"بناء السد لم يساعد في مكافحة الفقر"
٢٤ أغسطس ٢٠١٢يندر أن يقام سد دون معارضة وانتقادات، ويتضمنهذا الاحتجاجات ضد إغراق مدن بأكملها كما حدث عند إنشاء سد الأخاديدالثلاثة في الصين والمعارضة الشديدة لبناء محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في منطقة الأمازون في البرازيل، وكانت بقيادة المطران النمساوي إرفين كرويتلار. وعادة ما تتصدر مشاريع السدود عناوين الصحف، لأنها تسبب مشاكل للسكان وللقائمين على تخطيطها على حد سواء.
مشروع المياهفي ليسوتو (LHWP) هو استثناء، على الأقل من حيث العناوين الرئيسية للصحف. وربما يرجع السبب بشكل أساسي، إلى أن ليسوتو لا تمثل بؤرة اهتمام المجتمع الدولي، وهذا ينطبق أيضا على جنوب إفريقيا بعد انتهاء الفصل العنصري. لكن الانتقادات من قبل المنظمات غير الحكومية لمشروع السدود هناك، ليست أقل حدة مما كانت عليه إزاء إنشاء السدود في الصين والبرازيل. وتنصب الانتقادات في مجملها على التأثيرات الاجتماعية للمشروع، في الوقت الذي تلعب فيه التأثيرات البيئية دورا ثانويا فقط.
البنك الدولي ينتقد
وكذلك البنك الدولي، الذي قام بتمويل بناء السد، توصل إلى تقييم للمرحلةالأولى من المشروع، وجاء فيه: "إن برنامج LHWPالناجح للبنيةالتحتية للمياه، سوف يكونالركيزة الأساسية لتنمية ليسوتو على مدى العقود القادمة ولكن عائداته لم تستخدم للحد من الفقر، وهو هدف المشروع الأساسي." وكنت آمالكبيرة قد علقت على العائد الذي ستحققه المحطة الكهرومائية، فتوزيع الدخل في ليسوتو غيرمتساو بشكل لا يقارن بأي مكان آخر في القارة، إذ إن أكثر من 60 في المائة منالسكان يعيشون تحت خط الفقر. ونظرا إلى أن جنوب أفريقيا لا تملك إلا القليل من الموارد المائية، وليسوتو بلد فقيرة يحتاج إلى الدخل الذي يحققه بيع المياه لجارتها الغنية، فإن نتيجة التعاون في هذا المجال تعود بالفائدة على كلا الجانبين.
ولكن هذا لم يحدث، إذ لم تكن هناك رقابة على استخدام الأموال، وحدث سوء استغلال لتلك الأموال من قبل المسؤولين المحليين لتعزيز أعمالهم الخاصة. ويبدو أن وضع الكثيرمن السكان الذين تأثروا بشكل مباشر من بناء السد صار أسوأ مما كان عليه وفقا لمنظمة "إنترناشيونال ريفرز"، غير الحكومية التي ترافق المشروع منذ سنوات. وقد تأخر دفع التعويضات عن الخسائر في المنازل والمراعي لسنوات عديدة. لكن البنكالدولي يرى من ناحيته سياسة التعويض من زاوية إيجابية، إلا أنه ينتقد التركيز علىدفع الأموال للمتضررين، بدلا من التركيز على تقديم دعم للناس، يمكنهم من مساعدة أنفسهم،وبتعبير آخر يمكن القول بأن جزء من المتضررين تحولوا إلى متلقين دائمين للمساعدات.ويتمسك البنك الدولي بوضع برنامج للتعويضات بالتعاون مع المتضررين أنفسهم، بدلا من فرضه عليهم من الأعلى.
السد جلب معه مرض الإيدز
وهناك أيضا مشكلة الإيدز، ووفقا للمنظمات غير الحكومية، فإن العمال في السد جلبوا معهم العدوى، حيث جاء معظمهم من جنوب إفريقيا وعاشوا في مخيمات قريبة من منطقة السد. وعلىالرغم من أن البنك الدولي يصر على عدم وجود بيانات دقيقة عن انتشارمرض الإيدز في ليسوتو، لكنه يرى في تحليله أن احتمال انتقال العدوى عن طريق العمال، احتمال واردتماما، مع وضع احتمال حدوث أمر مماثل لما حدث في جنوب إفريقيا في الماضي، حيث كان عمال المناجم يعيشون أيضا فيمخيمات، وكانوا يقيمون علاقات جنسية مع فتيات الليل، وهذا بدوره ساهم في انتقال العدوى إلى أسرهم لدى رجوعهم إلى ديارهم. ويعاني ربع سكان ليسوتو من فيروس نقص المناعة، ونظام الرعاية الطبية في بلد فقير كهذا غير مؤهل بطبيعة الحال للتعامل مع هذا الوضع. بالإضافةإلى ذلك، كان بناء السد سببا في توافد العمال من جنوب إفريقيا سعيا وراء دخل أفضل. ووقعت بعض الصدامات بينهم وبين السكان المحليين، كما حدث عام 1996، وقد تدخلت الشرطة، وأدى إطلاق النار إلى مقتل خمسة أشخاص.
لكن وبالرغم من كل ذلك تم تحقيق نجاح كبير، إذ تسنى فيليسوتوالقيام بخطوات غير مسبوقة في مجال مكافحة الفساد، وتمت محاكمة مصطفى سولى المدير السابق لمشروع LHWP، حيث أدين بتهمة قبول رشاوى من الشركات العالمية التي كانت تسعى للحصول على عقود، كما أدينت تلك الشركات في نفس السياق.ومنالمفارقات، أن مصطفى سولى نفسه، عين ككبير المستشارين التقنيين للمرحلة الثانية من المشروع، وذلك بعد وقت قصير من إطلاق سراحه منالسجن في العام الماضي.
السد عامل لتعزيز الهجرة من الريف؟
في تقييمها للآثار الاقتصادية للمرحلة القادمة من المشروع، تقول منظمة International Riversإنه ليس منالمؤكد بأن السد يساهم على المدى الطويل في تطوير البنية التحتية وتوليد الطاقة النظيفة وتوفير فرص العمل في ليسوتو. وإذا لم يكن الأثر الاقتصادي مستداما، فإن الكثير من سكان الريف سيحاول الهجرة إلى جنوب أفريقيا، كما تعتقد المنظمة الدولية. أراضي هؤلاء المزارعين أغرقتها مياه البحيرة الصناعية خلف السد، وهم فقدوا بذلك السبيل الذي كانوا يعتمدون عليه في رزقهم. وجنوب أفريقيا تغلق حدودها في وجه المهاجرين من ليسوتو، ليتحول هؤلاء إلى مهاجرين غير شرعيين في البلد المجاور.