بعد فشل قمة طهران.. تحذيرات من "الكارثة" الأكبر في سوريا
٨ سبتمبر ٢٠١٨
حذر المسؤول الطبي في إدلب منذر الخليل من أن تشهد المحافظة "كارثة قد تكون الأكبر" في سوريا منذ اندلاع الحرب، في حين تتجه قوات النظام نحو شن عملية عسكرية واسعة على إدلب المعقل الرئيسي الأخير للمعارضة المسلحة.
إعلان
حذر المسؤول الطبي في محافظة إدلب الدكتور منذر الخليل من كارثة قد تكون الأكبر في مجرى الحرب في سوريا، في حين تتجه قوات النظام نحو شن هجوم واسع على آخر معقل للمعارضة السورية ووسط قصف جوي لطائرات النظام وحليفته روسيا. وقال الخليل في مقابلة أجرتها معه وكالة "فرانس برس" في جنيف "أخشى من أن نكون على وشك أن نشهد الأزمة الأكثر كارثية في حربنا". وقال الخليل الذي يعمل جراح عظام ويترأس مديرية الصحة في المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب، إنه سافر إلى جنيف في مسعى لإقناع الدبلوماسيين والمسؤولين الأمميين ببذل مزيد من الجهود لمنع وقوع "كارثة".
وبعد استعادتها السيطرة على كامل دمشق ومحيطها ثم الجنوب السوري خلال العام الحالي، وضعت قوات النظام نصب أعينها محافظة إدلب التي تسيطر عليها فصائل جهادية كذلك إلى جانب المعارضة. ويتوقع أن يشكل انطلاق عملية عسكرية كبرى كابوساً على الصعيد الإنساني، حيث لم تعد هناك مناطق قريبة خاضعة للمعارضة في سوريا يمكن إجلاء السكان إليها. وقال خليل "هناك مخاوف كبيرة من تقدم النظام حيث لم يعد هناك غير إدلب. لا يوجد مكان آخر يمكن الذهاب إليه".
غارات جوية عنيفة
ويوم السبت، تعرضت محافظة إدلب في شمال غرب سوريا لغارات جوية روسية هي "الأعنف" منذ شهر، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وجاء تصاعد العنف بعدما فشلت حليفتا النظام روسيا وإيران إلى جانب تركيا الداعمة لبعض الفصائل المعارضة في الاتفاق على حل يمنع قوات النظام من شن هجوم وشيك على المحافظة.
وقال شهود وعمال إغاثة إن 12 ضربة جوية على الأقل أصابت سلسلة من القرى والبلدات في جنوب إدلب وفي اللطامنة وكفر زيتا في شمال حماة، في منطقة لا تزال تحت سيطرة المعارضة المسلحة. وقال اثنان من سكان المنطقة الواقعة في جنوب إدلب إن طائرات هليكوبتر سورية أسقطت براميل متفجرة على منازل على مشارف مدينة خان شيخون. وينفي الجيش السوري استخدام البراميل المتفجرة. لكن محققين تابعين للأمم المتحدة وثقوا مرارا استخدام الجيش لها.
تزايد الهجمات على المستشفيات
وأشار خليل إلى تزايد الهجمات على المستشفيات في إدلب حيث وقع اعتداءان من هذا النوع خلال الأسبوع الفائت، محذرا من أن ذلك ينذر باستعداد النظام لشن هجوم شامل. وقال "عندما يقررون السيطرة على منطقة، أول ما يقومون به هو ضرب المستشفيات. أخشى من أن ذلك قد بدأ بالفعل". واتُّهم نظام الرئيس السوري بشار الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية خلال النزاع، ولم يخف الخليل قلقه من إمكانية استخدام هذه الأسلحة مجدداً في إدلب. وقال "ما نخشاه حقا هو أن يتم شن اعتداءات على مواقع مهمة ومكتظة على غرار سوق أو مدرسة أو مستشفى. عندما تتعرض أهداف كهذه إلى هجوم تكون حصيلة الضحايا أعلى بكثير".
وقدرت الأمم المتحدة أن العملية العسكرية ضد إدلب قد تجبر نحو 800 ألف شخص على الفرار من منازلهم في ما قد يشكل أكبر عملية نزوح حتى الآن تشهدها الحرب السورية التي بدأت قبل سبعة أعوام. وأكد مدير صحة إدلب أن خوفه الأساسي هو من نزوح جماعي واسع نحو تركيا، حيث قد يجد الناس أنفسهم عالقين بين القوات الحكومية السورية وحدود مغلقة. وقال "أخشى من أن يموت الناس وهم يحاولون عبور الحدود".
على صعيد متصل، أعلنت روسيا السبت أنها تملك معلومات مؤكدة بأن مقاتلي فصائل معارضة وجهادية سورية يخططون للقيام بـ"استفزاز" وشيك في محافظة إدلب لتبرير تدخل غربي. وأعلنت موسكو مرارا أن الفصائل المعارضة في إدلب، آخر معقل للجهاديين ومقاتلي المعارضة، تخطط لهجوم ضد مدنيين قد يكون عبر غازات سامة، في حين تشن روسيا وقوات النظام السوري غارات جوية هي الأعنف التي تشهدها المحافظة.
وقال المتحدث باسم الجيش الروسي إيغور كوناشنكوف في بيان إن مسؤولين في هيئة تحرير الشام الجهادية (جبهة النصرة سابقا التابعة لتنظيم القاعدة) التي تسيطر على نحو 60% من مساحة محافظة إدلب، مع مسؤولين في الحزب الاسلامي التركستاني، وآخرين من الخوذ البيضاء "اتفقوا على سيناريو يقضي بافتعال أحداث تدفع الى اتهام القوات الحكومية السورية باستخدام غازات سامة ضد المدنيين".
واضاف البيان انه "طلب من الذين سيشاركون في هذا السيناريو الاستفزازي بأن يكونوا جاهزين بحلول مساء الثامن من أيلول/سبتمبر". وجاء أيضا في بيان المتحدث الروسي أن "إشارة البدء بهذا العمل الاستفزازي من قبل إرهابيين في منطقة إدلب، ستصدر من بعض "الأصدقاء الأجانب للثورة السورية"، حسب تعبير البيان.
ح.ع.ح/ع.ش(أ.ف.ب/د.ب.ا/رويترز)
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين