بمشاركة ترامب ـ حملات تضليل تعرقل جهود مكافحة التغير المناخي
١٣ نوفمبر ٢٠٢٥
تواجه قمة الأمم المتحدة للمناخ هذا العام في البرازيل موجة واسعة من الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة،التي تهدف إلى إضعاف الجهود المشتركة لتسريع التحول في مجال الطاقة بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
بين يوليو/ تموز وسبتمبر/أيلول الماضي، ارتفعت نسبة المعلومات المضللة المتعلقة بالمؤتمر بنسبة 267%، لتصل إلى أكثر من 14 ألف حالة، وفقًا لتقرير نُشر مؤخرا. أُعدّ البحث بالتعاون بين التحالف ضد التضليل المناخي (CAAD)،
وهو هيئة دولية تُعنى برصد الخطاب المناخي ومكافحة التضليل، ومرصد سلامة المعلومات (OII)، وهي منظمة بحثية تركز على قضايا البيئة والديمقراطية.
انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، أُنتج باستخدام الذكاء الاصطناعي، يظهر مدينة بيليم في الأمازون، مقر استضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ هذا العام، وكأنها غارقة بالمياه. ورغم ذلك نفى "مرصد سلامة المعلومات OII"، وهي جهة بحثية متخصصة في التحقق من صحة الأخبار ومكافحة التضليل، وجود المراسل الذي ظهر في الفيديو، مؤكدة أن الأشخاص والفيضانات والمدينة نفسها غير موجودين على أرض الواقع.
وأشار التقرير إلى أن الدراسات الحديثة تُظهر أن أكثر من 80% من الناس يؤيدون اتخاذ إجراءات مناخية أقوى، إلا أن تصاعد الأكاذيب على الإنترنت المدعومة بالذكاء الاصطناعي يغذي العداء تجاه العلم ويعرقل التقدم.
وقال التحالف ضد التضليل المناخي CAAD: "إن إنفاق شركات الكربون الكبرى وخوارزميات شركات التكنولوجيا العملاقة تمنعنا من رؤية بعضنا البعض وسماع بعضنا البعض عبر الإنترنت، وبدلاً من ذلك نتعرض للأكاذيب واحدة تلو الأخرى."
يأتي مؤتمر الأطراف في وقت يشنّ فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، زعيم أكبر بلد ملوّث للكربون في العالم، هجومًا غير مسبوق على برامج المناخ والطاقة المتجددة.
ومنذ توليه منصبه في يناير، استخدم ترامب وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أكاذيب حول طاقة الرياح، مدعيًا، على سبيل المثال، أن التوربينات تسبب السرطان وتقتل الحيتان. كما أصدر أوامر تنفيذية تهدف إلى "إطلاق العنان" للطاقة الأحفورية، التي يصفها بأنها "موثوقة وذات تكلفة معقولة"، وزعم زورًا أن الطاقة المتجددة، "ذات دوافع أيديولوجية"، تؤدي إلى فقدان الوظائف وارتفاع تكاليف الطاقة، بما يضر بالمستهلكين.
يتجاهل هذا التضليل حقيقة أن انبعاثات الفحم والغاز والنفط تغيّر مناخ الأرض، وبالتالي تزيد من حدة الجفاف والفيضانات والعواصف ودرجات الحرارة القاتلة.
وعلاوة على ذلك، يتناقض هذا التضليل تمامًا مع الواقع، الذي يظهر أن النمو السريع في طاقة الشمس وطاقة الرياح قد قدّم أرخص الكهرباء في العالم لفترة طويلة. فمقابل كل دولار يُستثمر في الطاقة النظيفة، تُوفّر ثلاثة أضعاف فرص العمل مقارنة بما توفره صناعة الوقود الأحفوري.
ترامب يعيد أساليب التضليل حول المناخ
قالت كاثي مولفي، مديرة حملة المساءلة في برنامج المناخ والطاقة في اتحاد العلماء المعنيين، وهي منظمة علمية غير ربحية أمريكية:"تعيد إدارة ترامب استخدام أساليب قديمة للتضليل ، مكرّرة تكتيكات الإنكار الصريحة التي اعتمدتها صناعة الوقود الأحفوري في الثمانينيات والتسعينيات.
وأضافت أن أساليب التضليل التي استخدمتها شركات التبغ حول الأضرار الصحية للتدخين، وكذلك شركات النفط والغاز والفحم، "تخلق حالة من الشك حول علم المناخ، وتعرقل سياسات المناخ والطاقة النظيفة والنقل النظيف".
وكانت قمم الأمم المتحدة للمناخ محط تركيز رئيسي لشركات الوقود الأحفوري، التي تحاول تأخير التحول في مجال الطاقة. ففي العام الماضي، أظهر أحد التحليلات أن أكثر من 1770 جماعة ضغط في قطاع الوقود الأحفوري حصلت على حق الوصول إلى مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في باكو، أذربيجان، متجاوزة جميع وفود الدول باستثناء ثلاث.
كشف باحثون في عام 2023، أن شركات الطاقة الأحفورية دفعت لشركة ميتا، المالكة لفيسبوك وإنستغرام وواتساب، ما يصل إلى 5 ملايين دولار (403 مليون يورو) مقابل إعلانات مضللة عن المناخ، وذلك في الفترة التي سبقت مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في الإمارات العربية المتحدة.
واستحوذت أربع من أكبر شركات النفط والغاز في العالم شل، وإكسون موبيل، وبي بي، وتوتال إنرجيز على98% من هذا الإنفاق الإعلاني.
التعامل مع الأخبار المضللة عبر الشفافية
وسط مخاوف من فشل العالم في تحقيق هدف اتفاقية باريس المتمثل في الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، تظهر مقاومة منظمة لمحاولات نشر الشك وتأخير الإجراءات المناخية.
ولأول مرة في أي قمة مناخية للأمم المتحدة، ستكون المبادرة العالمية لسلامة المعلومات بشأن تغير المناخ ، التي تقودها البرازيل، جزءًا من جدول أعمال مؤتمر الأطراف الثلاثين الرسمي. يهدف هذا البرنامج إلى تمويل الأبحاث، والصحافة الاستقصائية، وحملات التوعية المناخية التي تواجه المعلومات المضللة وتعزز علوم المناخ وحلولها.
قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في نوفمبر 2024 عند إطلاق المبادرة في قمة مجموعة العشرين:
"يجب علينا مكافحة حملات التضليل المنسقة التي تعيق التقدم العالمي في مواجهة تغيّر المناخ، والتي تتراوح بين الإنكار الصريح، والتضليل البيئي، ومضايقة علماء المناخ".
وقالت إيجي إلبيي، العالمة الاستشارية في اللجنة العلمية المعنية بسلامة المعلومات حول علوم المناخ، وهي منظمة علمية عالمية مقرها سويسرا:"مع استمرار الحكومات في توسيع إنتاج الوقود الأحفوري، حتى مع التزامها العلني بأهداف صافي الانبعاثات الصفري، من الضروري أن يتضافر المجتمع المدني حول العالم لضمان وصول الجمهور وصانعي السياسات إلى معلومات دقيقة وموثوقة وشفافة".
تُجسّد مبادرة سلامة المعلومات في مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) "نوع المشاركة المدنية اللازمة" لمكافحة التضليل الإعلامي، من خلال جمع الباحثين والإعلاميين، وفق ما صرّحت به لـ DW.
في الوقت نفسه، تطالب الهيئة العالمية لمراقبة المناخ (CAAD) وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا الكبرى بمراجعة "المحتوى الكاذب الضار" حول المناخ الموجّه لجمهورها، والشفافية بشأن مصدر أي معلومات مضللة لضمان "الشفافية والمساءلة"، بحسب فيليب نيويل، الرئيس المشارك للاتصالات في CAAD.
ومع ذلك، تستمر الأكاذيب المناخية في التداول على وسائل الإعلام العالمية، وآخرها ما نشرته إدارة ترامب حول تكلفة الطاقة المتجددة وقدرتها على خلق فرص العمل.
أشارت إيفا موريل، الأمينة العامة لمنظمة "كوتا كلايمات" غير الحكومية المعنية بالمناخ، إلى" أن عودة ترامب إلى السلطة في يناير/كانون الثاني أدت إلى زيادة حادة في التضليل المناخي في وسائل الإعلام الفرنسية دون أي اعتراض".
وأظهر تقرير حول التضليل المناخي، شاركت في إعداده منظمة "كوتا كلايمات"، أن حالات التضليل في وسائل الإعلام الفرنسية تضاعفت ثلاث مرات خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025.
فرصة فريدة لمواجهة خداع شركات الوقود الأحفوري
يُعدّ التواصل العلمي الشفاف والدقيق في مجال المناخ أمرًا بالغ الأهمية، خاصة في وقت يُتوقع فيه أن تنتج الدول أكثر من ضعف كمية الوقود الأحفوري في عام ٢٠٣٠، وهو ما يتعارض مع هدف الحد من الاحترار العالمي إلى ١.٥ درجة مئوية. ويؤكد أحدث تقرير عن فجوة الإنتاج هذا الاختلال، إذ يرصد الفجوة بين الإنتاج الوطني المخطط للوقود الأحفوري ومستويات الإنتاج العالمي الفعلية.
وبناءً عليه، إذا أراد مؤتمر الأطراف الثلاثين معالجة هذا الاختلال، فعليه اغتنام "فرصة غير مسبوقة" لتسهيل "العمل العالمي المنسق لمكافحة التضليل الإعلامي"، كما أشارت مولفي.
وأضافت، مشددة على أهمية استخدام المعلومات الدقيقة لدفع التحوّل السريع في مجال الطاقة: "أن كشف خداع صناعة الوقود الأحفوري وأساليبها الملتوية يعد من أفضل الاستراتيجيات المتاحة لدينا"
من جانبه، قال إليسيو ماروبو، الناشط والمستشار القانوني لاتحاد الشعوب الأصلية في وادي جافاري بالبرازيل، إن التضليل المناخي يجب أن يُكشف على حقيقته خلال مؤتمر الأطراف الثلاثين: "لا أحبّذ مصطلح 'ا لأخبار الكاذبة'"، مضيفًا أن هذا المصطلح "يُضفي شرعيةً على ما هو ليس خبرًا على الإطلاق. أُفضّل تسميته بحقيقته: كذبة".
في أول مشاركة سورية على هذا المستوى منذ اندلاع الحرب، وصل الرئيس السوري أحمد الشرع، ، إلى مدينة بيليم في البرازيل، للمشاركة في الشق الرئاسي من مؤتمر قمة المناخ (COP30)، يرافقه وزير الخارجية والمغتربين أسعد حسن الشيباني، ووزير الإدارة المحلية والبيئة محمد عنجراني.