بعد نشر صورها على قارب هجرة.. شابة تونسية تثير جدلا
٢٥ نوفمبر ٢٠٢١
في موقف أشعل الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، نشرت "إنفلونسر" (مؤثّرة) تونسية صورا لها على "انستغرام" أثناء عبورها البحر المتوسط على متن قارب صغير باتجاه السواحل الإيطالية.
إعلان
في لقطات تشبه صور كثير من الفتيات والمراهقات على مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت شابة تونسية الأسبوع الماضي صورا لها بإطلالة بهية، لتبدو وكأنها في رحلة سياحية (وفق تعليقات وردت على وسائل التواصل الإجتماعي)، لكن المشاهد تلك دارت على متن قارب خشبي صغير يبحر من سواحل شرق تونس باتجاه إيطاليا.
بالإضافة إلى هذه اللقطات، نشرت الشابة سبأ التي يتابعها أكثر من 300 ألف شخص أيضا مقطع فيديو وهي لا تزال في البحر بينما تتمايل على أنغام أغنية تونسية شعبية موضوعها "الحرقة"، أو العبور غير القانوني إلى أوروبا. ويظهر من حولها، عشرات الشباب الذين يرتدون ملابس شتوية ويبدون أكثر هدوءا، ما يضفي مصداقية على قصة الفتاة التي تقول إنها تبلغ من العمر 18 عاما.
لكن التعليقات التي انهالت عليها خلال الأيام الماضية تتهمها بتشجيع الشباب على الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر، وكأن الأمر يبدو في غاية السهولة.
في مواجهة هذه الموجة من ردود الفعل التي غير المتوقعة، نشرت الشابة تسجيلا جديدا تشرح فيه أنها تأثرت سلبا بتلك التعليقات، ولديها أسباب وجيهة لمغادرة تونس تاركة وراءها والدتها.
"الجميع يوثقون هجرتهم غير الشرعية، وأنا فعلت هذا أيضاً".
ليست هذه هي المرة الأولى التي تنتشر فيها صورا بعيدة عن واقع رحلات الهجرة التي تنتهي أحيانا بحوادث مأساوية، إذ نشر بعض الشباب صغار السن سابقا صورا لهم في سراويل قصيرة وأحيانا مع قطتهم أو كلبهم في لقطات تجعل البعض يشكك في مصداقية الحدث ويدل على عدم إدراك الشباب مخاطر العبور.
أكدت الشابة التونسية ، أنها "ليست أول شخص يهاجر، بطريقة غير شرعية، ولا آخر شخص سيقوم بذلك". وأضافت "الجميع يوثّقون هجرتهم غير الشرعية، وأنا فعلت ذلك أيضا".
طريق الهجرة عبر وسط البحر الأبيض المتوسط يعد الأكثر فتكا على مستوى العالم، بسبب طول مدة الرحلة التي قد تستغرق أياما، فضلا عن أنماط التهريب الخطرة، إضافة إلى الفجوات في قدرات البحث والإنقاذ. منذ العام 2014، سجل أكثر من 17 ألف حالة وفاة واختفاء في وسط البحر المتوسط، بحسب برنامج المفقودين التابع لمنظمة الهجرة الدولية،
ووفق مقاطع الفيديو، تخضع حاليا الشابة التونسية للحجر الصحي في إيطاليا برفقة عدد من الشبان الذين كانوا معها على القارب، ووعدت بنشر المزيد من الفيديوهات عند انتهاء فترة الحجر.
"الواقع المزري للطفولة في تونس"
منذ بداية العام الجاري وحتى تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تجاوز عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا 53 ألف شخص، أي أكثر بمرتين من العام الماضي، وبست مرات من العام 2019، بحسب إحصائيات وزارة الداخلية الإيطالية.
وبحسب الأرقام الإيطالية، بلغ عدد الواصلين القصّر مستويات قياسية هذا العام، بعد أن تمكن 2,483 قاصرا تونسيا من الوصول إلى إيطاليا، لا سيما جزيرة لامبيدوزا، أغلبهم غير مصحوبين بذويهم.
وتمر تونس في أزمة اقتصادية تدفع الشباب التونسي إلى الهجرة عبر البحر المتوسط، في ظل جائحة كورونا وتضرر قطاع السياحة الذي كان يمثل 14% من الناتج الداخلي الخام، وارتفاع نسبة البطالة إلى حوالى 18%.
ويعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن الأرقام المتعلقة بهجرة القاصرين "تعكس الواقع المزري للطفولة في تونس، رغم الترسانة القانونية لحماية حقوق الأطفال التي يظهر عجزها أمام غياب الإرادة السياسية في معالجة ظاهرة هجرة القصّر، بعيدا عن المقاربات الأمنية".
إنقاذ المهاجرين من الغرق في المتوسط لا ينهي مأساتهم
عام 2018 كان مأساويا للمهاجرين عبر المتوسط، إذا ارتفع عدد الضحايا بشكل مضطرد. لكن عام 2019 لا يدعو إلى التفاؤل، إذ باتت مهمة "صوفيا" لإنقاذ المهاجرين في المتوسط مهددة بالانتهاء والخلاف مستمر حول استقبال من يتم إنقاذهم.
صورة من: Getty Images/C. McGrath
ارتفاع كبير في عدد الغرقى
أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن عدد الضحايا على مسار الهجرة بين ليبيا والاتحاد الأوروبي ارتفع بأكثر من الضعف في عام 2018 ، إذ بلغ معدل الوفاة واحدا من بين كل 14 مهاجرا عبروا هذا الطريق وسط البحر المتوسط. وكان المعدل واحدا من بين كل 38 عام 2017 .
صورة من: Getty Images/AFP/A. Paduano
ستة غرقى كل يوم
حسب إحصائيات الأمم المتحدة بلغ إجمالي عدد المهاجرين الذين عبروا البحر المتوسط إلى أوروبا عام 2018 نحو 117 ألف شخص، وتوفي في البحر المتوسط 2275 على الأقل، مقارنة بـ 172 ألف مهاجر عبروا إلى أوروبا عام 2017 ووفاة 3139 شخصا. وحسب المفوضية، فإن البحر المتوسط شهد موت ستة أشخاص يوميا في المتوسط العام الماضي.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Küstenwache Lybien
منع سفينة "سي ووتش 3" من الرسو
في آواخر عام 2018 أنقذت سفينة "سي ووتش 3"، التي تملكها منظمة إغاثة ألمانية وترفع علم هولندا، مهاجرين كانوا يستغيثون في البحر قبالة السواحل الليبية، لكن تم منعها من الرسو في إيطاليا أو مالطا.
صورة من: picture-alliance/dpa/Sea-Watch.org
البحث عن ملاذ آمن
بقيت "سي ووتش 3" مع المهاجرين على متنها تمخر عباب البحر بحثا عن ملاذ آمن، وتزامن ذلك مع استمرار الخلاف بين الدول الأوروبية حول استقبال هؤلاء المهاجرين، حيث رفضت إيطاليا استقبالهم مطالبة هولندا وألمانيا بذلك، لأن السفينة ترفع علم الأولى، بينما تتخذ المنظمة المالكة لها من برلين مقرا لها.
صورة من: Getty Images/AFP/F. Scoppa
توتر بين فرنسا وإيطاليا
في ظل الخلاف بين الدول الأوروبية حول استقبال المهاجرين الذين يتم إنقاذهم من الغرق في المتوسط، تصاعد التوتر بين فرنسا وإيطاليا، إذ تتهم روما باريس بأنها سبب الفوضى الحالية في ليبيا، وترى إيطاليا أن هذا الوضع غير المستقر يدفع المهاجرين إلى الهرب من ليبيا للوصول إلى الشواطئ الإيطالية عبر البحر المتوسط، وهو ما يشجع على تهريب البشر.
صورة من: picture alliance/CITYPRESS 24/f. Passolas
ألمانيا لن تستمر في مهمة "صوفيا"
مع تصاعد التوتر والخلاف الأوروبي حول ملف الهجرة واللاجئين، أعلنت ألمانيا أنها لن ترسل أي بديل للفرقاطة التي تنتهي مشاركتها في مهمة الاتحاد الأوروبي لإنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط "صوفيا" في أوائل شباط/ فبراير المقبل.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Assanimoghaddam
مصير مجهول!
مهمة "صوفيا" لإنقاذ اللاجئين من الغرق باتت مهددة بالانتهاء، لأن الأمر متعلق بموقف دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، إذ يجب أن توافق عليها كل الدول الأعضاء في الاتحاد. وعلاوة على ذلك تطالب إيطاليا بتغيير قواعد وشروط المهمة. في هذا السياق صرح وزير الداخلية الإيطالية ماتيو سلفيني أن سفن المهاجرين التي كان يتم إنقاذها ترسو في الموانئ الإيطالية وبالتالي "إما يجب تغيير القواعد، أو إنهاء المهمة".
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Lami
بارقة أمل
لكن رغم كل هذا الخلاف والتوتر، هناك بارقة أمل في تحسن الوضع خلال العام الجاري وتجاوز الدول الأوروبية لخلافاتها حول ملف الهجرة واللاجئين. فقد أعلن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي أن اتفاق تقاسم مهاجرين مع ستّ دول أوروبية أخرى (فرنسا وألمانيا والبرتغال ومالطا ورومانيا ولوكسمبورغ) سيتيح إنزال وإنقاذ المهاجرين العالقين على متن سفينة"سي ووتش 3". إعداد: عارف جابو