بولندا: هل يدفع الحزب الحاكم ثمن "فضيحة التأشيرات" انتخابيا؟
٢٧ سبتمبر ٢٠٢٣قبل أربعة أسابيع من موعد الانتخابات البرلمانية البولندية، المزمع إجراؤها في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول، يحصد حزب القانون والعدالة الحاكم ما زرعه.
دأب الحزب اليميني الشعبوي على التحريض على اللاجئين الوافدين من البلدان ذات الأغلبية المسلمة منذ سنوات. وبشعارات مشابهة لـ "مستقبل آمن للبولنديين"، التي رفعها الحزب خلال الحملة الانتخابية، يزعم زعماؤه أنه الحزب الوحيد القادر على إنقاذ بولندا وأوروبا من "طوفان" المهاجرين غير القانونيين القادمين من أفريقيا وآسيا.
وتعتزم بولندا إجراء استفتاء في نفس يوم عقد الانتخابات البرلمانية بالبلاد. وسوف تطلب الحكومة البولندية من مواطنيها الإعراب عن آرائهم بشأن الإصلاحات المزمعة لسياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي، وهل يجب أن يكون الأمر إلزامياً بقبول حصة من المهاجرين، من عدمه.
لكن ما كشفت عنه وسائل الإعلام البولندية المستقلة مؤخراً يشوش على مصداقية الحكومة وخطابها فيما يتعلق بالهجرة. فقد تحدثت التقارير عن فساد كبير فيما يتعلق بإصدار التأشيرات في القنصليات البولندية خارج أوروبا. وتضر هذه الادعاءات بشكل خاص بحزب القانون والعدالة الذي يقدم نفسه على أنه الضامن الوحيد لحدود "آمنة".
أرقام متضاربة: مئات أم ربع مليون؟
حين أقيل نائب وزير الخارجية البولندي، بيوتر فاورزيك، الذي كانت من ضمن مسؤولياته الإشراف على القنصليات البولندية في مختلف أنحاء العالم، فجأة في الحادي والثلاثين من أغسطس/آب، لم يكن سوى قلة يعرفون السبب الحقيقي وراء إقالته. ولم يُفضح السر إلا في الأسبوع الثاني من سبتمبر/أيلول، بعدما بدأ مكتب المدعي العام تحقيقات في المخالفات المرتبطة بمنح التأشيرات في مارس/آذار. وقد تم حتى الآن اعتقال سبعة أشخاص، لا يزال ثلاثة منهم رهن الاحتجاز.
وتحدث مكتب المدعي العام البولندي عن مخالفات في إصدار "عدة مئات من تأشيرات العمل" في بعض الدول العربية وكذلك في الهند والفلبين وسنغافورة وهونغ كونغ وتايوان. ومع ذلك، تشير تقارير وسائل الإعلام البولندية والمعلومات الواردة من المعارضة إلى نطاق أوسع بكثير من المخالفات في هذه العملية. وقال زعيم أكبر حزب معارض، حزب المنصة المدنية، الليبرالي المحافظ، دونالد تاسك، إنه تم إصدار حوالي 250 ألف تأشيرة عمل في أفريقيا وآسيا في غضون 30 شهراً، إلا أنه لم يشر إلى مصدر معلوماته.
مع اقتراب الانتخابات، وجدت المعارضة في "الفضيحة" فرصة لاتهام حزب القانون والعدالة، الذي يخوض الانتخابات اعتماداً على برنامج مناهض للهجرة، بالنفاق. وقال ميشال شزيربا من حزب المنصة المدنية على قناة TVN التلفزيونية يوم الاثنين (18 أيلول/سبتمبر 2023): "لقد خان حزب القانون والعدالة مُثُله وقيمه، لقد وعد بالأمن، لكنه جلب تهديداً".
تأشيرات شنغن لطاقم فيلم بوليوود مزيف!
ووفقاً لتقارير وردت في منصة Onet الإخبارية وفي صحيفة Gazeta Wyborcza اليومية، سهل نائب وزير الخارجية، بيوتر فاورزيك، إصدار التأشيرات مقابل الرشاوى. ويُتهم نائب الوزير كذلك بممارسة الضغوط على رؤساء القنصليات للإسراع في إصدار التأشيرات لأشخاص بعينهم.
وحسب Onet، تم منح حوالي 36 مواطناً من الهند تأشيرات شنغن دخول متعددة المرات. ويبدو أن المواطنين الهنود تظاهروا بأنهم يعملون في قطاع السينما، في بوليوود. حسب المصدر ذاته، فإن هذه المجموعة أعطت عنواناً لفيلم يعملون عليه. بعد التحقيق في الأمر، ثبت أن "مصمم الرقصات" لا يستطيع الرقص، وأن "فنان الماكياج" لم يعمل أبداً في مجال السينما.
يتم اللجوء لتأشيرات شنغن من طرف المهاجرين لأنها تسمح لحاملها بالسفر داخل منطقة شنغن في أوروبا بأريحية، إضافة إلى المكسيك، التي يمكن العبور منها إلى أمريكا. وحسب منصة Onet دخل 21 شخصاً من أصل 36 في "طاقم الفيلم الهندي" إلى الولايات المتحدة من المكسيك.
الحكومة تتهم المعارضة بالمبالغة!
في البداية، حاولت الحكومة التقليل من شأن التجاوزات والتستر عليه، وقال ياروسلاف كاتشينسكي، زعيم حزب القانون والعدالة، في تجمع انتخابي في تورون، وهو يشن هجومه المضاد على أكبر منافسيه في الانتخابات: "يتحدث تاسك عن مئات الآلاف، هذه كذبة، إنها كذبة كبيرة". وأضاف: "ليس هناك فضيحة، ولا حتى فضيحة صغيرة، مجرد فكرة غبية ذات خلفية إجرامية".
وأعلن وزير العدل زبيغنيو زيوبرو أنه تم فتح التحقيقات في 268 حالة بالضبط، وليس 250 ألف حالة، مضيفاً أن المدعي العام كان يحقق في القنصليات البولندية في الهند والفلبين وسنغافورة وهونغ كونغ وتايوان. وادعى زيوبرو أن المخابرات البولندية هي التي كشفت الفساد، في حين ذهبت وسائل الإعلام البولندية المستقلة أن أجهزة المخابرات الأجنبية، وفي مقدمتها الأمريكية، هي التي حذرت السلطات البولندية.
ومن جهة أخرى، رفض وزير الخارجية زبيغنيو راو دعوات المعارضة له بالاستقالة. وقال في تصريحات صحفية يوم الاثنين (18 أيلول/سبتمبر 2023) في نيويورك: "ليست هناك فضيحة تأشيرات". وأكد أن وزارته أصدرت ما يقرب من 2 مليون تأشيرة، معظمها منح لمواطنين من أوكرانيا وبيلاروسيا، خلال العامين الماضيين. وأضاف أن معظم ما تم مناقشته كان "سلسلة من الأخبار الكاذبة".
تحقيق في جميع القنصليات البولندية!
تظهر القرارات التي اتخذتها الحكومة في 15 أيلول/سبتمبر أنه لا يجري النظر إلى الفضيحة على أنها تجاوز بسيط. فقد تمت إقالة رئيس الدائرة القانونية في وزارة الخارجية، جاكوب أوسايدا، المقرب من نائب الوزير المُقَال، بأثر فوري.
كما تم إطلاق عمليات تحقيق في القسم القنصلي بوزارة الخارجية وفي جميع القنصليات البولندية في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، تم إلغاء جميع العقود المبرمة مع الشركات الخاصة التي عملت كوسيط في شؤون التأشيرات.
ولم تنشر وسائل الإعلام المقربة من حزب القانون والعدالة أي تقارير عن فضيحة المال مقابل التأشيرات. لكن اختارت قناة TVP الوطنية التركيز على الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين وصلوا مؤخراً إلى جزيرة لامبيدوزا.
وفي خرق لجدار الصمت في وسائل الإعلام العمومية في البلاد، ألقى توماش غرودزكي من حزب المنصة المدنية خطاباً مباشراً إلى الأمة على شاشة التلفزيون في وقت الذروة خلال نهاية الأسبوع. وبصفته رئيسا لمجلس الشيوخ قال: "إنها أكبر فضيحة نواجهها في القرن الحادي والعشرين".
وفي اليوم التالي، ردت السياسية من حزب القانون والعدالة ورئيسة مجلس النواب بالبرلمان، إلزبيتا فيتيك، قائلة: "لا يمكن أن تمر الأكاذيب دون رد"، كما هاجمت خلال خطابها التلفزيوني أحزاب المعارضة.
هل تطرد بولندا من فضاء شنغن؟
يشعر بعض البولنديين حالياً بالقلق من احتمال طرد بولندا من منطقة شنغن بسبب فضيحة المال مقابل التأشيرات. وحذر سفير بولندا السابق لدى لاتفيا وأرمينيا، جيرزي ماريك نوفاكوفسكي، من أنه "إذا تم تأكيد هذه المزاعم، فسيتم طرد بولندا من فضاء شنغن".
وفي استطلاع للرأي نشرته يوم الاثنين (18 أيلول/سبتمبر 2023) صحيفة رزيكزبوسبوليتا Rzeczpospolita اليومية، قال 30 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع إن فضيحة التأشيرات ستضر بفرص حزب القانون والعدالة في الانتخابات، في حين قال أقل من 40 بالمئة إن الحزب اليميني الشعبوي سوف يتجاوز الفضيحة.
مهاجر نيوز 2023