بعد سيطرة المجلس الانتقالي على عدن.. هل الانفصال قادم؟
١٥ أغسطس ٢٠١٩
الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في موقف ضعيف بعد سيطرة الانفصاليين الجنوبيين على عدن ورفضهم دعوات لانسحابهم من المواقع التي سيطروا عليها. فهل يلوح انفصال الجنوب في الأفق؟
إعلان
أدت سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن والسيطرة على مقرات حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً، السبت الماضي (العاشر من أغسطس/آب 2019)، إلى خلط الأوراق في اليمن بشكل عام وفي المحافظات الجنوبية على وجه التحديد.
فقد قوّض استيلاء الانفصاليين، المدعومين من الإمارات على القصر الرئاسي في عدن، أركان حكومة هادي التي تُحمل المجلس الانتقالي الجنوبي ودولة الإمارات ما وصفته بـ "تبعات الانقلاب" في عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة منذ سيطرة المتمردين الحوثيين على العاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014.
وفيما تطالب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أبو ظبي بوقف دعمها المادي والعسكري فورا للانفصاليين في الجنوب، تدعو السعودية حليفة الإمارات في التحالف العربي، الذي تَدخّل في أذار/ مارس 2015 دعماً لحكومة هادي، الأطراف المتنازعة في عدن إلى حوار طارئ في المملكة.
حوار مشروط
حوار تطالب حكومة هادي للانخراط فيه بانسحاب الانفصاليين الجنوبيين من المواقع التي سيطروا عليها في عدن، بينما يُصر الانفصاليون في الجنوب على الاحتفاظ بالسيطرة على عدن، مؤكدين أن السبيل الوحيد للخروج من المأزق هو إخراج الشماليين وجميع عناصر حزب الإصلاح الإسلامي، الذي يعد من أركان حكومة هادي، من كل مواقع السلطة في الجنوب.
وفي خضم هذا الخلاف وصلت الخميس (15 أغسطس/ آب 2019) لجنة عسكرية سعودية إماراتية مشتركة إلى مدينة عدن لبحث مسألة انسحاب قوات الانفصاليين من بعض المواقع التي سيطروا عليها في المدينة، بحسب مصادر متطابقة. وقال مصدر في حكومة الرئيس هادي لـ"وكالة فرانس برس" إن اللجنة وصلت إلى عدن "لبحث مسألة انسحاب قوات الحزام الأمني من المعسكرات والمقرات الحكومية التي سيطرت عليها". كما أكد مصدر في المجلس الانتقالي الجنوبي وصول اللجنة، موضحاً أن المجلس "سيعقد معها لقاءات" دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
ويرى المحلل السياسي اليمني عبد الباري طاهر أن الحوار أصبح ملحاً أكثر من أي وقت مضى لوضع نقطة نهاية للأزمة اليمنية، مشيراً إلى أن وضع شروط لبدء الحوار أمر "لا معنى له". وقال طاهر في مقابلة مع DW عربية "يجب قبول الكل بالكل لحل قضية الحرب شمالاً وجنوباً لأن هذه الأطراف أصبحت قوة أمر واقع سواء في الشمال أو الجنوب".
من المستفيد؟
وشدد المحلل السياسي اليمني على أن "الحرب في اليمن حرب أهلية تغديها أطراف إقليمية، ولا يمكن إيقاف نزيفها إلا بحصول توافق بين القوى الإقليمية والدولية والدخول في حوار شامل بين الأطراف اليمنية على مستوى اليمن كلها"، بما في ذلك الحوثيين المستفيدين، حسب محللين، من تصدعات وخلافات خفية في التحالف بين أبو ظبي والرياض، مما سيؤدي إلى إضعاف استهدافهم.
بيد أن المحلل السياسي اليمني عبد الباري طاهر يعتقد أن المستفيد الحقيقي هي إيران من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى. ويقول طاهر في مقابلته مع DW عربية إن "إيران مستفيدة لأن تغذية الصراع سواء في اليمن أو في العراق أو سوريا يعطيها متنفساً للهروب من الضغط المسلط عليها من طرف الولايات المتحدة وحلفائها".
أما السعودية والإمارات "فيعملان على تقسيم البلاد لتستولي الإمارات على الجزر والموانئ في الجنوب، وتسيطر السعودية على مناطق في الشمال والشرق"، على حد تعبيره. وبذلك يستبعد طاهر فرضية الخلاف السعودي الإماراتي غير مستبعد في نفس الوقت إعلان انفصال الجنوب، موضحاً أن "نية تقسيم البلاد كانت واضحة منذ تقسيم ساحة المعركة بين الطرفين عام 2015، حيث ركزت السعودية على الشمال بينما انشغلت الإمارات بالجنوب".
اليمن في صور.. حكاية الحرب والانقسام وفرص السلام الصعبة
شهد تاريخ اليمن الحديث الكثير من التحولات والحروب والتحالفات وحتى العداوات دفعت هذا البلد الفقير إلى الانزلاق إلى دوامة العنف. وأمام التدهور المتزايد للوضع الإنساني، تعالت الأصوات مؤخرا بضرورة وقف الحرب في اليمن.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP Photo/H. Mohammed
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش توصل طرفي النزاع إلى اتفاق لإطلاق النار في الحديدة باليمن. وقبل محادثات السويد بشهر كان غوتيريش قد دعا منذ شهر لوقف فوري "لأعمال العنف" في اليمن والدفع باتّجاه محادثات سلام تضع حداً للحرب، مؤكدا أنه في غياب تحرّك، يمكن أن يواجه ما يصل إلى 14 مليون شخص، أي نصف عدد سكان اليمن، خطر المجاعة في الأشهر المقبلة، مقارنة بتسعة ملايين يواجهون المجاعة حالياً.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/K. Senosi
مدينة الحديدة التي تم التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار فيها، تعتبر مدينة استراتيجية في اليمن. وتقع على ساحل البحر الأحمر على مسافة 226 كيلومترا من العاصمة صنعاء، ويشكل ميناؤها شريان الحياة لملايين اليمنيين في المدينة والمناطق القريبة منها. وشهدت في الأشهر الأخيرة معارك طاحنة بين قوات الحوثيين المتمردة وقوات الحكومة الشرعية مدعومة بقوات التحالف العربي.
صورة من: picture-alliance/afk-images/H. Chapollion
وجاء تحرك الأمم المتحدة الجديد في الأسابيع الأخيرة في ضوء تغير ملحوظ في موقف الولايات المتحدة من الأزمة في اليمن، حيث أظهرت واشنطن إشارات ضغط على حليفتها السعودية لإنهاء الحرب وإجراء محادثات سلام. فقد دعا وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس أطراف الصراع في اليمن إلى الانضمام إلى "طاولة مفاوضات على أساس وقف لإطلاق النار".
صورة من: Getty Images/AFP
بعد عقود من تقسيمه إلى جنوب وشمال واعتناق إيديولوجيتين مختلفتين تماماً، جاء توحيد شطري اليمن عام 1990 إثر انهيار دول المعسكر الاشتراكي، حيث قامت دولة واحدة تحت قيادة الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.
صورة من: picture-alliance/dpa
لكن بعد نحو أربعة أعوام اندلعت حرب أهلية، ففي أبريل/ نيسان 1994 وقع تبادل لإطلاق النار في معسكر تابع لليمن الجنوبي قرب صنعاء، وسرعان ما تطورت لحرب كاملة في 20 مايو/ أيار وقامت حرب 1994 الأهلية في اليمن بعد ثلاثة أسابيع من تساقط صواريخ سكود على صنعاء، وأعلن علي سالم البيض نفسه رئيساً على دولة جديدة سماها جمهورية اليمن الديمقراطية من عدن.
صورة من: picture-alliance/dpa
ولم يعترف أحد بالدولة الجديدة التي أعلنها البيض، لكن السعودية، اللاعب الإقليمي الرئيس في الساحة اليمنية، عملت على إخراج اعتراف من مجلس التعاون الخليجي بالدولة الجديدة، لكن صالح أفشل الجهود السعودية وحال دون انفصال الجنوب عن الشمال مجدداً.
صورة من: AFP/Getty Images/F. Nureldine
بعد سلام لسنوات قليلة، سرعان ما عادت الحرب إلى ربوع اليمن، حين احتج الحوثيون على تهميشهم، وخاضوا من عام 2003 حتى 2009 ست حروب مع قوات صالح ومن ثم حرباً مع السعودية.
صورة من: AFP/Getty Images
في خضم احتجاجات ما يُسمى بـ"الربيع العربي" عام 2011 ضعف حكم الرئيس صالح، لكنها قادت إلى انقسامات في الجيش، ما سمح لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بالسيطرة على مساحات كبيرة في شرق البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa
بعد عام من الاحتجاجات والاعتصامات والكثير من الضحايا تنحى الرئيس السابق علي عبد الله صالح عام 2012 في إطار خطة للانتقال السياسي تدعمها دول خليجية. وضمن الاتفاق أيضاً أصبح عبد ربه منصور هادي رئيساً مؤقتاً ليشرف على "حوار وطني" لوضع دستور شامل على أساس اتحادي.
صورة من: AFP/Getty Images/M. Huwais
في خضم ذلك ومحاولات الرئيس صالح وحلفائه تقويض عملية الانتقال السياسي في البلاد وفق المبادرة الخليجية، ازداد انتشار تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عام 2013، رغم الهجمات العسكرية عليه والضربات بطائرات دون طيار، وبات يشن هجمات في مختلف أنحاء البلاد.
صورة من: Reuters
ولم يمض عام حتى تقدم الحوثيون بسرعة انطلاقاً من معقلهم في صعدة وسيطروا على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014 بمساعدة صالح والقوات المتحالفة معه، وطالبوا بالمشاركة في السلطة.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Hani Mohammed
عام 2015 حاول هادي إعلان دستور اتحادي جديد يعارضه الحوثيون وصالح، ورغم أنه فشل في ذلك لكنه نجح في الهروب من مطاردة الحوثيين له ولجأ إلى السعودية. وبدء التدخل السعودي العسكري في مارس/ آذار بتحالف عسكري عربي تم تجميعه على عجل. بعد شهور يدفع التحالف الحوثيين والموالين لصالح إلى الخروج من عدن في جنوب اليمن وفي مأرب إلى الشمال الشرقي من صنعاء لكن الخطوط الأمامية تستقر لتبدأ فترة جمود.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP Photo//Yemen's Defense Ministry
عام 2016 استغل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الفوضى من جديد وأعلن عن إقامة دويلة حول المكلا في شرق اليمن الأمر الذي أثار مخاوف من أن الحرب ستؤدي إلى تصاعد نشاط المتشددين من جديد. الإمارات عملت على مساندة القوات المحلية في معركة لوضع نهاية لوجود التنظيم هناك.
صورة من: AFP/Getty Images
لكن هذه الحروب تركت آثارها على اليمن، فقد انتشر الجوع مع فرض التحالف السعودي حصاراً جزئياً على اليمن واتهامه إيران بتهريب الصواريخ للحوثيين عن طريق ميناء الحديدة مع الواردات الغذائية. وإيران تنفي هذا الاتهام.
كما تسببت الغارات جوية التي شنها التحالف في مقتل مئات المدنيين، ما دفع منظمات حقوقية إلى إطلاق تحذيرات، غير أن الدعم الغربي للسعودية وحلفائها لم ينقطع.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Hyder
عام 2017 يمكن تسميته بعام حرب الصواريخ، فقد بات الحوثيون يطلقون عدداً متزايداً من الصواريخ على عمق الأراضي السعودية بما في ذلك الرياض.
صورة من: Reuters/Houthi Military Media Unit
وفي خضم هذه التطورات المستعرة ظهرت خلافات بين صالح وحلفائه الحوثيين، فرأى صالح فرصة لاستعادة أسرته للسلطة من خلال الانقلاب على حلفائه الحوثيين لكنهم قتلوه أثناء محاولة الهرب منهم نحو عدو الأمس السعودية.
صورة من: picture-alliance/dpa/Yahya Arhab
أطلقت القوات التي يدعمها التحالف السعودي بما فيها بعض القوات التي ترفع علم الانفصاليين في الجنوب عملية على ساحل البحر الأحمر في مواجهة الحوثيين بهدف انتزاع السيطرة على ميناء الحديدة آخر نقاط الإمداد الرئيسية لشمال اليمن، حيث تدور معارك شرسة.