بعد هجمات نيوزيلندا.. طرق مواجهة البث الحي للعنف في الإنترنت
١٧ مايو ٢٠١٩
شكل سياسيون في باريس تحالفا لمنع البث المباشر لعمليات الاغتيال مثل الهجمات الإرهابية على مسجدين في كرايستشيرش النيوزيلاندية. فهل هذا ممكن من الناحية التقينة؟ خبير شؤون الأمن المعلوماتي، فليكس فرايلينغ يقدم الأجوبة.
إعلان
دويتشه فيله: مهاجم كرايستشيرش نقل جريمته على الهواء مباشرة عبر فيسبوك من خلال كاميرا في خوذة. وبعد إشارة من الشرطة فقط اختفى الفيديو. فهل كان بإمكان فيسبوك منع البث الحي؟
فليكس فرايلينغ: السؤال هو كيف. في فيسبوك ومواقع أخرى تظهر في كل يوم آلاف نسخ البث الحي. فمن المستحيل تقييم هذا الكم يدويا. وحتى التعرف الأوتوماتيكي على الصور صعب. فالخوارزميات يجب أن تميز بين العنف الحقيقي مثل ما حصل في كرايستشرش والعنف الخيالي مثلما يقع في الأفلام التمثيلية. وحتى بالنسبة إلى الناس يكون أحيانا من الصعب معرفة ما إذا كانت الفيديوهات حقيقية أم زائفة. وتكون الخوارزميات فعَّالة بقدر البيانات التي توضع فيها، ولا يوجد لحسن الحظ صور كافية للعنف الحقيقي لتصنيفها بوضوح.
هل هناك طرق أخرى؟
من الوسائل الممكنة أن تلقي المواقع نظرة فاحصة على المستخدمين، الذين يقومون ببث المحتويات. وهذا يعني أنه يتم مسبقا التحقق ممن يقوم بالبث الحي. وعندما يتم نقل شيء جنائي، نعرف إلى من نتوجه. وهذا لا يساعد أيضا في تفادي عمليات النقل هذه منذ البداية، لكن يمكن لاحقا بسرعة نسبية تبيان من المسؤول عن ذلك. كما أن لذلك مفعول ردعي ضد كل من ينوي نقل أعمال عنف مباشرة عبر الإنترنت. والجانب الثاني عندما نعرف من يريد الحصول على مدخل، فيمكن رفض ذلك منذ البداية. وهنا يتعلق الأمر بأناس ربما أصبحوا معروفين في الموقع نفسه أو لدى السلطات مثل الشرطة.
كيف يمكن أن يحصل التحقق مسبقاً؟
هذا النوع من التعرف يوجد مثلا في العمليات البنكية عبر الإنترنت. فهناك أساليب قوية وأخرى ضعيفة. فبعض البنوك تطالب مثلا بمحادثة حية مع مستشار الزبائن. ويجب على الزبون أن يضع جوازه أمام الكاميرا والجواب على بعض الأسئلة. وهذا واضح عند البنوك التي يجب عليها التعرف على الشخص. وهذا يتم بنجاح. فلماذا لا يصلح هذا لبعض المهام الخاصة مثل البث الحي على فيسبوك؟
فيسبوك أعلنت قبل انعقاد قمة كرايستشيرش في باريس عن اعتماد قواعد جديدة: فالمستخدمون الذين يخرقون بعض القواعد يمكن حرمانهم من البث الحي لمدة زمنية. هل هذا يكفي؟
هنا وجب على فيسبوك أن تكون نشيطة أكثر. بالطبع هذه خطوة جيدة في إقصاء المستخدمين الذين يخرقون القواعد. ولكن هذا لا يمنع أيضا من أن يفعل الشخص الذي يريد بث العنف ما يريد. فالردع من خلال هذا الحظر لا ينفع. وهذا لم يكن من شأنه أن يوقف مهاجم كرايستشيرش. وهؤلاء المتطرفون يكونون معروفين لدى الشرطة. ووجب عدم السماح لهم باستخدام الموقع من البداية. لكن هذا يحتاج قبلها إلى تعريف بالشخص.
فيسبوك أعلنت أنها ستضخ الملايين في تعريف الصور وإغلاق حسابات مشبوهة "لوقت محدد". وهذا يبدو غير حازم.
إقصاء المستخدمين بشكل دائم لا يتناسب مع النموذج التجاري للشركات الكبرى. وهدفها هو بالطبع أن يبقى عدد كبير من الأشخاص لأطول فترة ممكنة على الصفحة. وليس سرا بأن المضامين المثيرة هي التي تجلب أكبر عدد من النقر. وفيسبوك والمواقع المشابهة تهتم إذن بالسماح بمرور الكثير من المستخدمين. والاستثمار في التعرف على الصور هو بالنسبة إلى فيسبوك استثمار في نموذج تجارتها. فالمستخدمون يجب أن يحصلوا على أكبر قسط من الحرية. والإجراءات الأكثر إقناعا هي تلك التي لا تتناسب مع النموذج التجاري لعمل فيسبوك. وهي إجراءات تؤلم أيضاً بفيسبوك. أمَّا ما أعلنته الشركة الآن فهو لا يؤلم حقا.
ما مدى احتمالية أن تنفذ فيسبوك أفكارا مثل التعرف المسبق على الشخصية؟
لا أرى سببا للجوء فيسبوك لفعل ذلك الآن، لأن ذلك لا يعود عليها بالربح. الأكثر فعالية هو ضبط الأمر من خلال السياسة. والعقوبات المالية يمكن أن تكون هنا مثلا مجدية كثيرا.
إلى أي مدى يمكن لهذا الضبط أن يمتد؟
التقنين هو دوما سلاح ذو حدين. لكن التقنين هو أيضا شيء يمكن من خلاله جمع التجارب. والتقنين الذي نعتمده قابل أيضا للمراجعة. ولدينا لحسن الحظ الجهات التي تفرض القانون وقادرة على تعديله. وأعتقد أنه يجب السير الآن أكثر في اتجاه التقنين. فقط من خلال هذه الاستراتيجية يمكن كبح هذه الأعمال الوحشية التي توجد في الإنترنت.
كيف يمكن وماذ يجب على كل مستخدم التعامل مع العنف في مواقع التواصل الاجتماعي؟
في المواقع يمكن لكل مستخدم بنقرات قليلة الإعلان عن مضامين مقززة وغير قانونية. وفي حالة الارتياب هناك أيضا ما يُسمى مراكز الشكاوي في الإنترنت فيمكن الإبلاغ فيها عن ذلك. ومزودو الانترنت يتعاونون لشطب المضامين المقززة بسرعة. وفي الأخير وجب إبلاغ الشرطة بذلك عندما نجد مثلا بثا حيا مثل ما فعله مهاجم كرايستشيرش.
*** البروفيسور فليكس فرايلينغ يرأس قسم الأمن المعلوماتي بجامعة إيرلانغن، وهو يهتم في بحوثه بالأساس بالأمن المعلوماتي في مجال القرصنة.
أجرى المقابلة باتريك غروسه
فيسبوك - من أيادي الطلبة إلى أداة للأنظمة
جعل العالم "قرية صغيرة" لم يعد هدف "فيسبوك" الوحيد. فمع السنين، صار الموقع الأشهر سلاحاً ذا حدين؛ يسمح بحرية التعبير، ولكنه يثير مخاوف خاصة فيما يخص البيانات الشخصية التي بات اختراقها ممكناً وتحويلها إلى أداة قمع وارداً.
صورة من: picture alliance/NurPhoto/J. Arriens
البداية من هارفارد
لم تكن نية مارك زوكربرغ ورفاقه في أول الأمر سوى إطلاق شبكة اجتماعية خاصة بتبادل المعلومات والصور والآراء بين طلاب جامعتهم هارفارد. أطلقوا على تلك الشبكة اسم: فيسبوك. وفي الرابع من فبراير/ شباط 2004 تم تأسيس الشبكة رسمياً، ليتوافد عليها طلبة من جامعات أخرى وتلقى رواجاً ونجاحاً مهمين. هذا النجاح دفع مؤسسي "فيسبوك" إلى فتح باب العضوية للجميع ابتداءً من نهاية عام 2006.
صورة من: Reuters/B. Snyder
إقبال متزايد
كان لـ"فيسبوك" قدرة خارقة على اختصار المسافات والربط بين أطراف العالم بضغطة زر، حيث زاد المقبلون على استخدامه إلى الملايين منذ إنشائه. وقد تجاوز مستخدموه الآن ربع سكان العالم، كان مارك زوكربرغ قد كتب في تدوينة له السنة الماضية (2017) على "فيسبوك" أن عدد المشتركين وصل إلى ملياري شخص، في حين كان عددهم مليون شخص عام تأسيسه (2004).
صورة من: Reuters/D. Ruvic
كوكب مواز
اختراق "فيسبوك" للعالم وحيازته لمساحة مهمة من حياة الناس لم يكن بمحض الصدفة. فقد أتاح لمستخدميه فرصة التواصل مع العالم الخارجي والتعارف كما التعرف على أشخاص وأماكن جديدة، بالإضافة إلى الانفتاح وتبادل المعلومات والإدلاء بالآراء والمواقف الشخصية، سواءً عن طريق نشر تدوينات أو صور أو حتى مقاطع فيديو. هذه الميزات والتقدم الذي عرفه الموقع جعل كثيرين يطلقون عليه "الكوكب الموازي".
صورة من: picture-alliance/dpa/J.W.Alker
"استحواذ" وشراكات
استطاع "فيسبوك" أن يكتسب شهرة عالمية ويعقد بذلك شراكات مع مؤسسات معروفة. كما مكنته الأموال التي حصل عليها عن طريق الإعلانات من "الاستحواذ" على برامج أخرى. وتعتبر شركة "مايكروسوفت" من بين الذين قدموا عرضاً لشراء "فيسبوك" عام 2007 بشراء حوالي خمسة في المائة من أسهم "فيسبوك". أما بالنسبة للمواقع التي ضمها إليه، فقد كان تطبيق "إنستغرام" أولها عام 2012، تلاها "واتساب" عام 2014.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Becker
"نافذة للرقابة والقمع"
اعترفت بعض المحاكم بـ"فيسبوك" منذ 2008. كما عوقب كثيرون بسبب نشرهم لمحتوى "لم يرق" لدولهم أو جهات أخرى. وكانت وزارة الداخلية المصرية عام 2014، مثلاً، قد ألقت القبض على سبعة أشخاص يستخدمون موقع "فيسبوك" "للتحريض" ضد قوات الأمن، حسب ما نقلت رويترز آنذاك. كما حُظر الموقع في بعض الدول كسوريا وإيران. لكن سرعان ما رُفع هذا الحظر. المنع لا يخص الدول، بل يشمل بعض الإدارات التي منعت موظفيها من استعماله.
صورة من: picture-alliance/empics/D. Lipinski
أفيون الثورات؟
شكل "فيسبوك" مساحة للإدلاء بوجهات النظر دون أي قيد قد يواجه المستخدم على أرض الواقع. الثورة في مصر عرفت طريقها نحو الواقع من "فيسبوك"، الذي لعب دوراً مهماً في تحويل قضية الشاب خالد سعيد إلى شرارة لإطلاق ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، وهو ما أشار إليه الناشط المصري وائل غانم في كتابه "ثورة 2.0". لكن الحرية بدأت تتراجع حين اعترفت المحاكم بالموقع وصارت الجرائم الإلكترونية ضمن ما تعاقب عليه هناك.
صورة من: picture alliance/AP Photo/M. Deghati
منصة للجيوش الإلكترونية
خلق "فيسبوك" أرضاً خصبة لمجموعة من الأنظمة التي سخرته لخدمة مصالحها السياسية. وكان الجيش السوري الإلكتروني، الذي ظهر إبان الثورة السورية (2011-2012) واحداً من أبرز هؤلاء، حسب ما ذكر بعض المراقبين. فقد شن انطلاقاً من الموقع حرباً إلكترونية، وذلك باختراقات أو إغراق الصفحات بتعليقات مؤيدة لنظام الأسد أو اتهامات بالخيانة للمعارضين. بالإضافة إلى إرسال بلاغات لـ"فيسبوك" بإغلاق حسابات لمعارضين.
صورة من: Vernon Manlapaz
انتقادات متكررة!
"انتهاكات خصوصية المستخدمين، تسريب البيانات وإمكانية استغلالها من طرف الاستخبارات، فضلاً عن نشر مواد تدعو إلى العنف والكراهية والتمييز..." كلها انتقادات وجهت لـ"فيسبوك". لكن كريس هيوز، المتحدث الرسمي باسم الشركة سابقاً، رد على هذه الانتقادات بقوله: "لم نقم من قبل مطلقاً بتزويد أطراف آخرين بالبيانات الخاصة بمستخدمي الموقع، ولا نعتزم القيام بذلك على الإطلاق"، حسب ما تناقلته عدة مواقع إلكترونية.
صورة من: picture alliance/dpa/epa/R. Khan
دعاوى قضائية متعددة
رفعت العديد من الدعاوى القضائية ضد "فيسبوك"، كما رفع هو الآخر ضد مستخدمين. كان أول الدعاوى ضد الشبكة عام 2004، إذ اتهمت شركة "كونكت يو" مارك زوكربرغ بسرقة الأفكار التي وضعوها حول الموقع واستخدام الكود الرئيسي الخاص بهم. كما رفع الموقع هو الآخر دعوة ضد ضد آدم جوربوز، وحصل على تعويض قيمته 873 مليون دولار.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Reinhardt
"إخفاق كارثي"
مسألة الحصول على بيانات المستخدمين جعلت "فيسبوك" محط محاسبة في مرات كثيرة؛ آخرها يوم 20 مارس/ آذار 2018. فقد دعت لجنة من المشرعين البريطانيين من مختلف الأحزاب رئيس "فيسبوك" إلى تقديم تفسير بخصوص "إخفاق شركته الكارثي" في حفظ البيانات الشخصية. كما قررت السلطات البريطانية التحقيق بشأن شركة "كامبريدج أناليتيكا" البريطانية، التي اتهمت بحيازة غير قانونية لمعطيات مستخدمي الشبكة. إعداد: مريم مرغيش