بعيدا عن اللقاحات.. أين وصلت رحلة تطوير دواء كورونا؟
٣١ أغسطس ٢٠٢١اكتشاف اللقاح كان سلاحا نوعيا في الحرب الدائرة حاليا للقضاء على جائحة كورونا. فلولاه لكان الأمر أكثر سوءا. إلا أن حملة التلقيح حول العالم شهدت اختلالات كبيرة بين الدول الغنية والدول ذات الاقتصادات النامية.
فوفق دراسة أجراها مركز أبحاث "ذي إيكونوميست إنتليغنس يونيت" تلقى إلى نهاية شهر آب/أغسطس الجاري، 60 بالمائة من سكّان الدول الأغنى في العالم جرعة واحدة على الأقلّ من أحد اللّقاحات المعتمدة المضادّة لكورونا، في المقابل لا تتعدى النسبة 1 بالمائة في الدول الفقيرة.
تشدد آغاثي ديماريه، مديرة التوقّعات العالمية في مركز الأبحاث ومعدّة الدراسة أن برنامج كوفاكس الدولي الذي أطلق لهذا الغرض "فشل" وبالتالي فإن فرص تقليص الفجوة "ضئيلة" لأنه "على الرّغم من البيانات الصحافية المخادعة، فإنّ التبرّعات من الدول الغنية لا تغطي سوى جزء بسيط من الاحتياجات"، تقول الخبيرة.
إلى ذلك، سجل تعداد أخير صادر عن وكالة فرانس برس الأحد (29 أغسطس/ آب 2021)، أربعة ملايين و492 ألفا و854 حالة وفاة بسبب الفيروس. وفي ظل تحور الفيروس اللامتناهي وفرص مبتورة للحصول على اللقاح، تبقى "فرص الحياة" في الدول الفقيرة مرتبطة بالدواء.
الحالات الخطرة
قبل الخوض في نوعية الأدوية المتوفرة، لا بد من تحديد متى يصبح كوفيد 19 خطرا على حياة الإنسان. مقياس الخطورة يحدده الأطباء استنادا إلى عامل حاسم، يتجلى في تراجع معدل التنفس والتشبع بالأوكسجين إلى أقل من 90 بالمائة في الدم. حينها لا بد من نقل المريض إلى المستشفى على الفور وكلّما كان المصاب متقدما في العمر كلما اشتدت الضرورة في استعجال الأمر.
أما حين تصبح الرئتان غير قادرتين على توصيل كمية كافية من الأوكسجين إلى الدم، أي ما يعرف بـ "قصور تنفسي في الدم"، فلا بدّ من نقل المصاب إلى العناية المركزة على الفور.
ومن الأعراض الظاهرة في هذه المرحلة أن يواجه المرضى ضيقا حادّاً في التنفس يجعلهم يلهثون بمعدل تنفس يتراوح من 25 إلى 30 نفسًا في الدقيقة، ما يعني أنهم لم يعودوا قادرين على إخراج الهواء. كما أن الهواء النقي لا يصل إلى المناطق العميقة من الرئتين ما يتسبب في فشل رئوي حاد.
التنفس الاصطناعي
عند بلوغ هذه المرحلة الحرجة، يعتمد الأطباء في بروتوكول العلاج على استخدام تقنيات التصوير لرصد مسار الانسداد الرئوي وأضرار محتملة لحقت بالرئتين. وقد يصل الأمر إلى حدوث تعفن الدم. في موازاة لذلك، يسعى الطاقم المُعالج إلى تزويد المرضى بالأوكسجين بطريقة تجعل الغاز الحيوي يجد طريقه إلى الدم على الرغم من تلف الرئة. وذلك بداية عن طريق أنبوب أو قناع أنفي معدي وفقط عن طريق التدخل الجراحي في الحالات الشديدة.
هذا يعني أنه يتم دفع أنبوب من خلال الفم إلى القصبة الهوائية وإغلاقه بطريقة لا يمكن لأي سائل من الحلق أن يدخل إلى الرئتين. يُضخ الأوكسجين إلى رئتيهم من خلال الأنبوب عند ضغط معين. وثبت أن فرص البقاء على قيد الحياة تزداد إذا استلقى المريض على بطنه بشكل متكرر لفترات أطول من الوقت.
الأدوية المتاحة
الطرق المذكورة أعلاه أظهرت مع التجربة نجاعتها. لكن الإشكالية الكبرى أن الجائحة بيّنت بوضوح أنه لا توجد دولة في العالم تستطيع لمنظومتها الطبية استيعاب مئات بل وآلاف الحالات المستعصية في آن.
ولهذا ينظر إلى الأدوية المصنعة من أجسام مضادة للفيروس التاجي، كبارقة أمل حقيقية، قيل إنها قد تمنع مضاعفات المرض إلى نحو 85 بالمائة. دواء ريجين- كوف (REGN-COV2) الذي طورته شركتي Regeneron Pharmaceuticals وRoche، يستخدم كجزء من بروتوكول علاجي في عدد من الدول العربية.
وقد عولج به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عند إصابته بالفيروس. ويتكون هذا الدواء من خليط من اثنين من الأجسام المضادة أحادية النسيلة. وأظهرت دراسة للمرحلة الثالثة لهذا الدواء نُشرت في 12 أبريل/ نيسان 2021 تعافي المصابين الذين ظهرت عليهم الأعراض بشكل أسرع مع انخفاض الحمل الفيروسي لديهم بشكل ملحوظ.
بارقة أمل
عقار آخر يسمى Bamlanivimab، يعمل بطريقة مشابهة لـ REGN-COV2 ، لكنه يربط مباشرة ببروتين سبايك لفيروس كورونا. وينصح مطوروه باستخدامه في الحالات الحرجة ومتوسطة الخطورة لمرضى كوفيد. ورغم أنه حصل على ترخيص طارئ في الولايات المتحدة، إلا أن اتحاد الأطباء الألمان لا ينصح باستعماله نظرا لخطورة الأضرار الجانبية التي قد يتسبب فيها مثل القصور الكلوي.
هناك استثناء واحد: المرضى الذين لديهم عامل خطر واحد، من الممكن إعطاؤهم أجسامًا مضادة وحيدة النسيلة خاصة بـ SARS-CoV-2 طالما أنهم لا يظهرون أي أعراض تنفسية. والسبب وراء ذلك يكمن في أن الحصول على الأجسام المضادة في وقت مبكر، يزيد من فرص وقف الأعراض الخطيرة. ومن تمّ فإن نسبة التعرض لآثار جانبية من الدواء لدى هؤلاء المرضى تكون عادة أقل من خطر الإصابة بعدوى فيروسية.
أدوية لم تنفع
في الدليل الإرشادي الطبي الذي وضعه اتحاد الأطباء الألمان نجد قائمة من الأدوية التي اعتبرت عند بداية الجائحة بارقة أمل ضد كوفيد 19، لكن النتائج السريرية كانت مخيّبة.
وتشمل هذه القائمة أدوية تقليدية مثل المضاد الحيوي أزيثروميسين، والذي يستخدم غالبًا في الالتهاب الرئوي الجرثومي، أو عقار الطفيلي إيفرمكتين. الدواء الأخير طالبت منظمة الصحة العالمية في مارس/ آذار الماضي بحصره في إطار التجارب السريرية فقط.
إلى ذلك لا يوصي الأطباء الألمان بفيتامين D3 الذي يتم الترويج له غالبًا لعلاج COVID-19 في المستشفيات. كما لا توجد أيضًا توصية لمثبطات الفيروس ريتونافير ولوبينافير - بغض النظر عما إذا كانت تدار بشكل فردي أو بالاشتراك مع مضاد للفيروسات المسببة لنقص المناعة. كما فشل العقار المضاد للفيروسات كلوروكين / هيدروكسيل كلوروكين والعامل المضاد للالتهابات أناكينرا.
في الوقت نفسه، أظهر الباريسيتينيب المثبط للمناعة بالاشتراك مع الريمديسفير المضاد للفيروسات أن المرضى الذين يعانون من مرض شديد يتعافون بسرعة أكبر. ومع ذلك، فإن العلاج بالعقارين الأخيرين لم ينجح في خفض نسب الوفيات، ما دفع الخبراء الألمان إلى استبعاده من البروتوكول العلاجي.
فابيان شميث/و.ب