بعد مكاسب 2017 النسوية ماذا يحمل 2018 للمرأة العربية؟
٣١ ديسمبر ٢٠١٧في نهاية كل عام وكما في كل المجالات ينظر أيضا إلى حصيلة ما حققته النساء في المنطقة العربية من حقوق ومكتسبات. حصيلة غالبا ما تبدو هزيلة إذا قورنت بالواقع المعيش وحجم انتظارات النساء والحركات النسائية في هذه البلدان. في عام 2017 تواصلت معاناة نساء كثيراث في مناطق التوتر والحروب خاصة في سوريا واليمن والعراق، في وقت حققت فيه نساء في دول أخرى خطوات كبيرة نحو الأمام خاصة في تونس والسعودية بمستويات ودرجات متفاوتة.
فما أهم ما حملته سنة 2017 للمرأة العربية؟ وهل الحركات النسائية راضية عن كل ما تم تحقيقه حتى الآن؟ وما هي الانتظارات من 2018؟
إصلاحات غير مسبوقة في السعودية
سنة 2017 قد يعتبرها البعض سنة المرأة السعودية، إذ هناك من يتحدث عن ثورة يقودها الملك السعودي لصالح النساء في بلاده، فقد أُقرت في هذا العام قرارات وحقوق لصالح المرأة السعودية كانت حتى الأمس تعتبر تابوهات وعلى رأسها موضوع قيادة السيارة الذي شكل قرار السماح به من طرف العاهل السعودي مفاجأة لم يهدأ الجدل حولها حتى الآن. هذا بالإضافة إلى تعيين سعوديات في مناصب قيادية والسماح لهن لأول مرة بحضور مباريات كرة القدم وفق ضوابط معينة وغيرها من التغييرات.
وإن كانت هذه الحقوق تبدو بديهية للغاية في دول عربية أخرى تجاوزتها فيها الحركات النسائية إلى مطالب أكبر إلا أن ما عرفته السعوديات في 2017 يمثل ثورة مقارنة مع واقعهن في 2016. وهذا ما تؤكده أيضا إيمان الحمود الإعلامية والكاتبة السعودية المقيمة في فرنسا التي تقول في تصريحات لـ DW عربية "في السنوات الماضية حققت السعوديات إنجازات مهمة لكن 2017 كانت فعلا مختلفة، وألمس ذلك عند الكثير من الفتيات والنساء اللواتي فرحن بحصولهن أخيرا على حق قيادة السيارة بعد سنوات من النضال والحراك الذي كلفهن الكثير".
وتضيف الحمود: "صحيح أن القرار جاء متأخرا وقد يبدو رمزيا لدى من ينظر للسعودية من الخارج لكنه يعني الكثير للسعوديات ويبشر بقرب صدور قرار بإسقاط الولاية عنهن وبالتالي إمساكهن بزمام أمورهن بشكل كامل". ومع كل ما تم اتخاذه من قرارات، ترى الإعلامية السعودية أن الدولة تمكنت من تجاوز بعض خطوطها الحمراء، "لكن العقدة الأكبر تتمثل في المجتمع الذي يعيش حاليا تطورات أسرع مما تستوعبه العقليات وهو ما قد يصعب بشكل أكبر مرحلة التحول خاصة بالنسبة لمن يعشن بعيدا عن المدن الكبيرة".
في الأردن حملت 2017 للمرأة الأردنية أخيرا قرار إلغاء مادة تزويج الضحية لمغتصبها فقد أعلن مجلس النواب الأردني مطلع أغسطس من هذا العام إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات والتي كانت تسمح بإفلات المغتصب من العقوبة في حال زواجه من الضحية. وقد سبق أن أثار هذا الموضوع جدلا في دول أخرى أيضا خاصة المغرب بعد حادثة انتحار الشابة أمينة الفيلالي التي تم تزويجها بمغتصبها قبل بضع سنوات.
تونس تُواصل الاستثناء
وعلى مستوى آخر، مازالت تونس تعتبر نقطة الضوء فيما يتعلق بحقوق النساء في المنطقة العربية فالتونسيات قطعن أشواطا في مجال تحقيق المساواة مع الرجل وهو مسار تواصل في 2017. الجديد هذه السنة إقرار البرلمان التونسي قانون مكافحة العنف ضد المرأة، إضافة إلى خطوة أثارت جدلا تجاوز تونس إلى كل المنطقة العربية وهي السماح للتونسية المسلمة بالزواج من غير مسلم.
وتقول مونية بن جميع وهي رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات في تونس إن القانون التونسي لم يكن أساسا يمنع ذلك وما تغير هو أنه في 2017 تم إلغاء منشور كان قد صدر عام 1973 ويمنع التونسيات بالزواج من غير المسلمين. وتضيف الناشطة التونسية في حوار أجرته معها DW عربية أن المرأة التونسية حققت فعلا الكثير في 2017 ومن ضمن ذلك المناصفة في الانتخابات، بالإضافة إلى اتجاه تونس نحو إقرار المساواة بين الرجل والمرأة في كل المجالات.
وتقول بن جميع في هذا السياق "بمناسبة يوم المرأة كلف رئيس الجمهورية لجنة الحريات الفردية والمساواة بصياغة مشاريع قوانين تقر المساواة بين الرجل والمرأة بما في ذلك تنظيم المساواة في الإرث وهذا ما تنتظر المرأة التونسية تحقيقه في 2018". لكن الناشطة التونسية تعتبر أن المرأة مازالت تعاني تمييزا في بعض المستويات وتسعى الحركة النسائية لمحاربته ومن ضمن ذلك مثلا تغيير المواد القانونية التي تجعل الأب هو المسؤول الأول عن الأطفال وولي القُصَّر.
الإرث في المساواة مطلب حاضر بقوة
وإذا كانت التونسيات ينتظرن قريبا إقرار المساواة في الإرث، فقد انصب التركيز على هذه النقطة في المغرب أيضا هذه السنة أكثر من أي وقت مضى. فمع كل ما حققته المغربيات في السنوات الماضية في مجال المشاركة السياسية وعلى مستوى بعض الحقوق، كتقييد حق التعدد في الزواج للرجل وربطه بموافقة الزوجة الأولى، يبقى القانون المغربي معتمدا على الدين فيما يتعلق بزواج المرأة من غير المسلم وبتوزيع الإرث وهذا ما ترى فيه حقوقيات ونساء مغربيات إجحافا كبيرا. وحسب تقرير للمندوبية السامية للتخطيط وهي مؤسسة حكومية فإن المغربيات يُعِلن سبعة ملايين عائلة عدد كبير من هؤلاء النساء أرامل.
نزهة الصقلي السياسية المغربية في حزب التقدم والاشتراكية ووزيرة التضامن والمرأة سابقا، صرحت لـ DW عربية بأن هذه السنة كانت فعلا مهمة فيما يتعلق بهذا الموضوع ففيها تم كسر هذا التابو بطريقة قوية وأصبحت المساواة في الإرث موضوع نقاش عمومي وتم نشر مجموعة من المؤلفات لباحثين ورجال دين عبروا بقوة عن مجموعة من المعطيات تعطي أملا كبيرا بأن المغرب سيحقق المساواة في الإرث.
ظاهرة التحرش بالمرأة كانت حاضرة أيضا في 2017، ليس في المغرب فقط بل على الصعيد العالمي مع انتشار حملة "أنا أيضا" على مواقع التواصل الاجتماعي والتي انخرطت فيها شخصيات مؤثرة من مختلفة أنحاء العالم. المغرب أطلق بعض الخطوات في سبيل محاربة هذه الظاهرة شملت هذه المرة أيضا حملات في الإعلام الحكومي. ورغم كل ما سبق ترى الصقلي أن مكتسبات المغربيات غير كافية في وقت توجد فيه انتظارات كبيرة جدا متعلقة بإعمال مقتضيات الدستور في كافة المجالات خاصة فيما يتعلق بمحاربة العنف والتمييز ضد النساء خاصة أن القانون المقترح في هذا السياق ليس كافيا.
"سنة محبطة في مصر"
مصر شهدت هذه السنة إطلاق ما سمي بحملة "التاء المربوطة" في إطار إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن 2017 هو عام المرأة المصرية، وبناء على ذلك وُضِع مجلس قومي للمرأة المصرية وهو عبارة عن آلية للدولة في التعامل مع قضايا المرأة وتهدف بالخصوص إلى محاربة العنف ضدها. لكن ورغم هذه الخطوة ترى مزن حسن وهي المديرة التنفيذية لمؤسسة "نظرة" للدراسات النسوية أن سنة 2017 كانت "محبطة" للمصريات على المستويات. وتقول في تصريحات لـ DW عربية "على مستوى التشريعات لم تتم مناقشة قانون مواجهة العنف ضد المرأة كما كان منتظرا وكما تطالب به الحركة النسائية في البلد منذ وقت طويل، كما لم يتم إنشاء مفوضية مناهضة التمييز كما ينص على ذلك دستور 2014".
وحتى على مستوى القرار السياسي تقول الناشطة المصرية إنه باستثناء تعيين أول امرأة محافظة في البحيرة فإن سنة 2017 لم تعرف زيادة في المشاركة السياسية للمصريات ومازال عدد الوزيرات أربعا فقط . أما موضوع التحرش المطروح بشدة في مصر فتقول حسن إن ما حقق من تقدم في هذا الإطار يقتصر على أن النساء أصبحن أكثر وعيا بضرورة الحديث عما يتعرضن له وأصبحن أكثر جرأة في طرح هذا الموضوع. وهذا بفضل جهود الحركة النسائية ومنظمات المجتمع المدني.
أما على مستوى سياسات الدولة فتقول حسن إن آخر ما تم تحقيقه في هذا السياق يعود لسنة 2013 عندما تقرر إنشاء لجنة داخل وزارة الداخلية لمواجهة التحرش والعنف عموما، وبدأ لأول مرة الحديث عن تجريم التحرش، لكنْ بدلاً من أن تتطور هذه الآلية وتنتشر في كل المحافظات، تراجع عملها بالعكس من ذلك.
الكاتبة: سهام أشطو