بانتخاب آشوك ألكسندر شريداران عمدة للمدينة الاتحادية بون، عاصمة ألمانيا الغربية السابقة ومسقط رأس بيتهوفن، تزاوجت العولمة بروح التسامح، فأعطى الناخبون أصواتهم لعمدة من أب هندي مهاجر وأم ألمانية.
إعلان
يبدو أن ألمانيا تتغير فعلا، فالحلم الذي عبّرت عنه المستشارة انغيلا ميركل بالقول إنّ " ألمانيا أصبحت بلداً يربطه الناس بالأمل" ملمحة إلى التاريخ النازي الذي اقترن بمعسكرات الإبادة والاعتقال، والذي كانت فيه ألمانيا تمثل محطة النهاية الكئيبة لمن يصلها في قطارات الموت النازية، هذا الحلم يقترب من أن يُمسي حقيقة بالتغيير الواضح في المزاج العام. وهذا التغير لم يتجسد في الانفتاح المدهش على قضية قبول اللاجئين القادمين في الغالب من الشرق الأوسط فحسب، بل تجسد بشكل أوضح في انتخابات المدن الألمانية، حيث منح الناخبون في مدينة بون أصواتهم لرجل ألماني ولد في بون لأب هندي وأم ألمانية.
فوز آشوك الكسندر شريداران بمنصب عمدة بون، وإن جاء بأغلبية ضئيلة، إلا أنه غيّر موازين القوى وغيّر المناخ السائد في ألمانيا منذ عقود طويلة، والذي طالما اعتبر أن الألماني من أصل أجنبي لا يصلح لأن يكون ألمانيا ويبقى محتفظا باللقب المهين" آوسلاندر" – وهي كلمة ألمانية تعني أجنبي.
لكن المفارقة الأكبر، هي أنّ شريداران ترشح عن الحزب الديمقراطي المسيحي CDU المحافظ ، وانتزع منصب عمدة المدينة من الحزب الديمقراطي الاشتراكي SPDالذي كان يعتبر المدينة معقلا له.
الإعلام الهندي مهتم بفوز شريداران
الأكثر إثارة في الحدث أن بعض المواقع الهندية نقلته بفخر مشيرة إلى حدث غير مسبوق في تاريخ الإدارة الألمانية.
لكن العمدة الجديد شريداران وفي حديث مع DWأكد أنّ الاهتمام الهندي بفوزه لم يؤثر بأي صورة في حملته الانتخابية وقال "إنّ هذا لم يشغلني ولم أفكر به قط ، ولم يأخذ أي حيز في حملتي الانتخابية".
السيرة الذاتي للعمدة نصف الألماني الأصل تشير الى أنه ولد في بون عام 1965 لأب دبلوماسي هندي وأم ألمانية، وتلقى تعليمه وكبر في العاصمة الألمانية السابقة، حتى بات فعلا "ابن المدينة البار" كما يصف هو نفسه، وربما كان هذا من أسباب فوزه بالانتخابات.
ألمانيا المتعددة - حصيلة 60 عاما من الهجرة
احتلت ألمانيا هذا العام المرتبة الثانية من بين الدول المفضلة لدى المهاجرين. بدأت الهجرة إلى ألمانيا قبل 60 عاما، ويقدم متحف "بيت التاريخ الألماني" في بون معرضا عن تاريخ الهجرة. إليكم بعض أشواط مراحلها.
صورة من: DW/J. Hennig
في سنة 2013 وحدها هاجر أكثر من 1.2 مليون شخص إلى ألمانيا. بدأت الهجرة إلى ألمانيا في خمسينات القرن الماضي حيث قصدها خاصة الباحثون عن العمل، أما أغلب المهاجرين الجدد حاليا فهم من دول الاتحاد الأوروبي.
صورة من: DW/J. Hennig
خلال خمسينات القرن الماضي بدأت "المعجزة الاقتصادية في ألمانيا الغربية" وساهم المهاجرون في سد النقص الحاصل في الأيدي العاملة. قدم أغلبهم بأمتعة قليلة ودون أسرهم.
صورة من: DW/J. Hennig
في الفترة ما بين 1955 و1968 وقعت حكومة ألمانيا على تسع اتفاقيات تعاون مع إيطاليا وإسبانيا واليونان وتركيا والمغرب وجنوب كوريا والبرتغال وتونس ويوغسلافيا، لاستقدام عمال من هذه الدول.
صورة من: DW/J. Hennig
من ضمن شروط القبول للعمل في ألمانيا القيام بإجراء فحوصات طبية تثبت خلو الباحث عن العمل من الأمراض وقدرته على العمل. وتم إجراء الفحوصات الطبية في البلدان الأصلية.
صورة من: DW/J. Hennig
كان المهاجر البرتغالي أرماندو رودريغز دي سا المهاجر رقم مليون عندما وصل إلى محطة قطارات كولونيا – دويتس. فوجئ أرماندو باحتفال استقباله وبدراجة ناريه هدية له. أخذه شعور الخوف من ترحيله للبرتغال عندما سمع إسمه في مكبر الصوت .
صورة من: DW/J. Hennig
بهذه السيارة "فورد ترانزيت" وصل المهاجر التركي صبري غولير إلى ألمانيا قادما من تركيا عن طريق البر. كان المهاجرون الأتراك يفضلون هذه السيارة التي أطلق عليها آنذاك إسم "عربة الأتراك".
صورة من: DW/J. Hennig
في ألمانيا الشرقية بدأت هجرة العمال إليها خلال منتصف ستينيات القرن الماضي ووقعت حكومتها على اتفاقيات مع دول المعسكر الاشتراكي ومع فيتنام لاستقدام عمال لمصانع النسيج والألبسة.
صورة من: DW/J. Hennig
مكث "العمال الضيوف" في ألمانيا واستقدموا عائلاتهم لاحقا للعيش معهم في ألمانيا. انتشرت المطاعم والأطباق الأجنبية مع انتشار المهاجرين الأجانب في ألمانيا، فأصبحت أكلة الشاورما التركية "دونر" من أكثر الأكلات الشعبية مبيعا في البلد.
صورة من: DW/J. Hennig
في سنة 1989 وقبل سقوط الجدار بلغ عدد العمال الأجانب في ألمانيا الشرقية نحو 190 ألف عامل، أما في ألمانيا الغربية فكان عددهم 5 ملايين شخص. وبدأت مخاوف البعض من زيادة أعداد المهاجرين تظهر للعيان وتتصدر عنوانين الصحف والمجلات.
صورة من: DW/J. Hennig
كانت هناك تخوفات أيضا لدى بعض الأجانب من الاندماج في المجتمع الجديد. المخرج التركي الأصل فاتح أكين سلط الضوء على هذه الظاهرة في فلمه "ضد الجدار"، والذي حاز على جائزة "البرليناله" عام 2004.
صورة من: DW/J. Hennig
عام 2011 تم اختيار مواطن من أصل أوغندي أميرا لاحتفالات الكرنفال التقليدية في إحدى الجمعيات، فأصبح بذلك رمزا للاندماج في مدينة آخن وإيقونة ضد أي مظهر عنصري.
صورة من: DW/J. Hennig
11 صورة1 | 11
لكنّ مسيرته إلى منصب العمدة لم تخل من معارضة، فخلال مسار الحملة الانتخابية تلقى تعليقات عدائية على وسائل التواصل الاجتماعي، منها "أن المهاجرين لا يشكلون سوى 25 بالمائة من سكان ألمانيا، ألم يجد الحزب الديمقراطي المسيحي مرشحا ألماني الأصل للمنصب؟"، ولكن شريداران كشف أنه لم يبال بهذه التعليقات ، مؤكدا " أنها لم تكن سوى حفنة من التعليقات بهذا الاتجاه".
ألمانيا خلال السنوات الأخيرة باتت أكثر تسامحا بشكل ملحوظ، فقد تولى فيليب روسلر وهو سياسي ألماني من أصل فيتنامي منصب نائب المستشارة ومنصب وزير الاقتصاد والتكنولوجيا، ثم بات رئيسا للحزب الليبيرالي، كما انتخب كلاوس فوفرايت وهو مثلي معروف عمدة لبرلين، و تولى غيدو فيسترفيله منصب وزير الخارجية مع أنه كان مثليا ويعيش مع مثلي آخر بشكل علني.