بعد شهر من الضربات الأمريكية - ما حجم الخطر الإشعاعي بإيران؟
عرفان كاسرائي
٢٣ يوليو ٢٠٢٥
حتى بعد مرور شهر على الضربات الجوية الأمريكية على ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران لا تزال آثار الهجمات غير واضحة. فتقييمات الأضرار متناقضة.
صور الأقمار الصناعية بعد القصف الأمريكي تظهر الحفر حول منشأة فوردو النووية (24/6/2025)صورة من: Maxar Technologies/AFP
إعلان
أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الهجمات على إيران في 22 يونيو الاسم العسكري "عملية مطرقة منتصف الليل". تم استهداف المنشآت النووية في مدن فوردو ونطنز وأصفهان. أسقطت القوات الجوية الأمريكية قنابل تزن الواحدة منها 13600 كيلوغرام (نحو 14 طناً) من النوع المعروف بـ "القنابل الخارقة للتحصينات".
فوردو شديدة التحصين
كان الهجوم على فوردو الأكثر أهمية. فهذه المنشأة النووية هي الأكثر تحصينا في البلاد، حيث تقع في أعماق الأرض في أحد الجبال. ومنذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق فيينا النووي مع إيران الموقع في عام 2015 ، قامت جمهورية إيران بتخصيب اليورانيوم هناك بنسبة 60 في المائة أي أعلى بكثير من المستوى المطلوب للأغراض المدنية. كما أعلنت طهران عن خطط لتوسيع قدراتها بشكل أكبر.
وقد أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها عثرت على جزيئات يورانيوم في فوردو بدرجة نقاء تقترب من 90 في المائة وهي النسبة المطلوبة لليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة.
الهدف: منشآت تخصيب اليورانيوم
كان الهدف الآخر للعملية الأمريكية هو منشأة نطنز، أكبر مركز لتخصيب اليورانيوم في إيران. وتقع على بعد حوالي 225 كيلومترا جنوب طهران. وعلى غرار فوردو فإن نطنز هي أيضا منشأة تحت الأرض.
محطة الطاقة النووية الوحيدة في إيران في بوشهر (صورة من الأرشيف 21/8/2010)صورة من: Abedin Taherkenareh/dpa/picture alliance
المنشأة الثالثة التي هاجمتها الولايات المتحدة تقع في أصفهان. ويقال إنه تمت معالجة اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة تقريبا هناك. وتقوم هذه المنشأة بتحويل اليورانيوم الطبيعي إلى غاز سادس فلوريد اليورانيوم الذي يُستخدم للتخصيب في أجهزة الطرد المركزي في نطنز وفوردو.
مساهمة روسيا في برنامج إيران النووي
يقدر الخبراء أن إيران تمتلك بالفعل أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب. ولا يزال ما حدث لهذا اليورانيوم المخصب خلال الهجمات الأمريكية غير واضح. وقد ذكرت مصادر حكومية إيرانية أن اليورانيوم نُقل إلى مواقع "آمنة". إلا أن المصادر الإسرائيلية تدعي أن اليورانيوم تم توزيعه بين المنشآت الثلاث و"لم يتم نقله". ويؤكد الرئيس الأمريكي ترامب أن المنشآت تم تدميرها بالكامل.
ويبدو أن منشآت فوردو ونطنز وأصفهان لا تحتوي على مفاعلات نشطة. ومع ذلك تدير إيران محطة للطاقة النووية في بوشهر على بعد حوالي 750 كيلومترا جنوب طهران. وتخضع هذه المحطة لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويتم تزويدها باليورانيوم من روسيا. ويُعاد الوقود المستهلك إلى روسيا. لم يتم قصف المحطة في بوشهر في الهجمات الأمريكية.
إعلان
رصد مستويات الإشعاع
في أعقاب الهجمات الأمريكية ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها لم ترصد أي زيادة في مستويات الإشعاع في المناطق المتضررة.
ومع ذلك هناك خطر إشعاعي بسبب التسريبات المحتملة لغاز سادس فلوريد اليورانيوم من صهاريج التخزين أو أجهزة الطرد المركزي أو خطوط الأنابيب. ويتفاعل الغاز في حالة تسربه مع الرطوبة في الهواء لتكوين فلوريد اليورانيوم وحمض الهيدروفلوريك. ويمكن أن يؤدي التلامس مع هذا الحمض الخطير أو استنشاق أبخرته إلى تدمير أنسجة الرئة والتسبب في مشاكل تنفسية حادة ومميتة.
وقال كليمنس فالتر، الأستاذ والخبير النووي في معهد علم البيئة الإشعاعي والحماية من الإشعاع في جامعة هانوفر لـ DW: "هناك مؤشرات على تسرب سادس فلوريد اليورانيوم في الموقع". وتابع أنه قد جرى الحديث عن مخاطر إشعاعية وكذلك زيادة مستويات الإشعاع ومخاطر كيميائية، وهذا لا يمكن أن يشير إلا إلى تسرب حمض الهيدروفلوريك. وتابع فالتر: "مع ذلك ذُكر بوضوح أن الحادث اقتصر على الموقع. ولم ترد أي تقارير عن انتشاره إلى المناطق السكنية".
ونظرا لأن اليورانيوم معدن ثقيل سام كيميائيا ويمكن أن يسبب تلف الكلى ويزيد من خطر الإصابة بالسرطان، فلا تزال هناك مخاوف بشأن تأثير الهجمات على المنشآت النووية.
إحياءً لذكرى الزلزال العنيف والتسونامي الذي ضرب اليابان في 11 مارس/ آذار 2011 ودمر محطة فوكوشيما للطاقة النووية في اليابانصورة من: Ken Satomi/AP Photo/picture alliance
خطر وقوع كارثة شبيهة بكارثة تشيرنوبل؟
سلّطت كارثتا المفاعلات في تشيرنوبل عام 1986 وفوكوشيما في عام 2011 الضوء على المخاطر الإشعاعية المرتبطة بحوادث المفاعلات. وتسربت مواد مشعة أثناء الكارثة في فوكوشيما باليابان، وكان لا بد من إجلاء عشرات الآلاف من الأشخاص.
ويجزم الخبير الألماني في مجال الحماية من الإشعاع، رولاند فولف أنه على عكس حالة مفاعل تشيرنوبل النووي المتضرر لا يوجد خطر من المنشآت التي تعرضت للهجوم في إيران.
ويقول فولف: "على عكس المفاعلات لا يحتوي المخزون الإشعاعي في محطات التخصيب على أي نواتج انشطارية". "وبالإضافة إلى ذلك لم يتسرب المخزون الإشعاعي عن طريق انفجار على ارتفاعات عالية، كما حدث في تشيرنوبل". لذلك يفترض فولف احتمال حدوث تلوث موضعي فقط.
أعده للعربية: م.أ.م
الضربة الإسرائيلية.. محطة كبرى في التصعيد بين إسرائيل وإيران حول الملف النووي
تطورت لعبة القط والفأر حول البرنامج النووي الإيراني، حيث قررت إسرائيل اليوم التدخل لوقف تطوره. منذ نهاية خمسينات القرن الماضي انطلق، ثم جاءت القطيعة مع وصول الخميني للحكم لتتوالى فصول الترغيب والترهيب بين الغرب وطهران.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Iranian Presidency Office/M. Berno
ضربات إسرائيلية في قلب إيران لوقف تطور برنامجها النووي
يثير البرنامج النووي الإيراني منذ عقود قلقاً كبيراً لدى عدد من الدول الغربية ودول المنطقة، وعلى رأس هذه الدول إسرائيل، التي استهدفت مؤخراً عدة منشآت نووية إيرانية للحد من النمو المتسارع للبرنامج الإيراني، ومنع طهران من حيازة سلاح نووي رغم نفي الأخيرة طوال عقود أن يكون هذا هو هدفها، وتأكيدها المستمر أن أغراض برنامجها سلمية.
صورة من: Don Emmert/AFP/Getty Images
استهداف منشآت لتخصيب اليورانيوم وتصفية القادة
الضربة الإسرائيلية شملت منشأة نطنز الرئيسية لتخصيب اليورانيوم، كما تم تنفيذ عمليات اغتيال لعدد من كبار القادة العسكريين أدت لمقتل قائد أركان القوات المسلحة محمد باقري، فضلا عن قائد الحرس الثوري حسين سلامي والقيادي البارز في الحرس غلام علي رشيد، كما قتل ستة من العلماء الإيرانيين، بينهم محمد مهدي طهرانجي وفريدون عباسي.
صورة من: Atomic Energy Organization of Iran/AP/picture alliance
البداية النووية
كان العام 1957، بداية البرنامج النووي الأيراني حين وقع شاه إيران اتفاق برنامج نووي مع أمريكا، ليتم الإعلان عن "الاتفاق المقترح للتعاون في مجال البحوث ومجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية" تحت رعاية برنامج أيزنهاور "الذرة من أجل السلام". وفي1967، أسس مركز طهران للبحوث النووية. لكن توقيع إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في 1968، جعلها تخضع للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة.
صورة من: gemeinfrei
إنهاء التدخل الغربي في البرنامج النووي
الإطاحة بحكم الشاه وقيام جمهورية إسلامية في إيران سنة 1979، جعلت أواصر العلاقات بين إيران والدول الغربية موسومة بقطيعة، فدخل البرنامج النووي في مرحلة سبات بعد انسحاب الشركات الغربية من العمل في المشاريع النووية وإمدادات اليورانيوم عالي التخصيب؛ فتوقف لفترة برنامج إيران النووي .
صورة من: Getty Images/Afp/Gabriel Duval
البحث عن حلول
سمح خميني عام 1981 بإجراء بحوث في الطاقة النووية. وفي 1983، تعاونت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لمساعدة طهران على الصعيد الكيميائي وتصميم المحطات التجريبية لتحويل اليورانيوم، خاصة في موقع أصفهان للتكنولوجيا النووية، لكن الموقف الغربي عموما كان رافضا لمثل هذا التعاون. ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق تضرر مفاعل محطة بوشهر النووية فتوقفت عن العمل.
صورة من: akairan.com
روسيا تدخل على الخط، والصين تنسحب!
في التسعينات تم تزويد إيران بخبراء في الطاقة النووية من طرف روسيا. وفي 1992، انتشرت مزاعم في الإعلام الدولي بوجود أنشطة نووية إيرانية غير معلنة، مما جعل إيران تستدعي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة المنشآت النووية، وخلصت التفتيشات حينها إلى أن الأنشطة سلمية. في 1995، وقعت إيران مع روسيا عقدا لتشغيل محطة بوشهر بالكامل، في حين انسحبت الصين من مشروع بناء محطة لتحويل اليورانيوم.
صورة من: AP
إعلان طهران وزيارة البرادعي لإيران
طلبت الوكالة الدولية، في 2002، زيارة موقعين نوويين قيل أنهما غير معلنين، لكن إيران لم تسمح بذلك حتى مرور ستة أشهر على شيوع الخبر. وفي 2003، زار محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إيران للحصول على إيضاحات في ما يخص استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم، واصدرت الوكالة تقريرا سلبيا تجاه تعاون إيران.
صورة من: AP
شد وجذب
أصدرت الوكالة الدولية، في 2004، قرارا يطالب إيران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريد الوكالة زيارتها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية. لكن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وبعد انتخابه، عمل على تفعيل البرنامج النووي ولم يكترث للتهديدات الغربية، كما أسس مفاعل "أراك" للماء الثقيل.
صورة من: AP
فصل جديد
في 2006، صوت أعضاء الوكالة الدولية على إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، الذي فرض حظرا على تزويد إيران بالمعدات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وإنتاج صواريخ بالستية. وردت إيران على هذا الإجراء بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي. وفي نفس السنة، أعلن الرئيس الإيراني؛ أحمدي نجاد، عن نجاح بلده في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3,5 بالمائة. الصورة لوفد قطر أثناء التصويت على القرار.
صورة من: AP
مفاعلات نووية سرية
في عام2009 ، تحدث بعض المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، عبر وسائل الاعلام، عن قيام إيران ببناء مفاعل نووي في ضواحي مدينة قم، كما قال هؤلاء بأنه تحت الأرض ويبنى بكل سرية، دون أن تخبر به إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين نفت طهران ذلك واعتبرته مجرد ادعاءات.
صورة من: AP
على مشارف حل
في عام 2014، تم الاتفاق على وقف تجميد الولايات المتحدة لأموال إيرانية قدرت بمليارات الدولارات، مقابل توقف إيران عن تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة إلى وقود. وفي نفس السنة، قامت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية باجراء تعديلات على منشأة "أراك" لضمان إنتاج حجم أقل من البلوتونيوم.
صورة من: ISNA
الاتفاق التاريخي
في عام 2015، وبعد سلسلة من الاجتماعات، في فيينا، أعلن عن التوصل لاتفاق نهائي؛ سمي اتفاق إطار، بخصوص برنامج إيران النووي. الاتفاق جمع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا بإيران. وكان من المرجح أن ينهي هذا الاتفاق التهديدات والمواجهة بين إيران والغرب.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Wilking
طموحات حدها الاتفاق!
كان باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، واحدا من رؤساء الدول المتفقة مع إيران، فيما يخص البرنامج النووي، من الذين رأوا في الخطوة ضمانا لأمن العالم، بالمقابل قال نظيره الإيراني؛ حسن روحاني، إن بلاده حققت كل أهدافها من خلال الاتفاق. لكن الأمور لم تعرف استقرارا، خاصة مع رغبة إيران في تطوير برنامجها نووي، دون أن تلفت اليها الأنظار.
صورة من: Getty Images/A. Burton/M. Wilson
أمريكا تنسحب
آخر التطورات في الاتفاق النووي، كانت يوم الثلاثاء 8 أيار/مايو 2018، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، متعهداً بأن تفرض بلاده "أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني". وفي هذا الصدد، عبرت طهران عن عدم رغبتها في الدخول في جولات جديدة من المفاوضات الشاقة مع أمريكا.
صورة من: Imago/Zumapress/C. May
شروط أي "اتفاق جديد"
بعد الانسحاب الأميركي، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو 12 شرطاً أميركياً للتوصل إلى "اتفاق جديد". وتضمنت هذه الشروط مطالب شديدة الصرامة بخصوص البرنامج النووي وبرامج طهران البالستية ودور إيران في الشرق الأوسط. وهدّد بومبيو إيران بالعقوبات "الأقوى في التاريخ" إذا لم تلتزم بالشروط الأميركية.
صورة من: Getty Images/L. Balogh
واشنطن تشدد الخناق
فرضت إدارة ترامب أول حزمة عقوبات في آب/أغسطس ثم أعقبتها بأخرى في تشرين الثاني/نوفمبر. وشملت هذه العقوبات تعطيل معاملات مالية وواردات المواد الأولية إضافة إلى إجراءات عقابية في مجالي صناعة السيارات والطيران المدني. وفي نيسان/أبريل من عام 2019، أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على لائحتها السوداء لـ"المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وكذلك فيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية للحرس الثوري.
صورة من: picture-alliance/U. Baumgarten
أوروبا تغرد خارج السرب
في 31 كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت باريس وبرلين ولندن إنشاء آلية مقايضة عرفت باسم "إنستكس" من أجل السماح لشركات الاتحاد الأوروبي بمواصلة المبادلات التجارية مع إيران رغم العقوبات الأميركية. ولم تفعل الآلية بعد، كما رفضتها القيادة العليا في إيران. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أكدت على "مواصلة دعمنا الكامل للاتفاق النووي مع إيران، وتطبيقه كاملاً"، داعية إيران إلى التمسك به.
صورة من: Reuters/S. Nenov
طهران ترد
في أيار/مايو الماضي، قررت طهران تعليق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي التاريخي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى بعد عام على القرار الأميركي الانسحاب من الاتفاق. وحذرت الجمهورية الإسلامية من أنها ستستأنف تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من المسموح بها في الاتفاق خلال 60 يوماً، إذا لم يوفر لها الأوروبيون الحماية من العقوبات الأمريكية. مريم مرغيش/خالد سلامة