بعد تمرد فاغنر.. هل بات مستقبل حكم بوتين "على المحك"؟
٢٩ يونيو ٢٠٢٣
بعد تمرد مرتزقة فاغنر بقيادة يفغيني بريغوجين، تظل هناك العديد من علامات الاستفهام. الشيء الواضح هو أنه صار بمثابة نقطة تحول في حكم بوتين. في المقابل لا يبدو تأثير ذلك واضحا على مسار الحرب على أوكرانيا.
إعلان
رغم تمكنه من إجهاض تمرد مجموعة فاغنر الذي لم يدم طويلا، إلا أن محللين سياسيين دوليين يقولونه إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خرج من الأزمة في وضع أضعف وسط حيرة تسود أروقة السياسية الدولية حيال تداعيات هذا التمرد خلال الأيام والأسابيع والأشهر القادمة.
وفي مقابلة مع DW، يقول الخبير في الشأن الروسي فابيان بوركهارت إن "أهم شيء تجدر الإشارة إليه هو أن بوتين فقد بعضا من نفوذه وسلطته بشكل واضح. العديد من الأطراف الفاعلة في روسيا فوجئت على الأرجح بهذا الأمر".
بداية النهاية؟
بدورها، تقول إيرينا شيرباكوفا، المشاركة في تأسيس منظمة "ميموريال" الحقوقية المحظورة في روسيا، في مقابلة مع إذاعة "دويتشلاند فونك"، إن تمرد فاغنر يمثل لها "بداية انهيار النظام (الروسي)".
وفي الولايات المتحدة، كتب المؤرخ تيموثي سنايدر وهو أيضا أستاذ علم التاريخ في جامعة ييل، "ما كان من الصعب رؤيته هو إقدام أي شخص في أي مدينة روسية بالتعبير تلقائيا عن دعمه الشخصي لبوتين ناهيك عن امتناع أي شخص عن المخاطرة بحياته نيابة عن النظام".
ويضيف في المقال أن هذا التمرد كشف ليس فقط للروس وإنما للعالم بأسره بأن "قوة صغيرة يمكنها أن تصل إلى موسكو بسهولة نسبية. ولم يكن هذا الأمر ليحدث إلا في حالة انتشار معظم القوات المسلحة الروسية في أوكرانيا حيث لم تعد تتواجد العديد من أفضل الوحدات بشكل أساسي."
افتقار بوتين لقوات محلية
واستنادا إلى هذا الرأي، فقد حرم بوتين نفسه من احتفاظه بسلطة مطلقة في روسيا بسبب حربه العدوانية في أوكرانيا لأنه سمح بتحريك قواته إلى هناك ما تتسبب في حدوث فراغ عسكري في البلاد.
ويتفق الخبراء على أن الأحداث الأخيرة في روسيا تشكل "نقطة تحول سياسي" لبوتين ما يدفع البعض إلى التساؤل هل يشكل ذلك بداية النهاية لحكمه؟
ترى شيرباكوفا أن هذا هو السيناريو المحتمل على الرغم من إقرارها بصعوبة تحديد موعد ذلك، مضيفة "لا نعرف الوقت الذي سوف يستغرق هذا الأمر".
من جانبه، يقول سنايدر إن حالة "اللامبالاة الواضحة تشير إلى أن معظم الروس في هذه المرحلة يعتبرون أمرًا بديهيا أن يكون حاكمهم المستقبلي رجل عصابات يمتلك أكبر عدد من الأسلحة وسوف يواصلون حياتهم اليومية بغض النظر عن ماهية هذه العصابات."
وأضاف أنه من المؤكد أن بوتين يشعر بالإحراج، رغم أنه تمكن من إنقاذ نفسه وحكمه".
مصير الحرب؟
وفي سياق متصل، أثار خبراء تساؤلات حيال مصير الحرب الروسية في ضوء الأحداث الأخيرة التي عصفت بروسيا وهل يستطيع بوتين تصعيد الحرب في أوكرانيا مجددا لتعزيز قبضته على الكرملين؟ أم أن تمرد فاغنر سينظر إليه باعتباره مؤشرا على بداية نهاية الحرب؟
وفي هذا السياق، كتب سنايدر إن الحروب تنتهي عموما "عند شعور النظام السياسي بتداعياتها ويتعرض لضغوط محسوسة. الأطراف التي ترغب في وضع نهاية للحرب يجب أن تساعد الأوكرانيين على استغلال هذا الضغط".
تجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن لم يتمكن الجيش الأوكراني المتمركز على الخطوط الأمامية للقتال من جني أي فوائد من الأحداث الأخيرة في روسيا فضلا عن عدم تمكن القوات الأوكرانية من إضعاف القدرات القتالية للقوات الروسية.
وفي ذلك، يقول خبير الأمن الألماني نيكو لانج إنه من الصعب تقييم ما يعرفه الجنود الروس في أوكرانيا حيال هذا التمرد، مضيفا في مقابلة مع DW "لقد تم مصادرة هواتفهم المحمولة وباتوا أيضا في عزلة تماما عن الواقع".
اضطرابات في صفوف القادة العسكريين
ورغم ذلك، يتوقع نقيض ذلك في صفوف القادة العسكريين على جبهات القتال، مضيفا "ارتفع مستوى الاضطرابات بين القادة الروس على الأرجح."
وأشار إلى أنه من غير الواضح كيف ومتى سيتم دمج قوات فاغنر التي يبلغ قوامها 25 ألف جندي في الجيش الروسي وسط شكوك حيال الخطوة خاصة بعد احتلال فاغنر القيادة العليا الجنوبية للجيش الروسي في روستوف.
الجدير بالذكر أن المدينة تعد مركز إمداد رئيسي للقوات الروسية عبر ممر بري بين روسيا وشبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا عام 2014 فيما يعد جسر القرم الذي يبلغ طوله 19 كيلومتراً فوق مضيق كيرتش حلقة الربط المباشرة الوحيدة بين شبكة النقل في روسيا وشبه الجزيرة.
ويرى خبراء أن تعطيل طرق إمداد القوات الروسية أحد أهم الأهداف العسكرية للجيش الأوكراني في هجومه المضاد المتواصل لكن دون تحقيق تقدم كبير.
ويقول الخبراء إن بوتين لا يمكنه أن يسمح بذلك دون فقدان الأمل في تحقيق النصر في أوكرانيا فيما استفاد يفغيني بريغوجين من ذلك عن طريق محاولة التمرد التي قام بها.
وتصاعد الخلاف بين زعيم فاغنر ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال الأشهر الماضية إذ اتهم بريغوجين الجيش الروسي بالإخفاق في دعم مسلحي فاغنر خاصة إبان المعارك المستعرة حول بلدة باخموت في شرق أوكرانيا.
في هذا الصدد، ساعد التمرد بريغوجين في نزع أفضل صفقة من الكرملين خاصة بعد أن أصبح من الواضح افتقاره لأي دعم من شخصيات أخرى قريبة من دوائر صنع القرار في حكم بوتين.
يشار إلى بوتين قد ذكر في خطاب متلفز الإثنين (26 يونيو/ حزيران) إن مقاتلي فاغنر لديهم "فرصة لمواصلة خدمة روسيا من خلال إبرام عقد مع وزارة الدفاع أو غيرها من وكالات إنفاذ القانون، أو العودة إلى عائلاتكم وأصدقائكم. وكل من يريد الذهاب إلى بيلاروسيا يمكنه ذلك".
ووصف بوتين الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد بالخيانة، مؤكدا أن المتمردين خانوا الشعب والجيش بما يخدم الأعداء ويقسم البلاد ويضعفها، على حد تعبيره.
فرانك هوفمان / م. ع
قتال لم يقع مثله في أوروبا منذ 1945- محطات من الغزو الروسي لأوكرانيا
في نزاع لم تشهد له أوروبا مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، تتواصل المعارك الشرسة بين الغزاة الروس وبين الأوكرانيين. وبحسب تقديرات يزيد عدد قتلى وجرحى الحرب في كلّ معسكر عن 150 ألف شخص.
صورة من: Zohra Bensemra/REUTERS
بوتين يناقض نفسه ويبدأ الهجوم على أوكرانيا
بعد شهور من التوتر والجهود الدبلوماسية لتجنب الحرب، بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فجر الخميس 24 شباط/ فبراير 2022، ما أسماه "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا. وكان الكرملين قد سبق ونفى مراراً التقارير الغربية حول نية بوتين في غزو أوكرانيا. وقد بدأ الغزو واسع النطاق بضربات جوية في جميع أنحاء أوكرانيا، ودخلت القوات البرية من الشمال من بيلاروسيا حليفة موسكو، ومن الشرق والجنوب.
صورة من: Ukrainian Police Department Press Service/AP/picture alliance
نزوح ملايين الأوكرانيين هرباً من الحرب
مع بداية الهجمات الروسية بدأت موجة نزوح الأوكرانيين من مناطق القتال. ونزح نحو 5.9 مليون شخص داخلياً بسبب الحرب الروسية العام الماضي. كما فر الملايين إلى خارج أوكرانيا، وفقاً لتقرير مركز مراقبة النزوح الداخلي ومقره جنيف (الخميس 11 مايو/ أيار 2023). ومعظم النازحين هم من النساء والأطفال وكبار السن وغير القادرين على القتال.
صورة من: Andriy Dubchak/AP/picture alliance
محاولة فاشلة للسيطرة على العاصمة كييف
في غضون أيام، سيطرت القوات الروسية على ميناء بيرديانسك الرئيسي والعاصمة الإقليمية خيرسون القريبة من البحر الأسود، إضافة لعدة بلدات حول كييف في وسط شمال البلاد. لكن محاولتها السيطرة على كييف اصطدمت بمقاومة القوات الأوكرانية ومن ورائها الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي تحول إلى قائد حربي. وفي الثاني من نيسان/ أبريل 2022، أعلنت أوكرانيا تحرير منطقة كييف بأكملها بعد "الانسحاب السريع" للقوات الروسية.
صورة من: Emilio Morenatti/AP/picture alliance
كليتشكو من نزال الملاكمة إلى قتال المعارك
هب الأوكرانيون للدفاع عن بلادهم، فإضافة إلى القوات العسكرية كان هناك المتطوعون المدنيون من كافة الأطياف. هنا مثلاً بطل العالم السابق في الملاكمة فيتالي كليتشكو، عمدة كييف، وقد ارتدى سترة عسكرية خلال تواجده على الأرض لمشاركة أهل بلده في صد الغزو الروسي. كما تطوع أيضاً شقيقه الأصغر وبطل العالم السابق في الملاكمة فلاديمير كليتشكو للقتال. كما وظّف الشقيقان شهرتهما لكسب التعاطف العالمي مع قضية بلدهما.
صورة من: Sergei Supinsky/AFP
توالي العقوبات الغربية على روسيا
اتخذ الغرب، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مسار فرض عقوبات على روسيا، سواء في استيراد البضائع والطاقة منها أو تصدير التكنولوجيا إليها أو مصادرة أموال رجال أعمال مرتبطين بالكرملين. وفي قمة مجموعة السبع في قصر إلماو في بافاريا الألمانية (يونيو/حزيران 2022)، اتخذت المجموعة، التي تضم ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان وبريطانيا، قرارات بتوسيع العقوبات على روسيا.
صورة من: Michael Kappeler/dpa/picture alliance
مساعدات عسكرية مكنت أوكرانيا من الصمود
وأعلنت دول غربية عديدة على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا تقديم مساعدات عسكرية بالمليارات لأوكرانيا. فقدمت واشنطن أسلحة ومعدات في 2022 بقيمة 22.9 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الأولى بين الدول الداعمة عسكريا لأوكرانيا، فيما حلت بريطانيا بالمركز الثاني خلال 2022 بمساعدات بقيمة 4.1 مليار يورو. أما ألمانيا فقدمت في العام نفسه 2.3 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بين داعمي أوكرانيا عسكرياً.
صورة من: Polish Chancellery of Prime Ministry/Krystian Maj/AA/picture alliance
اتهامات بجرائم حرب مروعة في بوتشا
في بلدة بوتشا التي دمرتها المعارك، عُثر في الشوارع على جثث مدنيين أعدموا بدم بارد. لاحقاً عُثر على جثث مئات المدنيين حمل بعضها آثار تعذيب في مقابر جماعية في المدينة الصغيرة الواقعة على مشارف كييف. وأثارت صور هذه المجازر المنسوبة لروسيا استياء الغرب والأمم المتحدة وتعددت الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، رغم نفي موسكو.
صورة من: Carol Guzy/Zuma Press/dpa/picture alliance
حصار ماريوبول وسقوط آزوفستال
في 21 أبريل/نيسان 2022، أعلن الكرملين دخول ماريوبول، الميناء الاستراتيجي على بحر آزوف. سمحت السيطرة على ماريوبول لروسيا بضمان التواصل بين قواتها من القرم والمناطق الانفصالية في دونباس. لكن حوالي ألفي مقاتل أوكراني واصلوا القتال متحصنين في متاهة مصنع آزوفستال تحت الأرض مع ألف مدني. قاوم المقاتلون حتى آخر طلقة. وقالت كييف إن 90% من ماريوبول دُمرت وقُتل فيها ما لا يقل عن 20 ألف شخص.
صورة من: Peter Kovalev/TASS/dpa/picture alliance
يوم تاريخي في خيرسون
في بداية سبتمبر/أيلول 2022، أعلن الجيش الأوكراني هجوماً مضاداً في الجنوب، لكنه حقق اختراقًاً خاطفًاً للخطوط الروسية في الشمال الشرقي وأرغم الجيش الروسي على الانسحاب من منطقة خاركيف. في أكتوبر/ تشرين الأول، بدأت موسكو بإجلاء السكان وإدارة الاحتلال من خيرسون. وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني بعد يومين من انسحاب القوات الروسية، استعادت كييف السيطرة على المدينة في "يوم تاريخي" كما وصفه الرئيس زيلينسكي.
صورة من: Bulent Kilic/AFP/Getty Images
مذكرة توقيف بحق بوتين وروسيا ترد
في مارس/ أذار 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب على خلفية ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني. وقالت كييف إنه تم ترحيل أكثر من 16 ألف طفل أوكراني إلى روسيا. وأصدرت المحكمة أيضاً مذكرة مماثلة بحق مفوضة حقوق الأطفال في روسيا ماريا لفوفا بيلوفا. وفي مايو/ أيار ردت روسيا بإصدار مذكرة توقيف بحق المدعي العام للمحكمة كريم أحمد خان، وهو بريطاني الجنسية.
صورة من: Rich Pedroncelli/AP Photo/picture alliance
الاستعداد لهجوم مضاد
في مواجهة طلبات زيلينسكي المتكررة وبعد فترة من المماطلة، قرر الأمريكيون والأوروبيون إرسال عشرات الدبابات الثقيلة من أجل تحسين قدرة الجيش الأوكراني على صد الهجمات. وفي 19 أبريل/ نيسان 2023، أعلنت كييف تلقيها أول منظومة دفاع جوي أمريكية من طراز باتريوت. في نهاية الشهر نفسه، أعلنت أوكرانيا أنها ستكون مستعدة قريباً لشن هجوم مضاد بهدف تحرير نحو 20% من أراضيها المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
صورة من: Susan Walsh/POOL/AFP/Getty Images
قتال طيلة شهور في باخموت
في يناير/ كانون الثاني 2023، عاد الجيش الروسي إلى شن هجمات لا سيما في دونباس، بدعم من مرتزقة مجموعة فاغنر المسلّحة ومئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين تمت تعبئتهم منذ أيلول/سبتمبر. احتدم القتال، خاصة حول باخموت، وهي مدينة في الشرق تحاول روسيا احتلالها منذ الصيف. وشهدت باخموت أطول المعارك وأكثرها فتكاً منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
صورة من: Muhammed Enes Yildirim/AA/picture alliance
تضارب بشأن سقوط باخموت
وأعلنت روسيا مساء السبت 19 مايو/ أيار 2023 استيلاءها على باخموت بالكامل، بعدما أعلن رئيس مجموعة فاغنر الروسية المسلحة يفغيني بريغوجين في نفس اليوم أن المجموعة ستسحب مقاتليها من المدينة اعتبارا من 25 مايو/ أيار وستسلم الدفاع عن المدينة إلى الجيش الروسي. في غضون ذلك، قالت كييف إنها لا تزال تقاتل في مناطق معينة معتبرة وضع مقاتليها "حرجاً". إعداد صلاح شرارة/خ.س (أ ف ب، رويترز، د ب أ).