بعد طرابلس..اشتباكات في مصراتة مسقط رأس الدبيبة وباشاغا
٢٣ يوليو ٢٠٢٢
بعد سقوط 16 قتيلًا في اشتباكات بالعاصمة الليبية طرابلس، اندلع قتال بين فصيلين متناحرين، أحدهما تابع لحكومة الدبيبة والآخر "لباشاغا"، في مسقط رأس الرجلين: مصراتة، وسط مخاوف من جولة جديدة من الصراع في بلد تمزقه الحرب.
إعلان
اندلعت اشتباكات بين فصيلين متناحرين، كل منهما مرتبط على ما يبدو بإحدى الحكومتين المتنافستين في ليبيا، في ضواحي مدينة مصراتة اليوم السبت (23 تموز/يوليو 2022) قبل أن تتوقف.
وقال سكان بالمنطقة إن الاشتباكات التي اندلعت بالقرب من الطريق الساحلي الرئيسي المؤدي إلى العاصمة طرابلس استمرت لأقل من ساعة، مضيفين أن أحد الفصيلين اللذين شاركا في اشتباكات السبت هو "قوة العمليات المشتركة"، وهي تابعة لحكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومناوئة للحكومة المكلفة من مجلس النواب، بقيادة فتحي باشاغا.
وقالت "قوة العمليات المشتركة" في مصراتة في بيان السبت إن "المجموعة المسلحة (الأخرى) تابعة لفتحي باشاغا (...) وتقوم بعمل استيقاف غير مصرح به على الطريق الساحلي، وعند مرور الدوريات المكلفة بمهام عمل رسمية؛ قامت قوات المجموعة المسلحة بفتح نيران أسلحتها مباشرة على الدوريات، مما أدى لوقوع إصابات بين عناصر القوة".
وأشارت "قوة العمليات المشتركة" إلى "تعاملها المباشر مع إطلاق النار"، مضيفة أنها قامت بـ"الاشتباك وإخلاء المكان"، لافتة إلى "فرار المجموعة المسلحة بين المزارع". وتابعت بالقول: "هذه الأعمال الاستفزازية هدفها واضح ولا يمكن الصمت عنها، كونها تأتي في وقت حرج وخلال مسعى عديد الأطراف إلى إدخال المدينة في نار الفتنة". وحملت القوة "الحكومة والنائب العام" كامل المسؤولية، مؤكدة أنها "ستتعامل بكل قوة وحزم لمنع تكرار مثل هذه الأعمال الاجرامية"، على حد تعبيرها.
وبدأت مدينة مصراتة (210 كيلومترات شرق طرابلس) تشهد بعض التوترات الأمنية على خلفية قدوم باشاغا، إلى المدينة يوم الأربعاء الماضي (20 تموز/يوليو 2022)، قادمًا من سرت، دون إعلان عن برنامج زيارته المفاجئة.
وإثر وصول باشاغا، شهدت مدينة مصراته توترًا أمنيًا، حيث تداولت وسائل إعلام ليبية أنباء عن إقدام قوة مسلحة موالية للدبيبة، بمطالبة باشاغا بـ"تحديد صفة زيارته للمدينة، وإلا مغادرتها".
وكشفت قوة العمليات المشتركة عن تفاصيل ما حدث عقب دخول باشاغا للمدينة، وذلك في بيان أصدرته أمس الجمعة، قالت فيه: "ما حدث أننا تلقينا تعليمات من وزير الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية بالتحري والقبض على المدعو، فتحي باشاغا، وذلك لانتحاله صفة رئيس الوزراء، فتحركنا فورًا، وفوجئنا بالهجوم علينا من قبل مجموعات مسلحة لا تتبع أي جهة رسمية".
وحذرت القوة أي شخص أو جهة من الاقتراب من دوريات ومقرات القوة داخل المدينة، ملوحة أنها "ستتعامل بكل حزم وقوة إزاء ذلك"، موضحة أن القوة "لا تتحرك إلا بتعليمات من وزير الدفاع". وسبق لقوة العمليات المشتركة أن اعتقلت في آذار/ مارس الماضي عددًا من وزراء حكومة باشاغا أثناء مرورهم بالمدينة في الطريق إلى طبرق لأداء اليمين القانونية أمام مجلس النواب، قبل أن تطلق سراحهم لاحقًا. أعنف اشتباكات في طرابلس منذ عامين
ويشهد غرب ليبيا توترًا هذا العام بسبب مواجهة سياسية بين حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، وإدارة منافسة عينها البرلمان بقيادة فتحي باشاغا. والدبيبة وباشاغا كلاهما من مصراتة، وهي مدينة ساحلية تلعب الفصائل المسلحة بها دورًا رئيسيًا في الصراع الليبي.
وأمس الجمعة، خاضت الفصائل المسلحة في طرابلس أعنف اشتباكات هناك منذ عامين، أدت إلى مقتل 16 شخصاً وإصابة نحو 50 آخرين بجروح، بحسب حصيلة جديدة أصدرتها وزارة الصحة اليوم السبت.
ووقع القتال ليل الخميس الجمعة وتوقف في وقت متأخر من بعد ظهر الجمعة. وتواجهت مجموعتان مسلحتان مؤثرتان: قوة الردع ولواء ثورة طرابلس وكلاهما تابع للسلطة التنفيذية. وقالت مصادر محلية، إن قيام مجموعة مسلحة باحتجاز مقاتل ينتمي إلى المعسكر الآخر أدى إلى اندلاع الاشتباكات التي طالت أحياء عدة في المدينة.
وبعد المواجهات، علق الدبيبة مهام وزير الداخلية خالد مازن، وكلّف وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي "بتسيير مهام وزارة الداخلية (...) حتى إشعار آخر". وتعكس هذه الاشتباكات الفوضى التي تغرق فيها ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
ويتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس انبثقت عن اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام يرأسها عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة. أما الحكومة الثانية فهي برئاسة فتحي باشاغا عيّنها البرلمان في شباط/فبراير ومنحها ثقته في آذار/مارس وتتّخذ من سرت (وسط) مقرّاً موقتاً لها بعدما مُنعت من دخول طرابلس رغم محاولتها ذلك.
وسلط القتال الضوء على المخاطر المتمثلة في إمكانية تحول الأزمة السياسية في ليبيا إلى جولة جديدة من الصراع طويل الأمد.
م.ع.ح/خ.س (د ب أ، أ ف ب، رويترز)
توق الليبيين إلى السلام.. طريق طويل من المؤتمرات والعنف
منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام معمر القذافي في مطلع عام 2011 تعيش ليبيا في دوامة من العنف والاضطراب وعدم الاستقرار السياسي. فيما يلي أبرز محطات الصراع ومحاولات إرساء سلام يتفلت من بين أيدي الليبين مرة تلو الأخرى.
صورة من: picture alliance/dpa
تستضيف العاصمة الألمانية برلين الأربعاء (23 حزيران/يونيو 2021) جولة جديدة من محادثات السلام الليبية. ستركز المحادثات على التحضير لانتخابات وطنية مقررة في 24 كانون الأول/ديسمبر وسحب الجنود الأجانب والمرتزقة من ليبيا، ومسألة تشكيل قوات أمنية موحدة. واستضافت برلين برعاية الأمم المتحدة في 19 كانون الثاني/ يناير 2020 مؤتمرا حول ليبيا شارك فيه طرفا النزاع إلى جانب رؤساء روسيا وتركيا وفرنسا ومصر.
صورة من: Getty Images
في شباط/فبراير من عام 2011 اندلعت في بنغازي ومن ثم في مناطق أخرى تظاهرات جوبهت بعنف من قبل نظام معمر القذافي، الذي حكم البلاد منذ عام 1969 بقبضة من حديد. شن تحالف بقيادة واشنطن وباريس ولندن هجمات على مقار قوات القذافي، بعد حصوله على ضوء أخضر من الأمم المتحدة. ثم انتقلت قيادة العملية الى حلف شمال الأطلسي. ولقي القذافي مصرعه في 20 تشرين الأول/أكتوبر بالقرب من مسقط رأسه في سرت.
صورة من: dapd
غرقت ليبيا في دوامة من العنف والاضطرابات السياسية لم يفلح المجلس الوطني الانتقالي، الذي تشكل في الأيام الأولى للثورة برئاسة مصطفى عبد الجليل كبديل للنظام، في وضع حد لها. وفي يوليو/ تموز 2012 انتخب برلمان تسلم سلطاته بعد شهر من المجلس الوطني الانتقالي. تشكلت حكومة برئاسة علي زيدان في تشرين الأول/أكتوبر، بيد أنها سقطت بعد حجب الثقة عنها في آذار/مارس 2014.
صورة من: Picture-Alliance/dpa
تعرضت السفارتان الأميركية في أيلول/سبتمبر 2012 والفرنسية في نيسان/أبريل 2013 لهجومين تسبب الأول بمقتل أربعة أميركيين بينهم السفير كريستوفر ستيفنز والثاني بإصابة حارسين فرنسيين، فأغلقت غالبية السفارات الأجنبية أبوابها وغادرت طواقمها البلاد.
صورة من: Reuters
في أيار/مايو 2014، أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر بدء عملية "الكرامة" ضد جماعات إسلامية مسلحة في شرق ليبيا. وانضم ضباط من المنطقة الشرقية إلى صفوف "الجيش الوطني الليبي" الذي شكله حفتر. في حزيران/يونيو 2014، تم انتخاب برلمان جديد جاءت أغلبيته مناوئة للإسلاميين الذين قاطعوه.
صورة من: Reuters
في نهاية آب/ أغسطس 2014 وبعد أسابيع من المعارك الدامية، سيطر ائتلاف "فجر ليبيا" الذي ضم العديد من الفصائل المسلحة بينها جماعات إسلامية، على العاصمة طرابلس وأعاد إحياء "المؤتمر الوطني العام"، البرلمان المنتهية ولايته. وتم تشكيل حكومة. وأصبح في ليبيا برلمانان وحكومتان.
صورة من: Getty Images/AFP/M. Turkia
في كانون الأول/ ديسمبر 2015 وبعد مفاوضات استمرت أشهراً، وقع ممثلون للمجتمع المدني ونواب ليبيون في الصخيرات بالمغرب، اتفاقاً برعاية الأمم المتحدة، وأُعلنت حكومة الوفاق الوطني. لكن لم تنل هذه الحكومة قط ثقة البرلمان في الشرق المدعوم من خليفة حفتر، ولم تتمكن من فرض سلطتها على القوى السياسية والعسكرية في البلاد.
صورة من: picture-alliance/AA/Jalal Morchidi
في السنوات التالية تنازعت سلطتان الحكم في ليبيا: في الغرب حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ طرابلس مقرا لها وتحظى باعتراف الأمم المتحدة، وسلطة موازية في شرقي البلاد بقيادة خليفة حفتر. جمع اجتماعان في باريس في عامي 2017 و2018 حفتر والسراج في محاولة للوصول إلى تسوية وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، بيد أنه لم يتم الالتزام بما اتفق عليه ومضت الحرب في طحن البلاد.
صورة من: picture-alliance/C. Liewig
في مطلع 2019، بدأت قوات حفتر بغزو الجنوب بدعم من القبائل المحلية، فسيطرت بلا معارك على سبها والشرارة، أحد أكبر الحقول النفطية في البلاد. ومن ثم تقدمت باتجاه طرابلس، حيث جوبهت بمقاومة عنيفة من القوات الموالية لحكومة الوفاق التي شنت بعد عام تقريباً هجوماً معاكساً وحققت تقدماً، لكن في حزيران/ يونيو 2020 هدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ب"التدخل" العسكري في ليبيا في حال تقدم قوات الوفاق نحو سرت.
صورة من: Reuters
بعد فشل متكرر لإخراج ليبيا من الفوضى، أفضى حوار ليبي رعته الأمم المتحدة في جنيف في الخامس من شباط/فبراير 2021 إلى توقيع اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار "بمفعول فوري". ومن ثم جرى الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة موحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، نالت ثقة البرلمان في آذار/ مارس. ومهمة حكومة الدبيبة السير بالبلاد نحو تنظيم الانتخابات. وبذلك عاد الأمل المفقود باحتمال تحسن الوضع. إعداد: خالد سلامة