مجموعة فاغنر كانت تخدم مصالح روسيا في أفريقيا، بشكل غير رسمي. ولكن بعد التخلص منها، انتهجت موسكو استراتيجية جديدة من خلال التواجد العسكري المباشر في أفريقيا، حيث يلقى التواجد الروسي ترحيبا من قبل أنظمة تدير ظهرها لغرب.
إعلان
أصبحت العلاقات القوية بين بوركينا فاسو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين واضحة، إذ قررت موسكو قبل أيام دعم قادة الانقلاب العسكري في البلاد عن طريق إرسال 100 من القوات العسكرية إلى واغادوغو، حتى مع استمرار الحرب المكلفة لروسيا على أوكرانيا.
وفقًا لمنشور على تلغرام، يفترض أن يساعد هؤلاء الجنود في حماية زعيم الانقلاب إبراهيم تراور والسكان من "الهجمات الإرهابية". لكن مع وصولهم، كان واضحًا أنهم سيتولون زمام الأمر من مجموعة المرتزقة فاغنر، التي كان يقودها يفغيني بريغوجين، الذي توفي في تحطم طائرة غامض في أغسطس/آب الماضي.
ومع ذلك، ستكون الوحدة الجديدة تحت اسم "فيلق أفريقيا"، وعلى عكس فاغنر، ستكون تابعة بشكل مباشر لوزارة الدفاع الروسية. وسيتم أيضاً إرسال 200 جندي آخر قريبًا إلى المنطقة، وفقًا لرسالة تلغرام.
إشادة بالجنود الروس
قام مؤيدو الانقلاب في واغادوغو بالإشادة بوصول الجنود الروس. وقال نستور بوداسي، زعيم حركة مقربة من الانقلاب، الذي كان من بين أوائل من قاموا بنشر صور للجنود الروس عند وصولهم: "إنهم هنا لتدريب رجالنا على التعامل مع الأسلحة التي طلبتها الدولة".
حتى بالنسبة للكثيرين الذين ليس لديهم علاقات بالانقلاب، أو حتى قد يعارضون الديكتاتورية العسكرية، قد يكون وصول الجنود الروس إغاثة في الوقت المناسب، فقد شهدت بوركينا فاسو ارتفاعاً في عنف التنظيمات الجهادية خلال السنوات الأخيرة، حيث تعلن بعض الجماعات ارتباطها بمجموعات إرهابية كتنظيمي "الدولة الإسلامية" والقاعدة.
هذه الجماعات لديها أيضاً تحالفات إقليمية مع مجموعات متمردة جهادية في الدول المجاورة، كمالي والنيجر، التي تعيش تحت وطأة الانقلابات العسكرية.
زيادة نفوذ روسيا الإقليمي
من خلال نشر جنود جيشه النظامي في منطقة الساحل، يُظهر بوتين مرة أخرى نفوذه في القارة السمراء، وخاصة في غربه. وحسب المؤرخة الروسية إيرينا فيلاتوفا، وهي أستاذة فخرية في جامعة كوازولو ناتال في جنوب أفريقيا، فإن الوحدات جديدة ستنتشر في خمس دول إفريقية: بوركينا فاسو، ليبيا، جمهورية أفريقيا الوسطى، مالي والنيجر.
وتقول فيلاتوفا لـDW: "بوتين مهتم للغاية بأفريقيا، خاصة غرب أفريقيا. وفقًا للسرد الغربي، فإن روسيا معزولة. ولكن بوتين يمكنه أن يظهر أن أفريقيا تدعمه"، لافتة أنه من حيث الترتيبات الأمنية، فروسيا هي الشريك الجديد لهذه الدول، بينما ترى روسيا المنطقة كآلية للشأن الخارجي.
"الفيلق الأفريقي".. "فاغنر" روسية رسمية انطلاقًا من ليبيا!
02:39
كانت هذه الدول الخمسة معتادة على رؤية وجود روسي منذ سنوات، من خلال مجموعة فاغنر التي كانت تدعم السلطات في مواجهة الجهاديين. وساعدت هذه المجموعة روسيا على تقوية نفوذها الاقتصادي في المنطقة.
إعادة ضبط استراتيجية روسيا
كان الكرملين سريعا في إعادة ضبط استراتيجيته في أفريقيا بعد سقوط مجموعة فاغنر، وتحديدا منذ أن قام بريغوجين بتنظيم تمرد قصير ضد موسكو. بعد عدة أشهر، ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أنه في قناة تلغرام قريبة من وزارة الدفاع الروسية، تم تداول اسم "فيلق أفريقيا" للمرة الأولى.
يُعتقد أن بعض الجنود في الوحدة الجديدة كانوا مرتزقة فاغنر سابقين، تقول فيلاتوفا، بينما تم تجنيد آخرين من القوات الموجودة سلفًا في هذه المناطق.
"تخدم التدخلات الروسية، سواء كان في النيجر، مالي أو بوركينا فاسو، أساساً حماية الأنظمة وبدرجة أقل محاربة المتشددين الجهاديين"، يقول الجنرال دومينيك ترانكاند، محلل عسكري فرنسي، لـDW
منذ الانقلاب في بوركينا فاسو سبتمبر 2022، ابتعد الجناح الحاكم عن حليفة البلاد السابقة فرنسا التي أبقت على علاقات وثيقة بعد إنهاء استعمارها للبلاد في عام 1960.
الآن بعد طرد النظام الحاكم للقوات الفرنسية، فقد عزز بوركينا فاسو علاقاتها مع روسيا. وفي الآونة الأخيرة، أعربت كل من بوركينا فاسو والنيجر ومالي أيضاً عن انسحابها من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، اختصارا إكواس، وهو التكتل الذي يتلقى دعماً من الغرب.
مكاسب أخرى لبوتين
لكن هذه ليست مجرد حالة تبادل الشركاء من أجل زواج مريح في الساحة الاقتصادية. الشراكة بين روسيا والدول الإفريقية قد تحقق مكاسب سياسية مهمة أخرى لبوتين. وتقول فيلاتوفا بأنه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وربما حتى في مجلس الأمن، "قد تتمكن هذه الدول من التصويت لصالح روسيا، وتحفيز دول أفريقية أخرى على اتباع هذه الخطوة".
بمعنى آخر، فإن النفوذ الذي يتزايد لدى بوتين في منطقة الساحل الإفريقي قد لا يكون مقتصرا فقط على المنطقة نفسها، على الرغم من المصالح الاقتصادية الروسية في ثروات الساحل.
ومن ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى، التي قرّرت عام 2018 تكثيف العلاقات مع روسيا، وتوقيع اتفاقية دفاع معها، ما ساهم في نشر مجموعة فاغنر حينها في البلاد. الخطوة التالية قد تكون افتتاح قاعدة عسكرية رسمية روسية جنوب البلاد، مجهزة لتلبية احتياجات 10,000 جندي.
وفقًا لفيديل جواندجيكا، وزير ومستشار في رئاسة جمهورية افريقيا الوسطى، فإن القاعدة ستكون مركزاً للأنشطة في المنطقة بأكملها نظرًا لموقعها الاستراتيجي.
ويقول: "نتمنى أن ترفع روسيا من وجودها في جمهورية أفريقيا الوسطى لتكون قادرة على التدخل في حال ظهرت مشاكل مع الإرهاب أو من يرغبون في تقويض نظام الحكم في وسط أفريقيا"، مضيفًا أن بلاده كانت مستعدة للبدء في بناء القاعدة.
من جانبه، يصف الناشط في مجال حقوق الإنسان بول كريسنت بينينجا الخطة الخاصة بجمهورية أفريقيا الوسطى بأنها تناقض، ويقول لـDW: "لدينا انطباع أننا قد قمنا فقط بتغيير الحكام. تركنا فرنسا فقط لننحني أمام روسيا".
أعده للعربية: ع.ا
في صور: حياة يفغيني بريغوجين ومصرعه في تحطم طائرة
بعد حياة حددت مسيرتها الجريمة والسجون مرورا بالطبخ والأعمال وانتهاء بتأسيس جيش خاص من المرتزقة تحت إمرة الكرملين، ورغم أنّ الستارة أُسدلت على حياة يفغيني بريغوجين، إلا أن وجود ونفوذ مجموعة فاغنر في أكثر من دولة مستمر.
صورة من: Misha Japaridze/AP/picture alliance
"طباخ بوتين"
ولد يفغيني برويغوجين كما فلاديمير بوتين في سان بطرسبورغ (لينينغراد السوفياتية) عام 1961. بعد 9 سنوات قضاها في السجن على خلفية ارتكاب جرائم أسس في عام 1990 شركة ناجحة لبيع النقانق. وارتقى السلم بعد ذلك وصولاً إلى فتح مطعم أصبح من أهم مطاعم سان بطرسبرغ. وبعد وصول بوتين إلى الرئاسة في عام 2000 راحت مجموعة بريغوجين توفر خدمات طعام للكرملين فحظي بلقب "طاهي بوتين" وقيل إنه حقق المليارات بفضل عقود عامة.
صورة من: Misha Japaridze/AP/picture alliance
تأسيس فاغنر
بدأ الرجل حليق الرأس يظهر إلى دائرة الضوء في أيلول/سبتمبر من عام 2022 بالتزامن مع تكبد الجيش الروسي هزيمة تلو الأخرى في أوكرانيا. آنذاك أعلن بريغوجين أنه أسس عام 2014 مجموعة مرتزقة فاغنر وهي عبارة عن جيش خاص ضم في في البداية مقاتلين قدامى أصحاب خبرة في الجيش وأجهزة الاستخبارات الروسية. وتزامن تأسيس مجموعة المرتزقة مع ضم شبه جزيرة القرم، بيد أن الكرملين لم يعترف بوجود المجموعة حتى نهاية عام 2022.
صورة من: AP/picture alliance
فاغنر وسوريا
أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن مرتزقة فاغنر، التي ضمت في سوريا بالإضافة إلى محاربي الاتحاد السوفياتي السابقين مقاتلين سوريين، تصرفوا مثل "قوات خاصة" في الميدان إلى جانب الجيش الروسي ابتداءً من العام 2015. كما أنّهم موجودون اليوم (2023) بأعداد أقل قرب آبار النفط، وكذلك في محافظتي حماة واللاذقية.
صورة من: LOUAI BESHARA/AFP via Getty Images
فاغنر وإفريقيا
في 2018، وفي حين كانت هذه المجموعة قد لفتت الأنظار في أوكرانيا وسوريا وليبيا، بدأت تسري معلومات عن انتشارها في إفريقيا أيضاً. وقد قتل ثلاثة صحافيين روس كانوا يجرون تحقيقاً حول هذه المجموعة في جمهورية إفريقيا الوسطى. وتم كذلك تحديد وجود المجموعة في السودان وموزمبيق ومالي. ويقول مصدر عسكري أوروبي إن المجموعة تُحضِر "الذهب والمعادن من وسط إفريقيا ومن مالي، وهو ما يحتاج إليه بوتين للحفاظ على اقتصاده".
صورة من: French Army/AP/picture alliance
فاغنر وأوكرانيا
جند يفغيني آلاف السجناء ليقاتلوا في أوكرانيا مقابل العفو عنهم. ووفر الغزو الروسي لأوكرانيا فرصة من ذهب لرجل الأعمال من أجل الخروج إلى دائرة الضوء بعدما عمل لسنوات في الظل، ليفرض نفسه لاعباً أساسياً في روسيا. وعلى العكس من كبار المسؤولين الروس، تواجد بريغوجين في ميدان المعركة وصوّر جثث رجاله ليطالب بمزيد من الذخيرة.
صورة من: TASS/dpa/picture alliance
بداية الشقاق
في أيار/مايو 2023 وبعد أكثر من عام من المعارك الشرسة والدامية، حقق بريغوجين هدفه بإعلانه سيطرة فاغنر على باخموت في شرق أوكرانيا. لكن خلال هذه المعركة تفاقم التوتر مع هيئة أركان الجيش الروسي بقيادة فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو اللذين اتهمهما بريغوجين بحرمان فاغنر من الذخائر ونشر عدة لقطات مصورة شتم فيها القادة العسكريين الروس.
صورة من: Concord/Handout/REUTERS
انقلاب السحر على الساحر
بعد أن اتهم الجيش الروسي بأنه قصف معسكرات مجموعته، تجاوز هذا الرجل المتهور الذي يصعب التنبؤ بتحرّكاته، خط اللاعودة حين قرر الانقلاب على سيد الكرملين. فقاد بريغوجين في حزيران/يونيو تمرداً على القيادة العسكرية ووزير الدفاع سيرغي شويغو، سيطر خلاله لفترة وجيزة على مواقع عسكرية في جنوب روسيا وسار على رأس قواته باتجاه موسكو قبل أن يوقف تحركه في غضون ساعات. وقد وصفه بوتين بأنه "خائن" دون أن يذكره بالاسم.
صورة من: Press service of "Concord"/REUTERS
تراجع غامض
بعد تراجع زعيم المرتزقة البالغ من العمر 62 عاماً عن تمرّده، تفاوض على الذهاب إلى منفى في بيلاروسيا، من دون أن يحال إلى المحاكمة أو يُسجن. وخُير مقاتلوه بين الانضمام إليه هناك أو الانضمام إلى الجيش الروسي النظامي أو العودة إلى الحياة المدنية. ومما يدل على غموض الاتفاق أن بريغوجين عاد إلى روسيا، حتى أنه تم استقباله في الكرملين خلال الأيام التي تلت التمرد.
صورة من: Alexander Ermochenko/REUTERS
آخر ظهور
في حين استقر بعض مقاتلي فاغنر في بيلاروسيا حيث عملوا "مدربين" بشكل خاص لجنودها، لم يكن مكان زعيمها معروفاً بعد. وقد تعقبه المدونون ورصدوا تحركات طائراته. وفي النهاية، ظهر مساء الإثنين 21 آب/أغسطس في مقطع فيديو قال فيه إنه يعمل في إفريقيا من أجل تعزيز عظمة روسيا في هذه القارة حيث ينفذ رجاله منذ سنوات ما يكلفهم به الكرملين.
صورة من: PMC Wagner/Telegram/REUTERS
النهاية
الأربعاء (23 آب/أغسطس 2023) قتل يفغيني بريغوجين، ومعاونه وثمانية ركاب آخرين "بحسب معلومات أولية" في تحطم طائرة خاصة شمال غرب موسكو على ما ذكرت هيئة النقل الجوي الروسية ووزارة الحالات الطارئة. الرئيس الروسي بوتين أكد مقتله وقدم التعازي لعائلته.
صورة من: Ostorozhno Novosti/Handout/REUTERS
مصير معلق
تُعد ميليشيا "فاغنر" المسلّحة حاليا الذراع العسكرية لموسكو في الخارج: فهي تستغل الثروات خارج الحدود الروسية، وتحمي حكومات حليفة، وتشن حرب معلومات وتخوض عمليات عسكرية وحشية. ولكن بعد مقتل مالكها يبقى مصيرها معلقاً في الهواء وبرسم المستقبل، رغم تأكيد موسكو أن مصير المجموعة في إفريقيا يعتمد على "البلدان المعنية". إعداد: خالد سلامة