدة كييف، وقد ارتدى سترة عسكرية خلال تواجده على الأرض لمشاركة أهل بلده في صد الغزو الروسي. كما تطوع أيضاً شقيقه الأصغر وبطل العالم السابق في الملاكمة فلاديمير كليتشكو للقتال. كما وظّف الشقيقان شهرتهما لكسب التعاطف العالمي مع قضية بلدهما.
صورة من: Sergei Supinsky/AFP
توالي العقوبات الغربية على روسيا
اتخذ الغرب، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مسار فرض عقوبات على روسيا، سواء في استيراد البضائع والطاقة منها أو تصدير التكنولوجيا إليها أو مصادرة أموال رجال أعمال مرتبطين بالكرملين. وفي قمة مجموعة السبع في قصر إلماو في بافاريا الألمانية (يونيو/حزيران 2022)، اتخذت المجموعة، التي تضم ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان وبريطانيا، قرارات بتوسيع العقوبات على روسيا.
صورة من: Michael Kappeler/dpa/picture alliance
مساعدات عسكرية مكنت أوكرانيا من الصمود
وأعلنت دول غربية عديدة على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا تقديم مساعدات عسكرية بالمليارات لأوكرانيا. فقدمت واشنطن أسلحة ومعدات في 2022 بقيمة 22.9 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الأولى بين الدول الداعمة عسكريا لأوكرانيا، فيما حلت بريطانيا بالمركز الثاني خلال 2022 بمساعدات بقيمة 4.1 مليار يورو. أما ألمانيا فقدمت في العام نفسه 2.3 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بين داعمي أوكرانيا عسكرياً.
صورة من: Polish Chancellery of Prime Ministry/Krystian Maj/AA/picture alliance
اتهامات بجرائم حرب مروعة في بوتشا
في بلدة بوتشا التي دمرتها المعارك، عُثر في الشوارع على جثث مدنيين أعدموا بدم بارد. لاحقاً عُثر على جثث مئات المدنيين حمل بعضها آثار تعذيب في مقابر جماعية في المدينة الصغيرة الواقعة على مشارف كييف. وأثارت صور هذه المجازر المنسوبة لروسيا استياء الغرب والأمم المتحدة وتعددت الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، رغم نفي موسكو.
صورة من: Carol Guzy/Zuma Press/dpa/picture alliance
حصار ماريوبول وسقوط آزوفستال
في 21 أبريل/نيسان 2022، أعلن الكرملين دخول ماريوبول، الميناء الاستراتيجي على بحر آزوف. سمحت السيطرة على ماريوبول لروسيا بضمان التواصل بين قواتها من القرم والمناطق الانفصالية في دونباس. لكن حوالي ألفي مقاتل أوكراني واصلوا القتال متحصنين في متاهة مصنع آزوفستال تحت الأرض مع ألف مدني. قاوم المقاتلون حتى آخر طلقة. وقالت كييف إن 90% من ماريوبول دُمرت وقُتل فيها ما لا يقل عن 20 ألف شخص.
صورة من: Peter Kovalev/TASS/dpa/picture alliance
يوم تاريخي في خيرسون
في بداية سبتمبر/أيلول 2022، أعلن الجيش الأوكراني هجوماً مضاداً في الجنوب، لكنه حقق اختراقًاً خاطفًاً للخطوط الروسية في الشمال الشرقي وأرغم الجيش الروسي على الانسحاب من منطقة خاركيف. في أكتوبر/ تشرين الأول، بدأت موسكو بإجلاء السكان وإدارة الاحتلال من خيرسون. وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني بعد يومين من انسحاب القوات الروسية، استعادت كييف السيطرة على المدينة في "يوم تاريخي" كما وصفه الرئيس زيلينسكي.
صورة من: Bulent Kilic/AFP/Getty Images
مذكرة توقيف بحق بوتين وروسيا ترد
في مارس/ أذار 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب على خلفية ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني. وقالت كييف إنه تم ترحيل أكثر من 16 ألف طفل أوكراني إلى روسيا. وأصدرت المحكمة أيضاً مذكرة مماثلة بحق مفوضة حقوق الأطفال في روسيا ماريا لفوفا بيلوفا. وفي مايو/ أيار ردت روسيا بإصدار مذكرة توقيف بحق المدعي العام للمحكمة كريم أحمد خان، وهو بريطاني الجنسية.
صورة من: Rich Pedroncelli/AP Photo/picture alliance
الاستعداد لهجوم مضاد
في مواجهة طلبات زيلينسكي المتكررة وبعد فترة من المماطلة، قرر الأمريكيون والأوروبيون إرسال عشرات الدبابات الثقيلة من أجل تحسين قدرة الجيش الأوكراني على صد الهجمات. وفي 19 أبريل/ نيسان 2023، أعلنت كييف تلقيها أول منظومة دفاع جوي أمريكية من طراز باتريوت. في نهاية الشهر نفسه، أعلنت أوكرانيا أنها ستكون مستعدة قريباً لشن هجوم مضاد بهدف تحرير نحو 20% من أراضيها المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
صورة من: Susan Walsh/POOL/AFP/Getty Images
قتال طيلة شهور في باخموت
في يناير/ كانون الثاني 2023، عاد الجيش الروسي إلى شن هجمات لا سيما في دونباس، بدعم من مرتزقة مجموعة فاغنر المسلّحة ومئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين تمت تعبئتهم منذ أيلول/سبتمبر. احتدم القتال، خاصة حول باخموت، وهي مدينة في الشرق تحاول روسيا احتلالها منذ الصيف. وشهدت باخموت أطول المعارك وأكثرها فتكاً منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
صورة من: Muhammed Enes Yildirim/AA/picture alliance
تضارب بشأن سقوط باخموت
وأعلنت روسيا مساء السبت 19 مايو/ أيار 2023 استيلاءها على باخموت بالكامل، بعدما أعلن رئيس مجموعة فاغنر الروسية المسلحة يفغيني بريغوجين في نفس اليوم أن المجموعة ستسحب مقاتليها من المدينة اعتبارا من 25 مايو/ أيار وستسلم الدفاع عن المدينة إلى الجيش الروسي. في غضون ذلك، قالت كييف إنها لا تزال تقاتل في مناطق معينة معتبرة وضع مقاتليها "حرجاً". إعداد صلاح شرارة/خ.س (أ ف ب، رويترز، د ب أ).