بغداد – وسطاء في الدوائر الحكومية بسبب الاحتقان الطائفي
٤ أغسطس ٢٠١٤يتحاشى أهالي بغداد هذه الأيام الدخول إلى مناطق تختلف عن انتمائهم المذهبي قدر الإمكان، وقد يتجلى ذلك في المعاملات الشخصية والمراجعات في الدوائر الحكومية، حيث يجدون أنفسهم مجبرين للتحايل على القانون بهدف إنجاز ما يحتاجون إليه من خدمات. وهناك وسطاء يقدمون خدماتهم لأشخاص لا يرغبون القيام بها بأنفسهم، طبعا مقابل مبلغ كبير من المال. حاليا هناك انتعاش قوي لأنشطة هؤلاء الوسطاء في الدوائر الحكومية.
صفاء محمود الذي يسكن حي "العدل" (السني) غرب بغداد، اضطر قبل أيام إلى انجاز معاملة في دائرة المرور الواقعة في منطقة "الكاظمية" (الشيعية) بعد أن اشترى سيارة جديدة تتطلب حضوره إلى الدائرة المذكورة لتنظيم أمورها القانونية.
ولكن صفاء أنجز هذه المعاملة دون الذهاب إلى دائرة المرور، ويقول لـ DW /عربية "منذ أسابيع بدأت احسب خطواتي جيدا أثناء تجوالي في بغداد، أتجنب الدخول إلى مناطق ذات انتماء طائفي يختلف عن انتمائي، بسبب الخوف من الاختطاف أوالقتل على يد الميليشيات غير النظامية".
أما عن كيفية انجاز المعاملة الخاصة بسيارته والتي تتطلب بموجب القانون الحضوري الشخصي للمستفيد ، يجيب صفاء وهو يبتسم "الأمر بسيط ولكنه مكلف ماديا، هناك وسطاء ومعقبون غير قانونيين لهم علاقات جيدة مع الموظفين في دائرة المرور. وقد لجأت إلى احدهم طلبا للمساعدة".
سرعة في الاانجاز
ويضيف قائلا: "أعطيت هذا المعقّب نسخا من أوراقي الشخصية وصورة شخصية لي أيضا، كما سلمته مبلغ 500 دولار مقابل انجازها، وفعلا خلال يومين فقط تم انجازها وسلمني التوصيلاتت الرسمية التي تؤكد ذلك". ولديه شعور بالارتياح ويقول "هذه الطريقة تضمن سرعة الانجاز أيضا، ولو ذهبت بنفسي لانجازها، لاستغرق الأمر أسبوعين أو أكثر.
منذ سقوط مدينة الموصل في يد تنظيم "داعش" في العاشر من حزيران (يونيو) الماضي، وما تبع ذلك من تشكيل مجموعات مسلحة غير رسمية من قبل السكان الشيعة في بغداد لمواجهة خطر هذا التنظيم، تصاعدت المخاوف الطائفية بين السكان السنّة والشيعة ، وأصبحت مناطق بغداد كانتونات مغلقة بحواجز أمنية.
نفس الشئ حصل لأمير المحمداوي الذي يسكن منطقة "بغداد الجديدة" ذات الغالبية الشيعية، وأجبرته معاملة خاصة به على مراجعة دائرة "الضريبة العامة" الواقعة في منطقة الدورة (السنّية) جنوب بغداد، حيث لجأ لخدمات معّقب لانجازها مقابل مبلغ 1000 دولار أميركي دون الحاجة لحضوره الشخصي.
ويقول أمير لـ DWعربية "افضّل دفع مبالغ كبيرة على أن اذهب بنفسي إلى دائرة الضريبة وانجاز المعاملة الشخصية. القوات الأمنية تقول إن الأمور بخير ولكن لا يمكن المجازفة بحياتي، فالإرهابيون يظهرون بسرعة ويختفون بسرعة".
مهنة مربحة
أما عن الوسطاء والمعقبين فهم في الغالب من سكان المناطق التي تتواجد فيها الدوائر الحكومية، والمفارقة هي أن اغلبهم من العاطلين عن العمل، وبعضهم لا يجيد القراءة والكتابة جيدا، غير أن لهم علاقات واسعة مع الموظفين في تلك الدوائر.
ويقول عثمان عبد الكريم وهو احد المعقّبين المنجز لعدد من الخدمات في دائرة "الأحوال الشخصية" بمنطقة "الاعظمية" لـ DW /عربية: "أنا أقدم مساعدة كبيرة للأهالي، الكثير منهم يخشى القدوم إلى الاعظمية لاستكمال معاملته بسبب مخاوف أمنية، كما إن المئات من عناصر الجيش تنتشر في المنطقة وهذا يخيف البغداديين".
أما عن طريقة تواصل الزبائن معه فيشرح عثمان ذلك قائلا: "لدي أصدقاء في دوائر رسمية مختلفة وهم يقومون بنفس العمل. عندما يصادفون شخصا يبحث عن معقب في دائرة الأحوال الشخصية في الاعظمية مثلا فإنهم يقومون بالوساطة في البحث عن ما يساعدهم في ذلك، فيتم التواصل بداية عبر الهاتف لمعرفة طبيعة المعاملة والاتفاق على السعر".
الفساد والاحتقان الطائفي
بحسب الموظف في وزارة الداخلية أركان محمد هناك سببان تجعل انجاز المعاملات الشخصية بشكل شخصي أمرا صعبا. ويعتبر في لقاءه مع DW /عربية أن "السبب الأول يعود إلى البيروقراطية والروتين في الدوائر الحكومية وهو سبب يعود إلى عشرات السنين، غير أن السبب الثاني والأكثر تأثيرا هو الاحتقان الطائفي الذي جعل تنقّل البغداديين بين المناطق أمرا محفوفا بالمخاوف".
الدوائر الحكومية والرسمية في بغداد لا تتواجد كلها في منطقة واحدة أو في مناطق ذات لون طائفي واحد. فمنطقة "الكرادة" أو"العلاوي" وغيرها هي من المناطق المختلطة مذهبيا، رغم أن غالبية الدوئر تنتشر في مناطق من لون طائفي واحد.
الخدمات التي يقدمها الوسطاء والمعقبون هي طبعا غير قانونية كما يؤكد الموظف في وزارة العدل عباس فاضل، حيث يوضح لـ DW /عربية أن "الحظور الشخصي لصاحب المعاملة أمر ضروري للعديد من المعاملات الشخصية وأن انجاز المعاملة عبر الوسطاء يعتبر تزويرا يعاقب عليه القانون بشدة". ويشرح الموظف أن ما يقوم به الوسطاء من تعاون مع عدد من موظفي الإدارات الحكومية، مثل إصدار جوازات دون حضور الأشخاص المعنيين، يعود إلى الفساد الإداري والمالي وضعف الرقابة".