بعد السويداء.. ما هو مستقبل اتفاق الأكراد ودمشق وسلاح قسد؟
٢٩ يوليو ٢٠٢٥
في أعقاب أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في سوريا، قال مسؤولو "قوات سوريا الديمقراطية" إن "تسليم السلاح خط أحمر".
وخلال مقابلة تلفزيونية، قال مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي إن "على عكس ما يروجون له في الإعلام وفي التصريحات بأن قوات سوريا الديمقراطية يجب أن تستسلم، لا أحد سيستسلم في سوريا. من سيركز على منطق الاستسلام هو الذي سيخسر في النهاية، وأعتقد أن أحداث السويداء أكدت هذه المسألة".
ويكتسب إعلان قوات سوريا الديمقراطية، الممثل العسكري لأكبر أقلية في سوريا، عن "الخط الأحمر" أهمية خاصة، حيث يمر أكراد سوريا أيضا بمنعطف سياسي حرج.
فقد جرى تأجيل اجتماع بين قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في باريس لاستكمال تنفيذ بنود الاتفاق الذي وقعه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وعبدي في 10 آذار/ مارس برعاية أمريكية. ونص أبرز بنوده على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية".
وبحسب خبراء، فإن نقاط الخلاف تتمثل في دمج القوات الكردية في الجيش السوري، ومنحها السلطة على المنطقة الكردية في سوريا ومعابرها الحدودية مع العراق و تركيا، بالإضافة إلى حقول النفط وإدارة السجون التي تضم آلافا من مقاتلي داعش.
وفي هذا السياق، نقل التلفزيون السوري الرسمي عن مصدر حكومي قوله إن "الحديث عن رفض تسليم السلاح، والتمسك بتشكيل كتلة عسكرية، هو طرح مرفوض جملة وتفصيلا". واعتبر المصدر ذاته "استخدام أحداث السويداء أو الساحل لتبرير رفض الانضواء تحت راية الدولة أو للتشكيك بنواياها، هو أمر مدان ويعكس محاولات مكشوفة لتأليب الرأي العام وتشويه الحقائق".
تحذير تركي
تزامن هذا مع ما ذكره مسؤولون أتراك بأن الحكومة السورية طلبت دعم تركيا لتعزيز قدراتها الدفاعية. ونقلت أسوشيتد برس عن المسؤولين الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، قولهم إن سوريا طلبت أيضا مساعدات لمكافحة "المنظمات الإرهابية"، بما في ذلك تنظيم داعش.
وأضاف المسؤولون أن تركيا- التي لطالما أعربت عن استعدادها لمساعدة سوريا - تعمل حاليا على تقديم التدريب والخدمات الاستشارية والدعم الفني للمساهمة في تعزيز القدرات الدفاعية السورية.
وتعتبر تركيا، التي تدعم بقوة الحكومة السورية المؤقتة، أكراد سوريا تابعين لحزب العمال الكردستاني، الذي تدرجه تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على لائحة الإرهاب.
وتدعم أنقرة مقترح اندماج قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد، في الجيش السوري أو إلقاء سلاحها بالتزامن مع إعلان حزب العمال الكردستاني الاستجابة لدعوة زعيمه المعتقل عبد الله أوجلان بحل التنظيم والتخلي عن السلاح. وفي الحادي عشر من يوليو/ تموز الجاري، شهدت محافظة السليمانية مراسم تسليم وحرق أسلحة 30 مقاتلا ومقاتلة من حزب العمال الكردستاني.
وتسعى تركيا إلى إبرام اتفاق دفاعي مع سوريا قد يتضمن، بحسب تقارير، إنشاء قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية يُفترض أن تكون في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا التي يقودها الأكراد.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن أنقرة ستتدخل بشكل مباشر لوقف أي محاولة لتقسيم سوريا وستمنع أي محاولات من المسلحين للحصول على حكم ذاتي. وقال فيدان "نحذركم: يجب ألا تنخرط أي جماعة في أعمال تهدف إلى التقسيم".
وذكر أنه يمكن مناقشة العديد من القضايا عبر الدبلوماسية، "لكن إذا تجاوزتم ذلك وسعيتم إلى التقسيم وزعزعة الاستقرار، سنعتبر ذلك تهديدا مباشرا لأمننا وسنتدخل".
ويشير خبراء إلى أنه يتعين الانتظار لمعرفة مدى قدرة أكراد سوريا على الحفاظ على حكمهم الذاتي في شمال شرق سوريا في إطار اتفاق السلام مع دمشق.
ويقول الخبراء إن السعي العام للحكم الذاتي هو ما يميز الأكراد عن الفصائل الأخرى في سوريا. رغم ذلك، فقد دعا زعماء الأقليات الحكومة السورية إلى تعزيز حقوقهم كأقليات في البلاد.
وفي مقابلة مع DW، قال الخبير اللبناني محمد نور الدين، الأستاذ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في الجامعة اللبنانية، إنه "إذا لم تُمنح الأقليات مثل الدروز والعلويين والمسيحيين، حقوقا شاملة، فلن يتنازل الأكراد عن أي من مطالبهم المحددة".
وأضاف أنه "ما لم تُطلق إدارة أحمد الشرع في دمشق حوارا يرتكز على دستور يُعامل جميع المواطنين على قدم المساواة، فلن نشهد استقرارا".
وقد كرر الشرع تأكيده على أنه سيدعم حقوق الأقليات ويضمن حمايتها، رغم أن هذا الموقف لا يحظى بدعم جميع فصائل حكومته. وتشير بعض التقارير إلى أن بعض العناصر المنضوية تحت راية القوات الحكومية قد فاقمت الهجمات الأخيرة على الأقليات.
هل ستتدخل إسرائيل والولايات المتحدة؟
وترى ناتاشا هول، خبيرة شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أنه "إذا شعر الأكراد بتهديد كبير مصدره مبادرات تركيا لدعم الجانب الأمني للحكومة السورية، فمن السهل أن أرى إسرائيل تستغل ذلك".
وأضافت في مقابلة مع DW، "نعلم بوجود علاقة بين الأكراد في دول مختلفة و إسرائيل، كجزء من خطة إسرائيلية أوسع نطاقا لبناء علاقات مع الأقليات في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
وفي وقت سابق من هذا الشهر، استهدفت إسرائيل مبنى وزارة الدفاع السورية في وسط دمشق والقوات الحكومية في السويداء دعما للأقلية الدرزية.
وقالت هول "قد نشهد شكلا من أشكال العصيان أو التمرد في مقبل الأيام، ما لم تقرر الولايات المتحدة السيطرة على الأطراف المتحاربة ودعم إصلاح قطاع الأمن وتوحيد الجيش السوري".
وتقول إن الأمر قد يشمل تسليم معسكرات معتقلي تنظيم داعش التي يحرسها الأكراد، مضيفة أنه إذا وقع توافق بين الأكراد ودمشق، فإن هذا الأمر قد يُكبح جماح إسرائيل ويُهدئ مخاوف الأكراد والأتراك.
بيد أنها شددت على أن هذا الأمر مرهون بإبرام اتفاقيات أمنية صارمة تضمن الحقوق، قائلة إن "ثمة سؤالا ملحا يتمثل فيما إذا كانت واشنطن سوف تتحلى بالصبر تجاه هذه التفاصيل".
وقالت هول إن "تحقيق التوازن بين الأيديولوجيات المختلفة للفصائل المتحاربة في سوريا سيُمثل تحديا لأي قائد سوري، حتى لو كنا نتحدث عن شخص ذي سجل نظيف للغاية، وليس الشرع [قائد هيئة تحرير الشام والذي كانت له صلات بجماعات متطرفة قبل أن يصبح رئيسا مؤقتا للبلاد عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد]، فسيكون تحقيق هذا التوازن صعبا".
ورغم ذلك، ترى الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط أنه يجب أن تتطلع كافة أطياف المجتمع السوري والأقليات إلى تحقيق مصالحة وطنية باعتبارها ليس فقط "أمرا جيدا" وإنما "أمرا ضروريا للغاية لضمان الاستقرار والسلام في المستقبل".
أعده للعربية: محمد فرحان