كيف كشفت المؤامرة المزعومة عن أوضاع صعبة في الأردن؟
٨ أبريل ٢٠٢١غيّرت أحداث الأسبوع الماضي من الشكل الهادئ الذي لطالما عرف به الأردن في منطقة شرق-أوسطية مشتعلة، وتحديدا المؤامرة المزعومة على النظام التي قيل إن أميرا من الأسرة الحاكمة قادها، فهل الدول الغربية التي تعتبر الأردن حليفا رئيسيا وتمده بالكثير من الدعم المالي كانت مخطئة في تقدير أوضاع البلد؟
رغم أن الأردن بلد مستقر سياسيا، إلا أن السخط العام على السياسات العمومية كان واضحا خلال السنوات الأخيرة، يقول آدم كوغل، من فرع هيومن رايتس ووتش في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لـDW متابعا أن التوتر زاد مؤخرا في هذا البلد، وأن صورته كبلد هادئ وخامل بدأت تتغير.
وتصف ياسمينة أبو الزهور، باحثة زائرة بمعهد بركينغز الدوحة، في مقال لها الأردن بأنه "ديكتاتورية ناعمة" فيه الحد الأدنى من الديمقراطية وكل الإصلاحات تأتي من أعلى، وذلك في معرض حديثها عن كيفية نجاة الملكيات العربية من موجة احتجاجات الربيع العربي.
الملك عبد الله الثاني هو من يعين ويقيل رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة وكذلك أعضاء الغرفة الأولى (مجلس الأعيان) في البرلمان (مجلس الأمة). يتم انتخاب أعضاء الغرفة الثانية (مجلس النواب) من الشعب لكن للغرفة الأولى النفوذ الأكبر.
نهاية الوعود
كانت للأردن بدوره نسخته من احتجاجات الربيع العربي، وسميت داخليا بالحراك أو الحركة الشعبية. غير أن هذه المملكة، كغيرها من الملكيات العربية استطاعت احتواء هذه الاحتجاجات بالطريقة ذاتها: "منحوا حوافز مالية وامتيازات سياسية محدودة، وصاحبوا ذلك بتكتيكات قمعية "، وفق ما تكتبه ياسمينة أبو الزهور.
قدمت الدولة الأردنية وعودا برفع الرواتب والإعانات وتقليص الضرائب وكذلك إصلاحات في المجال السياسي وتعيين شخصيات جديدة، غير أن هذا التغيير في الأسماء ليس جديدا، إذ شهد الأردن منذ صعود الملك عبد الله الثاني للسلطة 13 رئيسا للوزراء.
ومع ذلك، لم تهدأ الاحتجاجات في البلد بشكل تام خلال السنوات الأخرى، خصوصا بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع شروط الحياة الكريمة وعدم وفاء الحكومة بوعودها. من جملة هذه الاحتجاجات التي بدأها المعلمون منذ عام 2019 بسبب تراجع الحكومة عن رفع رواتبهم قبل تعديل هذا التعهد، ثم التوقف تماما عن أيّ خطط لزيادة الرواتب بسبب تداعيات جائحة كورونا.
لجأت السلطات لاحقا إلى الحل الأمني كالاعتقالات لوقف الاحتجاج وإغلاق نقابتهم وحظر النشر في هذه القضية التي عُرفت بقضية المعلمين. ويرى كوغل أن تحرك المعلمين أظهر أنهم أقوى منظمة مستقلة قادرة على التعبئة، كما أن قرار السلطات بإغلاق نقابتهم بين عشية وضحاها يؤكد وجود مسار مقلق في البلد.
حرية التعبير تتراجع
انتقل الأردن من بلد حر جزئيا عام 2020 إلى بلد غير حر عام 2021 حسب تصنيف منظمة فريدوم هاوس الأمريكية. منظمات حرية الصحافة والتعبير كمراسلون بلا حدود تشير إلى أن مئات المواقع المحلية تمّ حظرها منذ دخول قانون جديد للإعلام حيز التنفيذ عام 2012، كما يتهدد السجن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي. يحدث ذلك في وقت يرتفع فيه نشاط المعارضين الأردنيين عبر هذه الوسائل في الخارج، وكذلك ارتفع عدد الأردنيين الذين يطلبون اللجوء السياسي من 1829 عام 2015 إلى 4955 عام 2021، حسب بيانات أممية.
"هناك استياء وإحباط متزايدان في البلد، بالإضافة إلى انتشار تصور بوجود ضرب للحقوق الأساسية. الناس هنا يحسون أنهم لا يعبرون عن أنفسهم كما اعتادوا" يقول كوغل.
وُجهت أصابع الاتهام الرسمية بخصوص المؤامرة المزعومة إلى الأمير حمزة، وهو الأخ غير الشقيق للملك. يملك الأمير حمزة شعبية كبيرة ويظهر أنه إصلاحي خصوصا أنه سبق له لقاء معارضين أردنيين معروفين، كما ينشط بقوة على مواقع التواصل.
يقول أحد سكان العاصمة عمان (طلب عدم الإفصاح عن هويته) إن الفيديو الذي نشره الأمير حمزة بعد توجيه الاتهامات إليه تحدث عن أمور واقعية "كما لو أنه يستمع إلى أشخاص يشكون من الحكومة، فما قاله يمثل حقا ما تريد أن تسمعه في الشارع هنا".
الاستقرار هو الأولوية
يظهر موضوع "المؤامرة" قد هدأ الآن في الأردن، خصوصا مع نفي الأمير حمزة للاتهامات الرسمية (لم يتم اعتقاله في سجن أو محاكمته) وتأكيده على ولائه للملك عبد الله الثاني. بالنسبة للأردنيين العاديين، يكتنف الغموض هذه الأحداث وهناك إشاعات بأن هناك متآمرين دوليين وأجهزة استخبارات حاولت إيقاف الأمير حمزة، لكن عموما لا يستطيع السكان هناك نقاش هذا الموضوع بشكل علني.
"الجميع يخافون من الحديث والتعبير عن مشاعرهم، غالبية الناس لا تعلّق على الموضوع في فيسبوك سوى بالله يحفظ البلد" يقول المصدر السابق من عمان، مضيفا أن "اقتصاد البلد ينهار وهناك ارتفاع في معدلات الرشوة، غير أن الأولوية بالنسبة للكثيرين هي للأمن، متحدثا عن أن الملك هو صمام الأمان بالنسبة لهم".
ولكن هل الأزمة الأخيرة قد تهدد استقرار البلد؟ "يظهر أن المشاكل الأخيرة وجدت حلا الآن، ولا أعتقد أن هناك خطرا على استقرار البلد على المدى المتوسط والبعيد" يجيب إدموند راتكا، رئيس مكتب مؤسسة كونراد أديناور في عمان، لـDW.
لكن المتحدث يستطرد: " لكن تصاعد الأحداث إلى الحدّ الذي رأيناه يبيّن انفعالية النظام، والحدود المحتملة لطريقة الحكم في البلد وكذلك أجواء التوتر في البلد. وعلى المدى الطويل، من الواضح أنه يجب التعامل مع التحديات في الأردن بطرق أكثر استدامة".
كاثرين شاير/إ.ع