دعت سلطات إقليم ترانسنيستريا الانفصالي في مولدوفا، روسيا إلى حماية الإقليم، ما أثار مخاوف إزاء تجدد الصراع وتوسع الحرب الروسية في أوكرانيا. فماذا قصة ترانسنيستريا ولماذا يسعى الإقليم للعودة إلى تحت العباءة الروسية؟
إعلان
يقف إقليم ترانسنيستريا - الذي يُنسب إلى نهر دنيستر الذي يفصله عن أوكرانيا - على النقيض من الدويلات السوفيتية الانفصالية الأخرى غير المعترف بها دوليا، حيث ظل الإقليم الانفصالي ينعم بوضع سلمي رغم التوترات الإقليمية.
لكن عقب الغزو الروسي لأوكرانيا أواخر فبراير / شباط عام 2021، عادت أجواء التوتر من جديد لتخيم على الإقليم الانفصالي في مولدوفا ما أثار تحذيرات من أن يصبح بؤرة صراع جديدة في أوروبا الشرقية.
وفي أحدث تصعيد للتوترات، أصدرت سلطات الإقليم الموالية لروسيا، بيانا رسميا حمل دعوة موسكو إلى حماية المنطقة الانفصالية ضد مزاعم "ضغوط متزايدة" من الحكومة المولدوفية. وزعم البيان أن مولدوفا "تضر باقتصاد" ترانسنيستريا و"تنتهك حقوق الإنسان والحريات فيه".
بيان طلب "الحماية الروسية" أثار تساؤلات حيال توقيته وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تجدد صراع قديم يعود إلى حقبة ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.
الحقبة السوفيتية
أعلنت منطقة ترانسنيستريا نفسها مستقلة عام 1990 بالتزامن مع قيام الاتحاد السوفييتي في حينه بتخفيف قبضته على دول أوروبا الشرقية التي عمدت إلى استقلالها واحدة تلو الأخرى. وتلي ذلك اندلاع صراع بين القوات الانفصالية الموالية لحكومة ترانسنيستريا المدعومة من روسيا من جهة والقوات الموالية لحكومة مولدوفا من جهة أخرى. واستمر الصراع حتى التوصل إلى وقف إطلاق النار في يوليو / تموز عام 1992.
ونصت بنود الهدنة على نشر فرقة عسكرية من الجيش الروسي تسميها موسكو "قوات لحفظ السلام" في المنطقة فيما استمر انتشارها حتى اليوم بقوام يبلغ قرابة 1500 جندي روسي
وقد بسطت الحكومة الانفصالية المعروفة باسم "جمهورية ترانسنيستريا المولدوفية"، سيادتها على الإقليم منذ عقود.
ورغم امتلاك الإقليم عملته المحلية وعلمه الخاص، إلا أنه ظل يفتقر إلى الاعتراف الرسمي سواء من الأمم المتحدة أو من أي دولة بما في ذلك روسيا باستثناء منطقتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين غير المعترف بهما.
حماية الناطقين باللغة الروسية؟
وقبل مناشدة "الحماية الروسية"، قرر نواب ترانسنيستريا التجمع في تيراسبول في مؤتمر استثنائي عام 2006 حيث قرروا إجراء استفتاء على الانضمام إلى روسيا حيث دعم أكثر من 95% من الناخبين الانضمام إليها رغم افتقار التصويت إلى الاعتراف الدولي فيما لم تستجب موسكو للطلب.
بيد أن الإعلان الأخير أثار تكهنات بأن الإقليم الانفصالي قد يجدد دعوته التي أطلقها عام 2006 للانضمام إلى روسيا، لكن اللافت أن بيان برلمان الإقليم أو ما يُعرف بـ " كونغرس ترانسنيستريا" حمل دعوة لموسكو لتوفير "سبل حماية أكبر" للمواطنين الروس البالغ عددهم 220 ألفا في ترانسنيستريا.
وعزا البيان سبب طلب "الحماية الروسية" إلى ما وصفه بـ "ضغوط متزايدة" من مولدوفا مع مزاعم قيامها "بالإضرار باقتصاد" الإقليم و"انتهاك حقوق الإنسان والحريات على أراضيه".
ويتشابه بيان سلطات ترانسنيستريا مع مزاعم الانفصاليين الموالين للكرملين في شرق أوكرانيا الذين يتهمون كييف منذ سنوات بقمع السكان الناطقين بالروسية في شرق البلاد.
وأثار البيان المخاوف من أن تقدم روسيا على استغلال الأزمة لزعزعة استقرار مولدوفا الواقعة في أوروبا الشرقية والطامحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
على الرغم من كون اللغة الروسية هي الرسمية في ترانسنيستريا، إلا أن السكان الروس لا يشكلون غالبية سكان الإقليم الذي يتميزون بتركيبة عرقية متنوعة. فقد كشف تعداد أجرته سلطات ترانسنيستريا الانفصالية عام 2015 عن أن حوالي 30% من سكان الإقليم البالغ عددهم 470,000 نسمة، يعرفون أنفسهم بأنهم روس في حين أن ما يقرب من 29% يعرفون أنفسهم بأنهم مولدوفيون و23% أوكرانيون فيما يحمل عدد كبير من سكان الإقليم جنسية مزدوجة أو ثلاثية هي مولدوفا أو روسيا أو أوكرانيا.
وشهدت العقود الأخيرة تبادلا اقتصاديا واسع النطاق بين إقليم ترانسنيستريا ومولدوفا. ورغم ذلك، فإن الاقليم الانفصالي يحصل على إمداداته من الغاز ومصادر الطاقة الأخرى مجانا من روسيا.
سبب مناشدة روسيا؟
ومنذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، يعاني إقليم ترانسنيستريا من نقص في الموارد والإمدادات حيث كان جُل المساعدات الروسية يأتي إلى الجيب الانفصالي عبر ميناء أوديسا الأوكراني، بيد أنه عقب الحرب، قامت أوكرانيا بإغلاق حدودها مع ترانسنيستريا ردا على الغزو الروسي.
وعلى وقع ذلك، بات الوصول إلى ترانسنيستريا منحصرا على حدوده مع مولدوفا، التي أغلقت أيضا مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية بعد فترة وجيزة من الحرب فيما أثارت جهود شيسيناو، عاصمة مولدوفا، لتوحيد المنطقة، قلق سلطات ترانسنيستريا.
بتمسكها بترانسنيستريا كجزء من أراضيها المعترف بها دوليا، اتبعت مولدوفا نهجا يرمي إلى دمج اقتصاد الإقليم مع اقتصادها الوطني مع تقليل الاعتماد على روسيا.
وفي عام 2014، أبرمت حكومة مولدوفا اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، مما أتاح لترانسنيستريا إمكانية الوصول إلى السوق الأوروبية ما يحمل في طياته تنافسا مع روسيا في مجال التصدير.
وفي مطلع العام الجاري، جرت المصادقة على تشريع يُلزم الشركات العاملة والمتواجدة في إقليم ترانسنيستريا بالتسجيل ضمن الإطار القانوني لمولدوفا للحصول على تصاريح لاستمرار النشاط التجاري وأيضا دفع رسوم جمركية.
الجدير بالذكر أنه في يونيو/حزيران 2022، وافق الاتحاد الأوروبي على ترشّح مولدوفا لعضويته وتعالت أمال شيسيناو أواخر العام الماضي عقب إعلان المفوضية الأوروبية عن خطط لبدء مفاوضات انضمام مولدوفا وأوكرانيا إلى التكتل الأوروبي.
يتزامن ذلك مع اتهام حكومة مولدوفا الكرملين بالمضي قدما في حملة ترمي إلى زعزعة استقرار البلاد.
أعده للعربية: محمد فرحان
قتال لم يقع مثله في أوروبا منذ 1945- محطات من الغزو الروسي لأوكرانيا
في نزاع لم تشهد له أوروبا مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، تتواصل المعارك الشرسة بين الغزاة الروس وبين الأوكرانيين. وبحسب تقديرات يزيد عدد قتلى وجرحى الحرب في كلّ معسكر عن 150 ألف شخص.
صورة من: Zohra Bensemra/REUTERS
بوتين يناقض نفسه ويبدأ الهجوم على أوكرانيا
بعد شهور من التوتر والجهود الدبلوماسية لتجنب الحرب، بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فجر الخميس 24 شباط/ فبراير 2022، ما أسماه "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا. وكان الكرملين قد سبق ونفى مراراً التقارير الغربية حول نية بوتين في غزو أوكرانيا. وقد بدأ الغزو واسع النطاق بضربات جوية في جميع أنحاء أوكرانيا، ودخلت القوات البرية من الشمال من بيلاروسيا حليفة موسكو، ومن الشرق والجنوب.
صورة من: Ukrainian Police Department Press Service/AP/picture alliance
نزوح ملايين الأوكرانيين هرباً من الحرب
مع بداية الهجمات الروسية بدأت موجة نزوح الأوكرانيين من مناطق القتال. ونزح نحو 5.9 مليون شخص داخلياً بسبب الحرب الروسية العام الماضي. كما فر الملايين إلى خارج أوكرانيا، وفقاً لتقرير مركز مراقبة النزوح الداخلي ومقره جنيف (الخميس 11 مايو/ أيار 2023). ومعظم النازحين هم من النساء والأطفال وكبار السن وغير القادرين على القتال.
صورة من: Andriy Dubchak/AP/picture alliance
محاولة فاشلة للسيطرة على العاصمة كييف
في غضون أيام، سيطرت القوات الروسية على ميناء بيرديانسك الرئيسي والعاصمة الإقليمية خيرسون القريبة من البحر الأسود، إضافة لعدة بلدات حول كييف في وسط شمال البلاد. لكن محاولتها السيطرة على كييف اصطدمت بمقاومة القوات الأوكرانية ومن ورائها الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي تحول إلى قائد حربي. وفي الثاني من نيسان/ أبريل 2022، أعلنت أوكرانيا تحرير منطقة كييف بأكملها بعد "الانسحاب السريع" للقوات الروسية.
صورة من: Emilio Morenatti/AP/picture alliance
كليتشكو من نزال الملاكمة إلى قتال المعارك
هب الأوكرانيون للدفاع عن بلادهم، فإضافة إلى القوات العسكرية كان هناك المتطوعون المدنيون من كافة الأطياف. هنا مثلاً بطل العالم السابق في الملاكمة فيتالي كليتشكو، عمدة كييف، وقد ارتدى سترة عسكرية خلال تواجده على الأرض لمشاركة أهل بلده في صد الغزو الروسي. كما تطوع أيضاً شقيقه الأصغر وبطل العالم السابق في الملاكمة فلاديمير كليتشكو للقتال. كما وظّف الشقيقان شهرتهما لكسب التعاطف العالمي مع قضية بلدهما.
صورة من: Sergei Supinsky/AFP
توالي العقوبات الغربية على روسيا
اتخذ الغرب، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مسار فرض عقوبات على روسيا، سواء في استيراد البضائع والطاقة منها أو تصدير التكنولوجيا إليها أو مصادرة أموال رجال أعمال مرتبطين بالكرملين. وفي قمة مجموعة السبع في قصر إلماو في بافاريا الألمانية (يونيو/حزيران 2022)، اتخذت المجموعة، التي تضم ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان وبريطانيا، قرارات بتوسيع العقوبات على روسيا.
صورة من: Michael Kappeler/dpa/picture alliance
مساعدات عسكرية مكنت أوكرانيا من الصمود
وأعلنت دول غربية عديدة على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا تقديم مساعدات عسكرية بالمليارات لأوكرانيا. فقدمت واشنطن أسلحة ومعدات في 2022 بقيمة 22.9 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الأولى بين الدول الداعمة عسكريا لأوكرانيا، فيما حلت بريطانيا بالمركز الثاني خلال 2022 بمساعدات بقيمة 4.1 مليار يورو. أما ألمانيا فقدمت في العام نفسه 2.3 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بين داعمي أوكرانيا عسكرياً.
صورة من: Polish Chancellery of Prime Ministry/Krystian Maj/AA/picture alliance
اتهامات بجرائم حرب مروعة في بوتشا
في بلدة بوتشا التي دمرتها المعارك، عُثر في الشوارع على جثث مدنيين أعدموا بدم بارد. لاحقاً عُثر على جثث مئات المدنيين حمل بعضها آثار تعذيب في مقابر جماعية في المدينة الصغيرة الواقعة على مشارف كييف. وأثارت صور هذه المجازر المنسوبة لروسيا استياء الغرب والأمم المتحدة وتعددت الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، رغم نفي موسكو.
صورة من: Carol Guzy/Zuma Press/dpa/picture alliance
حصار ماريوبول وسقوط آزوفستال
في 21 أبريل/نيسان 2022، أعلن الكرملين دخول ماريوبول، الميناء الاستراتيجي على بحر آزوف. سمحت السيطرة على ماريوبول لروسيا بضمان التواصل بين قواتها من القرم والمناطق الانفصالية في دونباس. لكن حوالي ألفي مقاتل أوكراني واصلوا القتال متحصنين في متاهة مصنع آزوفستال تحت الأرض مع ألف مدني. قاوم المقاتلون حتى آخر طلقة. وقالت كييف إن 90% من ماريوبول دُمرت وقُتل فيها ما لا يقل عن 20 ألف شخص.
صورة من: Peter Kovalev/TASS/dpa/picture alliance
يوم تاريخي في خيرسون
في بداية سبتمبر/أيلول 2022، أعلن الجيش الأوكراني هجوماً مضاداً في الجنوب، لكنه حقق اختراقًاً خاطفًاً للخطوط الروسية في الشمال الشرقي وأرغم الجيش الروسي على الانسحاب من منطقة خاركيف. في أكتوبر/ تشرين الأول، بدأت موسكو بإجلاء السكان وإدارة الاحتلال من خيرسون. وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني بعد يومين من انسحاب القوات الروسية، استعادت كييف السيطرة على المدينة في "يوم تاريخي" كما وصفه الرئيس زيلينسكي.
صورة من: Bulent Kilic/AFP/Getty Images
مذكرة توقيف بحق بوتين وروسيا ترد
في مارس/ أذار 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب على خلفية ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني. وقالت كييف إنه تم ترحيل أكثر من 16 ألف طفل أوكراني إلى روسيا. وأصدرت المحكمة أيضاً مذكرة مماثلة بحق مفوضة حقوق الأطفال في روسيا ماريا لفوفا بيلوفا. وفي مايو/ أيار ردت روسيا بإصدار مذكرة توقيف بحق المدعي العام للمحكمة كريم أحمد خان، وهو بريطاني الجنسية.
صورة من: Rich Pedroncelli/AP Photo/picture alliance
الاستعداد لهجوم مضاد
في مواجهة طلبات زيلينسكي المتكررة وبعد فترة من المماطلة، قرر الأمريكيون والأوروبيون إرسال عشرات الدبابات الثقيلة من أجل تحسين قدرة الجيش الأوكراني على صد الهجمات. وفي 19 أبريل/ نيسان 2023، أعلنت كييف تلقيها أول منظومة دفاع جوي أمريكية من طراز باتريوت. في نهاية الشهر نفسه، أعلنت أوكرانيا أنها ستكون مستعدة قريباً لشن هجوم مضاد بهدف تحرير نحو 20% من أراضيها المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
صورة من: Susan Walsh/POOL/AFP/Getty Images
قتال طيلة شهور في باخموت
في يناير/ كانون الثاني 2023، عاد الجيش الروسي إلى شن هجمات لا سيما في دونباس، بدعم من مرتزقة مجموعة فاغنر المسلّحة ومئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين تمت تعبئتهم منذ أيلول/سبتمبر. احتدم القتال، خاصة حول باخموت، وهي مدينة في الشرق تحاول روسيا احتلالها منذ الصيف. وشهدت باخموت أطول المعارك وأكثرها فتكاً منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
صورة من: Muhammed Enes Yildirim/AA/picture alliance
تضارب بشأن سقوط باخموت
وأعلنت روسيا مساء السبت 19 مايو/ أيار 2023 استيلاءها على باخموت بالكامل، بعدما أعلن رئيس مجموعة فاغنر الروسية المسلحة يفغيني بريغوجين في نفس اليوم أن المجموعة ستسحب مقاتليها من المدينة اعتبارا من 25 مايو/ أيار وستسلم الدفاع عن المدينة إلى الجيش الروسي. في غضون ذلك، قالت كييف إنها لا تزال تقاتل في مناطق معينة معتبرة وضع مقاتليها "حرجاً". إعداد صلاح شرارة/خ.س (أ ف ب، رويترز، د ب أ).